#########

بيانات وتقارير

المونيتور: هل تقف روسيا وراء إصلاح الأجهزة الأمنية السورية؟


في خريف عام 2018، حدثت تغييرات عديدة في هياكل الحكومة والمخابرات العسكرية. ومع ذلك، في ذلك الوقت، لم يمتنع النظام عن تعيين أفراد هم في قوائم العقوبات، مما يدحض أي تكهنات حول محاولاته لاستعادة مكانه أمام المجتمع الدولي

13 / تموز / يوليو / 2019


المونيتور: هل تقف روسيا وراء إصلاح الأجهزة الأمنية السورية؟

 

 

*ترجمة: مع العدالة 

 

نشر موقع “المونيتور-Al Monitor” الأمريكي تقريراً حول التغييرات الأخيرة داخل أجهزة الأمن السورية، التي طالت كبار الضبّاط والمسؤولين الأمنيين في نظام الأسد، أبرزهم اللواء “جميل الحسن” الذي كان يشغل منصب رئيس المخابرات الجوية السورية، و”علي مملوك”  رئيس مكتب الأمن القومي سابقاً. 

وجاء في التقرير أن التعيينات والتغييرات الأخيرة في المستويات العليا للمؤسسات العسكرية والأمنية السورية اعتُبرت نتيجة للضغط العسكري الروسي على دمشق. ومن المرجح أن تسعى موسكو بالفعل إلى تحويل المؤسسات الأمنية السورية وإلى تقليص النفوذ الإيراني في البلاد.

وبحسب التقرير أنه لا ينبغي المبالغة في تقدير الدور الفعلي لروسيا. فغالباً ما تعزى هذه التغييرات المتعلقة بالموظفين إلى جهود النظام السوري لإعادة توزيع السلطة، وربما للحصول على فوائد من الجهات الفاعلة الأجنبية وسط خلافات بين حلفاء دمشق.

وبشكل مفصّل يتطرّق التقرير إلى نقاط مهمّة لم تتضح في وسائل الإعلام، حيث جاء أن هذا التغيير “الدراماتيكي” الأخير في 7 تموز/يوليو، قد حصل بالفعل، على الرغم من أن وسائل الإعلام الموالية لبشار الأسد لم تؤكد ذلك. وقد تم تعيين اللواء علي مملوك، وهو “سني” ورئيس مكتب الأمن القومي، نائباً للرئيس للشؤون الأمنية. واستقال من منصبه مسؤول آخر ذو نفوذ، هو اللواء جميل حسن، وهو “علوي” ورئيس مديرية استخبارات القوات الجوية.

وكلا الرجلين على قائمة العقوبات الأمريكية. وعلاوة على ذلك، يعتبر كلاهما أي معارضة ضد النظام غير مقبولة. ومع ذلك، فإن وضع “مملوك” مختلف قليلاً. ووفقا ً لمصادر عديدة، وعلى الرغم من العقوبات، سافر “مملوك” مراراً وتكراراً إلى الخارج لإجراء مفاوضات، إلى (أوروبا والمملكة العربية السعودية وعمان ومصر وتركيا). وإضافةً إلى ذلك، في يونيو/حزيران 2018، شارك في حوار مع الاستخبارات الأمريكية. وقد اكتسب مملوك سمعة لقدرته على المناورة بين مختلف مراكز القوى، على الرغم من أن تعيينه المزعوم مؤخراً قد يفسّر بطرق مختلفة.

فمن ناحية، تتاح (للأسد) فرصة تعيين النائب الثاني للرئيس والعودة إلى الوضع الذي كان عليه قبل الحرب، عندما كان نائب الرئيس الحالي “نجاح العطار”، 86 عاماً، برفقة السياسي فاروق الشرع، الذي لمّا يزل بعيداً عن الأنظار. ومن ناحية أخرى، تمت مناقشة تعيين “مملوك” لفترة من الوقت. وهنا، فإن المسألة الرئيسة هي قدرة “مملوك” أن يحافظ على مستواه السابق من السلطة في المكتب الجديد، الذي لا يملك هيكلاً إدارياً واسعاً.

