#########

أخبار وآراء

نيويوركر: من هو رائد فارس الذي ماتت باغتياله الثورة السورية؟


تفيد غريسوولد بأن فارس اكتسب شهرة عالمية بشجاعته وذكائه، وقال فارس لاجتماع لناشطي حقوق الإنسان في أوسلو العام الماضي: "في الحقيقة أن السوريين ضحايا لصنفين من الإرهاب.. إرهاب الأسد من جانب، وإرهاب تنظيم الدولة والمتطرفين الآخرين"، وكان يصر على السخرية من الأطراف جميعها.

03 / كانون أول / ديسمبر / 2018


نيويوركر: من هو رائد فارس الذي ماتت باغتياله الثورة السورية؟

 

 

*مصدر الترجمة : عربي 21 /  بلال ياسين

 

نشر موقع مجلة “نيويوركر” مقالا للصحافية إليزا غريسوولد، تتحدث فيه عن اغتيال المذيع السوري والناشط في مجال حقوق الإنسان، رائد فارس، بعدما تعرض لإطلاق النار في كفرنبل في محافظة إدلب شمال غرب سوريا.

وتقول الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته “عربي21″، إن “رائد فارس، كان في يوم من أيام الربيع الماضي، يمشي في مكتبي في جامعة نيويورك ذهابا وإيابا، يريد أن يشعل سيجارة، كان فارس أحد أكبر قيادات الثورة الديمقراطية ضد الديكتاتور بشار الأسد، كان عمره 46 عاما، لكن كانت لديه خطوط عميقة حول عينيه البنيتين، وكان يدير برنامجا إذاعيا اسمه (راديو فريش)، ووجد طريقة فكاهية لجذب انتباه الغرب المتراجع للنكبة المستمرة في بلده، التي وصلت عامها السابع”. 

 

وتشير غريسوولد إلى أنه في أحد الفيديوهات التي نشرها فارس على الشبكة، شبه السوريون وكأنهم يعيشون في الكهوف، وكانت تلك محاولة ساخرة لعكس غياب رد الفعل الأمريكي للهجمات الكيماوية التي شنها نظام الأسد، حيث قال: “لغياب الإنسانية في ذلك الوقت”. 

 

وتلفت الكاتبة إلى أن “فارس جاء إلى جامعة نيويورك للحديث للطلاب عن الوضع في سوريا، (تحدث مرة مع الفصل الذي أدرسه من محطة إذاعته من خلال فيس تايم، وكان يدخن سيجارة، وعندما انتهى منها ألقى بالعقب في زاوية الغرفة.. وتفاجأ الطلاب من ذلك التصرف، فضحك بلطف، وقال عقب سيجارة مشتعل لا يساوي شيئا لغارات الحكومة الجوية التي دمرت البناية مرتين)، وكان فارس لا يزال يعيش في سوريا، بالرغم من المحاولات المتكررة لاغتياله، وقال لي إنه لا ينوي الخروج من البلد حتى يسقط الأسد، وهو احتمال تحول على مدى السنوات القليلة الماضية من احتمال ضئيل إلى أمر شبه مستحيل”.

وتقول غريسوولد: “قابلت فارس عام 2014، بعد عدة أشهر من قيام متطرفين مرتبطين بتنظيم الدولة بإطلاق النار عليه وتركه على اعتبار أنه قتل خارج بيته في كفرنبل، وهي بلدة في محافظة إدلب، وكان فارس قد تحدث ضد المتطرفين، وأدار مركزا للنساء، وهو ما اعترض عليه المسلحون، ولكن فارس نجا من الهجوم، وأخذته عائلته إلى مستشفى قريب، ثم أخذته إلى تركيا للعلاج من ثقب في الرئة، وكان يحب أن يتندر بالقول إن الطبيب قال له بأنه ليس بحاجة لرئتين؛ لأن أنفه كان كبيرا بما فيه الكفاية لإدخال الكثير من الهواء، وقضينا عدة أسابيع بالقرب من الحدود في مقاه نشرب القهوة التركية ونستمع إلى موسيقى العود، وقال لي إنه نشأ على مشاهدة تجاوزات النظام: فخلال طفولته قام حافظ الأسد باعتقال الإخوان المسلمين وتعذيبهم، حيث كان يخشى الأسد من أنهم يتآمرون للإطاحة به، فارس لم يهتم كثيرا بالسياسة معظم حياته، وفي العشرينيات من عمره أصبح مدمنا على الهروين، لكنه تمكن من التخلص من ذلك دون علاج، وفي الثلاثينيات من عمره عمل في بيع العقارات، وعندما بدأ الربيع العربي في2011 نزل إلى الشارع مع آلاف السوريين في مظاهرات سلمية ضد النظام”.  

