عندما اشتدّ الضغط والقصف على مدينة الرقة، موطني الأصلي، وبعد تحرّرها من قبضة النظام وخروجها عن سيطرته، بدأنا نستنشق نسائم الحرية في هذه المدينة، ونحاول ممارسة نشاطاتنا فيها كمدنيين
01 / كانون أول / ديسمبر / 2018
الناشطة والمبدعة السورية ريمه العجّاجي
*بقلم: عبد الحفيظ العبدلي
عانت المرأة السورية من الإضطهاد ربما أضعاف ما عاناه الرجال على خطوط جبهات الحرب السورية. وستظل أسرار هذه المعاناة من اغتصاب وتعذيب وتشريد طيّ الصدور المكلومة، إلا ما أفرجت عنه أقلام الإعلاميين وتناقلته تقارير المنظمات الإنسانية.
ريمه العجاجي، أصيلة مدينة الرقة التي عانت من قصف طائرات النظام، ومن ثم سيطرة تنظيم القاعدة وممارساته المتطرفة، وانتهاءً بتدمير المدينة بالكامل على يد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأامريكية تروي في هذا الحوار الذي أجرته معها swissinfo.ch في منزلها بفريبورغ السويسرية شيئا من مسيرتها كناشطة سياسية في الداخل ثم كلاجئة في سويسرا لاحقا، وفيه تسلط الضوء أيضا على المصاعب التي يواجهها السوريون في الملاجئ.
وفي ما يلي نص الحوار:
swissinfo.ch: “ريمه العجاجي .. قصة كفاح”؟ هل تجدين في هذا القول مبالغة؟ أم أنه يعبّر بالفعل عن الواقع؟
ريمه العجاجي: ليس فيه مبالغة لأن عملنا كله عمل كفاحي. بداية لما كنا في سوريا ثم خلال هجرتنا، فوجودنا بسويسرا. دعنا نقول إنها رسالة لأني أنا أو أي شخص في هذا الكون لديه رسالة يؤديها، ولابد أن يحسن أدائها. أنا لدي مهام كثيرة: رسالتي كأم، رسالتي كسورية مسلمة تعبّر عن عروبتها، بالشكل الصحيح، وأيضا رسالتي كمواطنة تجاه بلدي، الذي يعاني من الظلم والقهر، وعليّ أن أبلّغ صوت الناس المعذّبين والناس المعتقلين، والمضطهدين. نحن كنا محظوظين خرجنا من أتون المحرقة، ونعيش في بلد آمن. لكن لا يجب أن ننسى أهل بلدنا الذين تركناهم خلفنا.
swissinfo.ch: متى وفي أي ظروف غادرت سوريا؟
ريمه العجاجي: منذ انطلاق الثورة السورية، شاركت في الحراك المدني السلمي ضد نظام الإستبداد الذي عانينا منه طيلة العقود الطويلة الماضية، بما في ذلك تنظيم تظاهرات سلمية وعمل إنساني إغاثي، لمساعدة المدن التي كانت تتعرض للقصف بالبراميل المتفجّرة. كذلك كان لي دور سياسي ككل مواطنة ومواطن سوري حر، كان يتمثّل في المطالبة بالحرية ومناصرة المظلومين، ودعم سكان المدن المنكوبة وسكانها النازحين.
عندما اشتدّ الضغط والقصف على مدينة الرقة، موطني الأصلي، وبعد تحرّرها من قبضة النظام وخروجها عن سيطرته، بدأنا نستنشق نسائم الحرية في هذه المدينة، ونحاول ممارسة نشاطاتنا فيها كمدنيين: إنشاء مجالس محلية خدمية وطبية، وفتح مدارس للتعليم، وتشجيع الأولاد على الدراسة، لكن مع الأسف بدأ توغّل تنظيم القاعدة في هذه المدينة، وحاولنا أن نتصدى لذلك عبر المظاهرات السلمية، لكن الكثير من النشطاء تعرضوا للخطف، وللإعدامات. وفي الأخير، لما فشل النشاط السلمي، إختار الشباب الثوري حمل السلاح، فكان الحل العسكري حيث دارت معركة بين قوات الجيش الحر والتنظيم الإرهابي، كان الإنتصار فيها لتنظيم القاعدة بسبب اختلال موازين القوى. عندئذ لم يبق من بد سوى المغادرة. لقد انتفى أي مجال للعمل السلمي. كان ذلك في عام 2014.
