#########

بيانات وتقارير

سوريا: هجوم على مدرسة يوقع قتلى ويخرق القانون


عندما خرجت من البيك آب، مشيت بضعة أمتار باتجاه المكان الذي سقطت فيه [القذيفة] الثانية. عندما سقطت الثالثة، رماني ضغطها نحو الشاحنة. أتذكر أنه كانت هناك بنتان، تلميذتان تسيران نحوي. اصطدمتُ بالشاحنة وسقطتُ على الأرض

13 / كانون الثاني / يناير / 2019


سوريا: هجوم على مدرسة يوقع قتلى ويخرق القانون

 

 

الهجمات المتكررة على إدلب تؤكد الحاجة إلى حماية المدنيين

***

 

المصدر: هيومن رايتس ووتش

 

 

(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن هجوما شنته القوات الحكومية السورية يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 قرب مدرسة ابتدائية، وقتل 6 أطفال ومعلمة ووالدة طالب، يبدو غير قانوني وعشوائي. على جميع أطراف النزاع، بما فيها التحالف العسكري السوري-الروسي والجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، ضمان حماية الأطفال والمدنيين من أي هجوم.

استخدم في الهجوم الأرضي في بلدة جرجناز، في محافظة إدلب، نظام هاون عيار 240 ميليمتر روسي الصنع. يطلق هذا النظام قذيفة كبيرة شديدة الانفجار مصممة “لهدم الحصون والتحصينات الميدانية”، طبقا لكتالوغ تسويقي للأسلحة الروسية. جُرح أيضا 10 أطفال تقريبا، 2 على الأقل فقدا أطرافهما، و3 بالغين. شن هجوم عشوائي قد يتسبب في موت أو إصابة مدنيين، أو شن هجوم مع المعرفة بإمكانية تسببه بخسائر مدنية عرضية أو إصابات أو أضرار، عند ارتكابه بنية إجرامية، يمكن أن يرقى إلى جريمة حرب. 

قال بيل فان إسفلد، باحث أول في حقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش: “الهجوم المروع على جرجناز هو لمحة صغيرة عما سيواجهه آلاف الأطفال إذا شُن هجوم شامل على إدلب بلا تدابير صارمة تحمي المدنيين. في ضوء الاضطرابات الأخيرة في المحافظة، من الضروري أن تضغط روسيا على قوات الحكومة السورية لوقف مثل هذه الهجمات التي تنتهك القانون بشكل صارخ، وعلى جميع أطراف النزاع وضع حماية المدنيين كأولوية”.

ما يزال في إدلب حوالي 3 ملايين شخص، أكثر من نصفهم فروا من الاشتباكات في مناطق أخرى من سوريا. هي إحدى آخر مناطق السيطرة الرئيسية للجماعات المناهضة للحكومة. ورغم اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة والجماعات المسلحة المناهضة لها في محافظة إدلب منذ 17 سبتمبر/أيلول، نفذ الطرفان هجمات بالمدفعية. في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول، شُنّت 8 هجمات على الأقل ضد جرجاناز. بحسب السكان، كانت البلدة تحت سيطرة “جبهة التحرير الوطني” المناهضة للحكومة والتي تدعمها تركيا وقت هجوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني، قبل انتقال السيطرة عليها إلى “هيئة تحرير الشام”، جماعة مناهضة للحكومة معروفة بقربها من “تنظيم القاعدة”، في يناير/كانون الثاني. تسبب القتال بين فصائل المعارضة بسقوط ضحايا مدنيين.

قال شهود إنه بين الساعتين 12:45 و1 بعد الظهر يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني، أصابت 3 قذائف المنطقة قرب مدرسة الخنساء الابتدائية، على المشارف الجنوبية الغربية لجرجناز، متسببة بانفجارات ضخمة. تظهر الصور التي عرضها شهود على هيومن رايتس ووتش ومقاطع فيديو على الإنترنت نُشرت بعد ساعات من الهجوم بقايا قذائف هاون من عيار 240 ميليمتر من طراز “3إف2” (3F2) “غاغارا” روسية الصنع.

تعمل “مدرسة الخنساء” الابتدائية بدوامين، الأول صباحي للأطفال من سن 6 إلى 9، والثاني يبدأ الساعة 11 صباحا لمن أعمارهم بين 8 و13 عاما، وفقا لمسؤولي المدرسة. كان 200 طفل تقريبا في المناوبة الثانية في المدرسة عندما انفجرت أول قذيفة مدفعية حوالى الساعة 12:45 أو12:50 بعد ظهر السبت، وهو يوم مدرسي في المنطقة، كما قال مسؤولو المدرسة لـ هيومن رايتس ووتش.

