قال فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تصريح لـ"الإندبندنت": "الأغلبية الساحقة لمن تم اعتقالهم من قبل النظام توفوا بسبب التعذيب والمعاملة السيئة في مراكز الاحتجاز. وفي حالات نادرة، يتم الحكم عليهم بالإعدام من خلال ما يدعى بمحكمة"
15 / كانون أول / ديسمبر / 2018
المصدر: السورية نت
في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تلقى والدا الشابة السورية – الأمريكية ليلى شويكاني الخبر الذي خشياه لعامين. ابنتهما البالغة 26 عاماً توفيت في سوريا، بعد اعتقالها من قبل نظام بشار الأسد.
سافرت شويكاني إلى سوريا في سبتمبر/ أيلول 2015 لمساعدة المتضررين هناك، ولكنها تعرضت للاعتقال من قبل النظام، وبعد ستة أشهر فقط من وصولها تلقت تهماً بجرائم الإرهاب، ثم تم إعدامها بعد أقل من عام بعد محاكمة استمرت 30 ثانية، وفقاً لجماعات حقوقية تتبعت قضيتها.
وبعد أسابيع من تأكيد موتها، لم يصدر البيت الأبيض ولا وزارة الخارجية الأمريكية أي تصريح علني حول ظروف وفاتها، بحسب ما ذكرته صحيفة “الإندبندنت(link is external)” البريطانية في تقرير نشرته، أمس الأربعاء، وترجمته “السورية نت”.
وقالت الصحيفة إنه مع استمرار تردد صدى الغضب العالمي بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي – في قنصلية بلده بإسطنبول – فإنه صعُب على العديد تفهم عدم الاهتمام بمقتل شويكاني.
واعتبرت “الإندبندنت” أن ذلك الصمت الأمريكي يشير إلى خذلان إدارتين أمريكيتين متعاقبتين لشويكاني وعائلتها، مرة حينما كانت شويكاني بحاجة للمساعدة كمعتقلة، ومرة بعد مقتلها الوحشي.
“لم يكونوا مهتمين بليلى”
وقال قتيبة إدلبي، الباحث الذي يعمل مع أقرباء المعتقلين السوريين: “لو كانت وزارة الخارجية قد فعلت المزيد حينها من خلال الضغط أكثر وتبيان عواقب ذلك الأمر، أظن أن ليلى كانت لتكون حية اليوم، سياسياً، لم يكونوا مهتمين بفعل شيء، رد فعلهم بأكمله كان سخيفاً”.
وتنقلت شويكاني وعائلتها مراراً بين سوريا والولايات المتحدة لأعوام عدة، ولكن حينما وصلت إلى دمشق عام 2015 نوت البقاء هناك، وليلى التي حصلت على الجنسية الثنائية الأمريكية السورية، أحست بالدافع لمساعدة المدنيين الذين يعانون جراء الحرب وبدأت تعمل مع مجموعة من الأصدقاء لتنظيم جهود لمساعدة الناس في الغوطة الشرقية من ضواحي دمشق، التي كانت محاصرة حينها من قبل قوات الأسد.
ويعتبر نظام الأسد أي نوع من المنظمات المستقلة مصدر تهديد له، وبعد اعتقال شويكاني، اعتقل النظام أصدقائها الواحد تلو الآخر. ووفقاً للإدلبي فإن “شويكاني أحست أنها ستكون محمية أكثر لكونها أمريكية. أحست أنها بحاجة لفعل شيء”.
وفي شهر فبراير/ شباط 2016، بعد ستة أشهر من وصولها، تم اعتقالها من قبل قوات الأمن مع أبيها وخطيبها، وتم اتهامها بالتخطيط لاغتيال أفراد من حكومة الأسد، وفقاً لإدلبي.
وما حصل بعد ذلك اكتشفه إدلبي من خلال شهادة السجناء الآخرين في سجن عدرا، حيث تم احتجازها، والتواصل مع مسؤولين بالنظام بعد الواقعة.
اعتراف بالإكراه
ونظراً لأن الولايات المتحدة سحبت سفيرها من سوريا عام 2012، فإنه تم متابعة قضية شويكاني من قبل السفيرة التشيكية إلى دمشق، إيفا فيليبي، إلا أنه بعد عشرة أشهر من اعتقالها، في 18 كانون الأول 2016، زارت فيليبي شويكاني في سجن عدرا بالنيابة عن الحكومة الأمريكية.
وقبل الزيارة، تم تهديد شويكاني من قبل سلطات النظام بأنه ستتم أذية عائلتها في حال لم تعترف للسفيرة بالجرائم التي تم اتهامها بها، وهو ما فعلته حينها، وبعد ثمانية أيام، تم نقل شويكاني من سجن عدرا إلى المحكمة العسكرية، حيث طلب منها الإجابة عن التهم المقدمة ضدها.
