#########

كلمة أولى

لا يجوز إعادة اللاجئين السوريين قسراً


لا يمكن الاطمئنان لنظام قتل مليوناً من شعبه وهجر عشرة ملايين ودمر البيوت والمدارس والمشافي ودور العبادة. ولا يمكن لأي حكومة تحترم نفسها أن تتورط في مخطط لإعادة اللاجئين السوريين بدون موافقتهم على العودة طوعاً، بعد زوال كلّ خطر على سلامتهم وأمنهم وكرامتهم.

20 / آب / أغسطس / 2018


لا يجوز إعادة اللاجئين السوريين قسراً

 

تقول المادة 31 من الاتفاقية الدولية حول اللاجئين التي وقعت في الأمم المتحدة في عام 1951 ما يلي:

1 – لا تطرد الدولة المتعاقدة لاجئا موجودا في إقليمها بصورة نظامية، إلا لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام.

2 -لا ينفذ طرد مثل هذا اللاجئ إلا تطبيقا لقرار متخذ وفقا للأصول الإجرائية التي ينص عليها القانون. ويجب أن يسمح للاجئ ما لم تتطلب خلاف ذلك أسباب قاهرة تتصل بالأمن الوطني، بأن يقدم بينات لإثبات براءته، وبأن يمارس حق الاستئناف ويكون له وكيل يمثله لهذا الغرض أمام سلطة مختصة أو أمام شخص أو أكثر معينين خصيصا من قبل السلطة المختصة.

3 – تمنح الدولة المتعاقدة مثل هذا اللاجئ مهلة معقولة ليلتمس خلالها قبوله بصورة قانونية في بلد آخر. وتحتفظ الدولة المتعاقدة بحقها في أن تطبق، خلال هذه المهلة، ما تراه ضروريا من التدابير الداخلية.

وتضيف المادة 33:

1 – لا يجوز لأية دولة متعاقدة أن تطرد لاجئا أو ترده بأية صورة من الصور إلي حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلي فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية.

2 -على أنه لا يسمح بالاحتجاج بهذا الحق لأي لاجئ تتوفر دواع معقولة لاعتباره خطرا علي أمن البلد الذي يوجد فيه أو لاعتباره يمثل، نظرا لسبق صدور حكم نهائي عليه لارتكابه جرما استثنائي الخطورة، خطرا على مجتمع ذلك البلد.

 

بدأت في الفترة الأخيرة مؤشرات بالظهور حول إمكانية إعادة اللاجئين السوريين من بعض الدول المجاورة، وبخاصة لبنان، وإلى حد ما الأردن وتركيا، بغض الطرف عن رضى اللاجئين وموافقتهم على العودة طوعا.

 

شهد لبنان الشهر الماضي عددا من التطورات المقلقة بخصوص وجود اللاجئين السوريين على أرضه، حيث صعّد سياسيون بارزون الدعوات إلى عودة اللاجئين إلى سوريا ورددوا اتهامات لا أساس لها بوجود مؤامرة دولية لتوطينهم في لبنان. وقد تعهد لبنان في مؤتمر أصدقاء سوريا للدول المانحة في بروكسل في أبريل/نيسان بالتزامات مهمة تتعلق بحقوق اللاجئين، بما في ذلك وضع الإقامة والتعليم والحماية القانونية وعدم الإعادة القسرية – أي حظر عودة الأشخاص إلى الأماكن التي يتعرضون فيها للخطر. يمكن أن يكون لهذه التعهدات أثر حقيقي وإيجابي على حياة السوريين في لبنان – إذا تم تنفيذها. لكن منذ ذلك الحين، اتخذت الأمور منعطفا نحو الأسوأ.

ولكن ما كاد لبنان يجدد التزامه في بروكسل بعدم إعادة اللاجئين قسرا، حتى رفع سياسيون أصواتهم مطالبين بعودتهم. وأمهل وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل مؤخرا المفوضية أسبوعين لوضع استراتيجية لإعادة اللاجئين، وزعم أنها تحاول تأجيل عودتهم إلى سوريا. ثم جمّد تصاريح الإقامة لموظفي المفوضية في لبنان – من دون دعم من الحكومة – متهما إياها بعرقلة عودة اللاجئين السوريين من خلال “نشر الخوف”.

 

وفي الأردن، تتكرر حوادث إبعاد اللاجئين السوريين قسرًا بحجة الاشتباه بعلاقتهم بـ “جماعات إرهابية”، في الوقت الذي تعود فيها عائلات بأكملها بينهم أطفال.

وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” وثقت في تقريرها الأخير الذي أصدرته بداية الشهر الجاري بعنوان: “لا أعرف لماذا أعادونا” عمليات رجوع ممنهجة للاجئين السوريين بإشراف السلطات الأردنية.

وبحسب التقرير، فإن السلطات الأردنية قامت مؤخرا بترحيل نحو 400 لاجئ سوري مسجل شهريًا، في حين عاد حوالي 300 لاجئ مسجل إلى سوريا طوعًا خلال تلك الفترة.

وأجرت المنظمة مقابلات مع 13 سوريًا ممن قامت السلطات الأردنية بترحيلهم مؤخرًا عبر الهاتف، وخلصت إلى أن السلطات الأردنية لم تقدم سوى معلومات شحيحة عن سبب ترحيلهم، كما أنهم لم يحصلوا على أي فرصة حقيقية للاستئناف أو طلب المشورة القانونية.

