هناك الرقم الصادر عن منظمة العفو الدولية التي قالت إنه “تم شنق ما يصل إلى 13 ألفًا في صيدنايا بين سبتمبر/أيلول 2011 وديسمبر/كانون الأول 2015”.
24 / تشرين أول / أكتوبر / 2018
سلسلة العدالة للسوريين 14
*منصور العمري
المصدر: عنب بلدي
خلّد التاريخ كثيرًا من أعداد المفقودين والمختفين قسرًا والقتلى والمعتقلين لدى مختلف الأمم، بعد مرورها بظروف أنتجت هذه الأرقام، كالحروب والثورات والأنظمة القمعية. في غالب الأمر، لا تُعبر هذه الأرقام أو الإحصائيات عن العدد الحقيقي للضحايا، بما يضيف إلى معاناة أهاليهم وينتقص من حقوقهم.
خلال بحثي في مآلات الانقلاب العسكري في الأرجنتين، والحكم الديكتاتوري الذي تلاه ومحاولات تحقيق العدالة لضحايا تلك الحقبة، لاحظت أن هناك رقمين تم تداولهما واعتُمدا تاريخيًا كعدد رئيسي للمختفين قسرًا والقتلى على يد حكومة الانقلاب، وهما 22 ألفًا و30 ألفًا.
في أثناء “الحرب القذرة” في الأرجنتين، كما سُميت لما شهدته من انتهاكات فظيعة، تم اختطاف المعارضين المزعومين أو احتجازهم بصورة غير قانونية في مراكز احتجاز سرية، حيث تم استجوابهم وتعذيبهم وقتلهم أحيانًا. تم تخدير عدد من المعتقلين ثم وضعهم في طائرات، ليتم إلقاؤهم على قيد الحياة فوق المحيط الأطلسي وفي الأنهار، فيما يسمى “رحلات الموت”، حتى لا يبقى لهم أي أثر، إذ إنه من دون وجود أي جثث، يمكن للحكومة أن تنكر بسهولة أي معرفة بمكان وجودهم وأي اتهامات بأنهم قد قتلوا.
بقي رقم 30 ألفًا الأكثر تداولًا، وأصبح الرقم الرئيسي حين الحديث عن الإخفاء القسري في الأرجنتين.
في تشيلي كان الرقم 2296، والذي تطور فيما بعد إلى 3400. أما في لبنان فيقدر عدد المفقودين بـ 17 ألفًا، ما بين 1975 و1990، كثير منهم على يد النظام السوري. أما في الجزائر، فاعترفت الحكومة باختفاء ستة آلاف، بينما تشير التقديرات إلى 17 ألفًا.
منذ أكثر من سنة، بدا واضحًا تكرار عدة أرقام بين مناصري المختفين قسرًا السوريين أفرادًا ومجموعات، وفي الصحافة الدولية، في غير سياقها الصحيح، وبسوء فهم شديد، لعدة أسباب، من بينها عدم وجود أرقام موحدة، أو عدم استخدام المصطلحات القانونية في توصيف هذه الأرقام، أو تقديمها دون توضيح كامل لماهيتها.
فمثلًا تم تداول رقم 13 ألفًا على أنه عدد القتلى من المختفين قسرًا منذ 2011، دون الإشارة إلى الماهية الفعلية لهذا الرقم.
هناك الرقم الصادر عن منظمة العفو الدولية التي قالت إنه “تم شنق ما يصل إلى 13 ألفًا في صيدنايا بين سبتمبر/أيلول 2011 وديسمبر/كانون الأول 2015”.
كما ارتبط رقم 11 ألفًا بصور سيزر أو قيصر للتعبير عن عدد القتلى في معتقلات الأسد، رغم أن هذا الرقم يشمل الضحايا فقط حتى أواخر 2013، أي لا يشمل كل من مات أو اختفى في المعتقلات بعد هذا التاريخ.
هناك أيضًا الرقم الصادر عن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” والذي ورد في تقريرها لشهر آب 2018 “نفق بلا نهاية” والذي يقول إن “حصيلة الذين قتلوا بسبب التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري 13608 منذ آذار 2011 حتى آب 2018”.
أما “مركز توثيق الانتهاكات في سوريا” فقدم عدد المعتقلين الموثقين لديه على أنه 51390.
يشمل رقم الشبكة السورية من ماتوا تحت التعذيب ونتيجة لظروف الاعتقال، ولا يشمل حالات الإعدام التي تحدثت عنها منظمة العفو الدولية، كما صرح مدير الشبكة فضل عبد الغني لعنب بلدي، وأضاف فضل أنه من الصعب التمييز بين ضحايا التعذيب وضحايا الإعدامات، وأن تصنيف ضحايا التعذيب يشمل القتلى بسبب ظروف الاعتقال غير الإنسانية، ومن مات بسبب الجوع أو المرض أو غيره.
