تحاول الحكومة السورية الإطاحة بالأفراد المنتمين للمعارضة من خلال تسليمهم وإخضاعهم للعقوبة محلياً. وقد تتضمن الأسماء المشمولة في النشراتلاجئين معروفين ممن فروا من سوريا بسبب أنشطة تتعلق بالمعارضة، مما يهدد إجراءات الحماية التي يتمتعون بها.
01 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2021
*المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة
مع مواصلة المجتمع الدولي تطبيع علاقاته مع الحكومة السورية، يُعبّر السوريون في الشتات عن مخاوف متزايدة بشأن سلامتهم. إلا أن دعواتهم ذهبت أدراج الرياح إلى حد كبير. عوضاً عن ذلك، قامت دول مثل الأردن بالإصغاء لجهود إعادة دمج نظام بشار الأسد في الساحة السياسية الإقليمية، معتبرةً أن استقرارها على الصعيد المحلي في ظل شرق أوسط مضطرب يستدعي إقامة علاقات عمل مع دمشق. وتتبع المنظمات الدولية حالياً المسار ذاته، بما في ذلك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي من الواضح أنها تجري نقاشات مع الحكومة السورية بخصوص عودة اللاجئين، على الرغم من الكم الهائل من الوثائق التي تفيد بأن السوريين يواجهون تهديدات متعددة لسلامتهم في حال عودتهم إلى موطنهم.
ومؤخراً، قامت منظمة الشرطة الجنائية الدولية، الإنتربول، باتخاذ قرار بشأن رفع القيود المفروضة على سوريا في 2012 وإعادة دمج البلاد في شبكتها لتبادل المعلومات. وقد تم اتخاذ هذا القرار بالرغم من وجود تاريخ حافل بقيام الأنظمة الاستبدادية باستخدام الإنتربول كأداة لقمع المعارضين. لكن الماضي هو مجرد مقدمة، وتوجد مبررات لمخاوف النشطاء السوريين بالنظر إلى تاريخ الحكومة السورية في ممارسة حملات القمع ضد معارضيها. وبغرض تجنب التواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان، يجب على الإنتربول منع إصدار أية نشرات غير مبررة وبيان أن استلام مثل هذه النشرات يتطلب تمحيصها للتأكد من عدم وجود إشارات على انتهاكات.
نبذة تعريفية تنظيمية
الإنتربول هي وكالة حكومية دولية مستقلة تتألف من قوات شرطة من 192 دولة. وباعتبارها أكبر منظمة شرطية في العالم، تقوم الإنتربول بتنسيقالإجراءات الشرطية “لمنع ومكافحة الجرائم الدولية” من خلال التشارك في “البيانات والمعلومات الشرطية، والدعم العملياتي، وبناء القدرات، والتدريب”. وبعكس الاعتقاد السائد، لا تملك الإنتربول سلطة ممارسات صلاحيات الشرطة في الدول المتعاونة وتعتمد بدلاً من ذلك على السلطات المحلية في تنفيذ المذكرات والسعي لتسليم المشبوهين.
تتضمن إحدى المكونات الرئيسية لعمل الإنتربول إصدار نشرات مرمّزة بالألوان للتشارك في المعلومات المتعلقة بالجرائم أو طلبها. ويتم إصدار النشرات الحمراء للأفراد المطلوبين الواجب تسليمهم. وتشكل النشرات البرتقالية تحذيراً بوجود تهديد وشيك، مثل هجوم إرهابي محتمل يهدد الأمن القومي. ويتم إصدار النشرات الصفراء لتحديد أماكن وجود الأشخاص المفقودين، مثل القُصّر وغير القادرين على تحديد هوياتهم. وتهدف النشرات الخضراء إلى التحذير من أشخاص قاموا بارتكاب أعمال إجرامية في بلد وقد يشكلون تهديداً للسلامة العامة في بلد آخر. ويتم استخدام النشرات الزرقاء لتحديد موقع مشبوهين وجمع معلومات تعريفية حولهم. أخيراً، تتعلق النشرات السوداء بجثث مجهولة الهوية. وقد يتم إصدار نشرات خاصة بصورة مشتركةمع لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي لاستهداف أفراد وكيانات بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي، مثل القرار رقم 2253 بخصوص تنظيم داعش، وتنظيم القاعدة، وما يرتبط بهما من جماعات ومؤسسات وكيانات.