ريمه العجاجي
“ربيت أبنائي على الصدق والجد في العمل”
swissinfo.ch: ما هو العمل الميداني الذي كنت تؤدينه بالضبط قبل مغادرتك لسوريا؟
ريمه العجاجي: كانت كل جهودي منصبة في مجال التعليم، والسبب هو الخوف من انجرار الأطفال وراء أفكار وممارسات خاطئة، خاصة وأن تنظيم القاعدة كان يستهدف الأطفال ويقوم بغسل أدمغتهم. كنا نحاول محاربة تطرفهم بالعلم. ورغم قصف النظام، من الجو ومحاصرة داعش على الأرض، كنا ننظم فصول دراسية للأطفال داخل الملاجئ تحت الارض، كل ذلك حتى لا يتوقّف التعليم، لكن رغم كل الجهود توقف هذا العمل، لأن القائمين عليه باتوا يصنفون بكونهم أعداء للتنظيم الذي كان يسيطر على المدينة والمنطقة عامة. ولقد بيّنت كل ذلك عبر محاضرات ألقيتها بعدة مدن سويسرية منها لوزان وجنيف وفوفي،.. وأظهرت فيها أنه جيء بداعش إلى سوريا لتشويه الثورة وتمييعها، بتحالف موضوعي بين إدعاءات النظام وحملات الإعلام العالمي الذي كان يروّج لأطروحة النظام حول الإرهاب، لكي يبرر المجتمع الدولي تخليه عن مسؤوليته في الدفاع عن مطالب الشعب السوري في الحرية والانعتاق.
swissinfo.ch: هل حصلت بسهولة على حق الحماية في سويسرا؟
ريمه العجاجي: لم يكن الامر سهلا، رغم أن قضيتي كانت واضحة. لقد عانيت في مراكز اللجوء، وكنت وحيدة في سويسرا، بينما ابنائي ظلوا في مدينة الرقة في البداية، وهي تقصف وتحت سيطرة داعش، ثم لاحقا، انتقلوا للإقامة في تركيا. وظللت سنتان وانا بعيدة عنهم، إلى حين حصولي على حق الإقامة، حينها فقط التحق بي أولادي. كنت قبل وصولي إلى سويسرا في تركيا، لكن وضعي هناك لم يكن آمنا، مما اضطرني لطلب اللجوء، لان العودة إلى سوريا أصبحت مستحيلة. ثم اطفالي الذين كانوا يواصلون دراستهم في معهد خاص بالمتفوّقين أصبحوا غير قادرين على مواصلة تعليمهم. كل ذلك دفعني إلى طلب اللجوء في سويسرا.
swissinfo.ch: أكبر مشكلة تعترض اللاجئ الجديد هو استثمار تجاربه المهنية وخبراته في بلده الأصلي عندما ينتقل لبلد إقامة جديد. هل نجحت أنت في الإستفادة من خبراتك السابقة؟
ريمه العجاجي: العائق الأكبر الذي واجهني ولايزال هو اللغة. والأخطر أن اللغة هي مفتاح كل شيء. لدي خبرات في مجالات عديدة، في القانون، والتعليم، وفنّا الرسم والكتابة. وفي محاولة للإلتفاف على هذه الصعوبة، اخترت أن أتعامل مع المجتمع من خلال فن الرسم، لأن الرسام يوصل رسائله دون أن يحتاج إلى لغة، لأن الرسم في حد ذاته لغة يمكن أن يفهمها أي شخص. هي لغة عالمية مفهومة. مثل الموسيقى، وغيرها،.. مع ذلك انا أتواصل مع “فضاء النساء المسلمات” في فريبورغ،، ومع مؤسسة “حوار الأديان”، وأحضر دروس لغة في مارلي، وكذلك أتواصل مع مجموعة من النساء للتبادل اللغوي: انا اعلمهن العربية، وهن يساعدني على تعلم الفرنسية.
swissinfo.ch: كناشطة متابعة للوضع. كيف تقيّمين نظام اللجوء في سويسرا مقارنة ببلدان أخرى. وهل حقا هو نظام معقّد ومتشدد؟
ريمه العجاجي: كما يقال بأضدادها تعرف الأشياء: في هولندا، تتوفّر للاجئين تسهيلات أكثر منها في سويسرا، ليس هناك مثلا فرق بين اللجوء السياسي واللجوء الإنساني على مستوى قيمة المساعدات الإجتماعية، ويتاح الحق في السفر لجميع اللاجئين بدون استثناء، على عكس ذلك، في سويسرا، اللاجئ الإنساني ليس له حق الخروج من البلد. كذلك في هولندا، حق العمل متاح للجميع، أما في سويسرا فلا يتاح إلا لفئة من اللاجئين فقط. وهناك أشياء أخرى غريبة، مثلا اللاجئ الإنساني في سويسرا، لا يحق له اشتراء شريحة هاتف نقال، أو امتلاك سيارة، رغم أن هذه الأشياء باتت من الضروريات في هذه المرحلة، ومن الصعب العثور على عمل من دونها. بالنسبة لي شخصيا، أهم شيء هو تعليم أبنائي. ولقد أثبتا بالفعل جدارتهما، وتلقى مساعدة على تعلّم اللغتيْن الفرنسية والألمانية. ونجحا في ذلك.