توجد إلى جانب المدرسة كلية لتدريب المعلمين تضم 250 طالبا وطالبة أعمارهم 19 عاما فما فوق. بقي جميعهم داخل الكلية خلال الهجمات ولم يصب أي منهم بجروح، وفقا لمسؤولي المدرسة ومتطوع في الدفاع المدني يعمل والده في الكلية.

تحدثت هيومن رايتس ووتش عبر “واتساب” مع 7 شهود على الهجوم، بينهم 3 موظفين في المدرسة، ومالك متجر يعيش في مكان قريب، وناشط إعلامي محلي، و2 من متطوعي الدفاع المدني وصلا إلى المدرسة لإخلاء الجرحى. طلب الجميع عدم ذكر أسمائهم خوفا من انتقام القوات الحكومية. كما راجعت هيومن رايتس ووتش صورا ومقاطع فيديو للهجوم قدمها إليها شهود، وأخرى نُشرت على الإنترنت.

قال شهود عيان إنهم لم يتمكنوا من سماع صوت إطلاق قذائف الهاون، لكن صوت التفجيرات كان مرتفعا بشكل غير عادي، ما يتفق مع مدى قذائف هاون عيار 240 ميليمتر وقدرتها التدميرية. قال أحد السكان، “كان الصوت أعلى من صوت براميل أو قنابل الميغ”، في إشارة إلى القنابل البرميلية المرتجلة، التي تسقطها المروحيات السورية والقنابل التقليدية شديدة الانفجار التي تلقيها طائرات روسية الصنع ذات الأجنحة الثابتة.

أكد جميع الشهود الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش أنه لا توجد مواقع عسكرية في جرجناز أو قرب المدرسة، رغم عدم تمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من ذلك بشكل مستقل. قال ناشط إعلامي إن السكان لم يسمحوا “للجماعات المسلحة بدخول [جرجناز]، ولا توجد قوافل ولا مقرات عسكرية. تقع المقرات العسكرية في أراضي زراعية بعيدة عن المدينة”. أكد مسؤول في المدرسة أنه “لم تكن هناك مراكز أو مقرات عسكرية في جرجناز” منذ بدء النزاع في 2011.

غياب أي مواقع عسكرية في المدرسة قربها أو المنطقة المجاورة من شأنه أن يجعل هذه الهجمات ضد المدنيين عشوائية وربما متعمدة. قالت هيومن رايتس ووتش إنه حتى لو كانت الهجمات قد استهدفت موقعا عسكريا، ينبغي تجنب استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار الواسعة في منطقة مأهولة بالسكان لإمكانية، تسببها بضرر للمدنيين.

قال فان إسفلد: “لا يوجد مبرر لمهاجمة المباني المدنية كالمدارس، ومع ذلك تواصل القوات السورية تشويه وقتل أطفال المدارس دون عقاب. وقف الهجمات العشوائية خطوة أولى مهمة لحماية الفئات الأكثر ضعفا”.

الأسلحة المستخدمة

يبلغ المدى الأقصى لقذائف الهاون المحمولة بالصواريخ المستخدمة في الهجوم 20 كيلومتر تقريبا، مع رأس حربي شديد الانفجار وزنه 46 كيلوغرام ذي تأثير مدمر واسع النطاق. تزن كل قذيفة 239 كيلوغرام وتتطلب فريقا من 5 أفراد على الأقل لتحميل قذائف هاون عيار 240 ميليمتر وإطلاقها. ويتم إما قَطْر هذه القذائف أو وضعها على مركبة حاملة.

وثقت هيومن رايتس ووتش استخدام الجيش السوري المدمر لقذائف الهاون عيار 240 ميليمتر في هجمات عشوائية ضد مدينة حمص عام 2012، واستخدام قذيفة عيار 240 ميليمتر تحوي ذخائر عنقودية ومحمولة بالصواريخ في هجوم على مدرسة في ضاحية دوما بدمشق في 2015. ليس من المعروف استخدام أي من مجموعات المعارضة المسلحة في سوريا نظام الهاون عيار 240 ميليمتر.

هجوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني

سقطت القذيفة الأولى على بعد نحو 550 متر شمال شرق المدرسة، ودمّرت منزلا من 4 غرف لم يكن أصحابه فيه. بعد حوالي 8 دقائق، انفجرت القذيفة الثانية في الشارع على بعد نحو 30 متر شمال غرب المدرسة، وقتلت روعة عبد الرزاق الدغيم (30 عاما) وابنها التلميذ حسين (11 عاما)، عندما كانا في سيارة. قال موظفون في المدرسة إن الانفجار أدى إلى تحطيم نوافذ المدارس، وإن عدة تلاميذ ومدرِّسة مذعورين يعيشون في الجوار هربوا من المدرسة إلى الحقول الزراعية المجاورة.

