في شمال شرق سوريا، تمكن المركز من الحصول على وثائق صادرة عن تنظيم داعش.[2] وتحاكي هذه الوثائق السمات الحكومية، حيث تحذو في الغالب حذو أساليب الحكومة السورية، وتتضمن ترويسات، وتواقيع، وأختام.
05 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2021
*المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة
هذه المقالة مستمدة من العرض المرئي الذي قدمه روجر لو فيليبس خلال ندوة إلكترونية حول تسجيل الخسائر والضحايا في سوريا، بتاريخ 21 أيلول/سبتمبر، 2021.
روجر لو فيليبس هو المدير القانوني للمركز السوري للعدالة والمساءلة، حيث يقوم بالإشراف على الفرق التي تتولى توثيق وتحليل الأدلة حول الجرائم الوحشية. كما يقود روجر الشراكات التي يقيمها المركز مع الجهات المسؤولة عن التحقيق لدى الأمم المتحدة والوحدات الخاصة بجرائم الحرب التي تقوم بالملاحقة القانونية لجرائم الحرب في سوريا بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية. وفي السابق، عمل روجر كمسؤول قانوني لدى الأمم المتحدة في المحكمة الخاصة بالخمير الحُمر والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا.
يسعى المركز السوري للعدالة والمساءلة إلى دعم عمليات العدالة الانتقالية والمساءلة، وذلك من خلال توثيق الأدلة على انتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم الحرب، والضحايا في النزاع السوري. وبالرغم من العديد من المحددات الموجودة حالياً أمام تسجيل الخسائر والضحايا في سوريا بالصورة الصحيحة، فإن هنالك خطوات يمكن اتخاذها الآن للمساهمة في تجميع سجلات شاملة وقابلة للتحقق منها حول الخسائر والضحايا في نهاية المطاف في المستقبل.
وعلى الرغم من عدم شفافيتها أو عدم تعاونها الطوعي مع الجهات التي تقوم بتسجيل الضحايا والمحققين الدوليين، تشكل السلطات السورية والأطراف الأخرى في النزاع مصدراً قيّماً للمعلومات حول الضحايا. وعند إتاحة الحصول عليها، يمكن أن توفر هذه السجلات والوثائق الصادرة عن هذه الأطراف للأغراض الداخلية أدلةً مؤيدة بالغة الأهمية. ولا يعتبر هذا التطويع لسجلات الجناة لأغراض دعم عمليات التحقيق والمساءلة مقتصراً على سوريا، حيث تم استخدامه بشكل ناجح في سياق نزاعات أخرى (أو ما بعد النزاع)، بما في ذلك في كمبوديا.
وقد تمكن المركز السوري للعدالة والمساءلة من الحصول على وثائق حكومية من مقرات مخابرات تم إخلاؤها أثناء النزاع.[1] تمثل إحدى هذه الوثائق [المعروضة هنا] رسالة موجهة من فرع الأمن السياسي في محافظة إدلب إلى محافظة دمشق. حيث تتضمن الرسالة أسماء عدد من النساء والقٌصّر (تم حجب الأسماء هنا لدواع أمنية) ممن جرى احتجازهم، ومكان احتجازهم، وأسبابه التي غالبا ما تكون زائفة. ويُعد هذا النوع من المعلومات المحددة والقابلة للتحقق بالغ الأهمية ويمكن التحقق منها عن طريق مقارنتها مع شهود مطلعين.
وفي سياق آخر، في شمال شرق سوريا، تمكن المركز من الحصول على وثائق صادرة عن تنظيم داعش.[2] وتحاكي هذه الوثائق السمات الحكومية، حيث تحذو في الغالب حذو أساليب الحكومة السورية، وتتضمن ترويسات، وتواقيع، وأختام. ويتضمن أحد الأمثلة [معروض هنا] سجل اعتقال وحُكماً ضد متهم معين، حُكم عليه بالإعدام بتهمة التكفير. وكون الوثيقة متضمنة لاسم المتهم، فمن الممكن استخدامها في تحديد مصير الشخص وتدعيم سجل الخسائر والضحايا. كما يمكن وينبغي التحقق من المعلومات من هذا النوع عن طريق مقارنتها مع بيانات شهود العيان على عمليات الإعدام (والتي كان تنظيم داعش يقوم بها أمام الملأ).
وعلى الرغم من كونها مفيدةً، لا تعتبر هذه الأنواع من الوثائق شاملةً. حيث لم تقم الحكومة السورية، وهي أكبر مرتكب للجرائم ضد المدنيين في سوريا، بمشاركة المعلومات مع المنظمات غير الحكومية والمحققين التابعين للأمم المتحدة. وبغرض إعداد قائمة كاملة بالضحايا، يعتبر التعاون من قبل الحكومة أمراً أساسياً.
