#########

أبحاث

العفو العام فخ قاتل


ألحق النظام المراسيم السابقة بمرسوم العفو الخامس والذي كان عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 16 نيسان 2013. ونص على أن "تستبدل عقوبة الإعدام بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، وعقوبة الأشغال المؤبدة بعقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة 20 عاماً"

17 / كانون أول / ديسمبر / 2018


العفو العام فخ قاتل

 

 

 

*سائد الشخلها

 

كثرت في الآونة الأخيرة الأقاويل حول العفو العام الذي أصدره رأس النظام السوري، والذي فسر بأكثر من طريقة، ففي حين كانت تفسيرات المتفائلين تتركز حول رغبة النظام بكسب التأييد الشعبي، ذهب آخرون لتفسير هذه الإعفاءات بفخاخ يضعها النظام للإيقاع بالشباب السوري وجرهم لساحة الصراع القائمة في سورية.

لم تذكر الدساتير السورية السابقة صراحة من المخوّل بإصدار العفو العام، ولكنه ذكر في المادة الخامسة والسبعين دور مجلس الشعب في إقرار ذاك العفو، في حين عرفته المواد 147-150 من قانون العقوبات السوري العام الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /148/ لعام 1949 وتعديلاته على أنه “مرسوم يصدر عن رئيس الجمهورية ويقره مجلس الشعب فيشمل جريمة أو عدداً من الجرائم ويكون من شأنه محو الصفة الجرمية عنها أو يشمل عقوبة بعينها فيسقطها أو يخفض منها” ولكن تم تلافي هذا الخطأ في نسخة الدستور المقرة عام 2012 في المادة 75، بتهميش واضح لدور السلطة التشريعية في أمر مهم كالعفو العام، ليشمل دور أهم السلطات بإقرار العفو دون القدرة حتى على اقتراحه أو تعديل مواده.

 

مصائد

بعد تفجر الثورة السورية، صدر أول عفو والذي حمل الرقم 61 وقضى بمنح عفو عام عن بعض الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 31 أيار 2011، وهو أول مرسوم عفو بهذا الحجم منذ العام 1985، وقد شمل مختلف الجرائم السياسية، والمنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين والجماعات الجهادية، ونصف العقوبة في الجنايات، وربع العقوبة في الجرائم الاقتصادية، كما شمل أيضاً كامل العقوبة في جرائم الشيك بدون رصيد وكذلك جرائم النصب والاحتيال، وجرائم التهريب، واستثنت مواد المرسوم الجرائم المتعلقة “بعدم تنفيذ أو إطاعة الأوامر العسكرية والعصيان، والعسكريين الذين يفقدون أسلحتهم، والعسكريين الذين ينتمون أو يؤسسون جمعيات دولية” كما استثنى المدنيين الذين يقومون “بسرقة أشياء عائدة للجيش وإتلاف المعدّات التابعة له” وجاء ذلك لتطويق حالات الانشقاق التي بدأت تظهر في صفوف قوات النظام. وكذلك استثنى العفو من المواد التي تتعلق بـ “المؤامرات والاقتتال الطائفي وصنع المتفجرات المواد الحارقة أو السامة، أو القيام بأعمال تخريب وتشكيل عصابات مسلحة، أو إنشاء جمعيات بقصد تغيير كيان الدولة السياسي والاجتماعي عن طريق الأعمال الإرهابية” وهي التهمة التي وجهت لجميع السياسيين الذين ألقى النظام القبض عليهم خلال السنوات العشر التي سبقت الثورة.

 

تكفل هذ المرسوم بإخراج المجرمين واللصوص من السجون، وإغراق مناطق المعارضة بكم كبير من المتطرفين الذين أدوا في النهاية لخلق كل التنظيمات المتطرفة كجبهة النصرة وداعش، وخلق تيار ينزح للحل العسكري، وإبقاء السجناء السياسيين وأصحاب الفكر الديمقراطي النقي في غياهب سجون النظام.

