#########

بيانات وتقارير

سوريا: ظروف قاسية تعيشها عائلات المشتبه بهم من “داعش”


على البلدان أن تدعم عودة المواطنين وزيادة المساعدات

25 / تموز / يوليو / 2019


سوريا: ظروف قاسية تعيشها عائلات المشتبه بهم من “داعش”

المصدر: “هيومن رايتس ووتش”

(الهول، شمال شرق سوريا) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن “الإدارة الذاتية” التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا تحتجز أكثر من 11 ألف امرأة وطفل أجنبي بينهم على الأقل 7 آلاف طفل دون سن 12 مرتبطين بتنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضا بـ “داعش“) في ظروف مروعة وأحيانا تؤدي إلى الوفاة داخل مخيم صحراوي مغلق هناك.

وجدت هيومن رايتس ووتش خلال 3 زيارات لها في يونيو/حزيران 2019 إلى مخيم الهول، حيث تُحتجز نساء وأطفال أجانب، مراحيض فائضة، ومياه مجارٍ متسربة إلى الخيام الممزقة، وسكان يشربون مياه الغسيل القذرة من خزانات تحتوي على ديدان. كان أطفال صغار لديهم طفح جلدي وأطرافهم نحيلة وبطونهم منتفخة ينبشون أكوام القمامة النتنة تحت أشعة الشمس الحارقة، أو يرقدون على أرضيات المخيم وأجسادهم غارقة في الأوساخ والذباب. وبحسب مجموعات الإغاثة ومديري المخيمات، فإن الأطفال يموتون من الإسهال الحاد والأمراض الشبيهة بالإنفلونزا.

قالت ليتا تايلر، باحثة أولى في شؤون الإرهاب ومكافحته في هيومن رايتس ووتش: “النساء والأطفال الأجانب محبوسون إلى أجل غير مسمى في جحيم رملي في شمال شرق سوريا، بينما تشيح بلدانهم الأصلية بنظرها عنهم. ينبغي للحكومات أن تفعل ما في وسعها لحماية مواطنيها، وليس تركهم للمرض والموت في صحراء غريبة”.

وفقا للأمم المتحدة، لقي 240 طفلا على الأقل مصرعهم في طريقهم إلى الهول أو عند وصولهم إليها. وقالت مجموعة المساعدات الدولية أن سلطات المخيم، الذي تشرف عليه الإدارة الذاتية، يبدو أنها لا تسجل الوفيات باستمرار. ولم ترغب هذه المجموعات الكشف عن هويتها خشية فقدان إمكانية الوصول إلى الهول.

لا يسمح حراس الهول للنساء والأطفال بمغادرة المخيم إلا عندما تتم مرافقتهم لحالات الطوارئ، مثل الجراحة غير المتوفرة في مستشفيات المخيم.

قال مسؤولون من الإدارة الذاتية لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لا يعتزمون محاكمة النساء والأطفال. وعند سؤالهم عن الوضع القانوني للنساء والأطفال، اكتفوا بالقول في تصريح مكتوب موجز إنه عندما غادرت النساء والأطفال المناطق الخاضعة لـ داعش، نقلوا إلى الهول “ليتم العمل على تسليمهم إلى دولهم كونهم من جنسيات مختلفة”. وقد طلبت الإدارة مرارا وتكرارا من البلدان الأصلية استعادة جميع مواطنيهم المحتجزين تحت رعايتها. حيث قال أحد مديري المخيم “لقد أُثقل كاهلنا”.

ينبغي أن تساعد الدول على الفور جهود مواطنيها المحتجزين في مخيم الهول للعودة إلى ديارهم إذا اختاروا القيام بذلك. وينبغي للإدارة الذاتية، وكذلك البلدان الأصلية، ضمان ممارسة الاحتجاز فقط وفقا للقانون، على أساس فردي وبحماية الحقوق الأساسية للمحتجزين بموجب القانون الدولي، بما في ذلك المراجعة القضائية للاحتجاز.

