#########

بيانات وتقارير

إعادة إحياء مشاركة المجتمع المدني في عملية جنيف


لا يبدو أن دي ميستورا يفهم قيمة مشاركة المجتمع المدني، بل يرى غرفة الدعم على أنها مجرّد مربع يؤشر عليه. ونتيجة لهذا الافتقار إلى الاهتمام، فقد كانت هذه الغرفة منذ إنشائها اعتباطية ويعتريها الكثير من العيوب.

10 / كانون أول / ديسمبر / 2018


إعادة إحياء مشاركة المجتمع المدني في عملية جنيف

 

 

المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة

 

عندما قرر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا تشكيل غرفة دعم المجتمع المدني لأول مرة في عام 2016، كانت العديد من منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك المركز السوري للعدالة والمساءلة، متحمسة لإتاحة الفرصة للمشاركة. ويمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تقدّم مساهمات قيّمة في المفاوضات، بما في ذلك الخبرة الفنية والمعرفة بالمناطق التي يصعب الوصول إليها، ووجهات نظر المجتمعات المهمشة التي غالباً ما لا تُسمع أصواتها في المفاوضات. وتُعد غرفة دعم المجتمع المدني في جنيف المرة الأولى التي يتم فيها إضفاء الطابع المؤسسي على مشاركة المجتمع المدني في محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، مما يوفر مساحة لمنظمات المجتمع المدني للعمل مع مبعوث الأمم المتحدة على هامش المفاوضات. ولكن في السنوات الأربع منذ إنشاء غرفة دعم المجتمع المدني، أصيبت العديد من منظمات المجتمع المدني المشاركة بخيبة أمل عميقة. وفي نهاية المطاف، تعامل دي ميستورا مع موضوع التفاعل مع المجتمع المدني كما لو كان أمراً ثانوياً، ولم تتحقق إمكانات غرفة دعم المجتمع المدني. وبينما يستعد جير بيدرسون لشغل دور المبعوث الخاص، يود المركز السوري للعدالة والمساءلة أن يفسّر شعوره بالإحباط، على أمل أن يعترف المبعوث الخاص الجديد بهذه العيوب وأن يعيد تكليف مكتب المبعوث بالتواصل الجاد مع المجتمع المدني السوري.

 

وعلى الرغم من عدم مشاركتها غالباً في المفاوضات، يوجد الكثير لدى الجهات الفاعلة من المجتمع المدني لتقدّمه للأطراف المتفاوضة. وغالباً ما يكون لدى منظمات المجتمع المدني علاقات قوية مع المجتمعات على الأرض، ويمكنها تقديم معلومات حول وجهات نظرها التي لا تصل إلى المفاوضين بخلاف ذلك. وفي المقابل، فهي قادرة على نقل المعلومات حول عملية السلام بشكل فعال إلى هذه المجتمعات، وهو ما قد يكون أساسياً في التنفيذ الفعال لأي اتفاق. ولا يمكن لهذه العوامل أن تزيد فقط من فرصة التوصل إلى اتفاق، بل تضمن أن التوصل إلى اتفاقية نهائية سوف يخلق سلاماً دائماً. على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أن مشاركة منظمات المجتمع المدني في عملية التفاوض مرتبطة بإقامة سلام مستدام. وإن أحد الأسباب المحتملة لذلك هو أن وجود منظمات المجتمع المدني، التي تركز في الغالب على الأسباب الكامنة للصراع، مثل انتهاكات حقوق الإنسان، يبقي تلك القضايا على الطاولة أثناء مفاوضات السلام، ويضمن أن يأخذها الاتفاق النهائي في الاعتبار. وقد تزيد مشاركة المجتمع المدني من قبول هذه المنظمات للاتفاق النهائي، مما يحذو بها إلى أن تكون مناصِرة أكثر حماساً للاتفاق مع جماهيرها المستهدفة.