بعد دقيقتين أو 3 من الانفجار الثاني، أصابت القذيفة الثالثة المنطقة الزراعية نفسها، على بعد نحو 75 مترا غرب المدرسة، حسبما قال مسؤولان في المدرسة، ما أسفر عن مقتل المدرِّسة، خديجة الضبعان (30 أو 33 عاما)، وكانت حاملا؛ والأخوين إياد وعبد الغني الدغيم ( 10 و11 عام)؛ وعثمان أحمد الضبعان (9 أعوام)؛ والفتاتين نجمة الضبعان (12 عاما) وأسماء الخطاب (12 عاما)، والذين ركضوا خارج المدرسة.

أدى الهجوم الثالث إلى جرح 10 أطفال، من بينهم 9 تلاميذ، وفقا للسكان وحقوقيين، من بينهم ابن المدرِّسة البالغ من العمر 20 شهرا، الذي كانت تحمله وقُطعت ساقه اليسرى؛ وطفل عمره 10 أعوام، قُطعت ساقه اليمنى؛ وتلميذ آخر؛ وطفل أتى لإحضار شقيقته إلى البيت من المدرسة؛ وامرأة أتت لإحضار أولادها؛ وأحد السكان، عمره 50 عاما، أصيب في بطنه وعموده الفقري، ما أدى إلى شلله جزئيا؛ ومعروف إبراهيم الجبان، وهو متطوع في الدفاع المدني، الذي أصيب في الفقرات والعمود الفقري.

استمرت الهجمات في وقت لاحق من ذلك اليوم، وفي اليوم التالي. قال الناشط الإعلامي ف. د. الذي صوّر الهجمات في مدرسة جرجناز، لـ هيومن رايتس ووتش: “كان هناك قصف كل ساعتين”. قُتلت الطفلة أمينة الديبو (3 أعوام) بقصف مدفعي الساعة 2:30 صباحا، وأصيب شقيقها البالغ من العمر 5 أشهر، بحسب السكان ومجموعات حقوقية.

قال 2 من مسؤولي المدرسة إنهما والعديد من السكان الآخرين فروا من جرجناز بسبب الهجمات المستمرة. قال مسؤول في إحدى المدارس إن البلدة تعرضت لهجمات مدفعية أخرى في 25 و26 نوفمبر/تشرين الثاني: “لم يبقَ أحد. إذا لم يكن هناك مواطنون ولا يوجد تلاميذ، من سيفتح المدارس؟”

ضرب هجوم في 10 سبتمبر/أيلول مدرسة “القدس” الابتدائية ومدرسة “النضال” الثانوية المجاورة في جرجناز، ما أسفر عن إصابة 5 تلاميذ وإغلاق المدارس 3 أيام، وفقا لمراقبين حقوقيين ومسؤول آخر في المدرسة. قال ه. د.، أحد السكان، إن هجوما آخر في 2 نوفمبر/تشرين الثاني قتل 8 أشخاص، جميعهم مدنيين. من بين القتلى، حدد حقوقيون طفلين هما مصطفى الخاتون (15 عاما)، ومحمد العزو (10 أعوام).

روايات الشهود

قال ه. د.، وهو إداري رفيع في المدرسة، إنه بعد الهجوم الأول وقف عند المدخل الرئيسي للمدرسة لمحاولة منع الأطفال من المغادرة:

في جلسات التدريب، قيل لنا إن البقاء في الداخل [أثناء الهجوم] أكثر أمانا من الخروج. في الوقت نفسه، ومع ذلك، كان الزجاج قد تحطم والناس فقدت الوعي. وصل الأهالي لأخذ أطفالهم، وكانوا خائفين. عندما وصلوا، وقع الهجوم الثاني. ضربت [الطلقتان] الثانية والثالثة على بعد أمتار قليلة من المدخل. … لم نرَ مثل يوم 24 [نوفمبر/تشرين الثاني]. أب، أم، يأتيان من أجل أطفالهما، ويشاهدانهم يموتون أمام أعينهما؟ هم على بعد 100 متر، لكن لم يتمكنوا من الوصول إلى بعضهم. سوف يؤثر هذا على الجميع في جرجناز، على قطاع التعليم بأكمله.