ينبغي للحكومات المانحة، والأمم المتحدة، والوكالات الإنسانية أيضا أن تزيد المساعدات على الفور لجميع سكان المخيم، ومنهم أكثر من 7 آلاف طفل.

من 21 إلى 23 يونيو/حزيران، قابلت هيومن رايتس ووتش 26 امرأة أجنبية محتجزة في ملحق الهول من دول مثل أستراليا وبلجيكا وكندا وفرنسا وهولندا وترينيداد. وكانت من بين النساء أمهات كنّ قد توسلن إلى حراس المخيم للحصول على أخبار أزواجهن أو أبنائهن الذين فصلتهن عنهم “قوات سوريا الديمقراطية” التي تدعمها الولايات المتحدة ويقودها الأكراد عندما فررن من المناطق التي يسيطر عليها داعش خلال الأشهر القليلة الماضية.

توسلت “عائشة”، وهي امرأة حامل من ترينيداد، قائلة: “أرجوك أخبروني، أين أبنائي؟ أرجوك، دعوني أزورهم”. وقالت إن قوات سوريا الديمقراطية أخذت ابنيها (14 و15 عاما)، ووالدهما عندما فرت العائلة من أبو بدران الخاضعة لسيطرة داعش في يناير/كانون الثاني وقالت عن مسؤولي المخيم:

“أولا قالوا إنهم سيحضرون أولادي إليّ في غضون شهر، ثم قالوا أسبوعين آخرين، ثم قالوا إنهم كانوا مرضى في المستشفى، ثم على مدى الشهرين الماضيين، لا شيء!” كنساء أخريات تمت مقابلتهن، لم ترغب عائشة في استخدام اسمها الحقيقي.


والدة تحمل طفلها في ملحق مخيم الهول. بعض النساء من ذوات حالات الحمل الخطيرة ينجبن أطفالهن في الخيم بدون طبيب أو قابلة قانونية. قال عمال الإغاثة إن ذلك يعود إلى أن الحراس يتأخرون في تلبية طلبهن بالذهاب إلى المستشفى أو إنهن يصلن إلى المستشفى الذي يرفض استقب

 

الظروف مزرية في جميع أنحاء الهول التي تضم 62 ألف سوري وعراقي في أقسام المخيم الرئيسية، معظمهم زوجات وأطفال لرجال متهمين بالانضمام إلى داعش. ومع ذلك، فإن الظروف هي الأسوأ في المرفق الذي يضم الأجانب الـ 11 ألف غير العراقيين. وبحسب عمال الإغاثة، يتلقى الملحق مساعدات أقل من المتبرعين، وينتظر سكانه الحراسة المسلحة لإحضارهم إلى سوق المخيمات والمستشفيات ومراكز توزيع الأغذية، والذي تصل إليه النساء والأطفال السوريين والعراقيين بحرية.

باستثناء إحداهن، قالت جميع النساء الأجنبيات اللواتي قابلتهن هيومن رايتس ووتش إنهن يرغبن في العودة إلى ديارهن. قالت إحداهن، وهي أوزبكية، إنها تريد الذهاب إلى بلد ثالث لأنها تخشى الاضطهاد إذا ما عادت إلى وطنها. أجمعن أنه لا يُسمح لهن بمغادرة المخيم المغلق بينما لم تقل أي منهن أنها مثلت أمام قاض لمراجعة ما إذا كان ينبغي احتجازها أو إذا ما كانت حكومتها قد اتصلت بهن.

قالت ليلى (فرنسية – 29 عاما): “كنا سجناء الدولة (داعش) والآن نحن سجناء محررينا. أنا مستعدة للذهاب إلى السجن مرة أخرى في بلدي إذا اضطررت إلى ذلك، ولكن أرجوكم أخرجوني من هنا”.

يسمح القانون الدولي بفرض عقوبة للجرائم على الأشخاص المسؤولين عن هذه الجرائم فقط، وذلك بعد محاكمة عادلة لتحديد الذنب الفردي. فرض عقوبة جماعية على العائلات بمنعها من مغادرة المخيمات ينتهك قوانين الحرب.