وقد جرى استخدام وثائق مشابهة في كمبوديا لأغراض المساءلة، والملاحقة القانونية، وتخليداً لذكرى ضحايا حكومة الخمير الحُمر ما بين 1975-1979. وتمثلت إحدى المهام المحددة للمحكمة الهجينة للأمم المتحدة في تحديد هوية الضحايا الذين قتلوا في سجن تول سلنج في العاصمة بنوم بنه. وكان لدى قضاة التحقيق موظفون متفرغون لإعداد قاعدة بيانات للضحايا قابلة للبحث. وعلى الرغم من حقيقة أن النزاع انتهى قبل أكثر من 40 عاماً، تأتي الكثير من الأدلة لهذا الغرض من مصادر معاصرة، وتشمل سجلات السجن مع قوائم وصور فوتوغرافية للمعتقلين، واعترافات خطية، ومراسلات حكومية، ومقابلات مع شهود. وتم تجميع هذه المصادر لإعداد قاعدة بيانات قابلة للبحث.
وعقب الغزو الفيتنامي لكمبوديا، والذي أطاح بحكومة الخمير الحُمر، وجد المحققون أعداداً كبيرةً من الصور الفوتوغرافية للمعتقلين في سجن تول سلنج. حيث تضمنت هذه الصور في الغالب اسم الشخص المعتقل مكتوباً على ظهر الصورة. كما وجدوا سجلات أخرى، من بينها قوائم السجناء وسجل لتقييد عدد المعتقلين الذين دخلوا السجن في وقت معين، ومن أين جاؤوا، وكم عدد من تم إطلاق سراحهم أو توفوا في السجن. وقد تم في العادة إرسال من تم “إطلاق سراحهم” إلى حقول القتل في (تشوينج إيك) ليتم إعدامهم. وتضمنت قوائم السجناء اسم المعتقل، ومهنته، وتاريخ وصوله إلى السجن. وتوفر هذه المصادر مجتمعة بيانات نوعية وكمية حول الضحايا. كما أنها تكشف عن مكان إجراء حكومة الخمير الحُمر لعمليات التطهير الداخلية في أوقات معينة.
توجد المئات من قوائم السجناء والتي تعد مكررةً في بعض الأحيان. ولهذا فقد كان من المهم إجراء تحقق عن طريق المقارنة وإزالة التكرار في المعلومات التي تحتويها هذه القوائم. كما لا يوجد نقل معتمد للأحرف بين اللغات بالنسبة للأسماء من اللغة الخميرية إلى الإنجليزية، مما يمكن أن يتسبب في صعوبات في تحديد هوية الأشخاص. ويعد ذلك تذكيراً هاماً بأنه حتى وإن كانت المعلومات المفصلة والواقعية متوفرةً من مصادر حكومية، فإنه يتوجب معالجتها بعناية.
كما وجد المحققون وثائق مفيدةً على شكل اعترافات للسجناء. ويتم في الغالب أخذ هذه الاعترافات تحت التعذيب مما يجعلها ذات قيمة محدودة لأغراض الملاحقة القانونية. رغم ذلك، تُعد هذه الاعترافات مصدراً مفيداً فلتدعيم الأدلة في سجلات الضحايا كونها تشير إلى سجين معين كان على قيد الحياة في تاريخ الاستجواب. كما يمكن أن تشير إلى وجود أفراد آخرين يواجهون خطر الاعتقال والإعدام، لظهور أسمائهم تحت بند “خائن للنظام” في اعترافات السجناء.
وبالنسبة للمحكمة الهجينة للخمير الحُمر، تمثلت الغاية الرئيسية من توثيق الضحايا في دعم عمليات الملاحقة القانونية. وفي نهاية المطاف، تم إصدار أحكام بحق المتهمين في المحكمة عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وذلك بالاعتماد بصورة جزئية على عملية مضنية من معاينة كافة الأدلة والوثائق المذكورة أعلاه. أما بالنسبة لعائلات المفقودين، شكلت قاعدة بيانات المحكمة وسيلةً لتحديد مصير أحبائهم من خلال استخدام مصفيات البحث (الفلاتر) لتحديد هوية الأشخاص من المعلومات المحدودة المتوفرة.
كما تم استخدام المعلومات ذاتها لتخليد ذكرى الضحايا. ولا يزال سجن تول سلنج يستخدم كمتحف يروي ما حدث خلال فترة حكم نظام الخمير الحُمر ونصباً تذكارياً لمن توفوا في السجن. ولا تزال تعرض هنا مجموعة من الصور الفوتوغرافية الأصلية للسجناء، بينما توجد باقي الصور في الملفات الأرشيفية في كمبوديا. كما تم استخدام المعلومات في إقامة برج بوذي تذكاري، بالإضافة إلى نقش أسماء من توفوا على الرخام. وتشكل هذه المبادرات طريقةً هامةً لتذكر الموتى والجرائم التي ارتكبت بحقهم، بالإضافة إلى وضع خاتمة لأحزان العائلات التي فقدت أحباءها في النزاع.
[1] انظر تقرير المركز السوري للعدالة والتنمية، للجدران آذان، للتعرف على مزيد من التحليل حول وثائق القطاع الأمني في سوريا.
[2] تم شمول هذه الوثائق ومناقشتها في تقرير للمركز السوري للعدالة والمساءلة، القضاة، والمحلفون، ومنفذو الحكم بالإعدام.