نظام الأسد كان يعتبر مخيم اليرموك الورقة الرابحة باعتباره قضية دولية، وقد قام بإفشال جميع المحاولات الدولية لتحييد المخيم عن الصراع، بل اعتبر أيضاً أن كل من بقي داخل المخيم إرهابياً.
05 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2018
_توثيق سيرة الموت والحصار_
الجزء الثالث والأخير
*معاذ حسن
مخيم اليرموك عاصمة الشتات الفلسطيني، اسم له دلالات ذات أبعاد سياسية هامة . فقد بات ملف اللاجئين أقل ثقلا بعد تدمير المخيم وتهجير لاجئيه.
قرابة المليون نسمة من غالبية فلسطينية كان تقطن المخيم الذي يرفع شعارات العودة والمقاومة على جدرانه وحتى ثياب أبنائه، فكان المخيم بمثابة السدّ الذي تكسرت عليه محاولات طمس الهوية الفلسطينية و إنهاء ملف عودة اللاجئين منذ مقولة (غولدا مائير) رئيس وزراء دولة الاحتلال عام ١٩٤٨.
(الكبار يموتون والصغار ينسون)
أيضا لا يخفى على القارئ للأحداث السياسية ما فعله نظام الأسد من ممارسات أضرت بالقضية الفلسطينية. فحربه ضد مخيمات اللاجئين في لبنان و مجزرة تل الزعتر هي جرح لا يندمل في حكاية الثورة الفلسطينية ، ناهيك عن وقوفه وراء الخلافات و الانشقاقات التي حدثت في منظمة التحرير الفلسطينية ، حيث استمال بعض القيادات عبر إعطائهم بعض المزايا للعمل في سوريا و احتواء نشاطهم الثوري كما حدث مع الجبهة الشعبية ( القيادة العامة ) بزعامة أحمد جبريل ، و تأسيس جيش التحرير الفلسطيني برئاسة اللواء محمد طارق الخضراء . والدلالة واضحة أنه لم يتم استخدام هذه القوات المسلحة في سبيل الهدف التي قامت من أجله، بل على العكس تم استخدامهم بأوامر النظام السوري لقمع الثورة السورية .
خلاصة القول في هذا الشأن تصب أن سياسة النظام السوري لم تخدم سوى العدو الأول إسرائيل.
حتى منتصف نيسان من عام ٢٠١٥ كان مخيم اليرموك قد عانى ٦٢٨ يوماً من الحصار، ٧٣٠ يوماً دون تيار كهربائي، إضافة إلى انقطاع الماء لمدة تزيد عن ٢٥٠ يوم. ولقد أتينا على ذكر هذا التاريخ من عام ٢٠١٥ لسبب أخذ الصراع اتجاهاً آخر في مخيم اليرموك حيث قام تنظيم الدولة الإسلامية باقتحام المخيم و الاقتتال مع باقي الفصائل الموجودة آنذاك، إلى تاريخ ٢٠١٨ حين استعاد النظام السوري سيطرته على مخيم اليرموك.
نظام الأسد كان يعتبر مخيم اليرموك الورقة الرابحة باعتباره قضية دولية، وقد قام بإفشال جميع المحاولات الدولية لتحييد المخيم عن الصراع، بل اعتبر أيضاً أن كل من بقي داخل المخيم إرهابياً.
في هذه البقعة الصغيرة نسبياً من جنوب دمشق ، تجد أن كل أطراف الصراع الدولية والمحلية لها مطامع و استراتيجيات في البقاء داخل المخيم و السيطرة عليه، نظراً لأهميته الدولية، وباعتباره بوابة جنوب دمشق بشكل عام .
وقع المخيم تحت سيطرة كتائب أكناف بيت المقدس وهو فصيل تابع لحركة حماس ينتشرون في شمال المخيم وحتى أجزاء من شارع فلسطين، إلى جانب جبهة النصرة ذات الحضور الأقوى والضارب في مخيم اليرموك، الذي كان انتشارهم ما بين شارع الثلاثين إلى شارع اليرموك الرئيسي.
في أواخر آذار من عام ٢٠١٥ حصلت مجموعة اغتيالات في صفوف أكناف بيت المقدس ومن يواليهم و كان من بينهم ناشط في مجال الإغاثة الطبية يدعى يحيى حوراني (أبو صهيب) وهو مقرب من حركة حماس، لتتوجه أصابع الاتهام إلى داعش فيتم اعتقال عدد من أنصارهم و مواليهم في مخيم اليرموك. فما كان من داعش المتمركزة بالقرب من مخيم اليرموك في منطقة الحجر الأسود ويلدا، إلا مباغتة المخيم واقتحامه، وهي التنظيم الأقوى والأكثر حضوراً في ساحة الصراع من حيث الذخيرة والسلاح والمال. لتنتشر أخبار تقطيع رؤوس لمقاتلين من جماعة أكناف بيت المقدس.