مخيمات النازحين، إلا إذا كانت أماكن احتجاز مشروعة كالسجون، يجب أن تحترم الحق في حرية الحركة بمغادرة المخيمات والعودة إليها. إذ لا يجوز تقييد حرية التنقل إلا إذا نص عليها القانون وكانت ضرورية لحماية الأمن القومي، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الأخلاق، أو حقوق الآخرين وحرياتهم. أي قيود يجب أن تكون غير تمييزية، ومتناسبة، وضرورية لتحقيق الأهداف المشروعة.

احتجاز أي شخص، بمن فيهم المدنيون المُحتجزون في بداية زمن الحرب باعتبارهم تهديدات أمنية، يجب أن يتم على أساس قانوني واضح، وللمحتجزين الحق في الطعن في ضرورة شرعية اعتقالهم أمام المحكمة. يجب ألا يُحتجز أي شخص في ظروف غير إنسانية أو مهينة. إذ يُلزم القانون الدولي جميع البلدان بضمان العدالة من خلال محاكمات عادلة حتى لأخطر الجرائم، كتلك التي ارتكبها داعش.

كما يمنح القانون الدولي الجميع الحق في العودة إلى وطنهم، ويلزم البلدان بالوفاء بحق الطفل في الحصول على الجنسية. فُسِّر هذا الواجب ليشمل الأطفال المولودين في الخارج لمواطني أي دولة كي لا يكونوا عديمي جنسية.

قالت تايلر: “الظروف في ملحق مخيم الهول غير مقبولة وغير معقولة، والتخلي عن المواطنين وتركهم مسجونين إلى أجل غير مسمى دون تهمة لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة”.

وفقا لمسؤولين من الإدارة الذاتية بقيادة “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني”، يضم ملحق الهول أكثر من 7 آلاف طفل أجنبي و3 آلاف امرأة أجنبية من حوالي 50 دولة. يُحتجز عدة مئات من الأجانب في مخيمين آخرين في شمال شرق سوريا في عين عيسى وروج. بالإضافة إلى الغربيين، يشمل الأجانب الجزائريين والإندونيسيين والماليزيين والمغاربة والروس والتونسيين والأتراك والأوزبك وغيرهم. قال عمال الإغاثة إن حوالي ثلثي الأطفال الأجانب تقل أعمارهم عن 12 عاما، ومعظمهم دون الخامسة من العمر والمئات منهم أيتام فُقد أو توفي والداهم. في حين أن معظم النساء والأطفال هم من الوافدين حديثا، قال بعضهم إنهم محتجزون في الهول منذ أكثر من عام.


تردد الجهات المانحة، وصول غير كاف

ألقت سلطات الإدارة الذاتية الكردية اللوم في الظروف التي يشهدها ملحق الهول على عدم كفاية المساعدات المقدمة من المانحين الأجانب. وقال الرئيس المشارك لدائرة العلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية الديمقراطية عبد الكريم عمر لـ هيومن رايتس ووتش: “نشعر بأن المجتمع الدولي قد تخلى عنا. رعاية هؤلاء الأجانب مشكلة كبيرة لنا، وينبغي على البلدان استعادة مواطنيها وإعادة تأهيلهم”.

قال عمر إن الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية قدمتا تضحيات كبيرة بالفعل كجزء من التحالف الدولي الذي يقاتل داعش. وقال إن حوالي 12 ألف من جنود قوات الدفاع الذاتي لقوا مصرعهم وأصيب 20 ألف آخرون في قتال داعش “حتى يتمكن الناس في أوروبا من النوم بهدوء ليلا”.

تعمل حوالي 30 وكالة إغاثة، منها “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” و”اليونيسيف” في الهول. لكن العديد من الدول المانحة تشعر بالقلق من دعم سكان المخيم الذين قد يشملون بعض المنتمين إلى داعش أو المتعاطفين معها، كما قالت سلطات إدارة الحكم الذاتي والعاملون في المجال الإنساني. يأتي ذلك على الرغم من أن الغالبية في المخيم هم أطفال صغار لم يكن لديهم خيار سوى العيش مع والديهم تحت حكم داعش.

