تعاملت قوات سوريا الديمقراطية مع الآلاف من معتقلي داعش في محاكم تم إنشاؤها بموجب إدارتها المدنية. وهناك مزاعم تفيد بأن سلطات قوات سوريا الديمقراطية قد تناولت عملية محاكمة أعضاء داعش المحليين بطريقة عملية مع أخذ المصالحة بعين الاعتبار
19 / نيسان / أبريل / 2019
المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة
في 11 نيسان/أبريل، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن اتفاق مع بغداد لإعادة 31,000 عراقي إلى وطنهم، معظمهم من النساء والأطفال، محتجزين حالياً في شمال شرق سوريا. ويُعتبر هذا تطوراً مقلقاً، نظراً لانتهاكات حقوق الإنسان التي تم توثيقها على نطاق واسع في محاكمة العراق لأعضاء وأنصار تنظيم داعش المشتبه بهم، ويفاقم القرار من صعوبة إيجاد مكان مناسب لمحاكمة مقاتلي داعش وأعضائه الموجودين في معتقلات قوات سوريا الديمقراطية. وقف المركز السوري للعدالة والمساءلة بحزم وراء السعي لتحقيق العدالة لضحايا داعش، ومع ذلك يجب أن تتم محاكمة المشتبه بهم في داعش بموجب القانون الدولي. وللقيام بذلك، يجب على المجتمع الدولي دعم إنشاء إطار قانوني لمحاكمة داعش يضمن المحاكمة العادلة ويوقِف الانتهاكات المستمرة. ويجب على الحكومات الدولية أيضاً أن تكون على استعداد لإعادة مواطنيها إلى وطنهم إما للمحاكمة أو لتنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم.
المحاكمات في سوريا
تعاملت قوات سوريا الديمقراطية مع الآلاف من معتقلي داعش في محاكم تم إنشاؤها بموجب إدارتها المدنية. وهناك مزاعم تفيد بأن سلطات قوات سوريا الديمقراطية قد تناولت عملية محاكمة أعضاء داعش المحليين بطريقة عملية مع أخذ المصالحة بعين الاعتبار. حيث يتم إصدار أحكام خفيفة نسبية بحق الجناة من تنظيم داعش وشركائهم من ذوي الرتب المنخفضة (مقارنة بالأحكام التي تصدر في العراق) وأحياناً يحصلون على عفو. ومع ذلك، لا تزال العملية بدائية ولا تتمتع بالشفافية – لا يوجد حق في الدفاع أو الاستئناف، ولا توجد مراقبة منتظمة من قبل مراقبين دوليين. وتحصل مراكز الاعتقال التابعة لقوات سوريا الديمقراطية على مساعدة مالية كبيرة وتدريب من الجيش الأمريكي، الأمر الذي يجب أن يضمن وجود ظروف إنسانية. واعترف أحد القادة العسكريين الأمريكيين بوجود ادعاءات بحدوث سوء معاملة في أماكن الاحتجاز التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، لكنه أشار إلى أن تلك الحوادث تم الإبلاغ عنها بشكل ذاتي ولم يقدّم سوى القليل من التفاصيل.
وفي الأشهر الأخيرة، ازدادت الظروف في معسكرات قوات سوريا الديمقراطيةسوءاً مع ازدياد عدد المعتقلين بعد الاستيلاء على آخر معاقل داعش في باغوز. وفي هذه الأثناء، نشرت قوات سوريا الديمقراطية مؤخراً قوات محلية لإخماد محاولة هروب من السجن في أحد مراكز الاعتقال في ديريك في 6 نيسان/أبريل.
المحاكمات في العراق
تعمل سلطات قوات سوريا الديمقراطية حالياً على تقليل عدد المعتقلين من خلال تكثيف عمليات إعادة المعتقلين العراقيين وغيرهم من المعتقلين الأجانب من تنظيم داعش إلى وطنهم. ومن شأن الاتفاق الجديد لإعادة 31,000 مواطن عراقي من معسكرات قوات سوريا الديمقراطية أن يعجّل عمليات الترحيلالجارية بالفعل. وصرّح مسؤول عراقي بأن العائدين سيتم نقلهم إلى معسكرات في منطقة سنجار شمال غرب العراق. ومما يدعو إلى القلق، أن السلطات تُعد تحريات أمنية للتحقّق من القادمين وغربلتهم بحثاً عن “أسر داعش”. وتشير هذه الإجراءات إلى أن العائدين، بمن فيهم النساء والأطفال، معرضون لخطر الاعتقال التعسفي في العراق. ومن غير الواضح ما إذا كان سيتم التمييز بين أولئك الذين دعموا داعش بشكل فعلي وأولئك الذين استعبدهم داعش أو وقعوا ضحية العنف.
وأصبحت محاكمات داعش في العراق مثالاً على نظام قضائي يركز على الانتقام بدلاً من المصالحة. حيث ترك الدمار الذي أحدثه داعش في العراقرغبة واسعة النطاق في الانتقام. وتستمر محاكمات كاملة لبضع دقائق وتنتهي غالباً بالسجن المؤبد أو الإعدام. وتُعتبر عمليات الاعتقال التعسفية وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب واسعة الانتشار. وغالباً ما لا يتمتع المدّعى عليهم بتمثيل قانوني أو بالوصول إلى الأدلة المستخدمة ضدهم. وفي عام 2017،وجدت هيومن رايتس ووتش أن غالبية محاكمات داعش في العراق نُفِّذت بشكل أساسي، وفي بعض الأحيان فقط، بتهمة العضوية في داعش. ومن السهل الحصول على إدانة في مثل هذه الاتهامات مقارنة بتهم ارتكاب أفعال محددة، ولكن هذا يعني أيضاً أنه لا يوجد سوى قليل من التمييز فيما يتعلق بشدة الجرائم المرتكبة وأنه قد لا يتم احترام المحاكمات العادلة، اعتماداً على القرائن الاستدلالية.