 

اجتماع “أبطال المقاومة” مع العدو الإسرائيلي

بحسب ما يُزعم أن “جميل حسن” ترك مركز الأمن الأعلى، الذي كان يشغله منذ عام 2009، بعد أيام قليلة من تمديد فترة ولايته لمدة عام. وقد دفعت هذه التفاصيل الخاصة مراقبي الوضع السوري إلى افتراض أن السبب الفعلي لاستقالة “حسن” لا علاقة له بالقضايا الصحية المزعومة. بل إنها ترتبط بالعلاقات بين سورية وإيران و (إسرائيل). وزعمت مصادر لبنانية أن “جميل حسن” تلقى العلاج في أوائل عام 2019 داخل مستشفى يسيطر عليه «حزب الله». غير أن بعض التقارير ادعت أن الفرع اللبناني للإنتربول تلقى طلباً باعتقاله. وتربط هذه المصادر نفسها استقالة “حسن” بنتائج المفاوضات التي استمرت أربع ساعات بين الضباط الإسرائيليين والقادة الأمنيين السوريين، بوساطة روسيا، خلال أواخر حزيران/يونيو في القنيطرة.

حيث حضر الاجتماع من الطرف السوري قادة الفيلق الخامس، الذي تم تشكيله في عام 2016 بمشاركة من المشرفين العسكريين الروس. ويضم الفيلق جماعات (ثائرة) سابقة، وهم ممن أقدموا على تسوية أوضاعهم مع النظام السوري، ويطلق عليهم “جماعة المصالحات”. ويقال إن الممثلين الإسرائيليين طالبوا بإدماج الفيلق الخامس في القوات الحكومية السورية من أجل تحقيق الاستقرار في الهياكل العسكرية. وطلبت (إسرائيل) كذلك نقل الميليشيات الموالية لإيران بعيداً عن الحدود. والقصة تشير إلى أن “جميل حسن” لم يرفض فقط الاقتراحات الإسرائيلية، التي أيدها القادة الروس، بل انسحب من الاجتماع، واصفاً إيران بأنها “الشريك الحقيقي للسوريين”. وأدّى عجز (القائد) عن التوصل إلى حل وسط في نهاية المطاف إلى فشل المفاوضات.

 

ضغوط روسية على “الأسد” أم سيطرة؟ 

عن التغييرات الأخرى التي طالت مسؤولين في مراكز بارزة ضمن هيكلية النظام الأمنية، يضيف التقرير أنها أثرت على رؤساء إدارة المخابرات العامة، ومديرية الأمن الجنائي، ومديرية الأمن السياسي. حيث صرّح “تشارلز ليستر-Charles Lister”، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط، أن القادة الجدد للهياكل الأمنية السورية لم يثبتوا أن لديهم اتصالات وثيقة مع إيران. علاوة على ذلك، فإن هؤلاء المسؤولين يتعاونون عن كثب مع الجيش الروسي.

والسؤال المطروح هو ما إذا كانت التعيينات ناجمة عن الضغط الروسي والجهود ذات الصلة لتغيير الجهاز الأمني السوري. وعلى الرغم من أن روسيا مهتمة بأن تكون حكماً، إلا أن “الأسد” ومسؤوليه يحاولون الاستفادة من هذه النية. ولفترة من الوقت، يُنظر إلى موسكو على أنها تحاول السيطرة على هيئة الأركان العامة السورية ومديرية المخابرات العامة. حيث زعمت الصحافة الإقليمية أن الروس شاركوا في تغيير بعض المسؤولين في حزيران/يونيو، مثل تعيين اللواء “أكرم محمد” في منصب نائب مدير مديرية المخابرات العامة؛ وتعيين اللواء “قيس رجب” رئيساً لإدارة أمن الدولة في طرطوس؛ والعميد “غسان العلي” رئيساً لدائرة أمن الدولة في الحسكة.

ووفقاً لبعض التقارير الإعلامية، اقترح الجانب الروسي إنشاء لجنة تفتيش في الجيش السوري “للحد من الفساد”. ومن الجدير بالذكر أن كل هذه التحولات المكثفة في الأفراد بدأت عندما استعادت “دمشق” السيطرة على معظم الأراضي السورية. وبحسب التقرير، يناقش الضباط العسكريون السوريون بنشاط الحاجة إلى “تشكيل قوات الأمن والقوات المسلحة”، ومع ذلك فإن فكرة “الإصلاح” لا تزال تعتبر غير مقبولة.

وعلى سبيل المثال، في خريف عام 2018، حدثت تغييرات عديدة في هياكل الحكومة والمخابرات العسكرية. ومع ذلك، في ذلك الوقت، لم يمتنع النظام عن تعيين أفراد هم في قوائم العقوبات، مما يدحض أي تكهنات حول محاولاته لاستعادة مكانه أمام المجتمع الدولي.

