#########

آراء

البروباغندا الروسية… ادعاءات بالعودة الطوعية للاجئين السوريين


واجه السوريون العائدون من بلدان اللجوء إلى بلدهم مخاطر الاعتقال، تماما كما حدث مع المدنيين الذين أجروا مصالحاتٍ مع النظام في مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة، بعد حصولهم على الأمان

04 / تشرين أول / أكتوبر / 2018


البروباغندا الروسية… ادعاءات بالعودة الطوعية للاجئين السوريين

المصدر: عمار الحلبي – العربي الجديد

 

ما زالت الزوجة السورية بُشرى العبد الله (اسم مستعار لإقامتها في مناطق النظام) تحاول معرفة أين اختفى زوجها، بعد أن أوقفه حرس الحدود السوري عند نقطة المصنع الحدودية بين سورية ولبنان أواخر شهر تموز/ يوليو الماضي.

بُشرى وزوجها وولداها الاثنان، كانوا في طريق عودتهم من لبنان إلى منزلهم بريف دمشق الغربي، ضمن ما بات معروفاً بـ “العودة الطوعية للاجئين السوريين”.

تقول بشرى، التي تمكث في منزل قريبتها بضاحية الدويلعة بدمشق عبر تطبيق “واتساب” في إفادة لـ”العربي الجديد”: “من عادوا تم إرسال قوائم بأسمائهم وتمت الموافقة على بعضهم ورفض بعضهم الآخر، عائلتي كانت من بين من تم الموافقة عليهم، ولكن تم توقيف زوجي رغم أن عملية العودة تمت عن طريق التواصل بين البلدية اللبنانية في المنطقة التي كانت تعيش فيها ومسؤولين عن حكومة النظام، بعد أن تقدّم اللاجئون الراغبون بالعودة بطلبات وتم رفع أسمائهم لدمشق”.

وتكررت معاناة عائلة بشرى مع لاجئين عائدين، أو بحق مدنيين أبرموا مصالحات مع النظام بعد حصولهم على ضمانات لأمنهم، وفقاً لما أكده المحامي السوري أنور البني، رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية.

بروباغاندا عودة اللاجئين

عادت إلى سورية ثلاث دفعات من اللاجئين السوريين في لبنان بشكلٍ طوعي الأولى دخلت سورية عبر نقطة “المصنع” الحدودية في 18 إبريل/نيسان الماضي بقوام 500 لاجئ، والثانية في 22 يونيو/حزيران، وضمت 370 لاجئاً، في حين بلغت الدفعة الثالثة 67 لاجئا، عادوا في الأول من يوليو/تموز وفقا للوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام، بالمقابل عاد 50 ألف سوري يعيشون في تركيا، بعد أن ذهبوا إلى بلادهم لقضاء إجازة عيد الفطر، واختاروا البقاء طواعية، من بين 153 ألف سوري، ذهبوا إلى بلادهم لقضاء إجازة عيد الأضحى الماضي، وفقا لما أعلنه وكيل مدير إدارة الهجرة في وزارة الداخلية التركية، عبد الله أياز، في السادس من سبتمبر/أيلول الجاري، ولم يعد من الأردن خلال عامي 2016 و2017 سوى 15 ألف لاجئ سوري حسب تصريحات إعلامية أدلى لها ستيفانو سيفيري الممثل المقيم للمفوضية في الأردن، لكن بالمقابل تدعي إحصائية صادرة عن “المركز الروسي لاستقبال وتوزيع إيواء اللاجئين”، عودة 1.2 مليون لاجئ سوري (منهم 364 ألف امرأة و620 ألف طفل)، إلى منازلهم منذ 30 سبتمبر/أيلول 2015 وحتى 12 أغسطس/آب الماضي، وتضيف أن 1.7 مليون سوري عبروا عن رغبتهم بالعودة إلى وطنهم من 9 بلدان في العالم، ومعظمهم من لبنان وتركيا وألمانيا، وهو ما يصفه المحامي البني بـ”البروباغندا”، موضحاً أن هذا الرقم يشمل النازحين داخلياً، ممن انتقلوا من مناطق سكنهم الرئيسية إلى مناطق أخرى تقع ضمن سيطرة النظام ولا تشمل اللاجئين.

