#########

آراء

كيف تفاوض عصابة تسرق بنكاً وتحتجز رهائن؟


حين سنحت للإدارة الأميركية ذاتها أن تلجأ إلى التصرف وحدها عقب استخدام النظام للأسلحة الكيميائية فإن كل ما فعلته كان أشبه بخطوات مخجلة تبتغي رفع اللوم!

11 / حزيران / يونيو / 2020


كيف تفاوض عصابة تسرق بنكاً وتحتجز رهائن؟

*المصدر: تلفزيون سوريا | علي سفر 


لم يتأخر النظام كثيراً بالرد على المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا (جيمس جيفري)، الذي قال قبل أيام “إن بلاده قدمت للأسد طريقة للخروج من هذه الأزمة، وإنه إذا كان مهتما بشعبه فسيقبل العرض”.

إذ رد مصدر رسمي في وزارة الخارجية والمغتربين التابعة للنظام قائلاً: إن “تصريحات جيمس جيفري بخصوص الأوضاع الراهنة في سوريا تشكل اعترافاً صريحاً من الإدارة الأميركية بمسؤوليتها المباشرة عن معاناة السوريين”.

سياق كلام جيفري الذي أحال تدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار إلى إجراءاتٍ تريد إدارته منها منع تعويم الأسد وزمرته، مكّن كتبة الرد عليه من حشر القصة كلها في خانة تحميل الأميركيين مسؤولية ما يجري! لا سيما على مستوى معيشة السوريين الذي بلغ هذه الأيام أسوأ درجة يعرفها تاريخهم الحديث!

الملفت فعلياً، فيما قاله جيفري لا يتعلق باعتقاد الأميركيين أنهم يتعاملون مع رئيس شرعي، وأنهم يأملون من هذا الرئيس الذي تلوثت يديه بدماء السوريين أن يفعل شيئاً!

ولا يتعلق بأن المبعوث الأميركي يربك إدارته بتحميلها كامل وزر قضية تدهور سعر الليرة وقبل أن تبدأ تطبيق قانون قيصر، فالجمهور السوري يعرف أن عوامل الانهيار الاقتصادي قائمة منذ سنين ولكن النظام كان طيلة الوقت يجد منافذ لنفسه عبر الاعتماد على حليفيه الإيراني والروسي، ولكنهما باتا أكثر طمعاً، وهما يريدان منه أن يدفع تكاليف حمايتهما له نقداً (كاش)، وإن جاء شكل هذا (الكاش) على شكل عقود سريعة تبتلع ثروات البلد كلها! الأسد مستعد للدفع دائماً ولكنه في هذه الأيام يعاني من مشاكل في بيته (أزمة عائلة مخلوف) ويحتاج لبعض الوقت لترتيبها، وقد زاد من وضعه السيء إغلاق حنفية سيولة نقدية مثلتها البنوك اللبنانية وهي تعاني حالياً من فقدانها بدورها للعملات الصعبة.

ما يلفت الانتباه حقاً هي فكرة أن ثمة “عرض” مقدم للأسد يجب ألّا يرفضه! وكأن سياق علاقة القوى الدولية المناهضة له، وطيلة سنوات الثورة السورية، كان مليئاً بالهجمات عليه! وأن الوقت قد حان للتهدئة وتقديم العروض!

الفكرة مضحكة ومؤلمة في الوقت ذاته، لقد أتيح للأسد طيلة تسع سنوات أن يقتل مئات آلاف السوريين دون أن يحاسبه أحد، وقد جرت وقائع المجزرة السورية تحت بصر العالم كله، ولم تقدم أي قوة عالمية يحسب لها حساب على أي خطوات فعلية تستهدف إسقاط هذا النظام، بل إن الجميع حفظ ما يمكن أن يصل إليه أي إجراء يتعلق بأفعال النظام، إذ لم تتم إدانته على أي من جرائمه، بسبب وضع البيض الدولي كله في سلة إجراءات أممية تنتهي عند حدود رفع الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن!

وحتى حين سنحت للإدارة الأميركية ذاتها أن تلجأ إلى التصرف وحدها عقب استخدام النظام للأسلحة الكيميائية فإن كل ما فعلته كان أشبه بخطوات مخجلة تبتغي رفع اللوم!