قال فابريتسيو كاربوني، الذي يرأس عمليات الشرق الأدنى والشرق الأوسط في “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”: “إننا نشهد وصم شريحة واسعة من سكان المخيم التي ينظر إليها كتابعة لداعش”. وحذر من ازدواج المعايير حيال “الضحية الجيدة – الضحية السيئة”. تحظر المعايير الدولية الحرمان من المساعدات الأساسية، لا سيما إن كان ذلك قائما على الانتماء العقائدي أو الديني.

تشعر بعض المنظمات بالقلق من أن مساعدتها يمكن أن تبقي على الاحتجاز لأجل غير مسمى للنساء والأطفال دون تهمة. وقال أحد عمال الإغاثة: ” مساعدة اللاجئين شيء ومساعدة السجون شيء آخر”.

أفاد “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” (أوتشا) في يوليو/تموز أن المستشفيات الميدانية الثلاثة الموجودة في مناطق المخيمات الرئيسية تعاني من نقص في المواد ونقص الموارد. تدير منظمة “أطباء بلا حدود” عيادة صحية داخل الملحق وتدير اللجنة الدولية للصليب الأحمر عيادة متنقلة هناك، لكن ساعات عمل المؤسستين محدودة بسبب نقص الموظفين والمخاوف الأمنية.

قالت منظمات الإغاثة إن مشاكل الوصول المزدوجة تعيق أيضا تقديم الخدمات. يجب أن تحصل الوكالات الإنسانية التي أبرمت اتفاقات للعمل في سوريا على إذن للوصول إلى الهول عبر دمشق لأن الإدارة الذاتية التي تسيطر على الثلث الشمالي من سوريا، بما في ذلك مخيم الهول، ليست حكومة معترف بها دوليا. غالبا ما تكون المفاوضات مع الحكومة السورية بشأن وصول المساعدات الإنسانية صعبة، كما وثقت هيومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر في يونيو/ حزيران.

قال عمال الإغاثة إن حتى الوكالات التي تحصل على إذن من الحكومة السورية، أو التي تعمل بشكل سري في الهول بدونه، تواجه أحيانا تأخيرات في الحصول على إذن من سلطات الإدارة الذاتية لتقديم المساعدة داخل الملحق. وفي تقريره الصادر في يوليو/تموز، قال أوتشا إن وصول المساعدات الإنسانية إلى الملحق “لا يزال مقيدا” بطرق “تستمر في منع تقديم الخدمات والتأثير عليه”.


ظروف صحية قاسية

قال مديرو المخيم وعمال إغاثة إن أحد أسباب سوء الأحوال في الهول هو تزايد عدد سكان المخيم من 10 آلاف شخص في ديسمبر/كانون الأول 2018 إلى أكثر من 73 ألفا بحلول أبريل/نيسان. طرد التحالف بقيادة الولايات المتحدة خلال تلك الفترة داعش من معقله الأخير في الباغوز، وهي بلدة في شرق محافظة دير الزور. كان العديد ممن قدِموا من دير الزور مصابين بجروح خطيرة وصدمات نفسية وسوء تغذية. قال مسؤولو المخيم وعمال إغاثة إنه رغم سوء الظروف في مخيم الهول بكامله بشكل عام، الوضع أسوأ بكثير في الملحق، مقارنةً بباقي مناطق المخيم حيث يُحتجز السوريون والعراقيون.

كانت أصوات بكاء الأطفال وسعال النساء والأطفال تملأ ملحق مخيم الهول أثناء زيارات هيومن رايتس ووتش. كانت زوبعة غبار مخروطية الشكل تقذف غبارا حارا وأنقاضا على الخيام.

كان لدى العديد من النساء والأطفال قروح جلدية مرئية من طفيلية الليشمانيا التي تنتقل عبر ذباب الرمل. قال مديرو المخيمات إنه تم تشخيص بعض سكان المخيم بالسل. قال عمال إغاثة إن مياه الشرب غير معقمة بما يكفي وشحيحة. رصدت هيومن رايتس ووتش شرب أطفال للماء من خزان لمياه الغسيل القذرة تخرج منه الديدان.

