#########

بيانات وتقارير

انهيار المناطق الساحلية في سورية يخلق فرصاً لروسيا


في حين كان طلال الأسد وأيمن جابر من قادة الميليشيات المهربين، فإن الأول من العائلة الحاكمة والأخير ليست كذلك. على الرغم من أن أفراد عائلة الأسد كانوا دائماً منبوذين إلى حد ما؛ فإذا كان بشار غير قادر على كبح جماح زعيم ميليشيا متمرد

23 / حزيران / يونيو / 2019


انهيار المناطق الساحلية في سورية يخلق فرصاً لروسيا

 

*مع العدالة 

 

نشر معهد الشرق الأوسط الذي يتخذ من واشنطن مقراً له تقريراً حول توسع النفوذ الروسي في مناطق الساحل السوري، وخاصةً في طرطوس واللاذقية، وذلك على حساب النفوذ الإيراني والسيطرة الشكلية لقوات النظام؛ ويعود ذلك إلى سبب المناوشات المحلية من قبل الميليشيات المقرّبة من عائلة الأسد على طرق التهريب. 

وبحسب التقرير أن هذا التنافس والصراعات الدائرة، قد يكون لها آثار جوسياسية أوسع بكثير ضمن المناطق الساحلية. بينما يحاول نظام الأسد السيطرة على مناطق المعارضة وأماكن القوى (الإسلامية)، اضطر  إلى رهن احتكاره لاستخدام قوة الجماعات شبه العسكرية والميليشيات لتعويض النقص الحاد في القوى المعترف بها ضمن صفوف قواته. وقد تحدّت هذه الميليشيات الموالية والمكلفة بتوفير الأمن في هذه المناطق الساحلية، والتي يرتبط بعضها مباشرةً بعائلة الأسد، سيادة النظام، مما دفع بالتدخل الخارجي هناك، من قبل الروس في أغلب الأحيان، أو الإيرانيين.  

 

جنة المهربين

لطالما كانت المنطقة الشمالية في اللاذقية ملتقىً هاماً لشبكات التهريب التي تمتد من تركيا إلى سورية. وعندما وصل حافظ الأسد إلى السلطة في أواخر الستينيات، تمكنت الجماعات التي كانت مهمشة في السابق من استخدام صلاتها الأسرية والعشائرية للاستفادة من شبكات التهريب وتوسيعها. واليوم، كُلف هؤلاء المهربون وغيرهم من الجماعات شبه العسكرية، مثل قوات الدفاع الوطني ولواء الدرع الساحلي، بحراسة قلب النظام.

 

 

ويضيف التقرير فيما يخص الميليشيات المسلحة و (الشبيحة)، أنه وحتى السنوات القليلة الماضية، كان التهديد الوجودي من قبل المعارضة والمقاتلين الإسلاميين يردع الجماعات الموالية للنظام عن تحدي الحكومة علناً. وفي حين سمح النظام لجماعات الميليشيات الموالية له بالاستفادة من التهريب إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وحتى من ابتزاز السكان المحليين، إلا أنه وضع باستمرار خطاً ضد السماح لهم باستخدام أسلحتهم على النظام. وحتى وقت قريب، تمكن النظام من التصرف بسرعة وحسم أمر بعض الجماعات المسلحة الموالية، كما حدث عندما أمرت وزارة دفاع النظام بحلّ ميليشيا صقور الصحراء الموالية للنظام في عام 2017 بعد أن واجه ابن عم قائد هذه الميليشيا الموكب الرئاسي بعنف في القرداحة؛ وفي حين أنها كانت تعتبر وحدة “من النخبة” وتم دمجها في صفوف قوات الفرقة الخامسة، إلا أن مثل هذه الإهانة المسلحة للنظام – بل وللرئيس نفسه – بحسب التقرير، كانت أبعد من أن تكون عادية وتم حل الجماعة وتهميش زعيمها “أيمن جابر”.

“تأسست الميليشيا على يد أيمن جابر «قائد مغاوير البحر»، مطلع عام 2014، وتلقّت تدريبات من قبل ضباط روس، وشاركت في معارك ريف اللاذقية ضد المعارضة السورية، وفي البادية (تدمر، الشاعر)، ضد تنظيم الدولة”. 

