حقيقة أن علي مملوك قد تمت دعوته إلى إيطاليا يسيء إلى ذاكرة ومعاناة الآلاف من عائلات الضحايا والناجين من سجون الأسد. يصبح هذا الأمر أكثر خصوصية للمواطنين الإيطاليين الذين تعرض أحباؤهم للتعذيب أو القتل في مراكز التعذيب التابعة للنظام السوري
04 / كانون الثاني / يناير / 2019
*فيرونيكا بيللينتاني ــ مع العدالة
منذ عام 2011، ارتكب النظام السوري جرائم مروعة ضد المواطنين وهي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. من بينها، حملة إبادة منظمة، على النحو الذي حددته منظمة العفو الدولية من خلال التعذيب والاختفاء القسري ، ضد الشعب السوري الذي تجرأ على الاحتجاج ضد نظام الأسد الوحشي. ووفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان لا يزال أكثر من 81000 شخص قد اختفوا في زنازين الاعتقال التابعة لنظام الأسد في حين توفي أكثر من 13000 شخص تحت التعذيب.
في ظل المناخ السياسي المحيط بالصراع السوري، لم يتم إنشاء أي محكمة دولية لمحاسبة مجرمي الحرب السورية، وللسبب نفسه، لم يتم منح المحكمة الجنائية الدولية اختصاص النظر في الجرائم المرتكبة في سوريا. لهذا السبب، منذ عام 2012 قرر نشطاء سوريون ومنظمات حقوق الإنسان الاعتماد على مبدأ الولاية القضائية العالمية لتحقيق العدالة باستخدام محاكم محلية في دول أخرى، كما هو الحال في ألمانيا والسويد وهولندا وإسبانيا والنمسا. ويسمح مبدأ الولاية القضائية العالمية بأن تطالب محاكم دول أخرى بالاختصاص الجنائي لمحاكمة أي متهم بغض النظر عن جنسيته أو مكان ارتكابه الجريمة، على أساس المبدأ القائل بأن الجرائم الخطيرة بموجب القانون الدولي لا يمكن أن تمر دون عقاب. وفي الآونة الأخيرة، أدى استخدام هذا المبدأ إلى إصدار أول مذكرة توقيف دولية في ألمانيا ضد المسؤول في الاستخبارات السورية جميل حسن لتورطه ومسؤوليته في جرائم التعذيب. وفي الآونة الأخيرة، أصدر قضاة فرنسيون أيضاً مذكرة توقيف دولية ضد علي مملوك وجميل حسن وعبد السلام محمود.
لكن في حين تنوي ألمانيا وفرنسا مساعدة السوريين على الطريق الطويل نحو محاسبة مجرمي الحرب، يبدو أن إيطاليا تمضي في اتجاه آخر مخجل. في بداية عام 2018، ذكرت العديد من وكالات الأنباء والناشطين أن علي مملوك زار إيطاليا بدعوة رسمية للاجتماع مع وزير الداخلية السابق ماركو مينيتي ورئيس المخابرات ألبرتو ماننتي في تجاهل تام لعقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على علي مملوك. بموجب هذه الأحكام، يجب على إيطاليا اتخاذ “جميع التدابير اللازمة لمنع دخول أو عبور أراضيها ضد الأشخاص المسؤولين عن القمع العنيف ضد السكان المدنيين في سوريا”. لهذا السبب أعلن البرلمان الأوروبي في اذار 2018 أن زيارة علي مملوك لإيطاليا تشكل انتهاكًا صارخًا لالتزامات الحكومة الأيطالية باعتقال وتسليم المشتبه بهم في ارتكابهم جرائم فظيعة في حال تواجدوا على أراضيها.
والأهم من ذلك، أن هذه الدعوة لعلي مملوك قد أظهرت ازدراء إيطاليا الكامل تجاه الضحايا السوريين ونضالهم من أجل العدالة. في الواقع، إنه يقوض الجهود المبذولة في ألمانيا والنمسا وفرنسا في التحقيق والملاحقة القضائية للجرائم المرتكبة في سوريا. علاوة على ذلك، فإن زيارة مملوك تتسبب في المزيد من الغضب وخيبة الأمل في الضحايا والناجين السوريين وبالاضافة إلى المواطنين الإيطاليين الذين تعرض أحباؤهم للتعذيب أو القتل في مراكز الاعتقال التابعة للنظام السوري.