في يوليو/تموز، ذكر أوتشا حدوث “زيادة حادة” في حالات الإسهال الشديد و”زيادة طفيفة” في سوء التغذية الحاد في جميع أنحاء الهول.

قال عمال إغاثة إن بعض النساء يلدن في خيامهن من دون طبيب أو قابلة، ومنهن نساء حملهن محفوف بالمخاطر لمضاعفات ما قبل الولادة مثل فقر الدم أو ارتفاع ضغط الدم. قالوا إن من الأسباب قيام “الأسايش” – حرس المخيم من رجال الأمن التابعين لإدارة الحكم الذاتي – بتأخير أو رفض طلبات ذهاب النساء إلى المستشفى، أو قد يصلن إلى المستشفى ليجدنه ممتلئا ولا يتم استقبالهن فيه. أضافوا أنه مما يزيد الوضع سوءا، النساء اللواتي يلدن في المستشفى يتلقين تلقائيا رعاية ما بعد الولادة والضروريات مثل الحفاضات، بينما يتعين على النساء اللواتي يلدن في خيام طلب مثل هذه المساعدات.

قالت 3 نساء إن فتاة صغيرة توفيت في الملحق الأسبوع الماضي نتيجة فشل كلوي.

رأت هيومن رايتس ووتش عدة أطفال جرحى في الملحق؛ أحدهم صبي روسي عمره 12 عاما عظامه ناتئة ويضع رقعة على عينه اليسرى. قال: “شظايا في الباغوز”، مضيفا أنه فقد البصر في تلك العين.

صبي آخر عمره 4 سنوات، من أوزبكستان، جلس يحدق في الفراغ بينما كانت تدفعه والدته عبر الأنقاض في عربة. كان الصبي مبتور الساق حتى منتصف فخذه. قالت والدته إن ساق الصبي تمزقت أثناء غارة للتحالف بقيادة الولايات المتحدة على سوسة السورية أواخر 2018. قالت: “أحاول منذ 4 أشهر الحصول على عكازين وساق اصطناعية له”.


أوضاع أسوأ للأجانب

قالت جميع النساء تقريبا اللواتي تمت مقابلتهن في الملحق إنه بالإضافة إلى مشاكل الوصول إلى الخدمات الأساسية في مناطق المخيمات الرئيسة، فإنهن لا يملكن ما يكفي لابتياع أغذية طازجة لأطفالهن لتكملة الحصص المقدمة لهن من العدس أو الحبوب أو الزيت أو السكر أو الحفاضات. قال سكان المخيم وعاملو إغاثة إن ذلك يعود إلى مصادرة قوات سوريا الديمقراطية وعناصر أسايش أموال النساء ومقتنياتهن الثمينة الأخرى، ومنعنهن من بيع أي ممتلكات تمكنّ من الاحتفاظ بها.

قال مسؤولو إغاثة إن مسؤولي المخيم يسمحون للنساء السوريات والعراقيات في مناطق المخيم الرئيسة بإجراء عمليات شراء عبر الحوالات، لكن لا يُسمح للأجانب بذلك.

قال مسؤولو إغاثة إن سلطات إدارة الحكم الذاتي تمنع النساء في الملحق من استخدام هواتفهن المحمولة خوفا من اتصالهن بأعضاء داعش، رغم السماح بها في أقسام السوريين والعراقيين. بدأت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مساعدة النساء على إرسال رسائل مكتوبة إلى أفراد أسرهن، لكن الكثيرات لم يقمن بذلك بعد، وكانت المراسلات غير منتظمة بالنسبة للواتي قمن بذلك.

في جميع الزيارات الثلاث، شاهدت هيومن رايتس ووتش عشرات النساء يضربن سياج الملحق بشكل متكرر، ويطالبن بمرافقين للوصول إلى المؤن أو الخدمات الصحية. شاهدت هيومن رايتس ووتش بعض النساء ينتظرن لساعات تحت أشعة الشمس في درجة حرارة 40 درجة مئوية. وصلت درجة الحرارة في الهول هذا الصيف 50 درجة مئوية.