 

وعن الجرائم والانتهاكات وحوادث الخطف، يشير التقرير إلى حوادث عديدة، وبحسب وصفه أن ميزان القوى قد تغير: حدثت زيادة ملحوظة في الجرائم المبلغ عنها في القرداحة واللاذقية التي ارتكبتها الميليشيات الموالية. سرقة السيارات والاختطاف للحصول على فدية، وذلك يبدو بشكل متسارع أن حجم الانتهاكات في ارتفاع. وفي آذار/مارس، حاولت قوات النظام والحرس الجمهوري المدعومة من روسيا اعتقال طلال الأسد، ابن عم رئيس النظام السوري وزعيم قوات الدفاع الوطني المحلية. وما تزال أسباب اعتقاله غامضة، ولكن يبدو أنه رفض أمراً مباشراً بإرسال أحد قادته إلى دمشق للتحقيق معه بعد القبض عليه وهو يهرّب المخدرات في المنطقة. وعندما واجه طلال قوات الحرس الجمهوري، هرب إلى القرداحة، حيث طرد جميع أفراد النظام المدنيين والعسكريين الآخرين وشرع في إطلاق الصواريخ على مدينة اللاذقية كتحذير. وحتى الآن، لم تتصرف أي ميليشيا موالية في سورية بهذه الصفاقة ضد النظام – ولا تزال قائمة.

كان طلال الأسد وأيمن جابر من قادة الميليشيات المهربين، فإن الأول من العائلة الحاكمة والأخير ليس كذلك. على الرغم من أن أفراد عائلة الأسد كانوا دائماً منبوذين إلى حد ما؛ فإذا كان بشار غير قادر على كبح جماح زعيم ميليشيا متمرد، فما نوع الرسالة التي يرسلها ذلك إلى أولئك الذين يتطلعون إليه لاستعادة الاستقرار؟ علاوة على ذلك، يمكن أن ينظر إلى هذا التحدي المفتوح من قبل النخب المتنافسة، وربما بعضها داخل عشيرة الأسد، كفرصة لدفع بشار جانباً. الانهيار المستمر في سلطته الشخصية قد يعني أنه فاز في المعركة ضد المعارضة لكنه خسر الحرب في النهاية.

 

أما عن الأثمان التي دفعها النظام السوري لحلفائه فتأتي كما جاء في التقرير أنه، في الوقت الذي يحاول فيه بشار محاربة الثوار والمعارضين الداخليين على حد سواء، فإنه يكافح أيضاً لتحقيق التوازن بين مصالح وأهداف مؤيديه الأجانب، إيران وروسيا، وكلاهما كان له دور فعال في الدفاع عن النظام. غير أن دعمهم جاء بثمن. واضطر النظام الى تقديم تنازلات اقتصادية مثل حقوق التنقيب عن النفط والغاز واتفاقات التجارة التفضيلية فى قطاعات مثل الزراعة وعقود إعادة إعمار المناطق التى دمرتها الحرب . وبالإضافة إلى ذلك، تسعى إيران وروسيا إلى توسيع نطاق آثارهما العسكرية في سورية من خلال بناء قواعد وتعزيز قوات بالوكالة. وقد سعت إيران إلى إنشاء ودعم قوات شبه عسكرية في سورية، المحلية والأجنبية على حدّ سواء، لمساعدة النظام وتوفير النفوذ لطهران بعد انتهاء الحرب. وقد قدمت روسيا الدعم الجوي على جبهة القتال وعملت على إضفاء الطابع الاحترافي على القوات المسلحة السورية و(إعادة) دمج الوحدات شبه العسكرية في هيكل عسكري رسمي. وقد أدى القتال على غنائم الحرب إلى زيادة المنافسة بين روسيا وإيران في سورية، مع تزايد المواجهات المباشرة – لا سيما في محافظة دير الزور الشرقية – بين قواتهما.

 

وفي الوقت الذي يسعى فيه البلدان إلى التأثير في سورية بعد انتهاء النزاع، فإن انعدام الأمن المتزايد في المناطق الساحلية يتيح فرصة للاستغلال. وقد تتطلع إيران إلى تمكين شقيق الرئيس، ماهر الأسد، الذي يقود الفرقة الرابعة في الجيش ومن المعروف أن لديه تعاطفاً مؤيداً لإيران. وحتى الآن، أثبت بشار أنه حليف مفيد ومرن لإيران، ولكن مما لا شك فيه أنهم يفضلون أن يكون لديهم بديل إذا ثبت أنه غير موثوق به. وقد يكون تشجيع انعدام الأمن في اللاذقية وطرطوس، أو على الأقل عدم تثبيطه بشكل نشط، وسيلة لتمكين ماهر على حساب بشار. وفي حين أن إيران ربما لم تكن تهدف إلى انقلاب في القصر، فإن تشجيع الجماعات شبه العسكرية على التحرّك كان يمكن أن يكون وسيلة لممارسة الضغط على بشار بينما كان يتردد بين إيران وروسيا.

