#########

أخبار وآراء

سوريون يفرّون إلى لبنان


"كلفتني الرحلة 550 دولاراً أميركياً، والمبلغ ليس قليلاً لشخص مثلي لديه عائلة ومحاصر منذ أربع سنوات. ولولا مساعدة عائلتي وبعض الأصدقاء لما كنت استطعت الخروج من البلد"

17 / كانون الثاني / يناير / 2019


سوريون يفرّون إلى لبنان

 

 

*المصدر: ريان محمد _ العربي الجديد 

 

 

لجأ شبان سوريّون، خلال الحرب العالمية الأولى وحملة التجنيد الإجباري التركية المعروفة بـ “سفربرلك”، إلى الجبال أو الهجرة من بلدانهم، هرباً من حرب مات فيها كثيرون من دون أن يعلموا لماذا يقاتلون أو يُقتلون، حال الكثير من الشبان اليوم. هؤلاء أيضاً يعانون، وقد عرفوا الرعب من جراء الملاحقة والحصار الذي يتعرضون له، للالتحاق بالقوات النظامية.

لم تكن “سفربرلك” حملة تجنيد وسخرة فقط، بل كانت أيضاً حملة تجويع وتضييق على الأهالي، لإنهاء روح المقاومة لديهم، وإجبارهم على حمل السلاح. ويقول ناشطون إن “سفربرلك” لا تختلف عما يعيشه الشبان السوريون اليوم، إذ يحاصرهم النظام ويطردهم من أعمالهم، حتى يكون الرضوخ والقتال لمصلحته خيارهم الوحيد.

ويقول الناشط الإعلامي عثمان أبو طلال، الفارّ من ريف حمص الشمالي إلى لبنان، لـ “العربي الجديد”: “حدث في ريف حمص الشمالي اتفاق بين المعارضة والنظام بضمانة روسية، على ألّا يتم سحب الشبان إلى الخدمة العسكرية سواء الإلزامية أو الاحتياطية. لكن النظام أخلّ بهذا البند، ودعا الشبان ما بين 18 و42 عاماً للالتحاق بقواته عبر أقرب شعبة تجنيد، ما دفعهم للبحث عن مهرب. توجهوا إلى لبنان، أمل أن يجدوا عملاً في ظل البطالة المتفشية في ريف حمص الشمالي. يضاف إلى ذلك أن النظام وضع نقاط تفتيش في المنطقة، وبدأ يعتقل الشبان على نطاق واسع”.

ويلفت إلى أنّ “الرحلة من ريف حمص إلى لبنان تستغرق ما بين 6 إلى 12 ساعة، يجتاز عبرها العديد من حواجز مليشيات الشبيحة والقوات النظامية. وتتراوح الكلفة المادّية للشخص الواحد ما بين 600 إلى ألف دولار أميركي”. ويوضح أنّ “العملية تتمّ عبر وسطاء يستفيدون من الفساد المستشري في النظام. الرشوة تشتري الحواجز”.

ويبيّن أنّ “واقع حياة الشبان السوريّين الذين يصلون إلى لبنان بشكل غير قانوني سيئ. غالبيّة الشبان لا يملكون أوراقاً ثبوتية، أو أوراق إقامة، ما يجعلهم معرضين للاعتقال في أي لحظة في لبنان”. ويلفت إلى أن “هناك معاناة إضافية في لبنان تتمثّل في عدم توفر فرص عمل بسبب ارتفاع أعداد الشبان والعائلات الذين وصلوا إلى لبنان، فيما تعدّ تكاليف المعيشة مرتفعة جداً. البيت، الذي يكون عبارة عن مخزن ومطبخ ومرحاض لا يقل بدل إيجاره عن 150 دولاراً. وهناك منازل تتراوح بدلات إيجارها ما بين 500 و600 دولار”.