ويطلب النظام، من اللاجئين الراغبين في العودة الوثائق الكاملة لهم، بما في ذلك بطاقة الهوية وجواز السفر ودفتر خدمة العلم ودفتر العائلة إن وجد، ما يجعل الوثائق عقبة أخرى تحول دون قدرة اللاجئين على العودة الآمنة وفقا لإفادات ثلاثة لاجئين عادوا من لبنان إلى مناطق سيطرة النظام، ومنهم بشرى التي قالت إن عددا من اللاجئين كانوا بصدد العودة، ولكن لم توافق الحكومة على إعادتهم بسبب عدم امتلاكهم الوثائق.

ويذكر موقع وزارة الخارجية السورية أنه “يجوز لبعثات الجمهورية العربية السورية منح تذكرة عودة للمواطنين في عدّة حالات، ومنها، فقدان جواز أو وثيقة السفر، عدم الحيازة على جواز أو وثيقة السفر لأي سبب كان، وتكون التذكرة صالحة للعودة إلى سورية فقط وتسحب في مراكز الدخول وترسل إلى إدارة الهجرة والجوازات، وتمنح تذكرة العودة لقاء رسم قدره 25 دولارا أميركيا أو ما يعادله باليورو”، وهو ما لم يتحقق وفق إفادات العائدين الذين تساءلوا كيف يطلب منا توفير وثائق والعديد فقدوا وثائقهم الشخصية سواء خلال هروبهم من منازلهم تحت نيران القصف، أو تعرّضها للتلف تحت الأنقاض، أو حتّى في رحلات اللجوء بالنسبة للسوريين الذين غادروا إلى أوروبا بشكلٍ غير شرعي.

غياب الضمانات الملموسة

بدأت روسيا بإجراءات لما وصفته بـ “العودة الطوعية”، إذ خاطبت الدول المستضيفة وأسست “مركز استقبال وتوزيع وإيواء اللاجئين” بالتعاون مع “حكومة النظام”، وفقاً لما نقلته قناة روسيا اليوم في الثامن عشر من يوليو/تموز الماضي، فضلاً عن افتتاح معابر لعودتهم، فيما تناغم النظام مع الضغوط الروسية على اللاجئين، ليؤكد على لسان رئيس الدائرة السياسية للقوات المسلحة السورية اللواء، حسن أحمد حسن أنه يتعهّد بضمان حقوقهم المتساوية مع المواطنين الآخرين والحفاظ على كرامتهم وفق ما بثته قناة “روسيا اليوم” بتاريخ 13 أغسطس/آب الماضي، لكن المحامي البني يشير إلى عدم تقديم أي ضمانات ملموسة، من روسيا والنظام، قائلا “لم يصدر أي قانون رسمي للتعامل مع اللاجئين العائدين. كما أنّه لا يوجد أي إجراء ملموس، سوى بعض التصريحات”.

الاعتقال أو التجنيد الإجباري

يصل إجمالي اللاجئين السوريين إلى 5.6 ملايين لاجئ وفقاً لآخر إحصائية صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 24 سبتمبر/أيلول الجاري، بينهم 3.5 ملايين لاجئ في تركيا، ومليونا سوري مسجلين لدى المفوضية في مصر والعراق والأردن ولبنان و33.000 لاجئ مسجلين في شمال أفريقيا.

وواجه السوريون العائدون من بلدان اللجوء إلى بلدهم مخاطر الاعتقال بحسب المحامي البني، مستدلا بما حدث مع المدنيين الذين أجروا مصالحاتٍ مع النظام في مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة، بعد حصولهم على الأمان سواء في شرقي حلب، أو درعا والغوطة الشرقية، أو ريف حمص، من حالات اعتقالات موثقة كما يقول، وحالات سيق فيها الناس إجباريا للخدمة الإلزامية، على الرغم من تعهّد النظام بمنح المطلوبين للخدمة تأجيلا لمدّة سنة لتسوية أوضاعهم، فضلاً عن رفض عودة قسم كبير من المدنيين إلى منازلهم، وهو ما تؤكده منظّمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” المعنية بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان ومقرّها مدينة إسطنبول التركية، التي أشارت في ستة تقارير إلى حوادث اعتقال بحق عائدين من الشمال السوري إلى منازلهم في مناطق النظام.