الجدير بالذكر هنا هو وقوف جبهة النصرة على الحياد من هذا الاقتتال، وهي التي أساساً سهلت وصول داعش إلى المخيم، لكن استطاعت بعض الفصائل لاحقاً من الدخول لمؤازرة أكناف بيت المقدس وصد الهجوم.
هذه الأحداث من الصراعات الداخلية في مناطق سيطرة المعارضة كان نظام الأسد يغذيها ويقتات عليها في نفس الوقت على المستويين العسكري والسياسي، ولقد جئنا على ذكر كيف زرع النظام قيادات عميلة له داخل صفوف المعارضة، أما عن أحاديث العامة وتحليلات السياسيين فهي كثيرة حول علاقة داعش بنظام الأسد. ومن جهة أخرى فالسؤال يدور لماذا حظي مخيم اليرموك على خلاف باقي المناطق بهذا الكمّ من الفصائل المسلحة، ولماذا أخذت الحرب وتيرة وحشية شرسة لم تقتصر على شكل واحد للموت ما بين الرصاص والمدفعية أو الموت جوعاً وعطشاً.
دار في مخيم اليرموك قتالاً بين الفصائل المسلحة التالية على اختلاف تحالفاتها و انتماءاتها.
الجبهة الشعبية (القيادة العامة).
مقاتلون من فتح الانتفاضة وجبهة النضال.
جبهة النصرة.
كتائب أحرار الشام.
ميليشيات الدفاع الوطني ( شارع نسرين ) الملاصق لمخيم اليرموك .
أكناف بيت المقدس.
تنظيم الدولة (داعش).
كتائب من الجيش الحر.
قوات الأسد وجيش النظام عند مدخل المخيم.
لم يسبق لأي منطقة صراع في سوريا أن ضمت هذا الكم من الفصائل المسلحة، وهذا بطبيعة الحال يشير إلى حساسية قضية اللاجئين من جهة، ومن جهة أخرى وضوح القرار السياسي بشأن تدمير المخيم والذهاب بملف اللاجئين إلى أماكن تخدم تطلعات (غولدا مائير) قبل قرابة ٦٧ عام.
أيضا بعد أن اتضحت معالم تدمير المخيم و تشريد لاجئيه وتهجيرهم، كتب صحيفة هآرتس الإسرائيلية “إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يعد محور نزاعات الشرق الأوسط”، جاء ذلك بالتزامن مع تصريح على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي (أفغيدور ليبرمان) : إسرائيل ترى أن سوريا تعود إلى وضع ما قبل الحرب الأهلية حيث الحكم المركزي تحت إدارة الرئيس السوري بشار الأسد . واعتبر أن حدود هضبة الجولان هي أكثر أماناً وهدوء مع عودة قوات النظام السوري إلى الانتشار قرب حدود الجولان المحتل .
الأمر لا يحتاج إلى ذكاء في فهم المنظومة التي يعمل بها نظام الأسد، فما بين رفع شعارات المقاومة والممانعة والقومية العربية و بين الممارسات على أرض الواقع مسافة هائلة من التناقضات، لم تعد تنطلي على الناس، وخاصة بعد اندلاع الثورة السورية التي فضحت وبالجملة جميع الانتهاكات و الجرائم، وأيضا “الذهنية المافياوية” التي يعمل نظام الأسد وفقها.
و بالعودة على ما بدأنا به من توصيف لروح المخيم كبوصلة تشير إلى استعصاء القضية الفلسطينية عن النسيان، وحضور المخيم كذاكرة الفلسطيني الحاضرة في حلم العودة ، أذكر وجود لافتة عريضة كانت الأكثر وضوحاً للعيان كتب عليها : فلسطين قبل الجولان (من أقوال القائد حافظ الأسد ).
هذه العبارة حين تقال من قبل حامي حدود إسرائيل وبائع الجولان كما ردد أبناء الثورة السورية في شعاراتهم، فهي تحمل في طياتها سخرية واضحة من حلم الشعب الفلسطيني في العودة وتفصح بوقاحة بأن العدو الأول للقضية هو هذه الأنظمة الإجرامية.
لكن وعي الشعوب لا يمكن أن يسرق إلى الأبد، فقد تم التعليق على اللافتة ذاتها (لن ننسى تل الزعتر ومجازر المخيمات).
المزيد للكاتب
⇓