وبدأت المحاكم العراقية مؤخراً في تنفيذ إصلاحات لمعالجة القضايا التي أثارتها هيومن رايتس ووتش ودمج معايير إثبات أعلى، لكن هذه الإصلاحات لم تطبق بشكل منهجي في جميع المحاكم العراقية. والأهم من ذلك هو أن الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان لم تفلحا في وضع استراتيجية أوسع لتيسير العدالة الانتقالية.
نماذج للعدالة الدولية
بعد الاستيلاء على باغوز، دعا مسؤولو قوات سوريا الديمقراطية إلى إنشاء محكمة دولية للمساعدة في محاكمة أكثر من 1,000 مقاتل أجنبي محتجز لديها. وهناك حوالي 850 من أوروبا، حيث تخلت الدول عن مسؤوليتها لاستعادة مقاتلي داعش لمحاكمتهم. وفي حين أن فكرة المحكمة الدولية أثارت اهتمام وسائل الإعلام، فمن غير المرجح أن يتم تطوير هذه الآلية على المدى القريب – وخاصة دون حل للنزاع الأوسع. علاوة على ذلك، عادة ما تُستخدم المحاكم الدولية لمحاكمة المسؤولين رفيعي المستوى أو القادة العسكريين، ولا ينطبق هذا الوصف بدقة على غالبية معتقلي داعش.
إلى جانب المحاكم الدولية، هناك عدد من الخيارات للمجتمع الدولي لدعم محاكمة أعضاء داعش ذوي الرتب المتدنية وعائلاتهم. ويكمن أحد الاحتمالات في تنفيذ نظام عدالة جنائية على غرار النموذج الذي تم تطويره لمحاكمة القرصنة قبالة سواحل الصومال. حيث دعم المجتمع الدولي في ذلك السياق محاكمة القراصنة الصوماليين من خلال محاكم في دول إقليمية مثل كينيا. وبعد المحاكمة، تم تسليم الجناة إلى بلدانهم الأصلية لقضاء مدة العقوبة الصادرة بحقهم. وفي السياق السوري، يمكن أن يساعد إنشاء إطار قانوني ودعم ومراقبة دوليين لمحاكمة رعايا داعش الأجانب في محاكم مكافحة الإرهاب العراقية على إنهاء الانتهاكات المستمرة وضمان إجراء محاكمات عادلة. كما أنه سينفي الحاجة إلى المحاكمة في دول غربية ويعمل على فرز أعضاء داعش من دول عديدة. ولكن سيكون هناك حاجة إلى دعم دولي لضمان إجراء المحاكمات بصورة عادلة للمحافظة على عملية تسليم المطلوبين وفقا للمعايير الدولية.
وللمساعدة في التوفيق وإعادة دمج عائلات داعش، يمكن للمجتمع الدولي أيضاً دعم إصدار أحكام بديلة. وفي كولومبيا، فرضت الولاية الخاصة للسلام، عقوبات على أعضاء سابقين في مجموعة ميليشيا الفارك (القوات المسلحة الثورية الكولومبية) مثل خدمة المجتمع وتقديم جبر الضرر للضحايا، حيث قام الجناة بدعم أنشطة إزالة الألغام أو استرداد الملكية أو تقديم معلومات للعثور على رفات الأشخاص المفقودين.
الحاجة إلى المساءلة
لا يوجد سوى خيارات محدودة لدى قوات سوريا الديمقراطية. بالإضافة إلى زيادة الترحيل إلى نظام عدالة معطّل في العراق، قد تقوم قوات سوريا الديمقراطية بالإفراج على نطاق واسع عن معتقلي داعش السوريين، مما قد يجازف بالإفراج عن مجرمين خطرين. وفي حال حدوث مصالحة بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية (أو الجهات المحلية التابعة لها من العرب)، يمكن نقل المعتقلين إلى عُهدة الحكومة السورية، مما قد يعرّضهم للتعذيب والإعدام بدون محاكمة وفق الأصول القانونية.
ولمعالجة هذه القضايا، يجب على الحكومات المحلية والمجتمع الدولي الإجابة على الأسئلة الصعبة. كيفية إعطاء الأولوية لمحاكمة أخطر الجرائم؛ وأين ينبغي رسم الخط الفاصل بين المحاكمة وإعادة الإدماج؛ وكيفية إنشاء سجل للفظائع المرتكبة؛ وكيفية تعزيز المصالحة بين المجتمعات المنقسمة. أخيراً، في حين أن وحشية جرائم داعش قد صدمت العالم واستحوذت على انتباهه، فلا ينبغي أن يشتت هذا الانتباه إلى الحاجة إلى محاكمة جميع الأطراف الضالعة في الفظائع الجماعية المرتكبة خلال الحرب السورية.