وعن السيادة التي يتشدّق بها النظام كل يوم، وباتت مضربَ مثلٍ للمهرجين وأكذوبة من أكاذيب النظام السوري، يوضح التقرير أن إيران إذا ما كانت لديها نية لتقريب بشار، فقد تم سحب البساط من تحتها عندما بدأت الشرطة العسكرية الروسية في الانتشار عبر طرطوس واللاذقية لقمع تصاعد الجريمة والعنف. وعلى الرغم من أن روسيا قد وضعت الشرطة العسكرية داخل سورية في السابق، إلا أنها المرة الأولى التي تقوم فيها بذلك في منطقة لم تكن تسيطر عليها قوات المعارضة من قبل. وفي كثير من الأحيان، كان المدنيون والمقاتلون المعارضون السابقون يُنظرون إلى الشرطة العسكرية الروسية على أنها ضامن أمني أكثر حيادية من النظام أو القوات الإيرانية النظامية أو المرتزقة. وإن نشر الشرطة العسكرية الروسية في طرطوس واللاذقية يدل على عدم قدرة نظام الأسد على مراقبة أراضيه بشكل فعال، ومدى ذهاب روسيا لتولي وظيفة أساسية للدولة السورية. وبالسماح له بنشر القوات الروسية مباشرة في قلب النظام، عزز الرئيس “فلاديمير بوتين” وجهة النظر القائلة بأن روسيا وحدها، وليس إيران، هي التي يمكن أن توفر الأمن والاستقرار الحقيقيين.

 

ومع ذلك، فإن تحرك روسيا ليس بالتأكيد إيثارا ً، حيث تتمتع باستثمارات كبيرة في كل من قاعدة حميم الجوية في محافظة اللاذقية – فهي تتولى قيادة قواتها للبلد بأكمله والتي توجه منها الحملات الجوية – وقاعدتها البحرية في طرطوس.

وإذا كانت الميليشيات الموالية، وبعضها أكثر تحيزاً لإيران من روسيا، فإنها يمكن أن تهدد اثنين من أعظم الجوائز الجيوسياسية التي فازت بها روسيا من خلال تدخلها في سورية. وفي قاعدة حميميم الجوية، نشرت روسيا نظامها المتقدم للصواريخ المضادة للطائرات من طراز S-400، الذي يتمتع بمدى كافٍ لحرمان أي طائرة تابعة لحلف شمال الأطلسي أو غير صديقة لها في جميع أنحاء شمال شرق البحر الأبيض المتوسط.

وبالإضافة إلى ذلك أبدت روسيا عزمها على توسيع قاعدة طرطوس البحرية، التي تستأجرها بموجب صفقة طويلة الأمد مع الحكومة السورية وهي ميناء المياه الدافئة الوحيدة لها. وباختصار، ترى روسيا أن أمن هاتين القاعدتين العسكريتين يشكل أولوية قصوى، وهي على استعداد لوضع قواتها على المحك لحمايتهما.

 

التطلع إلى المستقبل

ومن المؤكد أن تزايد انعدام القانون للميليشيات الموالية في المناطق الرئيسية يثير مشاكل للنظام. ودعا بشار الأسد الذي يعتبر غير راغب أو غير قادر روسيا إلى المساعدة والتحرك ضد طلال وعصابته، واغتنمت موسكو هذه الفرصة، ونشرت شرطتها العسكرية لاستعادة الأمن وتعقب طلال، بدلاً من السماح لعدم الاستقرار بتفاقم أو تنظيم عملية عزل بشار. وتقوض هذه الخطوة إيران وتعزز دور روسيا كحليف مدافع عن النظام بينما تزيد من ديون بشار، الذي يمكن أن يستمر في انتزاع تنازلات اقتصادية وربما عسكرية.

وفي الوقت الراهن، تتجه الموازين قليلاً نحو روسيا في النضال من أجل كسب غنائم الحرب في المناطق التي يسيطر عليها النظام. وإذا تمكنت روسيا من إعادة تأهيل الجيش السوري المنهار، فإن ذلك قد يسهل قبوله في النظام العالمي والحصول على تمويل واسع النطاق لإعادة الإعمار، وهو هدف رئيسي لكل من روسيا والنظام. وبالإضافة إلى ذلك، فإن دعم روسيا لنظام الأسد يدل على أمنها ونواياها الدبلوماسية لحلفاء محتملين آخرين في الشرق الأوسط وأماكن أخرى.

 

 

المادة من المصدر