وتنوه الكاتبة إلى أن “فارس أدرك بسرعة أن المظاهرات، التي كانت تنطلق بعد صلاة الجمعة في أغلب الأحيان، لن تكون وحدها كافية للإطاحة بالأسد، وشعر بأن الناشطين السوريين يمكنهم الاستفادة من جذب الانتباه الدولي، فبدأ ينشر صور على (فيسبوك) ولافتات باللغة العربية والإنجليزية، بعضها كتبت على أغطية الأسرة، وبعضها كان فكاهيا بمرارة، فكتب في إحدى لافتاته: (لقد قام الأسد بتنويم العالم مغناطيسيا وأمره بالتصرف كالأبله) وغيرها كان مباشرا وقويا مثل: (أوباما، إن دورك في سوريا لن يقبل كخطأ مثل كلينتون في رواندا، لكنه سيعد جريمة مع سبق الإصرار)، ويعتقد فارس أن تردد إدارة أوباما في التدخل في سوريا شكل أكبر فشل لها”.

وتفيد غريسوولد بأن فارس اكتسب شهرة عالمية بشجاعته وذكائه، وقال فارس لاجتماع لناشطي حقوق الإنسان في أوسلو العام الماضي: “في الحقيقة أن السوريين ضحايا لصنفين من الإرهاب.. إرهاب الأسد من جانب، وإرهاب تنظيم الدولة والمتطرفين الآخرين”، وكان يصر على السخرية من الأطراف جميعها، وبدأ إذاعته “راديو فريش” لتقديم المعلومات للسوريين، ولتحدي النفوذ المتنامي للمتطرفين، وقال للكاتبة: “إنهم شاهدوا الكثير من أفلام رامبو”.

وتذكر الكاتبة أن “عمله كان خطيرا، ونجا من عدة محاولات اغتيال، وقام المتطرفون باختطافه وتعذيبه، لكن تم إطلاق سراحه في النهاية، وعندما طلب منه المتطرفون عدم بث موسيقى في إذاعته؛ لأن ذلك حرام، قام فارس ببث ساعات من نقيق الدجاج، وعندما منعوه من بث أصوات النساء قام بتمرير أصوات مقدمات البرامج عبر برامج تخشن أصواتهن لتصبح شبيهة بأصوات الرجال”.

 

وتبين غريسوولد أنه بالإضافة إلى تشغيل إذاعة “فريش”، فإن فارس ساعد في العناية بمئات الآلاف من الناس الذين يصارعون لأجل البقاء في الشمال السوري، وعمل نظاما لإنذار الناس من الغارات الجوية، حيث كان يرسل أحد الموظفين لديه ومعه جهاز اتصال لاسلكي إلى تلة قريبة يراقب فيها الطائرات وطائرات الهيلوكبتر، وعندما يتصل الموظف يقوم فارس بتشغيل صافرة إنذار قديمة تعود للحرب العالمية الثانية، مشيرة إلى أنه بعد أن أصبح نظام الأسد يشن غارات جوية منسقة على مدارس الأطفال، قام فارس بتنظيم فصول دراسية في طوابق التسوية في البنايات كونها أكثر أمانا، بالإضافة إلى أنه أقام مراكز حضانة للأطفال، حيث يمكن للنساء ترك أطفالهن للذهاب ليتعلمن، وكان يدير برنامج تدريب في الصحافة ضم 2500 شاب وشابة.