وبحسب ما نقلت “الإندبندنت” عن إدلبي، فإنه خلال محاكمة شويكاني، طُرح عليها في المحكمة سؤال واحد “هل تعترفين بالاتهامات؟، قالت ليلى نعم، بسبب التهديدات لحياة عائلتها”، وأضاف إدلبي: “اكتشفنا من أحد المسؤولين أن القاضي حكم عليها بالإعدام بتهمة الإرهاب. استمرت المحاكمة لـ30 ثانية”.
بعد ذلك – بحسب إدلبي – تم نقل شويكاني حينها إلى سجن صيدنايا سيء الصيت، خارج العاصمة دمشق، مضيفاً: “حينها افترضنا أنه قد تم قتلها بالتأكيد. لأنه عادة ما يتم الإعدام خلال 48 ساعة (من الحكم)”.
وتلك الشهادة تطابق تلك التي تم تقديمها من قبل الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي قالت إنها تعتقد بأن شويكاني تم إعدامها في 28 كانون الأول 2016.
وفي حين أنه لم يكن هناك أي تأكيد رسمي لوفاتها في ذلك الوقت، تمسكت عائلة شويكاني بأمل أن تكون على قيد الحياة، وأنه سيتم إطلاق سراحها.
ومنذ أن فقدوا الاتصال معها في كانون الأول عام 2016، استمرت السفيرة التشيكية بالاستعلام عنها من حكومة الأسد ومن ثم تمت ملاحقة القضية من قبل المبعوث الأمريكي لسوريا، مايكل راتني.
وقالت “الإندبندنت” نقلاً عن مصدر على علم بنشاط وزارة الخارجية الأمريكية حينها، فإن جهود واشنطن لمساعدة شويكاني لم تكن مستعجلة، ولم يكونوا على علم بأنها قد قُتلت بالفعل.
وأضافت: “قالوا بأنهم سيطلبون من الحكومة السورية تقديم محاكمة عادلة ومنصفة لها. لا يمكن لأحد أن يثق بأن الحكومة السورية ستقدم محاكمة عادلة ومنصفة”، حسبما قال المصدر، الذي طلب إبقاء هويته سراً بسبب حساسية الموضوع.
الإدارة الأمريكية لم تعلّق!
وعلمت عائلة شويكاني أخيراً بموتها الشهر الفائت من السجل المدني الذي تم نشره حديثاً – وهو قاعدة بيانات حكومية تتابع حالات الولادة والزواج والوفاة -، وأشار إلى أن شويكاني توفيت 28 كانون الأول 2016، ولكنه لم يقدم تفاصيل حول ظروف وفاتها. وبعد التأكيد على موتها، واجه البيت الأبيض دعوات متزايدة للرد على مقتلها.
ولفتت الصحيفة البريطانية، إلى أن دونالد ترامب كان قد جعل من تحرير الأمريكان المحتجزين خارج البلاد سمة مميزة لفترته الرئاسية، من بينهم الحملة التي كانت علنية للغاية وناجحة في النهاية لتحرير القس الأمريكي آندرو برونسون، الذي كان قد سجن في تركيا لمدة عامين بتهمة مساعدة محاولة الانقلاب ضد الرئيس رجب طيب أردوغان. ولكن ترامب لم يعلق بعد على وفاة شويكاني.
وتم استلام قضيتها الآن من قبل عضو الكونغرس الجمهوري آدم كينزينجر، الذي يمثل مقاطعة إيلينوي حيث عاشت شويكاني، وخلال جلسة الاستماع التي أقامتها لجنة مجلس النواب للعلاقات الخارجية في نهاية الشهر الفائت، استجوب كينزينجر ممثل الولايات المتحدة الخاص لسوريا، جيمس جيفري، حول رد فعل إدارة ترامب على مقتلها. ولم يتلق جواباً إلى الآن.
ونقلت الصحيفة عن كينزينجر قوله: “ما زلت انتظر جواباً، سأستمر في حث زملائي على الانضمام إليّ للضغط على البيت الأبيض. إنني أشعر بخيبة الأمل والصدمة لغياب الغضب على مقتل ليلى من قبل نظام الأسد، وأنه لم يكد يكن هناك تغطية إعلامية لها أيضاً. أتفهم أن هنالك تفاصيل سرية، ولكنني أشعر بخيبة الأمل من أن السفير جيفري لم يتمكن من أن يقل المزيد نيابة عن الإدارة حول ما حدث لليلى وما ستكونه العواقب”.
