#########

آراء

الانتهاكات في سورية واختبار جدّية المجتمع الدولي في تطبيق العدالة !


إن روسيا لا ترغب في بناء دولة سورية بالمعنى الحقيقي المؤسساتي، و إيران ليست في وارد رؤية سلطة في سوريا مستقلة عنها؛ أيضا بالمقابل لا يمكن لأمريكا أن تدعم الشعب السوري في ثورته نحو تحقيق الدولة والحرية .

01 / تشرين أول / أكتوبر / 2018


الانتهاكات في سورية واختبار جدّية المجتمع الدولي في تطبيق العدالة !

*معاذ حسن

لا يوجد في التاريخ مرحلة أو حقبة زمنية خلت من الهيمنة، ما كان يسمى سابقاً إمبراطوريات و اليوم دول و قوى عظمى يتشاركون تحت مسمى المجتمع الدولي في صنع  القرار و مسارات الدول والشعوب .

المجتمع الدولي لم يكن نزيها تجاه القضية السورية، فبالرغم من الانتهاكات الإنسانية وجرائم الحرب التي وقعت بحق الشعب السوري، لم يتم اتخاذ موقف جاد من نظام الأسد ومحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات مع وجود الأدلة و التوثيقات التي تفضحه  وتدينه؛ هذا الأمر يجعلنا نعيد الحساب في ماورائيات اتخاذ القرار وأسبابه تجاه قضايانا المحقة التي كلفتنا الكثير من المآسي والقهر ، لا بل سنذهب إلى أبعد من ذلك في وضع العراقيل أمام ثورة شعب تنادي بشعارات يتبناها المجتمع الدولي نفسه، و يرفعها عنواناً يتحرك باسمها في كل بقاع الأرض.

فكيف يرى المجتمع الدولي مفهوم العدالة وكيف هي ملامح المرحلة الانتقالية بنظره. أسئلة وتخمينات لابد من مواجهتها في الطريق إلى ترسيخ العدالة الانتقالية في سورية ، الأمر البديهي لوضع حد لهذه الحقبة السوداء من تاريخ سوريا .

لنكن أكثر وضوحاً في شأن المجتمع الدولي ، علينا أن لانعول كثيرا على موقفه بمجرد وجود اتهامات تدين نظام الأسد أو حتى توثيقات للإنتهاكات والجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري . ذلك أن القضية اليوم باتت أكثر تعقيداً وتتدخل بها مطامع دول كبرى ودول جوار وصراع سياسي إقليمي خلق ميزان قوى سياسي جديد، ستتضح ملامحه في نهاية الصراع . و بالتالي فإن العامل الأخلاقي والحقوقي وتوثيقات الجرائم والانتهاكات هي بمثابة أرشيف سيتم البحث به و استخدامه في مرحلة لاحقة يحددها ميزان الحرب و القرار السياسي الذي سيسود وقتها.

اليوم نحن في عالم الإتصالات والميديا، حيث من المستحيل أن يفعل الأسد الابن بسوريا مافعله الأسد الأب بحماة عام 1982 دون أن يتم توثيق الإنتهاكات والمجازر،  فأدوات وتقنيات اليوم ليست أدوات وتقنيات عام 1982 . فقد تم توثيق مجازر استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة ، و الضحايا تحت التعذيب في معتقلات النظام، جرائم الإغتصاب والعنف الجنسي.. والحديث يطول عن جرائم الحرب .

هناك مئات الآلاف من الصور والفيديوهات التي تدين نظام الأسد بشكل مباشر صريح لا يقبل الجدل.

أيضا اعتبرت منظمة العفو الدولية أن جرائم الأسد في سجن صيدنايا بحق المعتقلين و سجون النظام الأخرى بمثابة جريمة إبادة . وهذا ليس بالجديد على الساحات الإقليمية والدولية، لكن كل مشاريع القوانين التي اتخذت لإدانة نظام الأسد في مجلس الأمن باءت بالفشل، جراء استخدام روسيا والصين حق الفيتو الذي يحول دون اتخاذ أي إجراءات في محاسبة النظام . خلاصة القول في هذا الأمر تصب في استحالة تمرير أو تنفيذ أي قرار ضمن مجلس الأمن في ظل المنظومة العالمية السائدة، وطالما أن النظام تسانده أقطاب مثل روسيا والصين ،لايمكن القيام بشيء على الصعيد السياسي الدولي سوى الاستمرار بتوثيق الانتهاكات وجمع الأدلة والتحقيق إلى حين حدوث تغيير في ميزان القوى.

هذا التغيير أيضاً يتوقف عند تساؤل الغرب حول إمكانية التعامل مع بلد مثل سوريا في ظل نجاح الثورة ذات الملامح الضبابية ووجود معارضة منقسمة على نفسها.

فالتعامل مع سلطة دون دولة، أمر أسهل بكثير من التعامل مع دولة ديمقراطية لها مؤسساتها وثقلها .

وهذا أيضاً يصب في سلبية الموقف السياسي العالمي تجاه القضية السورية.

إن روسيا لا ترغب في بناء دولة سورية بالمعنى الحقيقي المؤسساتي، و إيران ليست في وارد رؤية سلطة في سوريا مستقلة عنها؛ أيضا بالمقابل لا يمكن لأمريكا أن تدعم الشعب السوري في ثورته نحو تحقيق الدولة والحرية . والحق أنه من الحمق توسل الخلاص من قوى خارجية ودول أخرى ، ما يجعل الفارق كبيراً والمسار مختلفاً ما بين سوريا كقضية شعب، وسوريا كوليمة يتم الاتفاق على بروتوكولات تناولها .