 

وبعد أقل من شهر في ذات العام أصدر “الأسد” المرسوم الثاني رقم 72، وشمل عفواً عن بعض الجرائم الجنائية المرتكبة قبل تاريخ 20 حزيران 2011، وأهمها جرائم التهريب ما عدا الأسلحة والمخدرات، وتضمن عفواً عن كامل العقوبة بالنسبة لمتعاطي المخدرات، وجميع الجرائم الجنحية الواردة في قانون المخدرات والسرقة البسيطة والاحتيال، باستكمال واضح لخطة إفراغ السجون من الجنائيين، والمتعاطين وإغراق الشارع السوري بهم وخلق نوع من أنواع الفوضى في صفوف المجتمع السوري.

وفي كانون الثاني 2012 أصدر المرسوم رقم 10، والقاضي بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة على خلفية الأحداث التي وقعت منذ تاريخ 15 آذار 2011 وحتى تاريخ صدوره وكان العفو خاصاً بما أسماه النظام “الجرائم التي تتعلق بنشر دعاوى ترمي لإضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية والمذهبية” في ضياع واضح للبوصلة القانونية لهذا العفو وضبابية تجعل منه الأسوأ بين الإعفاءات التي صدرت قبله وبعده.

كما شمل عفواً عن كامل العقوبة لكل من اعتقل على خلفية المظاهرات غير المرخصة المخالفة لنص قانون التظاهر السلمي، وكامل العقوبة بالنسبة لجرائم حمل وحيازة الأسلحة والذخائر بدون ترخيص، إذا بادر صاحبها إلى تسليمها للسلطات خلال مدة محددة، وشمل حالات الفرار من الخدمة العسكرية الداخلية والخارجية بشرط أن يسلموا أنفسهم خلال مدة معينة، ولكن الناشطين سجلوا مئات حالات الاعتقال لأشخاص سلموا أنفسهم كما أن النظام لم يخرج سوى مئات المعتقلين في نسف كامل لهذا العفو وخروج واضح على النص القانوني فيه.

 

أما المرسوم التشريعي رقم 71 لعام 2012، والقاضي بالعفو العام عن الجرائم المرتكبة قبل تشرين أول 2012، مستثنياً الجرائم التي تتعلق بـ “الإرهاب”. ورغم زعم النظام على لسان وزير عدله أن “المرسوم يشمل الغالبية العظمى من الجرائم بأنواعها المختلفة، وبدرجات متفاوتة، بدءاً بأشد الجنايات المعاقب عليها بالإعدام، وانتهاء بالمخالفات البسيطة كما شمل تدابير الإصلاح والرعاية للأحداث في الجنح”. وشمل “جرائم حمل وحيازة الأسلحة بشكل غير مشروع، وجرائم الفرار الداخلي والخارجي” إلا أن حقيقة هذا العفو كان مدنياً، ولا يشمل معتقلي الحراك السياسي والثوري، ما يجعله بلا أي قيمة تذكر.

ألحق النظام المراسيم السابقة بمرسوم العفو الخامس والذي كان عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 16 نيسان 2013. ونص على أن “تستبدل عقوبة الإعدام بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، وعقوبة الأشغال المؤبدة بعقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة 20 عاماً”، فيما يستثنى من أحكام المرسوم “جرائم تهريب الأسلحة والمخدرات”. وتضمن “العفو عن كامل العقوبة لمرتكبي جرائم الفرار الداخلي”، وذلك لمن يسلم نفسه خلال ثلاثين يوماً بالنسبة للفرار الداخلي، و90 يوماً بالنسبة للفرار الخارجي كما يقضي بالعفو عن ربع المدة لمن أنضم إلى منظمة إرهابية” ما أسفر عن موجة غضب عارمة في صفوف المعارضين، والذين طالبوا بالإفراج عن المعتقلين فوراً وذلك لكون الصفة الجرمية تنتفي عنهم من خلال الدستور الذي نص بمادته الرابعة والثلاثين على أن “لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك” ما يجعل هذا العفو لا ينطبق عليهم أصلاً، ويجعلهم معتقلي رأي ولا يجب معاملتهم معاملة المجرمين المدانين.

