#########

بيانات وتقارير

تزوير الوثائق الرسمية ودور الموظفين بدوائر النظام


يستعين السماسرة بالترويج لعروضهم وخدماتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من المال، بينما يؤكد أحمد أن هؤلاء باتوا يجنون أموالاً ضخمة فما بالك بقيمة المردود الذي يتقاضاه موظفون لقاء إنجاز المعاملات الرسمية

18 / نيسان / أبريل / 2019


تزوير الوثائق الرسمية ودور الموظفين بدوائر النظام

 

 

 

*فراس العلي – مع العدالة  

 

انتشرت عمليات تزوير الوثائق الرسمية بشكل كبير خلال السنوات الخمس الماضية في سورية خاصة بعد موجات اللجوء التي حصلت وأدت إلى استحالة الحصول على وثائق رسمية لازمة للعديد من السوريين بسبب مواقفهم من النظام أو استحالة وصولهم للدوائر الحكومية في سورية.

ومع بدء انتشار أزمة تحصيل الأوراق الرسمية ظهرت فئة من الموظفين والسماسرة مشكلين “مافيات” تعمل في مجال تحصيل الأوراق الرسمية مقابل مبالغ مالية هائلة، لكن سرعان ما تطور الأمر إلى تزوير وتحوير محتوى الوثائق بشكل يتناسب مع ما طلبه المراجع أو مقدم الطلب وهنا بدأت عمليات التزوير تنتشر بشكل واسع.

ورغم أن جرائم التزوير منتشرة وعلى العلن، إلا أن نظام الأسد لم يحرك ساكناً من أجل محاربة هذه الظاهرة مع أن جميع السلطات بيده وبمقدوره أن يمنعها، لكن يقول مراد وهو أحد السوريين المطلعين: “عمليات التزوير والوساطات والمحسوبيات كلها أفعال منتشرة بسبب النظام وكانت موجودة قبل الثورة، نعرف أن موظف التجنيد لن يوقع على معاملة ما حتى يتقاضى مالاً أو هدية ومثله موجود في دوائر النفوس والدوائر الزراعية والعقارية وحتى المحاكم”.

ويتابع، لكن ما جعل هذه الظاهرة تنتشر وتتجاوز الممنوع هو ظهور أزمة كبيرة لدى الكثير من السوريين تتجسد بتحصيل أوراق رسمية مطلوبة منهم في الخارج من أجل تسجيل ما، أعتقد أن ذلك هو السبب الذي خلق عصابات على هيئة موظفين يزورون الوثائق مقابل المال.

 

 

ويتقاضى موظفو الدوائر الحكومية لدى نظام الأسد مبالغ طائلة مقابل كل معاملة ينجزونها، فيما تختلف القيمة حسب طبيعة المعاملة وأهميتها بالنسبة لمقدم الطلب بالإضافة لاعتبار طلبها قانوني أم غير قانوني.

ورغم اعتراف النظام عبر فروعه الأمنية بوجود عصابات تتعامل مع موظفين وتعمل في مجال “تزوير الوثائق الرسمية” إلا أن الإحصائيات التي نشرتها لا تمثل إلا نسبة قليلة جداً من عدد جرائم التزوير المنتشرة في مناطق النظام.

 

وفق القانون

يجرم القانون السوري جميع الأشخاص الذين يرتكبون جرم “تزوير الأوراق الرسمية” ويعاقب عليه بالأشغال الشاقة المؤقتة، حسب المادة 448 من قانون العقوبات، بينما تنص المادة 151 بمعاقبة كل شخص بذات العقوبة عند إبراز وثائق مزورة أو كاذبة أو محرفة أو منظمة بطريقة تخالف الحقيقة وهو عالم بذلك، أما المادة 152 فقد نصت على “يعاقب بالحسب من شهر إلى سنتين كل من أبرز هوية كاذبة بهدف الحصول على جواز سفر أو بطاقة تسهيل مرور”.

ويعاقب الموظف الذي ينظم سنداً من اختصاصه فيحدث تشويهاً في موضوعه أو ظروفه بالأشغال الشاقة المؤقتة لخمس سنوات على الأقل، وتطبق العقوبة في حالات أخرى مثل إساءته استعمال إمضاء على بياض أؤتمن عليه أو تدوين مقاولات أو أقوال غير تلك التي صدرت عن المتعاقدين أو إثبات وقائع كاذبة على أنها صحيحة أو وقائع غير معترف فيها على أنها معترف بها أو تحريف وقائع بإغفال أمر أو إيراده على وجه غير صحيح.

 

 

ورغم ورود هذه المواد المجرمة لأفعال التزوير والتي ترتكب كل يوم إلا أن هناك العديد من الموظفين في دوائر حكومية مختلفة لديهم يد في تزوير أوراق رسمية مقابل تقاضي المال.

ويرى حقوقيون أن القوانين السورية لو تطبق على أرض الواقع لما رأينا جرائم التزوير وغيرها منتشرة بشكل واسع، فالأساس من قوانين العقوبات هو الردع العام، وهذا ما لم يطبق في سورية خاصة أن الكثير من الجرائم للموظفين وعناصر الأمن لدى النظام دور أساسي في ارتكابها.