قال م. د.، الذي يملك متجرا في السوق الرئيسي بجرجناز، إنه بدأ يقود دراجته النارية إلى المنزل بعد الانفجار الأول، وإن منزله كان بالقرب من المدرسة، حيث وقع الانفجار الثاني بينما كان في طريقه:

وصلت إلى مدخل المدرسة. كان الأطفال يصرخون، والأمهات، كلهن يبكين. الأشلاء في كل مكان. ذراع، ساق، أحشاء. لا يمكنك وصف ذلك، فقد البعض ساقه، وفقد البعض ذراعه، وكان البعض يصرخ. ليس هناك ما هو أكثر بشاعة. أول شخص رأيته كان أخي. كان يختبئ خلف جدار، لكنه القدر. أصابته [شظية]. يبدو أنه كان يحاول التوجه نحو منزلنا للاختباء، لكنه لم ينجح في ذلك. كان [تلميذا] في الصف الخامس. ذهبت إليه، وأزلت حقيبة ظهره، وحملته إلى سيارة وأخذوه.

بقيت لمساعدة الدفاع المدني، وفجأة سقطت [القذيفة] الثالثة، على بعد حوالي 10 أمتار غربا، ما أدى إلى إصابة عديد من الأشخاص، من بينهم رجل من الدفاع المدني. من لم يُصب في الهجوم الثاني، أصيب في الثالث. لا أعرف ماذا أقول. هذا يدمي القلب. الأطفال يتوسلون إليّ، “عمو أرجوك اسحبنا، نحن بحاجة إلى المساعدة”.

قال الناشط الإعلامي ف. د. إنه “شعر بالقلق من استهداف المدرسة” بعد سماع الهجوم الثاني، وانطلق نحو الموقع:

بعد دقيقتين من الثانية، سقطت [القذيفة] الثالثة بينما كنت في طريقي. سقطت الثانية في الشارع، أمام منزل، وألحقت أضرارا به ودمرت مركبتين. وصل الدفاع المدني لإنقاذ الناس وسحب الأطفال، [الذين كانت أجسامهم] مقطّعة، مع حقائبهم المدرسية. ما رأيته كان مروّعا. على يميني، يطلب الناس المساعدة، يبكون. على يساري أيضا أشخاص يطلبون المساعدة. وأمامي الناس يصرخون ويبكون. نظرت إلى اليسار ورأيت سيارة دمّرت وقُتل فيها امرأة وطفل […].

انفجرت [قذيفة هاون] ثالثة في حقل وقتلت التلاميذ الذين كانوا يهربون من المدرسة عبر الأراضي الزراعية، لأنهم كانوا خائفين من الهرب بين البيوت. أحدهم كان بلا ساق. خسر آخر نصف رأسه. آخر ذهب جزء من جسده. كانوا جميعهم ممزقين، وكانت حقائبهم المدرسية على أكتافهم. كان الدم في كل مكان. قصف مدفعي. شعرت بالضياع. كان مريعا. رأيت الكثير. ليس مثل هذا، أبدا.

قاد م. ج.، عامل الدفاع المدني من مركز تلمنّس، شاحنة “بيك آب” إلى المدرسة مصحوبا بسيارة طوارئ لإجلاء المصابين بسبب القذيفة الثانية. تلقى إصابة في الظهر من موجة انفجار القذيفة الثالثة:

عندما خرجت من البيك آب، مشيت بضعة أمتار باتجاه المكان الذي سقطت فيه [القذيفة] الثانية. عندما سقطت الثالثة، رماني ضغطها نحو الشاحنة. أتذكر أنه كانت هناك بنتان، تلميذتان تسيران نحوي. اصطدمتُ بالشاحنة وسقطتُ على الأرض. سقطت الفتاتان أمامي. حاولتُ أن أسحب واحدة منهما، بالكاد وصلت إليها، لكني لم أستطع بسبب إصابتي. لم يسمح لي ظهري وساقاي بسحبها. ماتت الفتاة. أنا نجوت.

سمع أ. ي.، الذي يعمل في المدرسة، أول انفجار، لكنه قال إن الانفجار الثاني جعل الأطفال “يبدؤون بالصراخ”:

صوت الانفجار، إنها المرة الأولى التي نسمع فيها شيئا كهذا، كان ضخما، ومخيفا جدا جدا، ومؤذيا جدا. حاولنا السيطرة على الوضع. وضعنا الجميع بين مبنيَين. أغلقنا الأبواب، ولم نكن نريد السماح لهم بالخروج. مع ذلك، غادر البعض مع المُدرِّسة، وسقطت القذيفة الثانية حيث كانوا على بعد 25 مترا. المَدْرَسة كانت هي الهدف.

المادة من المصدر ⇐ هنا 

.

.