صرخت امرأة تظهر عليها علامات الحمل بوضوح، “قاربتُ المخاض. ماذا عن حقوقنا الإنسانية؟” قالت النساء إنه بحلول الوقت الذي يصلن فيه إلى نقطة توزيع المواد الغذائية، تنفد الحصص أحيانا ويتوجب عليهن العودة في اليوم التالي.


العيش في خوف

التوتر كبير في الهول، وقالت نساء كُثر إنهن يخشين على سلامتهن وأطفالهن. هددت النساء الملتزمات بأفكار داعش، وقمنَ فعلا، بإحراق خيام نساء وأطفال يرونهم كفرة. قال مديرو المخيم وعمال إغاثة إنه في حادثتين منفصلتين، في يونيو/حزيران ويوليو/تموز، طعنت امرأة حارسا بسكين مخبأ في عباءتها.

يداهم الحراس الخيام ليلا وكثيرا ما يطلقون النار في الهواء للحفاظ على النظام. في 3 يوليو/تموز، أطلق الحراس النار وأصابوا صبيين عمرهما 10 و12 سنة، قالوا إنهما كانا يرشقانهم بالحجارة، بحسب عمال الإغاثة. سمعت هيومن رايتس ووتش أصوات عيارات نارية مرتين أثناء وجودها في المخيم في يونيو/حزيران.

كما قال من جرت مقابلتهن إنهن يخشين رجال أمن الأسايش الذين يقومون في كثير من الأحيان بتفتيش الخيام في منتصف الليل ويأخذون العائلات. قال مديرو المخيم إن المداهمات الليلية ضرورية لإبعاد النساء أو الأطفال الذين يمثلون تهديدات أمنية، أو لنقل العائلات التي تخشى على سلامتها إلى مناطق أخرى من الهول أو مخيمات أخرى.

قالت نساء كثيرات إنهن يخشين أيضا حرائق الخيام التي تسببها النساء اللواتي يطبخن في خيامهن؛ توفي طفل واحد على الأقل جراء حريق ناتج عن الطبخ. ذكرت أخريات زحف حشرات وثعابين على الألواح التي ينامون عليها ليلا.


ترحيل بالتقسيط

كانت عمليات إعادة المشتبه بهم من داعش وأفراد أسرهم من شمال شرق سوريا والعراق إلى أوطانهم تتم على قدم وساق. نظمت كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وروسيا وكوسوفو وتركيا عودة أكثر من 1,250 مواطنا محتجزين في شمال شرق سوريا والعراق، معظمهم من الأطفال.

لكن تجاهلت معظم الدول دعوات إدارة الحكم الذاتي لها لإعادة مواطنيها إلى بلادها، أو أعادت أعدادا صغيرة ومحدودة أغلبها من الأيتام. وصفتهم الدول بأنهم تهديد أمني، مشيرةً إلى تعقيدات التحقق من جنسية الأطفال الذين يفتقرون إلى وثائق أو المولودين ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة داعش.

استعادت النرويج في يونيو/حزيران 5 أيتام من شمال شرق سوريا، واستعادت فرنسا في مارس/آذار ويونيو/حزيران 18 طفلا – 17 من شمال شرق سوريا وواحد من العراق. في يونيو/حزيران، أعادت السويد 7 أطفال إلى ديارهم، واستعادت هولندا طفلين من سوريا. استعادت ألمانيا أقل من 10 من العراق، بينما استعادت أستراليا في يونيو/حزيران 8 أطفال من سوريا. استعادت الولايات المتحدة، التي انتقدت حلفاءها الغربيين لرفضهم استعادة جميع مواطنيهم، 16 من المشتبه بهم من البالغين والأطفال منذ يوليو/تموز 2018. استعادت إيطاليا في يونيو/حزيران أحد المشتبه بانتمائهم إلى مقاتلي داعش.