وحسب شهادات من معقبي معاملات فإن الموظفين في الدوائر الحكومية يأخذون على الدوام النسبة الأكبر من المبلغ المطلوب لإنجاز معاملة ما مستغلين بذلك منصبهم الوظيفي الذي يخولهم منح أو منع إنجاز المعاملة.

 

قصص لمعقبي معاملات

أثناء إعداد المادة، تواصلنا مع عدد من مسيري المعاملات الذين يعملون في مجال تحصيل الأوراق الرسمية سواء بطرق قانونية أو غير قانونية ويتعاملون مع موظفين بدوائر حكومية.

ويقول شاكر وهو أحد معقبي المعاملات، إنه يمكنه أن يستخرج جواز سفر لأي مواطن سوري ولو كان معارض أو منشق مقابل دفع مبلغ يعادل 2000 دولار أمريكي ومن دون أن يذهب المراجع لدائرة الهجرة والجوازات، مؤكداً أن لديه موظفين بالدائرة يتعامل معهم ومن أجل نيل ثقة العميل فلا يطلب المبلغ إلا بعد انتهاء المعاملة وتحصيل الجواز.

ويضيف، أن هناك الكثير من الخدمات الموجودة لديه مثل تسجيل قيد نفوس واستخراج دفتر عائلة وشهادة وفاة أو ميلاد وسند إقامة ولا حكم عليه وما إلى ذلك من وثائق يحتاجها العديد من السوريين غير المقيمين بمناطق النظام، ويمكن استخراجها سواء بطرق قانونية أو غير قانونية لكن يختلف المقابل المادي لكل معاملة بالإضافة لاعتبار طبيعتها.

من جانبه، يقول أحمد وهو طالب جامعي كان يدرس بجامعة حلب، إنه حاول التواصل مع عدد من معقبي المعاملات من أجل استخراج كشف علامات له لكن فوجئ بالعروض التي قدمت له، فأحد معقبي المعاملات عرض عليه تحصيل شهادة جامعية وإنجاح المواد التي لم يجتازها مقابل 1500 دولار.

ويتابع، تزوير الوثائق الرسمية بات في كل مكان لكن علينا نحن السوريين ألا نتعامل مع هؤلاء، بهذه الطريقة يمكن أن نقلل من حجم الكارثة التي قد تؤثر على أجيال كاملة في المستقبل.

 

 

ويستعين السماسرة بالترويج لعروضهم وخدماتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من المال، بينما يؤكد أحمد أن هؤلاء باتوا يجنون أموالاً ضخمة فما بالك بقيمة المردود الذي يتقاضاه موظفون لقاء إنجاز المعاملات الرسمية.

 

نظام الأسد شريك في ذلك

لا يخفى على أحد عمليات التزوير بالجملة لوثائق رسمية قام بها نظام الأسد في عدد من المدن السورية تماشياً مع مصالحه ومصالح الدول الحليفة له مثل روسيا وإيران.

ولم يكتفِ النظام بمنح الجنسية للعديد من الإيرانيين من أجل توطينهم في سورية وتوزيع نفوسهم في عموم سورية، بل امتدت انتهاكاته إلى تجريد العديد من المهجرين على يده من عقاراتهم في ريف دمشق وحلب وعدد من المناطق الأخرى، بالتزامن مع ظهور شبكات تزوير وثائق رسمية شارك فيها قضاة ومحامون لدى النظام وتقاضوا ملايين الليرات مقابل أعمال التزوير.

ويتبع المزورون عدد من الوسائل غير القانونية من أجل نقل ملكيات عقارية دون علم أصحابها لصالح أشخاص آخرين ومن ثم بيعها، وتحصل إما عن طريق تزوير وكالة لمحامٍ أو زرع اسم مالك العقار بدائرة النفوس وبيع العقار دون علم صاحبه الحقيقي.

وتقول تقارير، إن هناك حوالي 2300 دعوى قضائية يطالب المدعون من خلالها باستعادة ممتلكاتهم التي تعرضت للتزوير خلال سنة واحدة، بينما تدخل هذه الدعاوى ضمن شكليات المحاكم وتعرقلها عدد من الوساطات والمحسوبيات المنتشرة بدور المحاكم السورية.

ولا تتوفر إحصائيات عامة تؤكد عدد عمليات التزوير التي حصلت في ظل حكم نظام الأسد لكن يمكن القول إنها تعادل عشرات آلاف عمليات التزوير التي لا يوجد رادع حقيقي لها خاصة أن مرتكبيها هم أشخاص لهم مثل ما للنظام مصلحة متبادلة ببقائهم وبقائه.

ويبدو أن ملف تزوير الوثائق الرسمية المنتشر في عموم سورية من أصعب الملفات التي ستواجه الهيئات الحقوقية في المستقبل، بينما ستكتظ المحاكم السورية ذاك الوقت بالدعاوى القضائية المتعلقة بالتزوير.

 

المزيد للكاتب