بدوره، وصف تشارلز ليستر، الباحث في معهد الشرق الأوسط، والذي قدم شهادة أمام لجنة مجلس النواب للعلاقات الخارجية، رد فعل الحكومة الأمريكية على وفاة شويكاني بـ”المخجل”.
وقال: “لا أستطيع تصور أننا كنا سنشهد هذا الصمت في حال كان اسم ليلى ميريديث ولو كانت شقراء الشعر وبيضاء البشرة. في نهاية الأمر، تم اعتقال أمريكية بتهم زائفة، وحكم عليها بالإعدام، وتم قتلها وهي في حوزة نظام الأسد – وهو النظام الذي تستمر حكومتنا بدعوته بالوحشي وغير الشرعي حتى هذا اليوم”.
وأضاف في تصريح للصحيفة البريطانية: “أظن أن الحكومة الأمريكية ومجتمع الإعلام الأمريكي عليهم التفكير بعمق بما معنى أن يكون المرء أمريكياً”.
الآلاف مثل شويكاني أخفاهم النظام
روبرت فورد، السفير الأمريكي الأخير في سوريا، والذي غادرها عندما تم إغلاق السفارة عام 2012، قال إن غياب قناة الاتصال الرسمية مع حكومة الأسد لا بد قد أعاق بشدة جهود إطلاق سراح شويكاني.
وأضاف: “لا أعلم كم بذلت وزارة الخارجية من جهد ولكن إن أرادوا أن يجعلوا من الأمر قضية كبيرة، لصرحوا علناً حيالها، كما فعلوا بخصوص أمريكيين آخرين مفقودين في سوريا”.
وفي تعليق من وزارة الخارجية الأمريكية حول قضية شويكاني، قال متحدث باسمها: “إننا على علم بتقارير حول موت مواطنة أمريكية في حوزة النظام السوري. نظراً لاعتبارات خصوصية، لا تعليق أكثر لدينا حول تلك التقارير الآن”، وأشارت “الإندبندنت” إلى رفض البيت الأبيض التعليق.
واختفى عدة آلاف من السوريين بالطريقة ذاتها مثل شويكاني، وتقول منظمة العفو الدولية إن سجن صيدنايا مكان يمارس فيه “القتل، والتعذيب، والإخفاء القسري، والتصفية”، فيما تُقدر جماعات حقوقية تعرض ما بين 5000 إلى 13000 شخص للإعدام دون حكم قضائي في صيدنايا، ما بين أيلول 2011 وكانون الأول 2015.
ومثل شويكاني بقي مصير العديد من أولئك الضحايا مجهولاً لأعوام، إلا أنه مع بداية عام 2018، بدأت حكومة الأسد بإصدار إشعارات بموت المحتجزين بمعدل غير مسبوق، حيث تم إعلام الآلاف بوفاة أقربائهم قبل أعوام.
أما عن أسباب الموت المقدمة فغالباً ما كانت غامضة، ولكن جماعات حقوقية تقول إن التعذيب والعناية غير الملائمة هي السبب الرئيسي لموت المحتجزين.
وقال فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تصريح لـ”الإندبندنت”: “الأغلبية الساحقة لمن تم اعتقالهم من قبل النظام توفوا بسبب التعذيب والمعاملة السيئة في مراكز الاحتجاز. وفي حالات نادرة، يتم الحكم عليهم بالإعدام من خلال ما يدعى بمحكمة”.
وأضاف: “من الصعب للغاية تأكيد طريقة موتها، من خلال التعذيب أو الإعدام. ولكن النتيجة واحدة. النظام هو المسؤول. النظام هو من أخفاها. توفيت قبل قرابة عامين، والنظام لم يعلم عائلتها سوى منذ شهر واحد مضى”.
ووفقاً لعبد الغني، تعرض 80,000 شخص للإخفاء القسري من قبل نظام الأسد، مصير أغلبهم ما يزال مجهولاً. وأضاف أن شهادة وفاة شويكاني تشير إلى أن السجل المدني تم إعلامه بمقتلها في 7 تشرين الثاني عام 2018.
وكما مع معظم حالات الوفاة التي تحصل في معتقلات نظام الأسد، لم تتلقى عائلة شويكاني جثتها، والأسبوع الفائت أقيمت جنازة لها في ويلوبروك، إيلونوي، حيث عاشت.
وقال عبد الغني إن قصة شويكاني سببت صدمة للعديد من السوريين، وأضاف: “إنها تقدم رسالة مروعة بأن حكومة ديمقراطية لم تبدي اهتماماً بمواطنتها. ما الذي يعنيه هذا بالنسبة للسوريين الذين يكافحون وعانوا لتحقيق الديمقراطية السلمية في بلادنا؟ الولايات المتحدة تتخلى عنا”.
المادة من المصدر ⇐ هنا