سمحت فرنسا بمحاكمة 11 مواطنا في العراق رغم الحُكم عليهم بالإعدام في إجراءات شابتها مزاعم تعذيب. سحبت المملكة المتحدة الجنسية من مواطنين من بينهم شيماء بيغوم، التي انضمت إلى داعش في الخارج. اقترحت الدنمارك في مارس/آذار سحب الجنسية من أطفال أعضاء داعش. قدمت أستراليا في يوليو/تموز تعديلات شديدة للقانون الأسترالي تحظر عودة المواطنين الذين لا تتجاوز أعمارهم 14 عاما إذا كان يُشتبه في أنهم من المقاتلين الأجانب في الخارج.


التعبير عن الندم

قالت جميع النساء اللواتي تمت مقابلتهن إنهن أدركن بعد وصولهن إلى سوريا أنهن ارتكبن خطأ. أكّدن جميعا أن أدوارهن طوال فترة حياتهن في ظل داعش لم تتخطّ دور ربات البيوت والأمهات. ليست هيومن رايتس ووتش في وضع يسمح لها بالحكم على صحة هذه الادعاءات، ومن الواضح وجود بعض النساء في المخيم يؤيدن أيديولوجيا داعش ويسعين إلى إنفاذها. يجب توجيه الاتهام إلى النساء اللواتي ارتكبن جرائم دولية، وإطلاق سراح من لا تواجه تهما جنائية. لكن ينبغي عدم معاقبة الأطفال الذين جُلبوا إلى مناطق سيطرة داعش أو وُلدوا فيها لسوء تقدير أو جرائم أهاليهم.

قالت “فاطمة”(27 عاما)، وهي أرملة بلجيكية احتجزت في الهول مع أطفالها الأربعة الصغار: “لم يختر أطفالي هذه الحياة”. أضافت أن ابنتها وعمرها 7 سنوات، لم تتعلم حتى القراءة والكتابة خلال عيشها في ظل داعش. وابنتها الأخرى، وعمرها 6 سنوات، مصابة بعدوى فيروسية. لم تتمكن فاطمة من الحصول على الرعاية الطبية في الملحق، فجمعت الأموال لشراء محاليل وريدية وأدخلت الإبرة في ذراع ابنتها بمساعدة صديقة لها.

قالت فاطمة: “ليس لدى أطفالي مرحاض يعمل. عندما يسمعون أصوات إطلاق نار، يبكون ويتذكرون الاشتباكات. إنهم يستحقون فرصة ثانية”.


توصيات إضافية

ينبغي للدول اتخاذ جميع الخطوات الممكنة على الفور لضمان قدرة مواطنيها العالقين في أي من مناطق الهول أو في مخيمات أو سجون أخرى في شمال شرق سوريا على طلب العودة إلى بلادهم، كجزء من تدابير المساعدة في جهود الإعادة إلى الوطن، وتسريع جهود التحقق من الجنسية، وخاصة للأطفال. ينبغي للدول التي يمكنها ضمان محاكمات عادلة وظروف إنسانية التحقيق مع ومحاكمة العائدين المسؤولين عن جرائم دولية مثل جرائم الحرب والتعذيب إذا لزم الأمر.

يجب معاملة الأطفال كضحايا في المقام الأول، بمن فيهم من جنَّدهم داعش، وينبغي اتخاذ القرارات بشأن مستقبلهم بناء على مصلحتهم الفضلى. ينبغي إعادة الأهالي إلى أوطانهم مع أطفالهم ما لم يكن الانفصال في مصلحة الطفل. يجب ألا يواجه الأطفال ملاحقة قضائية إلا في ظروف استثنائية.

في غضون ذلك، ينبغي لمسؤولي المخيمات في إدارة الحكم الذاتي، والمنظمات الإنسانية، والحكومات المانحة، بمن فيها تلك التي لديها مواطنون محتجزون في المخيمات في شمال شرق سوريا، تحسين الظروف الصحية، وتوفير الغذاء والمياه النظيفة، والمأوى، والخدمات الطبية والنفسية-الاجتماعية لجميع سكان المخيم. ينبغي للإدارة الذاتية زيادة حصول سكان القطاع إلى الخدمات الأساسية في مناطق المخيم الأخرى.