وإذا ما راجعنا سياق مشاريع التسوية التي قدمت لحل “الأزمة السورية”، إن كانت سورية داخلية أو عربية أو أممية، سنرى أنها كلها كانت تقوم على تقديم عرض ما للنظام! فهو المشكلة الأولى والأخيرة في الحكاية برمتها، والأمر هنا لا يحتاج لأي شيء كي تتم البرهنة عليه! حيث لا يستطيع أحد أن ينكر أنه هو صاحب القوة الأساسي على الأرض.

فمنذ البداية قمع المتظاهرين وقتلهم وسحل أجسادهم في الشوارع وأخفى جثامينهم، وهو من اعتقل وصفى عشرات الآلاف من السوريين، وكل الأعمال العسكرية التي جرت في سوريا كانت تستند على هذه الحقيقة، وهو أصلاً من تحكم بخيوط “اللعبة”، وقاد الثائرين المدنيين إلى حفرة التسلح، حيث يتقن هو تاريخياً لعبة العنف واستخدام فائض القوة! وهو من أخلى مناطق سورية شاسعة من سيطرته بسبب فقدانه التدريجي لهذه القوة ثم عاد إليها ليأخذها بعد أن حصل على دعم الحلفاء!

هل سمعنا بعرض ما قدمه العالم للمعارضة السياسية، كي يتوقف سيل الدم السوري، ورفضته؟ ألم يتم جرها إلى جلسات جنيف، وإلى سوتشي، كما تم جر القوى العسكرية إلى أستانة!؟ ألم يتم شحن سياسيي المعارضة للذهاب من أجل التفاهم مع النظام على دستور جديد للبلاد فتخرص عليهم بطلبات لإثبات وطنيتهم وفق فهمه هو للوطنية؟

لقد تحدث جيمس جيفري بسذاجة -أو ربما أراد أن يظهر الموضوع على هذا الشكل-عن “عرض أميركي” للنظام، فهو يعرف قبل غيره أن سياق التسوية السورية كان ومنذ البداية يقوم على عروض مقدمة للنظام، قام برفضها كلها، وبتسويف ما اضطر لقبوله منها!

وهنا يمكن لنا أن نغلب ظننا بأن جيفري، أراد إظهار الأمر بهذه السذاجة، فخلفيات الرجل العلمية والتقنية لا تجعله يرتكب مثل هذه الهفوات، ولكنه في الوقت نفسه، يعجز عن التفكير بالقوة كأداة لتسوية المشكلة في سوريا طالما أن ترامب ومن قبله أوباما لا يملكان حوافز تدفعهما للتصرف من خلالها، وهما لا يستطيعان التخلي عن فرصة توريط الروس بهذا المستنقع، فضلاً عن عدم رغبتهما بمخالفة الحليف الإسرائيلي تقديراته بشأن سوريا، حيث ترى بالأسد نظاماً يجب الإبقاء عليه طالما قام بوظيفته الموكلة إليه تاريخياً وهي حماية إسرائيل!

جيمس جيفري لا يستطيع أن يصيغ شكلاً مختلفاً لحوار إدارته التي ترى نفسها مسؤولة عن أمن العالم كله مع عصابة تسرق البنوك وقد سطت على بلد بثرواته وبمقدراته وبسكانه قبل أي شيء آخر، وهي تبتز العالم بهؤلاء الذي حولتهم إلى رهائن! وطالما كانت الولايات المتحدة وغيرها تضيق على هذه العصابة وزعيهما السبل وتشدد الإجراءات ضدهما فإن على الرهائن دفع الثمن قتلاً وتشريداً وقمعاً وتجويعاً!

إن إدارته التي حاولت ألّا تقدم على خطوات فعالة ضد محتجزي الرهائن هؤلاء، وجدت نفسها محرجة أمام صور قيصر، والحراك القانوني والأخلاقي الذي خلق قانونه، ولهذا ستبقي القوة مؤجلة، وتترك للعقوبات -حتى وإن امتدت لسنوات- أن تبلغ أشدها على هؤلاء ومن يدعمهم، حتى تقضي الظروف الذاتية والموضوعية السورية أمراً كان مفعولاً!


المادة من المصدر