 

إصلاحات وهمية: استبدال أدوار المجرمين 

إن تعديل الهيكل الأمني الحالي هو في الأساس جزء من حزمة (إصلاحات)، ترتبط، من بين مسائل أخرى، بالتغييرات المعلنة سابقاً في الحرس الجمهوري وفرق العمل الخاصة. وعلى وجه الخصوص، فإن اللواء “ناصر العلي”، الرئيس الجديد لمديرية الأمن السياسي، هو أصلا ً من منبج. وهذا يعني أنه على دراية بالأكراد والمجتمعات القبلية المحلية، بما في ذلك أولئك الذين يعيشون على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وهي منطقة تقع خارج سيطرة (الأسد).

وكما قال مصدر مطلع على عمل المشرفين العسكريين الروس في سورية لـ “المونيتور-Al Monitor” إن موسكو تسعى جاهدة إلى أن تكون وسيطاً وتستغل الحاجة إلى (كبح جماح إيران) كتكتيك تفاوضي. وربما يعني ذلك السماح بضم قوات المعارضة إلى الفيلق الخامس. في الواقع، ومع ذلك، فإن روسيا لا تؤثر بشكل مباشر على تغييرات المسؤولين.

ويضيف المصدر ذاته، الذي وصف (الأسد) بأنه “سياسي عنيد” يحاول تحقيق التوازن بين مصالح طهران وموسكو، أن “بشار الأسد” يستفيد من كليهما.  وقال “إن الصراع بين ما يسمى بالأحزاب الموالية لإيران والمؤيدة لروسيا يؤثر على التعيينات إلى حد ما، لكنه لا يرتبط بها مباشرة،” ويكمل: “غالباً ما يؤخذ تنوع المصالح في الاعتبار ضمن الخلافات وإعادة توزيع السلطة داخل النظام الإداري – حيث يتم استخدامه كعامل لتحقيق المصالح الخاصة للأسد وشركائه”.

 

تطهير أجهزة النظام من الرموز القديمة

في الوقت نفسه، ترتبط (استقالة) “جميل حسن” بالديناميكيات المتغيرة للسياسة الإقليمية. وفي سياق مفاوضات دمشق مع دول الخليج، كان على النظام التخلص من المسؤول “القاتل”.حيث قال مصدر آخر على صلة وثيقة بالدوائر الدبلوماسية الروسية “للمونيتور” إن محاولات روسيا أن تصبح حكماً تجعلها مهتمة حقاً بتطهير موظفي القوات المسلحة السورية والهياكل الأمنية. فالفساد المستشري بين القادة وسوء الانضباط يقوض القدرات المهنية والقتالية للقوات المسلحة.

 

في عام 2018، أنهت الأكاديمية الروسية للأركان العامة تدريب المجموعة الأولى من الضباط السوريين رفيعي المستوى. ومن الواضح أن روسيا تواصل توفير برامج تدريبية للأفراد العسكريين السوريين. وما زال أفراد الاستخبارات العسكرية الروسية يوفرون الأمن للعميد “سهيل الحسن”، ويستمر المدربون بتدريب جنود جدد لصالح “قوات النمر”.

وكما ذكرت “المونيتور” سابقاً، فقد استخدمت هذه القوات لإنشاء منطقة عازلة حول إدلب في محاولة للحدّ من عدد الجماعات الموالية لإيران ودور الفرقة الرابعة التي يقودها “ماهر الأسد”، شقيق (الرئيس). في الوقت نفسه، تسبب هذا الإجراء في وقوع إصابات بين “قوات النمر” والفيلق الخامس، مما كشف عن أوجه القصور في كفاءتها القتالية.

ويختم التقرير بتصريح المصدر الدبلوماسي إنه: “لمعرفة مدى قدرة روسيا الفعلية على التأثير في سياسة شؤون المسؤولين، ينبغي للمرء على الأقل أن يتذكر مدى صعوبة إقناع موسكو بالموافقة على قائمة أعضاء اللجنة الدستورية”. “ومع ذلك، فإن النظام يفهم بوضوح أنه على عكس إيران، فإن روسيا قادرة فعلياً على المساعدة في التدريب المتقدم للجنود وتساعد على التحديث العام للهياكل العسكرية والأمنية”.

 

 

المادة من المصدر