ولاحظت المنظمة أن عمليات الطرد الجماعي قد ازدادت في منتصف عام 2016 ومرة أخرى في بداية عام 2017، عقب هجومين إرهابيين في البلاد، على الرغم من عدم وجود أدلة على أن أيًا من المرحلين كانوا متورطين فيهما.

وبينما لا يزال الوضع في تركيا أفضل بالسبة للسوريين من كل من لبنان والأردن، فقد طمأن إردوغان أنصاره بأن السوريين لن يبقوا في تركيا للأبد، ما يشير إلى أن سياسته لـ”الباب المفتوح” فقدت صلاحيتها بعد تفعيلها في السنوات الأولى للصراع.

وحينذاك أظهر استطلاع أجراه مركز التقدم الأمريكي للأبحاث السياسية أن 78% من الأتراك يعتقدون أن بلدهم ينفق أموالًا أكثر من اللازم على رعاية اللاجئين.

أما “هيومان رايتس ووتش” فقالت في تقريرها إن السلطات في إسطنبول و9 محافظات على الحدود السورية أو بالقرب منها توقفت عن تسجيل طالبي اللجوء الجدد، مُحذرةً من عمليات ترحيل غير مشروعة، وإعادة قسرية إلى سوريا، والحرمان من الرعاية الصحية والتعليم.

 

بالمقابل، يبدي مسؤولون سوريون حرصا زائفا على عودة اللاجئين السوريين على الوطن. ودعت الحكومة مؤخراً إلى عودة اللاجئين وأقرّت تشريعات استعداداً لإعادة الإعمار. ما تسعى الحكومة إلى تحقيقه هو إعطاء انطباع زائف بعودة الأمن إلى سوريا، وتحاول تحقيق مكسبين اثنين من وراء ذلك. الأول هو إعطاء صورة الحكومة الراعية التي تهتم بمواطنيها، والثاني هو التقليل من الاهتمام الدولي بما يجري في سوريا، في حال تقلص عدد اللاجئين السوريين في جميع أنحاء العالم.

وتلعب روسيا اليوم الدور الأكبر في ترتيب عمليات العودة. وفي منتصف تموز/يوليو، أعلنت روسيا أنها قامت، بالتعاون مع الحكومة السورية، بإنشاء مركز استقبال وتوزيع وإيواء اللاجئين، لتسهيل عمليات العودة. على أن سوريا لم تحقّق أبسط المعايير الأساسية للسلامة والأمان اللازمة لعودة اللاجئين. حيث لا تزال مناطق البلاد في حالة نزاع، وتتزايد المخاوف من قيام الحكومة باجتياح إدلب. وحتى في المناطق التي تنعم بالهدوء إلى حدٍ كبير، لا تزال هناك تهديدات تواجه العائدين.

على أن تصرفات النظام السوري لا تماثل كلماته. فقد قال مدير المخابرات الجوية جميل حسن مؤخرا أن أكثر من 3 ملايين ملف لمطلوبين سوريين داخليا وخارجيا جاهزة، مضيفا أن “العدد الهائل للمطلوبين لن يشكل صعوبة على إتمام الخطة؛ فسوريا بـ 10 ملايين صادق مطيع للقيادة أفضل من سوريا بـ 30 مليون مخرب” حسب وصفه.

ووفقا لموقع “مراسل سوري”، لا يختلف حال اللاجئين في الدول المجاورة كثيرا عن حال المطلوبين لمخابرات الأسد؛ فمدير المخابرات الجوية وصف التعامل معهم حال عودتهم كما التعامل مع الأغنام؛ حيث سيتم تصفية “التالف” منها، واستخدام الصالح منها، أما المطلوبون منهم سيتم التعامل معهم مباشرة بتهمة “الإرهاب”، مضيفا: “سوريا بعد 8 سنوات لن تقبل وجود خلايا سرطانية، وسيتم استئصالها بالكامل”؛ مستشهدا بجملة من خطاب سابق لبشار الأسد.

وأضاف بأن أكثر من 150 ألف ملف أمني لأثرياء ورجال أعمال سوريين ممن “ساعدوا الإرهاب” -حسب وصفه-سيجري التعامل معهم بالتضييق والضغط عليهم ريثما يتم سحب أموالهم بشكل كامل “لإعادة إعمار ما قاموا بتخريبه”، وسيبقون تحت إقامة جبرية من قبل أجهزة الأمن ليسارعوا بالدفع وبشكل دوري، إلا أنّ كل ما سبق سيتم العمل عليه بصمت ودون أي تدخل إعلامي، وهو ما اشترطه الروس لضمان عدم تدخل أي طرف دولي، بذلك تتحقق نتائج المرحلة، ولكن بشكل منضبط وسريع لا يتجاوز السنتين.

 

لا يمكن الاطمئنان لنظام قتل مليونا من شعبه وهجر عشرة ملايين ودمر البيوت والمدارس والمشافي ودور العبادة. ولا يمكن لأي حكومة تحترم نفسها أن تتورط في مخطط لإعادة اللاجئين السوريين بدون موافقتهم على العودة طوعا، بعد زوال كلّ خطر على سلامتهم وأمنهم وكرامتهم.

مع العدالة

.

.