امرأة من الرقة
ريما العجاجي
“أحتاج للرسم لتفريغ طاقاتي السلبية”
الرسم بالنسبة لريمه العجاجي هواية قديمة متجددة. درسته في الصغر، لكنها هجرته لفترة طويلة بسبب انعدام الحرية، لأنه من دون حرية يصعب تطوير التعبيرات.
swissinfo.ch: هل تستطيعين أن تعددي لنا الحقوق التي يحرم منها اللاجئين الحاملين لترخيص F؟ خاصة النساء منهم؟
ر. العجاجي: هؤلاء يحرمون من حق السفر، حيث لا يمنحون جوازات عبور. فالأم اللاجئة في سويسرا غير قادرة على زيارة إبنها المقيم في ألمانيا او في فرنسا. كذلك المساعدات الاجتماعية الممنوحة إليهم لا تكفي، في حال فكّر الشخص في تطوير إمكانياته، ثم أغلب اللاجئات السوريات محجبات، وهوية المرأة السورية في حجابها، والنساء السوريات يعانين من حرمانهن من العمل بسبب الحجاب. لقد شاركت في تظاهرة في برن تطالب بالمساواة في الأجور بين النساء والرجال، وكذلك تندد بظاهرة التحرّش في ميادين العمل. وطرحت الكثير من المضايقات، ولم يطرح موضوع الحجاب. ومن حق الطبيبة او المهندسة، أن تعمل وألا تحرم من العمل بسبب الحجاب. وهناك العديد من البلدان الإفريقية التي تضع غطاء على الرأس رغم أنها ليست مسلمة. فلماذا تحرم المرأة المتحجبة من العمل؟
swissinfo.ch: اتفاقية دبلن؟ ما تقييمك لها؟
ر. العجاجي: أوّلا هذه الاتفاقية لما أقرّت كان الهدف منها إيجاد نوعا من التوازن في توزيع اللاجئين بين البلدان الأوروبية الممضية عليها، وما نراه اليوم أن هذه الإتفاقية أصبحت السبب الرئيسي في الإخلال بهذا التوازن. وثانيا، باتت تشكّل ظلما لبعض اللاجئين قد يكون أحد المهاجرين ذاهب لزيارة أسرته في بلد آخر، وبسبب بصمة على الحدود، يصبح بعدها محروما من تقديم طلب لجوء في بلد آخر. ثم إن هذه الإتفاقية أعطت فرصة لتجار البشر في أن يبتزوا اللاجئين وضعفاء الحال، وغرق الكثيرون في البحار، لو أن هذه البلدان فتحت سفاراتها لدراسة مطالب اللجوء، لكانت الأمور سارت بطريقة طبيعية، فلا يكون هناك ضغط على بلدان بعينها، ولا تفرّق الاسرة الواحدة على العديد من البلدان. اتفاقية دبلن غير منصفة، والحقت أذا كبيرا باللاجئين.
swissinfo.ch: يلاحظ أنك حاضرة بقوة على مواقع التواصل الاجتماعية بما في ذلك فيسبوك، تويتر، أنستغرام، الشبكات الاجتماعية.. لماذا تحتاجين لهذه الأدوات التواصلية؟
ر. العجاجي: طالما أنا أنشط بالمجال السياسي والإنساني، ولدى رسائل أريد إيصالها، ليس هناك ما هو أفضل وأسرع للقيام بذلك من هذه الشبكات الإجتماعية. اليوم اصبح العالم بفضل هذه الأدوات قرية صغيرة متشابكة، فمن خلال مجرّد هاشتاغ، يمكنك ان توصل رسالتك إلى مجموعات معينة، في السعودية، أو في سوريا او في السويد او في أمريكا،.. ومادام هناك أناس يتعرّضون للأذى والظلم، لابد أن أؤدّي دوري، لأنني حرة وصاحبة كلمة. أوّلا لخدمة القضية الإنسانية في العالم، فإهتمامي لا ينحصر في سوريا فقط. لقد تعلمنا أن نناصر المظلومين في فلسطين وفي العراق، ونحن نرفض الظلم لما يحدث في أوروبا، وانا مثلا ضد حالات التحرّش التي حدثت مؤخرا في جنيف. نحن بشر موجودون في هذا البلد، ولابد أن نعبّر عن موقفنا تجاه هذه القضايا الإنسانية. وليس هناك حياد في هذه القضايا، بغض النظر عن مرتكب الجرم سوري أو غيره.
المادة من المصدر ⇐ هنا
.
.