#########

أبحاث

درعا بين وهم التسويات وشبح الاعتقالات


يركز مكتب توثيق الانتهاكات والشهداء في درعا على عمليات الخطف التي أصبحت كثيرة بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، رغم تأكيده على وجودها منذ بداية الثورة، لكنها لم تكن بالكم والكيفية التي هي عليها الآن

21 / كانون أول / ديسمبر / 2018


درعا بين وهم التسويات وشبح الاعتقالات

 

 

 *منى محمد

 

دخول درعا وبداية التسويات

بين الرغبة التي يمتلكها قادة الأفرع الأمنية لدى النظام، وميليشياته، بمحاولاتهم المتكررة لكسر روح الثورة المتجذرة في قلوب أهالي درعا، وتشتيت الانتباه عن عدم قدرة النظام القيام بإصلاحات حقيقية، وإزالة أنقاض الحرب التي استهدفت المدينة، وهاجس الانتقام من حاضنة الثورة السورية وأول شرارتها، كانت الاعتقالات المتتالية والمنتشرة في كل البلدات والمدن في درعا تجري بشكل ممنهج؛ وعليه، منذ دخول النظام إلى درعا مع نهاية الشهر الخامس من هذا العام 2018، و بعد سيطرته على بصر الحرير، ثم تتالي سقوط المدن والبلدات بيد النظام والقوات الإيرانية مدعومة بالقصف الروسي – بدأت أجهزته الأمنية وشبيحته والقوى العاملة في فلكه ، بالعمل على الانتقام من المعارضة وقوات الثورة، وتصفية وجودهم الفيزيائي عبر الاعتقال أو تصفية قوتهم الاجتماعية وملاحقة أتباعهم.

 

جاء اعتقاد قادة وعناصر المعارضة المسلحة خاطئاً، أن النظام قد أمّنهم من خلال تسويات واتفاقيات عُقدت بينه وبينهم، حيث خان النظام كل تلك العهود وبدأ باعتقالهم بحجج واهية ومتخلفة.

 

 

حجج الاعتقال

كانت المبادرة التي قدمها الروس كضامن وطرف من الاتفاق مع كل بلدة ومدينة يقوم النظام السوري باحتلالها بمساعدة الميليشيات الإيرانية، تنص على أن يُسلم الثوار أسلحتهم الثقيلة، مقابل البقاء في بلداتهم مع سلاحهم الخفيف وتسوية أوضاعهم ومنع اعتقالهم؛ لكن الميليشيات (الدفاع الوطني)، وفور دخولها لكثير من البلدات في درعا، قامت بفرض حظر للتجول واعتقالات واسعة طالت المدنيين والعسكريين على حد سواء، ولم توفر النساء والأطفال أيضاً. حيث قام النظام باعتقال 33 عنصراً من الفصائل التي أصطلح على تسميتها “فصائل المصالحات” بينهم ثمانية قياديين مع بداية حملته بعد إتمام سيطرته على مدينة درعا في الشهر العاشر من العام الجاري 2018. وكانت حجج الأفرع الأمنية جاهزة في كل عمليات الاعتقال التي قامت بها، ضاربة بعرض الحائط كل الضمانات والاتفاقيات الروسية، التي شدد قادة الحملة فيها على بقاء أهل درعا والفصائل الموجودة في أماكنهم وعدم مغادرتهم المحافظة.

 

ومن الذرائع الشائعة للاعتقال:

  • الادعاء الشخصي الذي يقوم به أحد الأفراد، مدعياً أن القائد “الفلاني” قد قام بالاعتداء عليه، أو سرقة ممتلكاته، أو اعتقالات أخرى طالت أهالي القادة والعسكريين بتهمة تكتمهم وتسترهم على ذويهم؛ وفي خضم كل ذلك، عمل مكتب توثيق الانتهاكات في درعا على تصيّد كل ما يفعله النظام من جرائم واعتقالات وتصفية؛ مع عودته للعمل السري بعد سقوط درعا في قبضة النظام وأعوانه من جديد.
  • الانضمام إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كما حدث لعشرات الشبان في مدينة اللجاة أو القرى المحاذية لمدينة السويداء.

حيث وثّق أيضاً اعتقال قادة فصائل أو ذويهم، أو عائلات كان ينتمي أحد أفرادها لتنظيم الدولة.

وقام فرع الأمن العسكري برئاسة العميد “لؤي العلي” أيضاً بحملات مداهمة واعتقالات طالت قادة فصائل كما حدث مع قائد فصيل ألوية العمري (فارس البيدر) رغم تسوية وضعه مع النظام.