وتؤكد المنظمة في مجمل تقاريرها التي اطلعت عليها “العربي الجديد” أن النظام اعتقل 26 شخصاً في مدينة درعا، بعد أن منحهم الأمان، و19 شخصا في الغوطة، و11 شخصاً خلال محاولتهم العبور من الشمال السوري، باتجاه مناطق النظام عبر معابر حماة، فضلاً عن اعتقال 11 متطوّعاً في منظمة “الدفاع المدني السوري”.

وبحسب المنظمة، فإن حملات الاعتقال هذه تمت، على الرغم من تعهّد القوات النظامية في أهم بند من بنود هذا الاتفاق، على عدم التعرض لأي أحد من أهالي مدينة دوما، إلى جانب عدم السماح لقواتها وعناصرها الأمنية بالدخول إلى المدينة، باستثناء إدخال قوات لحفظ النظام (شرطة مدنية).

وسجّلت سورية، ثمانية آلاف حالة خطف منذ بدء الثورة حتّى 20 يوليو/تموز 2017 بحسب ما نقلت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام عن المحامي العام الأول السابق بدمشق ماهر العلبي، وهو ما يدعم ما ذهب إليه مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، من مخاطر تهدد عودة اللاجئين، مشيرا إلى أن الضغوط التي تمارسها روسيا تُعتبر مخالفة لمعاهدة اللاجئين لعام 1951، قائلا لـ”العربي الجديد” إن المطالبة بإعادة اللاجئين يخالف هذه الاتفاقية، لأن عودة اللاجئين ما زالت خطرة، ولا يزال حق اللجوء للمواطن السوري متاحا، كون بلاده خطرة، وهو معرّض للاعتقال، أو الموت، مضيفا أن اللاجئين في الحالة العامة، إمّا مطلوبون للنظام، أو ملاحقون ومعرّضون للاعتقال، أو مطلوبون للخدمة العسكرية، ناهيك عن وجود خطر أكبر، يتمثّل بتمركز مليشيات مقرّبة من إيران، في عدّة مناطق سورية، وهذه المليشيات تشكّل تهديداً حقيقياً على العائدين إلى تلك المناطق، في ظل عدم قدرة النظام السوري على ضبط عملية الخطف من المليشيات المحلية، وما تقوم به من ابتزاز وفرض للديّة.

هل النظام جاد بإعادة اللاجئين؟

يؤكد رئيس المركزي السوري للدراسات والأبحاث القانونية، أن النظام لا يريد للاجئين أن يعودوا إلى سورية، مستشهدا بحديث بشار الأسد، الذي جاء فيه (إن سورية لمن يدافع عنها، وليست لمن يحمل جواز سفرها)، مؤكدا أن تجاوب النظام مع الإجراءات الروسية، جاء فقط من أجل الإيحاء بأنّه ملتزم بإعادة المواطنين السوريين، ولكنّ كل ما جرى لا يتجاوز كونه تقارير إعلامية، ولو كان النظام جادا، لاتخذ إجراء حقيقيا وقانونيا ينظّم إعادتهم، لكن المحامي السوري المتخصص بقضايا حقوق الإنسان سلمان الحاوي يقول إن روسيا ومن خلفها النظام، تريد أن تخفّف أزمة اللاجئين على أوروبا، مقابل أن تساهم الدول الأوروبية في تمويل إعادة الإعمار على مبدأ تأمين حياة هؤلاء اللاجئين في بلادهم، بدلاً من استقبالهم على أراضيها، إذ إن هذا الافتراض من شأنه أن يجبر أوروبا على التعامل مع النظام السوري، والاعتراف به كحكومة شرعية.

ويرد البني على ما ذهب إليه الحاوي، بالتساؤل التالي: “كيف للنظام السوري أن يتحدّث عن رغبته بإعادة اللاجئين إلى منازلهم بعد عدم اكتراثه ومحاولته تهجير أهالي إدلب عبر عملية عسكرية؟”.

.

.