ومع ذلك، من تجربة المركز السوري للعدالة والمساءلة، لا يبدو أن دي ميستورا يفهم قيمة مشاركة المجتمع المدني، بل يرى غرفة الدعم على أنها مجرّد مربع يؤشر عليه. ونتيجة لهذا الافتقار إلى الاهتمام، فقد كانت هذه الغرفة منذ إنشائها اعتباطية ويعتريها الكثير من العيوب. أولاً، يعكس تصميم غرفة الدعم سوء فهم للنزاع وقيمة مشاركة المجتمع المدني. وقد تم التعامل مع غرفة الدعم على أنها نتيجة طبيعية لعملية المفاوضات السياسية، كما لو أن منظمات المجتمع المدني المشاركة تتوافق مع نفس ثنائية المعارضة والحكومة كما هو حال أطراف النزاع. وفي حين أن هذا قد يكون صحيحاً بالنسبة لبعض المنظمات، إلا أن العديد من المنظمات الأخرى، مثل المركز السوري للعدالة والمساءلة، تسعى جاهدة إلى أن تكون محايدة ولا علاقة لها بأطراف النزاع. وعلى الرغم من هذه الحقيقة، من واقع تجربة المركز السوري للعدالة والمساءلة، فإن المبعوث الحالي ينظر إلى غرفة الدعم على أنها وضع تفاوض تقليدي، مع وجود جانبين متعارضين يجلسان مقابل بعضهما بعضاً يقدّمان تنازلات من أجل التوصل إلى اتفاق سياسي واحد. ويُعتبر تقديم التنازلات جزءاً لا يتجزأ من المفاوضات السياسية، ولكن في غرفة الدعم، لا ينبغي أن يُتوقع من المشاركين التنازل عن موقفهم من حقوق الإنسان. وتُضعِف هذه الإجراءات قدرة المنظمات على التواصل بفعالية مع جمهورها المستهدف أو تمثيله، ولا سيما الضحايا، مما ينتقص من القيمة التي تجلبها لعملية التفاوض.

 

ثانياً، افتقرت عملية الاختيار للمشاركة في غرفة الدعم إلى الشفافية وأدت إلى انعدام الثقة بين منظمات المجتمع المدني السورية. وبدلاً من مأسسة إطار للتواصل والمشاركة بين المجتمع المدني السوري ومكتب المبعوث، فقد اعتمد المكتب على الاتصال المباشر بشكل فردي بين المنظمات وموظفي مكتب المبعوث، مما دفع كثيرين إلى الاستنتاج بأن هذا الشمول يعتمد على مدى رغبة المنظمات الفردية في تقديم دعم سياسي لأهداف المبعوث. وقد أدى هذا التصور إلى تشكيك منظمات المجتمع المدني في عمل غرفة الدعم وتسبب في انعدام الثقة بين المنظمات. وما قد يخفف من هذه المخاوف هو وجود عملية اختيار شفافة تعمل على التناوب بين المنظمات.

 

وأخيراً، لا توجد آلية واضحة لتغذية العملية السياسية بالاستنتاجات التي تتوصل إليها غرفة الدعم. ففي حين يشير المبعوث في كثير من الأحيان إلى وجود غرفة الدعم، فإنه نادراً ما يتضمن معلومات جوهرية عن عملها أو أي من توصياتها في إحاطاته الدورية. وقرر العديد من السوريين أن المشاركة في عملية ليس لها تأثير ملحوظ على عملية جنيف الأوسع أمر غير جدير بإضاعة وقت منظماتهم أو مواردها عليه.

ولا يهدف أي من هذه الانتقادات إلى الانتقاص من القيمة المحتملة لمشاركة المجتمع المدني من خلال غرفة الدعم. ويمكن لمنظمات مثل المركز السوري للعدالة والمساءلة وشركائه التحدث عن وجهات نظر حول النزاع يتم تجاهلها في كثير من الأحيان أثناء المفاوضات السياسية. حيث أن لديهم موظفين وشركاء على الأرض، وغالباً ما يعملون مباشرة مع المجتمعات المهمشة والنازحين والناجين من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي. ويمكنهم تبادل الخبرات الفنية حول مجموعة من القضايا ذات الصلة، بما في ذلك المساعدات الإنسانية والتنمية والعدالة الانتقالية وبناء السلام. غير أن المفاوضات لن تتمتع بهذه الفوائد إذا لم يتم تنفيذ التغييرات. ويدعو المركز السوري للعدالة والمساءلة المبعوث الخاص الجديد إلى إعطاء الأولوية لإشراك منظمات المجتمع المدني والعمل مع المجتمع المدني لإصلاح غرفة الدعم حتى تتمكن من لعب دور فعلي في بناء سلام مستدام في سوريا.

.

.