ويوضح أبو طلال، أنّ “الشبان الذين يصلون إلى لبنان، إما يأتون برفقة عائلاتهم وإما يتجمعون في منزل واحد لتخفيف التكاليف. والذي يجد عملاً، يكون أجره بخساً جداً بالكاد يسدّ رمقه. استغلال السوريّين بسبب أوضاعهم يحصل كثيراً”. ويذكر أن “السوريين يحاولون الحصول على كفالة تتيح لهم تأمين إقامة، وتصل كلفتها إلى نحو 400 دولار أميركي، ويكون الكفيل شخصاً لبنانياً. البعض تحوّل إلى سمسار كفالات، ما قد يتطلب من الشبان دفع نحو ألف دولار”.

من جهته، يقول عماد وهو شاب متزوج ولديه ثلاثة أبناء، وينحدر من محافظة السويداء: “لم يعد أمامي، حالي حال الكثير من شبان المحافظة، أي خيار. نحن محاصرون منذ سنوات بحجة امتناعنا عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، في حين يتدهور وضعنا الاقتصادي يوماً بعد آخر، وقد قلّت فرص العمل. اليوم، يهدد النظام المحافظة باستدعاء الشبان إلى الحرب بالقوة على غرار سفربرلك، ما جعل البقاء في البلد خطيراً”.

يتابع عماد: “فكرة الخروج من سورية كانت حتمية، وعرفت أن الكثير من الشبان قد سبقوني وأصبحوا في لبنان، منهم أصدقاء لي. بالفعل، حزمت حقيبتي وتوجهت إلى لبنان. لم يسألني أحد من أكون أو عن بطاقتي الشخصية، ودخلت الأراضي اللبنانية ووصلت إلى المنطقة التي أريد. كنت أشعر بالقلق طوال الرحلة. وكلّما وصلت إلى حاجز أمني، قلت: هنا سأعتقل فأرسل لزوجتي رسالة عن مكاني. وبعد أن أجتازه، أرسل لها رسالة أخرى. معرفة مكان الحاجز تساعد في معرفة الجهة المسؤولة عن الاعتقال”.

يضيف: “كلفتني الرحلة 550 دولاراً أميركياً، والمبلغ ليس قليلاً لشخص مثلي لديه عائلة ومحاصر منذ أربع سنوات. ولولا مساعدة عائلتي وبعض الأصدقاء لما كنت استطعت الخروج من البلد”.

من جهته، يقول زياد وهو شاب عشريني وصل مؤخراً إلى بيروت قادماً من السويداء: “خسرت جامعتي بسبب رسوبي في مادّة واحدة أكثر من مرة. قرّرت ألّا أخسر حياتي بعدما استدعيت إلى الخدمة العسكرية، وقررت الدخول إلى لبنان بطريقة غير قانونية، لأن النظام يمنع المطلوبين للخدمة من السفر، وقد كلّفتني الرحلة 400 دولار أميركي”. يتابع: “اليوم، أتقاضى 500 دولار أميركي. لكنّ الطعام والمنامة مؤمنان، وليس لدي مصاريف إضافية، باستثناء 200 دولار أرسلها شهرياً لعائلتي. الحياة في سورية أصبحت مكلفة، وهذا المبلغ يساعد أبي على تأمين حاجات عائلتي”.

يضيف: “لا أعتقد أنني سأعود إلى سورية أبداً. الشاب مهدّد أن يعتقل في أي وقت ويساق إلى الحرب، والنظام مخادع ولا يمكن الوثوق به. مؤخراً، ألغيت دعوة 800 ألف شاب للخدمة الاحتياطية، وبعد أيام قليلة طلبوا مجدداً”.

 

يشار إلى أن النظام يشن حملات اعتقال واسعة بحق الشبان لزجّهم في الخدمة العسكرية، وذلك في المناطق التي خضعت لسيطرته خلال العام الماضي، مثل ريف حمص الشمالي ودرعا والقنيطرة والغوطة الشرقية وبلدات القلمون، في حين تمارس ضغوط كبيرة على أهالي محافظة السويداء لدفع أبنائهم الرافضين الخدمة العسكرية إلى الالتحاق بها، ويقدر عددهم بأكثر من 40 ألف شاب”.

 

المادة من المصدر ⇐ هنا 

.

.