#########

آراء

إعادة الهيكلة والشرعية.. الروس وملفات إنقاذ الأسد


ملف المعتقلين، الذي تحاول روسيا إغلاقه بشتى الوسائل، ولكن بعد التخلّص من لائحة المختفين، والآلاف منهم تعرضوا للموت تحت التعذيب، واختفت جثثهم إما بالحرق أو بمقابر جماعية سرّية

16 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2018


إعادة الهيكلة والشرعية.. الروس وملفات إنقاذ الأسد

 

 

*أحمد طلب الناصر

 

لا شيء يحبط السوريين ويشعرهم بالانكسار والخذلان، بعد سنوات القتل والدمار والتنكيل الماضية، أشدّ من التفكير باحتمالية إنقاذ الأسد ونظامه من المحاسبة والعقاب؛ يدفعهم إلى ذلك ما تغلغل في أعماق ذاكرتهم من انتهاكات صارخة ارتكبها الأسد الأب وأخوه وأركان نظامه خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن المنصرم، دون اكتراث أو ردّ من المجتمع الدولي. ذلك المجتمع الذي استمر في لامبالاته، ولا يزال حتى اللحظة مكتفياً بعبارات الشجب والتنديد والتفرّج على مقتلة السوريين، في الوقت الذي يشهد فيه السوريون إعادة تشكيل النظام وهيكلته من جديد، وكأن ما مرّ على الأرض السورية خلال السنوات السبع الماضية، كان نتيجة زلازل وأعاصير وسيول، وكوارث طبيعية أخرى لا دخل لنظام الأسد بحدوثها.

 

  • مراحل هيكلة النظام ومخاوف السوريين:

كلما انقضت سنة من عمر ثورة السوريين كلما سرى إلى داخلهم شعور مضاعف بتخلّي المجتمع الدولي عن قضيتهم التي خرجوا لأجلها. بدأ ذلك الشعور بالتنامي بعد الاصطدام بـ (الفيتوات) الروسية المتعاقبة، ثم إطلاق الوعود الجوفاء ممن يسمون أنفسهم “أصدقاء الشعب السوري”، فالخطوط الحمراء الكاذبة، إضافة إلى تمدّد وتكاثر المؤتمرات الدولية (جنيف 10- أستانا 7- سوتشي 2- الرياض 2- القاهرة 3..) واستمراريتها في ظلّ تعنّت النظام وتكبّره وفرض شروطه، و”إغراق الأطراف الدولية بالتفاصيل” حسب تصريح “وليد المعلّم” في الأيام الأولى من انطلاق الثورة، لعلمه المسبق أن الأطراف الدولية لن تكون جدّية في تعاطيها وتعاملها مع الشعب السوري.

 

ورغم كل تلك المؤشرات، ظلّ السوريون يتمسكون بخيوط الأمل المتشابكة والمعقّدة، بصبر وجَلَد، إلى أن جاء الغزو الروسي العسكري السافر عام 2015، لتشهد بعده الثورة تحولات مصيرية تمثّلت بارتكاب العديد من المجازر بحق المدنيين جراء القصف الجوي، وخسارة معظم المناطق المحررة وعودتها إلى سيطرة النظام بالتزامن مع تهجير معظم سكانها نحو الشمال السوري والمخيمات.

 

وشيئاً فشيئاً بدأت مؤسسات النظام، الأمنية والعسكرية والخدمية، تعيد انتشارها داخل تلك المناطق تساندها الميليشيات الإيرانية والعراقية، ما ينذر بعودة الوضع لأسوأ ما كان عليه قبل قيام الثورة، وبصورة أشدّ قمعاً ووحشية على الشعب السوري، وأكثر تحصيناً ومنعة لنظام الأسد.

المؤشّر الآخر تجلّى بتغيّر لهجة بعض الحكومات التي كانت تشهر العداء في الأمس القريب لنظام الأسد، وأضحت اليوم تغازله وتعيد العلاقات الدبلوماسية معه من تحت الطاولة وفوقها، وبعضها راح يجاهر بالعلاقة (العناق الحميم الذي جمع وزير خارجية البحرين بوليد المعلم)، وبعضها الآخر راح يمتدحه ويثني عليه لتأمينه الحدود المشتركة وعدم إطلاقه رصاصة واحدة باتجاهه منذ أربعين عاماً (حسب تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلي نتنياهو)، وبعضها أخذ يضيّق على المهجّرين السوريين ليدفعهم للعودة إلى حضن النظام أو سجونه (كما يحصل في لبنان والأردن وبعض دول الخليج)..

إلا أن من أهم وأخطر المؤشرات قاطبة تجلّى مؤخراً بفتح معبر “نصيب” الحدودي مع الأردن وتسليم إدارته للنظام بعد إجبار فصائل المعارضة في درعا على الانسحاب وتسليم المحافظة للروس والنظام؛ وبذلك أعيد فتح الشريان الحيوي الرئيسي الواصل بين تركيا- الأردن- لبنان- دول الخليج، لينتعش النظام مجدداً من العائدات والرسوم التجارية، ومن عمليات التهريب المقنعة.

