#########

أبحاث

التكامل القاتل “تنظيم القيادة العامّة” و”لواء القدس”


من الأسئلة أيضًا ما هو حجم الانتهاكات التي ارتكبها “لواء القدس” وما هي طبيعتها، وكيف تحدّد هرميّة المسؤوليّة داخله

21 / آذار / مارس / 2019


التكامل القاتل “تنظيم القيادة العامّة” و”لواء القدس”

 

 

المصدر: المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية – مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية 

مدخل

حين شرعنا في هذه الدراسة كان مخطّطنا أن نعمل على “لواء القدس” وحده، إلّا أنّنا وجدنا في سياق البحث أنّ فيه خاصيّةً لم نلحظها في الميليشيات العسكريّة غير السوريّة، ومنها تلك التي كانت موجودةً قبل الثورة، ثم نُقلت إلى سورية لتشارك في قمع الاحتجاجات فيها، سواء أكانت تلك الميليشيات شيعيّةً إيرانيّةً أو لبنانيّةً أو عراقيّة أو أفغانيّةً وسواها، أو تابعة لفصائلَ فلسطينيّةٍ لم تكن لها ميليشيا عسكريّةٌ نشطةٌ في سورية، وإن وُجِد نشاطٌ لها فهو لا يتعدّى حدود التدريب لتنفيذ مهمّاتٍ خارج البلد، مثل قيادة الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين – القيادة العامّة؛ فـ”لواء القدس”، كما الميليشيات السوريّة التي أُنشئت في سياق الحرب السوريّة الراهنة، يشبه الظروف التي نشأ عنها، بينما الميليشيا غير السوريّة، وإن اشتركت معه في الكثير من المشتركات، اختلفت عنه في ظروف النشأة والمسيرة وما تبع ذلك من ولاءاتٍ وانتماءاتٍ وآليّات عملٍ داخليّةٍ وفهمٍ سياسيٍّ للواقع والذات. فالميليشيا الشيعيّة مثلًا ولاؤها لإيران، وأُنشئت لتبقى أدوات نفوذٍ لمُنشئها، والميليشيات الفلسطينيّة الفصائليّة الموجودة في سورية نشأت في سياق القضيّة الفلسطينيّة، إن كان هذا لأسبابٍ وطنيّةٍ أو لخدمة نفوذ النظام السوريّ في الشأن الفلسطينيّ، وفي كلا الحالتين تدرك وجود محدّداتٍ فلسطينيّةٍ عليها ادّعاء احترامها علنًا، وإن تجاوزتها في كلِّ لحظة، وهي تدافع عن النظام السوريّ الذي اندمجت فيه من بوّابة وظيفتها هذه إلى أن تقدر على كسر الإرادة الوطنيّة التي تدافع عن هذه المحدّدات.

ومن خلال متابعتنا لظروف نشأة “لواء القدس” الذي أُعلن عن تشكيله في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2013، بما فيها موقف سكّان “مخيّم النيرب” حيث نشأ “اللواء”، وانقسام موقف القيادات المحليّة للفصائل الفلسطينيّة حول الموقف من الثورة السوريّة، ولاسيّما الانقسام حول السلوك الذي يجب أن يتّبعه الفلسطينيّون السوريّون إزاء الصراع، استنتجنا أنّنا بصدد آليّةٍ أُنتجت بقرارٍ أمنيٍّ لتجنّب الرفض الشعبيّ الفلسطينيّ، وما تبع ذلك من ميل قسمٍ مؤثّرٍ من قيادات الفصائل الفلسطينيّة المحلّيّة إلى اتّخاذ موقف الحياد عن الصراع الجاري. وهكذا تشكّلت أدواتٌ ميليشياويّةٌ بلا إرادةٍ ولا تاريخٍ سياسيَّين ممثلّة بـ”لواء القدس”، منصاعة من دون حدودٍ للمهمّات التي توكل إليها مهما كانت دمويّةً، ومن دون اهتمامٍ بأثرها على الفلسطينيّين وقضيّتهم الوطنيّة؛ عكس الميليشيات العسكريّة السياسيّة التي كانت تنتمي لمشروعاتٍ إستراتيجيّةٍ للنظام السوريّ أو للنظام الإيرانيّ. وهنا بالضبط محور التميّز الذي ما إن أدركناه في عملنا على “لواء القدس” حتى وضع أمامنا سلسلةً من الأسئلة، فركّزنا اهتمامنا على متابعته، ومتابعة علاقاته، بغية سبر أجوبتها.

ومن أهمّ الأسئلة التي واجهتنا السؤال عن مبرّر وجود “لواء القدس”، ووظيفته العسكريّة التي أُنشئ لإنجازها، وسبب إنشائه تحت عنوانٍ فلسطينيٍّ في حين أنّ هناك فصائلَ فلسطينيّةً مسبقة الصنع متّهمة بأنّها تتبع للنظام السوريّ تبعيّةً مطلقة، مثل “لجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين – القيادة العامّة التي تحرّكت منذ اللحظة الأولى للدفاع عن النظام عسكريًّا؛ أي السؤال عن وظيفة “لواء القدس” العسكريّة والسياسيّة في واقعٍ وزمنٍ خاصّين.

ومن الأسئلة أيضًا ما هو حجم الانتهاكات التي ارتكبها “لواء القدس” وما هي طبيعتها، وكيف تحدّد هرميّة المسؤوليّة داخله.