وبتحول واضح لسياسة النظام، أصدر بتاريخ 30 تشرين الأول 2013 المرسوم السادس خلال ثلاث سنوات، وكان يتعلق بـ “الجنود الفارين من الخدمة في سوريا”. وهو يمنح عفواً عاماً عن “الجرائم المرتكبة قبل تاريخ العفو، وكان خاص بالمتخلفين عن الالتحاق بالخدمة الإلزامية أو الفرار منها إذا تمت تسوية أوضاعهم خلال ثلاثين يوماً خاصة وأن النظام وقتها كان يعاني نزيفاً حاداً بخزانه البشري والذي كاد أن يسقط النظام وقتها لولا تدخل الميليشيات الإيرانية وحزب الله، وإرجاع الكفة العسكرية للتوازن من خلال زجهم لآلاف المرتزقة للقتال في جبهات النظام بمواجهة الجيش الحر الذي سيطر على ثلثي البلاد حينها.

 

 وفي محاولة أخيرة لكسب التأييد الشعبي والدولي، أصدر النظام مرسوماً أقرب للصوري والذي حمل رقم 22 لعام 2014 والقاضي بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 9 حزيران 2014، وشمل كامل عقوبة المتهمين بالتآمر والانضمام لمنظمات إرهابية ومرتكبي ومروجي الأعمال الإرهابية والمتهمين بتهريب وتصنيع وحيازة أسلحة وذخائر ومتفجرات، ولكن العفو خصص لمن أحيلوا لمحكمة الإرهاب، ورغم أن المرصد السوري لحقوق الإنسان، صرح أنه من الممكن أن يشمل العفو المعتقلين الموجودين في الأفرع الأمنية، ومن أحيل منهم إلى محاكم ميدانية إلا أن النظام لم يطبق ذاك العفو على أي منهم، ليكون المستفيدين من هذا العفو العشرات فقط، وبحالات فردية لم يتم خلالها تطبيق أي توجه قانوني معروف ما جعل هذا العفو الأضعف على الإطلاق تطبيقاً وعدداً.

وعاد “الأسد” عام 2015 ليركز بمراسيم العفو على المنشقين من جيشه بالمرسوم التشريعي رقم 32، الذي أعفى عن كامل العقوبة لمرتكبي جرائم الفرار الداخلي والخارجي في حال سلموا أنفسهم خلال مدة معينة، وكرر ذات الأمر بالمرسومين التشريعيين رقم 8 و15 لعام 2016، ولكنه في الواقع زجّ آلاف المعتقلين الذين تم إلقاء القبض عليهم من مناطق المصالحة أو التي وقعت تحت سيطرته وعرضهم على الإعلام على أنهم مواطنون سلموا أنفسهم بمسرحية ساذجة تبين مدى فظاعة وسادية هذا النظام، ليظل طوال عام 2017 يتكلم بجني الثمار لهذه المراسيم، وعن دورها في ضبط الأمن وترميم الجيش، ليعود ليكرر نفس العفو بتفاصيله عام 2018 بالمرسوم رقم 18.

 

وعليه يكون في سجل الأسد الابن فقط أحد عشر عفواً جميعها كانت غير مجدية بالمطلق لطمأنة الشعب السوري أو رفع الظلم عنه، بل كانت تلك المراسيم في كثير من الأحيان عبارة عن دعاية وتغطية إعلامية لممارسات النظام من تهجير واختطاف وخروج على بنود الهدن والتسويات التي وقعت معه، وحتى التلاعب بالبنود التي وقعت بين المناطق الخارجة عن سيطرته وكل من روسيا وميليشيات حزب الله، ليسطر النظام أكبر مهزلة قانونية من أحد عشر فصلاً كل فصل منها أشد مرارة وبشاعة من الذي سبقه.

 

المزيد للكاتب ⇐ هنا