وتقول الكاتبة إنه على مدى العام الماضي، حيث نجحت قوات الأسد في استعادة البلد كلها تقريبا، تدفق النازحون إلى إدلب، وهي أحد المعاقل الأخيرة من سوريا المحررة، وبحسب الأمم المتحدة، فإن عدد سكان إدلب تضاعف تقريبا إلى حوالي 3 ملايين شخص، ثلثهم تقريبا من الأطفال، وهم ينتظرون أن يشن جيش النظام هجوما، سيتسبب بحسب الأمم المتحدة بنزوح حوالي 800 ألف شخص، فيما وتوقع مسؤول في الجانب الإنساني في الأمم المتحدة أن الهجوم “سيتسبب بضغوط فوق الطاقة والإمكانيات، وقد يتسبب بخلق أزمة إنسانية على مستوى غير مسبوق في هذه الأزمة”. 

 

وتشير غريسوولد إلى أن سوريا خسرت ما لا يقل عن 400 ألف شخص، “وتوقفت الأمم المتحدة عن العد عام 2016، بعد أن أصبح التأكد من صحة الأعداد صعبا”، لافتة إلى أن فارس كان يحاول جذب الانتباه الى هذه الكارثة التي توشك أن تقع، ونشر في 21 أيلول/ سبتمبر صورة سلفي له ولابنيه المراهقين محمد وأحمد في مظاهرة ضد الهجوم القادم.  

وتكشف الكاتبة عن أن “فارس كان جزءا من برنامج تابع لوزارة الخارجية الأمريكية لا يعرف عنه الكثير، حيث تم تهريب أجهزة بث راديو لعدد من المراسلين الجريئين، بمن فيهم فارس، ليستطيعوا بث المعلومات حول الغارات، ونصائح عملية في مواجهة الظروف القاسية، واستخدم فارس هذه الأجهزة لبث برامج إذاعة (فريش)”.

 

وتبين غريسوولد أن هذا الدعم بالإضافة إلى الدعم لبرامج إنسانية أخرى في سوريا جف تحت إدارة ترامب، ونشر فارس مقالا في حزيران/ يونيو في “واشنطن بوست”، حول مخاطر وقف هذا النوع من المساعدات، قال فيه: “دون إذاعات مثل إذاعة (فريش)، لتقديم رسالة بديلة، سيقوم جيل جديد بحمل السلاح لإيجاد النسخة الثانية والثالثة من الدولة الإسلامية.. وإن لم تقم إدارة ترامب بدفع ما تبقى من ميزانية للمجموعات الإنسانية، سيضطر الأمريكيون لدفع مليارات الدولارات لحماية حلفائهم، وحتى أنفسهم، من التهديدات الجديدة”.

وتقول الكاتبة إن شاحنة تتبعت في يوم الجمعة الماضي في كفرنبل، سيارة كان فيها فارس وحمود جنيد، أحد مراسلي إذاعة (فريش)، وقام الرجال في الشاحنة بفتح النار على سيارة فارس، وعندما خرج فارس وجنيد من السيارة وحاولا الفرار تم إطلاق النار عليهما ما تسبب بوفاتهما، ولم يعلن أحد مسؤوليته عن قتلهما، لكن هيئة تحرير الشام، التي كانت مرتبطة سابقا بتنظيم القاعدة، هي التي تسيطر على البلدة، والحواجز كلها فيها، ويعتقد أنها تقف خلف هذا الهجوم”. 

 

وتختم غريسوولد مقالها بالقول إن مئات المشيعين الشجعان تجمعوا بصمت في يوم السبت لتشييع جثمان فارس، وكان فارس قبل اغتياله بثلاث سنوات بالضبط قام بنشر ملصق باللغة الإنجليزية (بمناسبة الجمعة السوداء، وهي جمعة تقوم فيها المحال التجارية بعرض بعض البضائع بأسعار مخفضة جدا.. بدأت في أمريكا وانتشرت إلى أوروبا)، يشجب فيه حقيقة أن دولا تتحارب في سوريا بالوكالة، وحمل الملصق النص الآتي: (عرض خاص بمناسبة الجمعة السوداء، لأي شخص في أي مكان، اجلب عدوك إلى سوريا وتصارع معه مجانا (على الأرض وفي الجو) .. عرض محدود المدة)”.

 

المادة من المصدر ⇐ هنا