وأثناء بحثنا عن إجاباتٍ لهذه الأسئلة تولّدت لدينا أسئلةٌ جديدةٌ قادتنا إلى فرضيّةٍ تطلّبت منّا العمل على دراسة السياسة التي اتّبعها قادة الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين- القيادة العامّة، وهذه الفرضيّة هي: أنّ النظام السوريّ أنشأ “لواء القدس”، برعايةٍ إيرانيّةٍ بدايةً، ثمّ روسيّة، وبدعمٍ نوعيٍّ من قيادة “تنظيم القيادة العامّة”، ليكون أداةً بمسمّى فلسطينيٍّ لقتل وحصار وإرهاب الشعب السوريّ الثائر تتيح لقادة ” الجبهة الشعبيّة – القيادة العامّة”، وقادة الفصائل الذين يتبعون لهم، فرصة التهرّب من المسؤوليّة السياسيّة والتنظيميّة عن وظيفتهم هذه؛ ونقصد بالمسؤوليّة السياسيّة مراعاة النواظم الخاصّة بـ”منظّمة التحرير” التي ترسم علاقتها بالدول العربيّة، ومراعاة الضغط الشعبيّ الذي عبّر عن نفسه بوسائلَ شتّى منها “انتفاضة مخيّم اليرموك” التي وقعت في 6 حزيران/ يونيو 2011، بينما نقصد بالمسؤوليّة التنظيميّة القدرة على استيعاب عناصرَ كثيرةٍ من غير الفلسطينيّين تتجاوز عدد الفلسطينيّين، بما في ذلك من أثر على صفة “الفلسطينيّة” التي يتمسّك بها “تنظيم القيادة العامّة” كضمانةٍ لدوره الإستراتيجيّ في الوسط الفلسطينيّ لخدمة النظامين السوريّ والإيرانيّ. مع العلم أنّنا اعتمدنا في دراستنا بديهيّة أنّ قيادة “تنظيم القيادة العامّة” اندمجت عبر مسيرتها بالنظام السوريّ، ومن هذا الموقع تحرّكت عشيّة الثورة متداخلة مع أجهزة “النظام” الأخرى، ولاسيّما الأمنيّة منها.

وللإجابة عن هذه الأسئلة، والتأكّد من صدق الفرضيّة، وتبيان المسؤوليّة القانونيّة عن جرائم “اللواء”، اعتمدنا في هذه الدراسة على تقنيّة التوثيق عن طريق دراسة الوثائق والسجلّات (مقالات، خطابات مكتوبة، مقابلات تلفزيونيّة، تقارير وتحقيقات صحفيّة، أخبار، صور…)، والمقابلة المعمّقة مع الشهود، وتسجيل وجمع وتنظيم المعطيات الناتجة من ملاحظتنا ورصدنا المباشر والمتواصل للوقائع منذ اندلاع الاحتجاجات في سورية في آذار/ مارس 2011. وطوال الوقت اعتمدنا تحليل البيانات والمعلومات في جلسات تفكيرٍ جماعيّةٍ لفريق العمل، للخلوص إلى النتائج. إضافة إلى اعتمادنا على أعمالنا السابقة التي نُشرت في “مركز دراسات الجمهوريّة الديمقراطيّة”، ومنها: كتاب “اللاجئون الفلسطينيّون في المحنة السوريّة”[1]، وكتاب “سوريا: عصر أمراء الحرب وعودة الحمايات والوصايات (1) الميليشيا الشيعيّة”[2]، واعتمدنا على دراستنا السابقة “جيش التحرير الفلسطينيّ في الحرب السوريّة”[3] الصادرة عن “المركز السوريّ للأبحاث والدراسات القانونيّة” و”مركز دراسات الجمهوريّة الديمقراطيّة”. وقد استعرضنا وعالجنا وبنينا كلّ ما سبق وفق المنهج الوصفيّ التحليليّ الذي اعتمدته الدراسة منهجًا لها. ولتسهيل عمليّة القراءة على المتلقّي استخدمنا في دراستنا اختصار “تنظيم القيادة العامّة” أو “التنظيم” للدلالة على “الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين – القيادة العامّة”.

هكذا درسنا سياسة قيادة الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين – القيادة العامّة التنفيذيّة التي استجابت إلى مطالب النظام السوريّ المثار عليه، وتشابكت مع إستراتيجيّته وتطبيقاتها العمليّة، ومن ذلك نشأة “لواء القدس”. وثبّتنا في الدراسة ما يلزمها من رصدنا لانتهاكاتٍ حصلت على يد قيادة الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين – القيادة العامّة و”لواء القدس” في الحرب السوريّة، والتي يمكن أن تلاحق قانونيًّا؛ حيث تتبّعنا خريطة مشاركتهما في الحرب السوريّة في معظم المحافظات السوريّة، وانتهاكاتهما المتعدّدة. ما يساعد على تحديد عناصر “القضايا القانونيّة المتعلّقة بملاحقة مجرمي الحرب”، واستشراف المستقبل، ورفد الدراسات اللاحقة بأساسٍ معرفيٍّ، وتوثيقيٍّ.

وقد انتهت هذه الدراسة في 9 آذار/ مارس 2019، ولم نُضِف إليها جديدًا بعد هذا التاريخ؛ حيث شرعنا في عمليّة التحرير والتدقيق اللغويّ، وبعد ذلك ترجمة الدراسة.

 

للقراءة والتنزيل:

       هنا