ينبغي لإدارة الحكم الذاتي والتحالف بقيادة الولايات المتحدة الذين يقاتلون داعش تسهيل التواصل بين سكان المخيم وعائلاتهم، بما في ذلك الأقارب المحتجزين في سجون أو مخيمات منفصلة.

ينبغي للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الضغط ومساعدة وكالات الأمم المتحدة، بما فيها مفوضية اللاجئين والدول الأعضاء، على تنسيق استجابة عالمية وسريعة، تدعم حماية حقوق الإنسان الدولية وتشمل عمليات الإعادة إلى الوطن وإعادة التوطين.


شهادات النساء المحتجزات في ملحق الهول

هذا كابوس لا أفيق منه. أردنا كمسلمين تجربة الدولة الإسلامية كحال المسيحيين الراغبين في زيارة القدس. كان من السهل جدا دخول سوريا عبر تركيا. ولكن بعد ذلك وجدنا أنه لا مفر. كانت القنابل تتساقط في كل مكان ولم نكن نملك ما يكفي للهرب. في النهاية حتى الطعام أخفاه [داعش] عنا، وكان مقاتلوه فقط يأكلون. نحن محطمون جدا. لا نشكل تهديدا لأي أحد. نريد فقط أن يرتاد أطفالنا المدرسة وألا نقلق من أين ستأتي الوجبة القادمة.

– “عائشة”، حامل في الأسبوع الـ 37، من ترينيداد. أم لخمسة أطفال، منهم صبيان، 14 و15 عاما، أُخذا مع زوجها عندما استسلمت العائلة لقوات قوات سوريا الديمقراطية في يناير/كانون الثاني.

أردت العودة إلى وطني منذ اليوم الأول لوصولي إلى سوريا. لقد عاملنا [داعش] كالقمامة. كان ثمة ظلم كبير. لكن ظلّ زوجي يقول، “انسوا العودة. إذا عرفوا أننا نريد الرحيل سيسجنوننا أو يقتلوننا”. ثم مات زوجي قبل عامين. لم يعد إلى البيت. ومن وقتها أحاول إيجاد مسار العودة إلى وطني. يقول النبي… إن الشام أرض مباركة، لكنني لم أرَ أي بركة.

– “ماريا” من بلجيكا، أرملة، أم لطفلين مولودين في سوريا.

قالت زوجي ذات يوم: “أنا ذاهب، ستأتين معي”. قلت في نفسي، “لماذا؟ نحن مرتاحون”. لكن كامرأة مسلمة، عليّ أن أتبع زوجي. أريد فقط العودة إلى أستراليا. تقول عائلتي إنها ستستعيدني وأطفالي. يعتقد الناس أننا وحوش. قولوا لهم من فضلكم إننا بشر، مثلهم تماما.

– “راضية” من أستراليا، أرملة، أم لثلاثة أطفال مولودين في سوريا.

فكرت، “الآن سأكون قادرة على ممارسة ديني وتغطية وجهي دون التعرض للمضايقة كما يحصل في بلدي”. لكن بعدما وصلت [إلى سوريا]، أدركت مدى الخطر. خاب أمل زوجي أيضا. قبل عام، وجدنا مُهرِّبا يخرجنا. أردنا بداية جديدة، لكن أخذتنا القوات الكردية [قوات سوريا الديمقراطية].

– “مريم” من كندا، أم لطفلين مولودين في سوريا، زوجها في سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية.

جئت إلى سوريا لأنني كنت أواجه مشاكل في العمل وفي المنزل. يبدو كلاما تقليديا. كان عمري 20 عاما عندما غادرت. جاءتني الفكرة بينما كنت أتحدث عبر الإنترنت مع الأخوات [أعضاء داعش]. تزوجت بعد أسبوعين من وصولي. أعطوني ورقة تحتوي على أسماء 3 رجال وأعمارهم ومدنهم. اخترت رجلا من مسقط رأسي. التقينا وكنا نحب بعضنا، ثم قُتل برصاصة في الرأس. إذا توجب علي الذهاب إلى السجن، سأقبل. أريد فقط العودة إلى الوطن.

– “هانكة” من هولندا، أرملة.


المادة من المصدر