من المعروف أن زيارة علي مملوك هي جزء من سلسلة تعاون بين إيطاليا والنظام السوري حول قضايا الأمن.أحد المواطنين الأيطاليين من أصول سورية، تم تعذيب أحد أقربائه حتى الموت في سجون الأسد، يقول إنه من المقلق للغاية الاعتقاد بأن أحد المرتكبين الرئيسيين للقمع والتعذيب الممنهج قد يتعاون مع الحكومة الإيطالية حول قضايا الأمن، والأهم من ذلك كله فيما يتعلق بعدد الشبان الإيطاليين الذين ماتوا وهم في قبضة الشرطة الإيطالية في السنوات الماضية. النظر في “الأمن” بنفس الطريقة التي قام بها نظام الأسد في سوريا -من خلال القمع والاغتصاب والتعذيب والحصار واستهداف المدنيين -يعرض كل مواطن إيطالي للخطر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن حقيقة أن علي مملوك قد تمت دعوته إلى إيطاليا يسيء إلى ذاكرة ومعاناة الآلاف من عائلات الضحايا والناجين من سجون الأسد. يصبح هذا الأمر أكثر خصوصية للمواطنين الإيطاليين الذين تعرض أحباؤهم للتعذيب أو القتل في مراكز التعذيب التابعة للنظام السوري. أنا مواطنة إيطالية، متزوجة من رجل سوري تعرض للتعذيب لعدة أشهر في فرع 215 في دمشق عام 2012. مع الامتياز (والحظ) لأنني ولدت في بلد ديمقراطي ومدني، كنت دائماً أقدر وأثق أن بلادي تحمي وتحترم حقوق الأنسان. وقد اهتزت هذه الثقة بعمق بعد هذه الزيارة، حيث دُعي المسؤول الرئيسي عن تعذيب زوجي بكل الشرف إلى إيطاليا. فمنذ زواجنا حاولت القيام بخطوات مختلفة لتحقيق العدالة لزوجي في إيطاليا كمحاولة استخدام السلطة القضائية العالمية ضد مسؤولي النظام السوري بالإضافة إلى محاسبة الشركات الإيطالية التي باعت أسلحة وتقنيات مراقبة إلى النظام السوري.لكن عدم وجود أي فرصة لمساءلة الأشخاص المسؤولين او الذين ساهموا في تعذيب زوجي قد أدى إلى اليأس والإحباط. وقد أضافت زيارة علي مملوك إلى هذا الشعور إهانة لأن معاناة زوجي (ومعاناتي الشخصية) تم تجاهلها بالكامل ونفي كرامة الآلاف من الضحايا السوريين.
لسوء الحظ، تم تعزيز هذا الشعور من خلال نتائج الانتخابات الأخيرة التي فاز بها ائتلاف الرابطة الشمالية وحركة النجوم الخمس، وهما حزبان أعربا عدة مرات عن دعمهما لروسيا ونظام الأسد في “حربه ضد الإرهاب”. في الواقع، قام بعض أعضاء حزب حركة النجوم الخمسة مؤخراً بتقديم التماس يطلبون فيه إعادة فتح العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع النظام السوري. ونظراً للعلاقات القوية مع روسيا، فمن المحتمل أن تعمل إيطاليا كدافع لتطبيع نظام الأسد (وجرائمه) في أوروبا.
لكن على الرغم من هذه الخطوات السياسية، فبفضل مذكرة الاعتقال الدولية التي صدرت مؤخراً ضد علي مملوك في فرنسا، لن تكون إيطاليا قادرة على عقد هذه الاجتماعات الأمنية مع مجرمي الحرب السوريين مثل مملوك. من الناحية النظرية، ستضطر إيطاليا الآن إلى اعتقال وتسليم مملوك إلى فرنسا إذا دخل الأراضي الإيطالية لكن العديد من الإيطاليين لديهم بعض الشكوك حول هذا الموضوع. على الرغم من التقارير العديدة حول الزيارة والتصريحات الرسمية من قبل جماعات أسر الضحايا والبرلمان الأوروبي، لم تؤكد إيطاليا حتى الآن أن هذه الزيارة قد تمت بالفعل واستمرت في بناء علاقاتها مع نظام الأسد سراً. وبالنظر إلى الظروف الحالية والحقيقة، منذ ذلك الحين، زار مملوك بلدانًا أخرى، فليس من المؤكد أن هذه الزيارة لن تحدث مرة أخرى. ويجب على منظمات حقوق الإنسان السورية ومجموعات أهالي الضحايا والناشطين أن يحافظوا على اهتمامهم الشديد ضد رحلات مجرمي الحرب السوريين حول العالم للحصول على النتيجة نفسها التي حققتها إسبانيا والضحايا التشيليين مع اعتقال بينوشيه في المملكة المتحدة عام 1998.أو أن البديل هي قضية مماثلة لعمر البشير إذا تم السماح لمجرمي الحرب السوريين بالسفر حول العالم دون عقاب.
…………………………..
“فيرونيكا بيللينتاني هي مستشارة في العدالة الانتقالية وحصلت مؤخرا على ماجيستير في قانون حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية. هي أيضأ داعمة لثورة العدالة والكرامة في سوريا وعملت مع اللاجئين السوريين في ايطاليا واليونان وتركيا منذ عام ٢٠١٢
.
.