إساءة استخدام نظام النشرات
قامت العديد من الأنظمة القمعية التي تشارك أجهزة الشرطة الخاصة بها في الإنتربول باستخدام نظام النشرات لتحديد موقع المعارضة ومعاقبتها خارج حدودها. فعلى سبيل المثال، تقوم الصين بشكل مستمر بإصدار نشرات حمراء بحق النشطاء من أقلية الإيغور ومناصري الديموقراطية. ويتوافق ذلك مع سياسة الصين الموثقة بخصوص إجبار الأفراد على العودة إلى البلاد حيث يواجهون انتهاكات حقوق إنسان واسعة النطاق ترتكبها الشرطة الصينية، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي والتعذيب. وعقب المحاولة الانقلابية في 2016، انخرطت تركيا في أنشطة مشابهة من خلال تحميل نشرات بحق 60,000 شخص على نظام النشرات لدى الإنتربول (بالرغم من أنه تم إصدار قرابة 13,000 نشرة حمراء جديدة فحسب على مستوى العالم في ذلك العام). وقد تضمنت الأسماء لاجئين سياسيين على صلة برجل الدين التركي الذي يعيش في المنفى والمدبر المزعوم لمحاولة الانقلاب، فتح الله غولن. وعلى نحو مماثل، قامت فنزويلا في 2018 بطلب تسليم قادة المعارضة المرتبطين بمحاولة اغتيال مزعومة للرئيس مادورو. كما أصدرت طاجكستان أكثر من 2,500 نشرة حمراء شكلت 2.3% من مجموع النشرات التي تم تعميمها في 2019، بما في ذلك نشرة بحق محيي الدين كبيري، وهو أحد قادة حزب المعارضة الرئيسي. وتُظهر طبيعة هذه الإساءات الطرق المتنوعة التي تستطيع من خلالها الدول التلاعب بعمل المنظمات الدولية لتحقيق أجنداتها السياسية.
سوريا والإنتربول
أصبحت سوريا إحدى الدول الأعضاء في الإنتربول في 1953، لكنها واجهت قيوداً في عام 2012 بسبب العقوبات الدولية التي منعتها من إرسال واستلام رسائل عن طريق المنظمة. رغم ذلك، تشير إزالة القيود إلى أن سوريا ستكون قادرة، مجدداً، على الانخراط في نظام الرسائل. وبينما أشار ممثلون عن الإنتربول إلى أن سوريا تفتقر إلى سلطة إصدار نشرات حمراء، إلا أن باستطاعتها طلب الإصدار من خلال الأمانة العامة للإنتربول، وهي الجهة التي طالبت في البداية بإعادة دمج سوريا في الإنتربول. وبالنسبة للسوريين الموجودين على القائمة، سيعتمد ما إذا كان سيتم التشارك في المعلومات الخاصة بهم مع الحكومة السورية على قرار المكاتب الوطنية التي تستطيع اختيار حجب تلك المعلومات.
وقد تحاول الحكومة السورية الإطاحة بالأفراد المنتمين للمعارضة من خلال تسليمهم وإخضاعهم للعقوبة محلياً. وقد تتضمن الأسماء المشمولة في النشراتلاجئين معروفين ممن فروا من سوريا بسبب أنشطة تتعلق بالمعارضة، مما يهدد إجراءات الحماية التي يتمتعون بها. وبالرغم من تبني الإنتربول لسياسةفي عام 2017 يتم من خلالها إلغاء النشرات الحمراء للاجئين المعترف بهم، تعتبر العملية معقدةً وتستوجب قيام اللاجئين بطلب الإلغاء وإبلاغ الإنتربول، والسلطة القضائية في البلد الذي أصدر النشرة، أو الدولة التي يعيشون فيها.
الخلاصة
بغرض منع إساءة استخدام نظام النشرات في المستقبل، يجب على الإنتربول وضع إرشادات عملية تسمح للمنظمة بتأدية رسالتها مع الحد من الفرص أمام الحكومات لملاحقة المنشقين. وينبغي أن تضمن الإرشادات تقديم ملفات حالات شاملة مدعمة بالأدلة إلى الإنتربول، والتي تشكل أساساً معقولاً للاعتقاد بأن الفرد قد ارتكب جريمةً بالحجم المشار إليه في النشرة. علاوةً على ذلك، لا ينبغي أن تتأثر إجراءات الهجرة الجارية للأفراد الذين تم تقديم أسمائهم في النشرات. وينبغي ألا يتم إلغاء وضعية اللجوء لمجرد إصدار مذكرة. بدلاً من ذلك، يجب على الدول الأعضاء في الإنتربول دراسة الملفات التعريفية للأفراد بشكل جاد، وأسباب مغادرتهم لسوريا، والمسوغ وراء طلب سوريا عودتهم، واحتمالية إدانتهم محلياً بشكل عادل وتلقيهم للعقوبة المتناسبة مع التهم. كذلك، ينبغي على الحكومات التي تستلم نشرات من الإنتربول صادرة عن الحكومة السورية التمحيص بشكل معمق بالمعلومات لضمان عدم استخدام النُظُم لتحديد وتسليم المنشقين والمعارضين السياسيين. وبحسب ما أشارت إليه العديد منالتقارير الصادرة مؤخراً، يواجه من تمت إعادتهم قسراً إلى سوريا الاعتقال غير القانوني، والتعذيب، والإعدامات خارج نطاق القضاء. بناءً على ذلك، قد تصبح الدول التي تسلم الأفراد إلى سوريا بناءً على نشرات الإنتربول متواطئةً في انتهاكات حقوق الإنسان في حال تجاهلها لهذه التحذيرات.