أما فصيل “المعتز بالله”، فقد هدد النظام بشكل مباشر باقتحام أماكن تواجده، والقبض على عناصره، رغم عدم قُدرة النظام على فتح جبهة قتال مع الفصيل، أو حتى دخول المناطق التي يسيطر عليها الفصيل، بحسب تصريحات قائده “محمود البردان”.

 وكما هو معروف، أن الفصيل ينتشر في ريف درعا الغربي والأوسط، وكانت نتيجة هذه التهديدات أن تدخلت القوات الروسية وأحرجت النظام من خلال جعل العلاقة مباشرة بين الروس وقيادة الفصيل، بعيداً عن تدخلات النظام، وبهذا لم يعد لقوات النظام أي دور أو تهديد على المناطق التي يتوجد بها الفصيل. لكن هذا لا يمنع من اعتقال عناصره في حال خروجهم من أماكن تواجدهم في القسم الغربي من درعا.

 

كما كان العلاج في المشافي “الإسرائيلة” حجة أخرى تسببت باعتقال قادة وعسكريين تم نقلهم وعلاجهم في اسرائيل أثناء الاقتتال بين الطرفين سابقاً (النظام والفصائل)، وكانت التهمة هذه المرة الخيانة والعمالة لإسرائيل، ومن بين المعتقلين قائد “لواء المنصور أيهم الجهماني”، الذي تلقى علاجه في إسرائيل، كما تم اعتقال مقاتلين ومدنيين بنفس التهمة، مما يدل على أن النظام يمكن أن يكون قد حصل على قوائم بالجرحى الذين تم علاجهم في إسرائيل أثناء حصاره لدرعا.

 

كما لم يستثنِ النظام باعتقالاته من عاد منضماً إلى صفوفه، حيث طالت ذراعه الأمنية من التحق بالجيش السوري، فقد قام فرع الأمن العسكري وحسب توثيقات مكتب توثيق الشهداء في درعا باعتقال “صلاح الخلف” الذي كان قيادياً في الفيلق الأول في مدينة “الشيخ مسكين” رغم انضمامه إلى قوات “النمر” أثناء عودته من إدلب.

ولا ينسى النظام ذريعة الخدمة الاحتياطية في صفوفه، والتي اعتقل على خلفيتها عدداً كبيراً من الشبان؛ ومازالت القوائم تصدر بالمطلوبين للخدمة الإلزامية وخدمة الاحتياط، رغم صدور عفو عام عن النظام يلغي فيه ملاحقة المطلوبين لخدمة الاحتياط.

وقد قام النظام بتوزيع القوائم بشكل مفصل على المناطق والبلدات “الدرعاوية”، حيث بلغت حوالي 6000 اسم فقط في المناطق التي يسيطر عليها الفيلق الخامس، كما ذُكر سابقاً على لسان قائده “أحمد عودات” وذلك في مدينة بصر الشام وبلدتي عضم ومعربة.

وقد قام الفصيل بإعلام المطلوبين كي يتجنبوا الحواجز التابعة للنظام وميليشياته الإيرانية والشرطة الروسية.

وضمت تلك القوائم شهداء ومعتقلين ومغتربين خارج البلاد، بحسب ما ورد عن مكتب توثيق الشهداء في درعا.

 

دور روسيا مجدداً

حاولت روسيا متمثلة بالشرطة الروسية التي انتشرت على الأرض الحدّ من عمليات الاعتقال والمداهمات هذه، وقامت بإطلاق سراح العشرات من الشبان.  ويبدو أن روسيا قد أعطت النظام ضوءاً أخضر لممارسة هذه الانتهاكات والاعتقالات، وخرق بنود الاتفاقيات التي وقعتها مع فصائل المصالحات، ومسرحية إخراجها لبعض من قام النظام باعتقالهم، كانت لتغطية التنسيق بين روسيا وميليشيا إيران ومرتزقة النظام، وتجنب الانتقاد الذي ربما يوجّه لروسيا بأنها أخلفت بكل ما وعدت به الفصائل والأهالي الذين أمنتهم وأبقتهم في أماكنهم ومناطقهم.