بحساب بسيط نجد أن عدد القتلى الموثق هو رقم منظمة العفو بالإضافة إلى رقم الشبكة السورية أي 26 ألف قتيل في سجون الأسد، لكن هذا الرقم لا يشمل جميع من مات في معتقلات الأسد بل فقط من تم توثيقهم، كما أننا لا نعلم إن كان رقم الشبكة السورية يشمل رقم مركز توثيق الانتهاكات إذ إنهما لم يطابقا البيانات فيما بينهما.
يوفر مركز توثيق الانتهاكات في موقعه الإلكتروني محرك بحث لأعداد المعتقلين والقتلى والمفقودين، وتظهر نتائج البحث عدد المعتقلين أنه 66855 ويضم هذا العدد المعتقلين المفرج عنهم، بينما العدد الموثق لديهم للمعتقلين الحاليين، والذي أرسله لي ضياء شما، مدير قسم ادخال البيانات، هو 51390. أخبرني ضياء أن العدد الحقيقي الموثق لديهم أقل بكثير مما يظهر على موقعهم “لأسباب مختلفة.. من بينها التحقق إن كانت المعلومة غير مؤكدة أو لأسباب أمنية لحماية ذوي الضحايا”، وأضاف ضياء، “نحن لا نشارك سوى الإحصائيات دون ذكر تفاصيل أصحابها. كما أن الموقع العام ما زال يخضع لتعديلات تقنية كثيرة ستسهل بنهايتها تعامل الجميع مع قاعدة البيانات وستكون متاحة للجميع وبأي وقت وزمان”.
بذلت هذه المنظمات وغيرها من جماعات التوثيق السورية، جهودًا جبارة عجزت عن مجاراتها الأمم المتحدة وكبرى المنظمات الحقوقية، وقدمت ولا تزال كل شيء في سبيل توثيق الانتهاكات الهائلة في سوريا، وتعرضت كوادرها لذات الانتهاكات التي كانت توثقها، بما فيها الاعتقال والإخفاء القسري والقتل تحت التعذيب.
أذكر من بين الضحايا على سبيل المثال لا الحصر، الشهيد أيهم غزول، والمختطفين رزان زيتونة وسميرة الخليل وناظم حمادي ووائل حمادة، من مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، وغيرهم كثير ممن ضحوا بكل شيء حتى حياتهم في سبيل انتشال الحقيقة من أتون الحرب في سوريا.
بالإضافة إلى الأهمية الكبرى لاعتماد الأرقام الحقيقية للضحايا من معتقلين وقتلى وغيرهم، من أجل العمل القضائي وتزويد المنظمات والجهات الدولية بها، والوفاء لتضحيات من مهدوا الطريق لهذا العمل، تبرز هنا أيضًا المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق العاملين في التوثيق.
عدة خطوات يجب اتخاذها من قبل مراكز التوثيق السورية مثل الشبكة السورية ومركز توثيق الانتهاكات وغيرهما من المنظمات والجماعات السورية التي لديها بيانات توثيقية لأعداد المعتقلين والقتلى، يفرضها عليها دورها من منظور تاريخي، وفي إطار جهود توثيق الانتهاكات في سوريا كعملية متكاملة، لا فردية أو تنافسية.
يجب مطابقة البيانات فيما بين المنظمات السورية وغيرها، واستنباط الأرقام الفعلية غير المكررة أو المنقوصة، والتي يجب اعتمادها عند الحديث عن أعداد الضحايا لوسائل الإعلام، وعند تزويد المنظمات والصحفيين والمهتمين بالشأن السوري بها. تحدثت مع عدة منظمات بهذا الشأن وكلهم أجمعوا على أهمية هذه المطابقة.
يجب التأكيد مع كل إحصائية أو تصريح على أن الموثق لديهم هو أقل من العدد الحقيقي، وأن هذا ما تمكنوا من توثيقه وليس هو الرقم الفعلي، كما يجب تقديم تصور للعدد الحقيقي مع كل إحصائية يتم نشرها أو الحديث عنها، كي لا تترسخ أرقام غير فعلية في الإعلام وفي الأدبيات الحقوقية لدى المنظمات والمهتمين بالشأن السوري، وهنا تكمن المسؤولية التاريخية لهذه المنظمات والعاملين فيها، وهذا ليس فقط من أجل الأمانة التاريخية بل أيضًا من أجل الضحايا وعائلاتهم، وتدوين تاريخ سوريا الذي ستقرؤه الأجيال القادمة.