بكل الأحوال ستنتهي الحرب، ويأخذ الصراع شكلاً آخر. ووفقاً لقوانين السياسة وفلسفة التاريخ والفيزياء حتى ، وأقصد هنا بتطبيقات الفيزياء على السياسة التي استخدمها الغرب، على سبيل المثال إن تأثير قوة أو مجموعة قوى على جسم ما، تكسبه تسارعاً يتناسب مع مجموع القوى المؤثرة فيه . بمعنى أنه بناءً على تدخل الدول الغربية، انتشرت النزعة الثورية من الشعوب في بلاد الربيع العربي بسرعة خيالية، والمقصود هنا تواتر الشرارة بين دول الربيع العربي بالرغم من الإختلاف الكبير بين المناخ الثوري و المقدمات التي استفزت ولادة الثورات ، أسبابها ، مسيرتها ….. إلخ.

هناك العديد من قوانين الفيزياء التي تستخدم في السياسة ليست موضوعنا الآن . السياسة تعني معالجة القضايا والمشاكل وإدارتها وفقاً لمصالح السياسي أو المنظومة التي يعمل من أجلها، وهذا أيضاً يصب في زوال نظام الأسد حيث لامصلحة حتى للدول الحليفة له ببقائه . كل مافي الأمر مصالحها _ نقصد الدول اللاعبة _ والتي تتضارب أيضاً مع بقائه في ظل استمرار الحرب أو عدم الإمكانية على حسم الصراع، الأمر الذي بات مستحيلاً، فهدف النظام هو قمع الثورة التي بدأت سلمية وتسليحها أطال بعمر النظام.. فإذا انتصر نظام الأسد عسكرياً، هو لم يدفن الثورة مع صوت السلاح ، أي انتصاره العسكري في الحرب الدائرة .

لكن مالذي خلفته هذه الحرب على أبناء الدولة؟ ، ماهي الفواتير التي ستدفع جراء الانتقال والتغيير وأسئلة كثيرة حول المصير والانتماء وشكل الدولة القائم. لذلك يبقى مفهوم العدالة الانتقالية في مقدمة الضروريات كجسر للعبور نحو مستقبل أفضل، وآلية دفاعية تحول دون ارتكاسات في جسد سوريا المريض .

الصعوبات كثيرة في طريق إرساء العدالة الانتقالية تبدأ بالتمييز وتوضيح الفرق بين المحاسبة والانتقام، مروراً بشرعية المَحاكم وإخضاع رموز النظام وكل مجرمي الحرب ومرتكبي الانتهاكات للمثول أمام القضاء، وليس انتهاءً بإصلاح المؤسسات وجبر الضرر، وإرساء الصلح والتسامح، فهذا برنامج شائك يحتاج الى توعية وعقلية نقيضة لعقلية الحرب، ذهنية المؤيد والمعارض، وكما ذكرنا ليس من السهل التفريق بين المحاسبة والانتقام لدى الشعب ، فالبشر يميلون بالغريزة إلى ذهنية( إما .. أو ) ، معي أو ضدي . وهذا من شأنه أن يعيق سير الصالح العام على حساب الصالح الفردي، لا سيما أن نظام الأسد عبث بمفهوم المواطن والدولة ، فليس هناك شعب بالمفهوم الدقيق لسوريا، و إنما هناك جماعات سورية تختلف بمكوناتها وانتماءاتها وما إلى ذلك من التفاصيل التي تشكل عقبات في وجه العدالة الانتقالية وبناء الدولة بمفهومها المعاصر .

بالشكل العام إن مستقبل المرحلة الانتقالية تابع لطبيعة استراتيجة النظام القديم المتبعة، والنتيجة هي تعبير عن وضع جديد أو استمرار للنظام القديم بإصلاحات جديدة، وهذا الأمر بات مستحيلاً في ظل انتهاكات وإجرام النظام التي لم تخطر على بال عاقل أو مجنون. فالقضية السورية اليوم باتت تفوق حجم معاناتها و وقسوتها القضية الفلسطينية، ناهيك عن الإصلاح الذي قد يكون تمويهاً وتضليلاً للحفاظ على الحكم، ويشمل مؤسسات هامشية، فقط خارج صنع القرار، و قد يكون خطابياً لتمرير أزمة ، وهذا ماقام به بشار الأسد عام ٢٠١١ . أما إذا كان جذرياً، قد يؤدي فعلياً إلى عملية التغيير .

والحديث هنا عن رؤية استشرافية لسوريا المستقبل ستكون مرتبطة بالعديد من محاور الإصلاح كالنظام الدستوري و نظام الأحزاب وبناء الدولة بشكل عام، وهذا كله يصب في هيئة الإدارة للمرحلة الإنتقالية وأدواتها .

أيضاً من الصعب جداً الحديث عن منظومة تاريخية أو سياسية تخص العدالة الانتقالية أو مراحلها؛ كل ما في الأمر أننا نستطيع تحديدها بوصفها زمن حدث في التغيير ، أما عن أدواته وشكله و صيرورته، فهي مسألة نسبية تختلف بحسب ظروف البلد و طبيعة  الثورات و مسارها بشكل عام.

في المحصلة، ترتبط هذه الحقبة السوداء من تاريخ سوريا بعلاقة عكسية مع المرحلة الانتقالية التي سيفرضها التاريخ في وقت لاحق.

.

.

المزيد للكاتب:

إدارة الجريمة وذهنية المافيا

العدالة الانتقالية فردوس السوريين المفقود