وتجري اليوم مباحثات لإعادة حركة النقل الجوي التجاري والسياحي المباشر من وإلى مطار العاصمة دمشق.

 

  • إعادة الشرعية.. خطة الروس لتحصين الأسد:

هل تمثّل المؤشرات السابقة إعلاناً لتبييض صفحة جرائم النظام، و (إعادة شرعيته)، وإعفائه بالتالي من الملاحقة القانونية مستقبلاً؟

التساؤل الأخير مرّ على عبارة غاية في الخطورة، ونقصد بها “إعادة الشرعية”، فهذه الخطوة إذا ما تحقّقت عملياً، فإن نظام الأسد سيحظى بحصانة دولية تحول بينه وبين خضوعه للمساءلة القانونية أو الملاحقة القضائية، وهذا ما يسعى إليه الأسد بالضبط بواسطة حليفه الروسي، الذي يسعى هو الأخر جاهداً لإعادة الاعتراف بشرعية النظام من المجتمع الدولي، وذلك من خلال إدارته لخمسة ملفّات:

الأول: ملفّ إعادة اللاجئين، بحجة أن مغادرتهم البلاد في الماضي كان بسبب (إرهاب المعارضة).

الثاني: ملفّ التسويات، وإظهار النظام بصورة صاحب الحقّ المُسامح.

الثالث: ملف الحوار “السوري- السوري” الذي فشل الروس بتحقيقه في “سوتشي”، وغاية الملف كانت تقزيم حجم الصراع وحصره داخل حلبة النظام (أهلية بمحلّية)، وبالتالي قطع الطريق أمام المحاكم الدولية مستقبلاً.

الرابع: ملف الدستور، الذي يحاول الروس من خلاله تمرير مواد تضمن إبقاء السلطة بيد الأسد (كرئيس شرعي)، أو على الأقل تمنع تعرضه للمساءلة، وهذا ما سيحصل تلقائياً بمجرد قبول فريق المعارضة بالتعديل الذي يفرضه الروس على مواد الدستور.

الخامس: ملف المعتقلين، الذي تحاول روسيا إغلاقه بشتى الوسائل، ولكن بعد التخلّص من لائحة المختفين، والآلاف منهم تعرضوا للموت تحت التعذيب، واختفت جثثهم إما بالحرق أو بمقابر جماعية سرّية.

 ويبدو أن الملف الخامس، يمثّل أعقد وأخطر الملفات، كونه يرتبط بشكل مباشر بجرائم ضد الإنسانية، ما يشكّل التهديد الأكبر للنظام أمام المحاكم الدولية.

وإذا ما تابعنا مجريات الأحداث خلال العامين الأخيرين، سنلاحظ أن النظام قد بدأ فعلياً بعملية طمس تلك اللائحة بتوجيه مباشر من الروس؛ وذلك من خلال عمليتي تسريب للوائح أسماء المعتقلين المتوفين: الأولى قائمة الإعدام الشهيرة لـ 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا، والتي نشرتها منظمة (أمنستي) ضمن تقرير “المسلخ البشري”. والثانية التي احتوت أسماء 8 آلاف معتقل قضوا تحت التعذيب، قام بتوزيعها على مديريات السجل المدني التي سجّلت الوفاة لأسباب طبيعية (سكتة قلبية- جلطة دماغية..إلخ).

بالنسبة للائحة الأولى، سيتم ربط أسماء ضحاياها المعدومين، والمحروقة جثثهم، بمدير سجن صيدنايا “محمود معتوق” الذي اغتاله النظام بظروف غامضة مطلع هذا العام 2018.

أما ضحايا اللائحة الثانية، فقد قام النظام بالحصول على تواقيع ذويهم بأنهم ماتوا نتيجة أسباب طبيعية ذكرناها آنفاً، ومعظم أولئك الضحايا كان قد تم نشر صورهم ضمن مجموعة (قيصر).

ورغم ذلك، لا يزال الآلاف في عداد المفقودين، وبالتالي ربما سنشهد تسريب العديد من اللوائح في الأيام القادمة، وبالتأكيد سيتم تغطيتها وطمسها بوسائل لا يعلم بها إلا الله والروس ونظام الأسد.

ولا نستبعد لجوء النظام للتضحية بضباطه الثلاثة (مملوك- جميل الحسن- عبد السلام محمود) الذين صدرت بحقّهم مذكّرات التوقيف الدولية الصادرة عن القضاء الفرنسي مؤخراً، لا سيما وأن القضاء الفرنسي استند بشكل رئيس في إصداره للمذكرات على صور ضحايا “قيصر” باعتبارهم –الثلاثة- ضالعين بارتكاب تلك الجرائم.

 

المزيد للكاتب ⇐ هنا 

.

.