ولعل عجز قوات النظام السيطرة على مناطق كثيرة تحت قيادة الفصائل المسلحة في القسم الغربي من درعا وعدة بلدات ومدن درعاوية في الريف الغربي ووسط درعا، مثل بلدة “تل شهاب” وقرية “حيط” وغيرهما من قرى الريف الغربي لدرعا، التي يسيطر عليها جيش العزة، بالإضافة إلى ما أسلفنا على ذكره من تواجد وانتشار فصيل “المعتز بالله”، جعل روسيا تتحكم بالأمور، وتحرم دخول قوات النظام إلى داخل هذه المناطق، وتكتفي بتواجدها على الحواجز الحدودية لهذه البلدات، وبالتالي، فإن عمليات الاعتقال ، استهدفت الأماكن التي تواجدت فيها قوات النظام بشكل مكثف، أكثر من قبل؛ بحيث كانت تلك الاعتقالات تستهدف الشبان والنساء المدنيين كحالة انتقامية وهمجية لعدم قدرته على دخول تلك المناطق التي اتفق الروس على بقائها بيد فصائل المصالحة.

 

تغيير سياسة الاعتقال

أخذت هذه الاعتقالات منحى آخر حيث تدخلت العشائرية في سبب وطريقة الاعتقال، كما تحدث المحامي والناشط “عاصم الزعبي” إذ قال: “يقوم فرع الأمن العسكري باعتقالات ممنهجة في كل قرية، تهدف إلى زرع الفتن بين العائلات المتواجدة فيها، من خلال تجنيد شباب من أحد العائلات في صفوفه، والطلب منه قتل أو اعتقال شخص من عائلة أخرى في نفس البلدة، كما حدث في بلدة تل شهاب في ريف درعا الغربي، حيث نشبت خلافات كبيرة بين العائلات هناك، دون أن يقوم النظام بدخولها”. (بحسب ما ورد في موقع جيرون)

كما قام رئيس فرع المخابرات الجوية جميل الحسن بالتهديد والوعيد باعتقالات كثيرة ستطال أهالي درعا، وذلك خلال زيارته لمدينة الكرك، معللاً ذلك رغبته بالانتقام لعشرات العناصر التابعين للفرع، والذين تم قتلهم في درعا قبل سقوطها بيد النظام.

ومع استمرار حملات الاعتقال والإعدامات في درعا، وخطرها، وللهروب من تلك المصيدة المتمثلة بالتسوية الكاذبة، والضمان الروسي المخادع، قام عدد من الضباط والعساكر بالهرب بعيداً عن بطش النظام بهم، ووصولهم إلى الجزائر، رغم صعوبة وخطورة ما قاموا به، هنالك احتمال كبير لأعادتهم إلى النظام مرة أخرى، بعد أن قامت القوات الجزائرية باحتجازهم في المطار، دون مراعاة لأي حقوق إنسانية، ودافع هروبهم من الموت المحقق، الذي ينتظرهم. 

 

أما آخر تطورات الاعتقال التي قامت بها الأفرع الأمنية في درعا، هي اعتقال نساء لأول مرة هناك، منذ أن عادت درعا إلى (حضن النظام)، وكانت من بين المعتقلات زوجة أحد القياديين الذين شاركوا في عمليات التفاوض لتسليم درعا. وتم اقتياد النساء المعتقلات إلى فرع المخابرات العامة في درعا، وذلك مع نهاية شهر نوفمبر من العام الحالي.

 

الخطف

يركز مكتب توثيق الانتهاكات والشهداء في درعا على عمليات الخطف التي أصبحت كثيرة بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، رغم تأكيده على وجودها منذ بداية الثورة، لكنها لم تكن بالكم والكيفية التي هي عليها الآن.

فمع اختطاف “تنظيم الدولة الإسلامية” لعدد من النساء من محافظة السويداء، ازدادت وتيرة الخطف المعاكس، بأهداف مختلفة، كطلب الفدية أو الانتقام والتصفية.

وكانت آخر عمليات التوثيق تشير إلى اختطاف سبعة أشخاص في محافظة السويداء، هم من أبناء درعا خلال الفترة الممتدة من 22 أكتوبر ولغاية 10 نوفمبر؛ من بينهم أطفال ونساء بعضهم مازال مجهول المصير.

ويبدو من خلال تصرفات النظام، أن روسيا موافقة على هذه الانتهاكات، خاصة أنها القوى المسيطرة على الأرض فعلياً، من خلال الشرطة الروسية المتواجدة في أماكن المصالحات تحديداً، والتي تتركز بها عمليات الاعتقال والخطف والاغتيال.

هذا يجعل الجميع في دائرة الملاحقة وخطر الاعتقال، حيث يرجح مراقبون أن هذه العمليات تتم لترسيخ النظام وسيطرته على درعا، وقطف كل الرؤوس التي ماتزال تحمل الفكر الثوري والمعارض للنظام، ومحاولة إعادة درعا بكل من بقي فيها إلى حظيرة الوطن البعثي الأسدي، وسلطات الحكم الميليشياتي الإيراني الروسي.

.

.