جاء في المادة الأولى من اتفاقية "لاهاي" عام 1930 "تختص كل دولة بأن تحدد في قوانينها الأشخاص الذين يتمتعون بجنسيتها وتعترف الدول الأخرى بتلك القوانين في حدود عدم تعارضها مع الاتفاقيات الدولية أو العرف الدولي ومبادئ القانون العام المعترف به
19 / كانون الثاني / يناير / 2019
*سائد الشخلها
كان ولا يزال القانون هو الحامي الأساسي للبشرية والإنسانية، ويعد في الدول المتقدمة هو المرجع الوحيد للحكم على المواطنين، ولكن ذات القانون قد يصبح سوطاً لظلم المواطنين بيد الحكومات الدكتاتورية والشمولية؛ ولكن السؤال، ماذا سيكون موقف الدول المتحضرة عند تعرض مواطن من مواطنيها للظلم في إحدى الدول الدكتاتورية؟ وهو ما حدث فعلاً لعدة أشخاص ممن يحملون الجنسية السورية وجنسية أخرى وهم من يسمون مزدوجي الجنسية.
ازدواج الجنسية حالة تعاملت معها جميع الدساتير في الدول المتقدمة، إذ عرفه القانون الفرنسي بـ “أن يتمتع الشخص الواحد قانوناً بإرادته أو من دونها لأكثر من جنسية واحدة ثابتة قانوناً”، ولكن القانون السوري لم يعترف بازدواج الجنسية، ونص على عقوبات لمن يحوز جنسية غير السورية من السوريين إن لم يبلغ السلطات بذلك، ولكن المستهجن هو تصرف القضاء السوري مع مزدوجي الجنسية حيث إنه لم يجردهم من جنسيتهم السورية، بل اعتبر أن الجنسية التي حازوا عليها هي جنسية غير شرعية، بل غير موجودة أبداً، وبذلك لا يعامل أي مواطن سوري حسب جنسيته الأخرى حتى وإن دخل الأراضي السورية بتلك الجنسية، كما حصل مع الدكتور “حسن كريماتي” والذي حاز الجنسية الفرنسية بالتبعية من والده الذي هاجر إلى فرنسا في ستينيات القرن الماضي، عندما جاء إلى سورية لزيارة أقاربه واعتقلته سلطات النظام السوري وساقته لخدمة العلم رغم كونه لم يقض في سورية إلا ساعات قليلة، ولم تطلق سراحه رغم طلبه سحب الجنسية السورية منه ومعاملته معاملة سائح فرنسي ، إضافةً إلى مطالبة السفارة الفرنسية به أكثر من مرة.
أما في الثورة السورية فحادثة كحادثة “الكريماتي” تكررت كثيراً حتى طالت ناشطين وأعضاء هيئات دولية من أصول سورية، في نسف واضح لكل المعاهدات الدولية وحتى البروتوكولات المطبقة في تلك الحالات. فعندما اعتقل النظام السوري الناشط البريطاني – السوري “عامر زيتوني” وهو عضو اللجنة الدولية للحريات والصحافة والذي اعتقل إثر تغطيته لمظاهرات مدينة حمص عام 2012، وبقي في المعتقلات لتسعة أشهر رغم المطالبة به على مستوى دبلوماسي رفيع، وتلاها عدد لا بأس به من هذه الاعتقالات كلها بنفس الطريقة، كاعتقال المحامي الأمريكي – السوري “ساري جمهر” والأخوين “عبدالله وحسام جازي” والذين تم اعتقالهم في مطار دمشق الدولي عندما حاولوا المغادرة باتجاه الأرجنتين بتهمة تمويل الإرهاب ليخرجوا بعد حوالي السنتين ومن خلال صفقة شخصية بين عائلتهم ورئيس فرع فلسطين في دمشق بحسب أقوال العائلة نفسها.
رغم قيام النظام بعشرات الاعتقالات التي طالت مواطنين يحملون جنسيات أوربية أو أمريكية، ورغم مطالبة الكثير من الدول بهؤلاء المواطنين إلا أن رد النظام السوري كان موحداً وغير قابل للنقاش، وهو “الدستور السوري لا يعترف بازدواج الجنسية، لذا نحن لا نعترف بالجنسية التي تدعون حيازتها، وعليه لا يمكنكم المطالبة بمواطن سوري تم إلقاء القبض عليه ضمن الأراضي السورية، ولا اختصاص لمحاكم غير المحاكم السورية على أراضينا”. وبما أن ملفات كتلك تتحول بسرعة لملفات دبلوماسية فهي تنتهي ضمن تلك الأقنية وتحل بطرق سياسية دون تدخل القضاء الوطني والدولي فيها.
جميع الملفات التي تم فتحها تقريباً كانت لمواطنين سوريين حائزين على جنسيات غربية، ولكن الغريب هو ملف السوريين حملة الجنسيات العربية فهذه الملفات ورغم سماح القانون السوري بحيازة المواطن السوري لإحدى الجنسيات العربية، وكون هذه الجنسية قانونية إلا أن معظم من اعتقلوا في سجون النظام لم يتم المطالبة بهم من حكوماتهم وعلى رأسهم السوريين – الفلسطينيين الذين يملؤون أقبية الفروع، والذين يعاملون معاملة قد تكون أشد من معاملة السوريين أنفسهم، ومنهم المبرمج باسل خرطبيل الذي اعتقلته قوات النظام السوري عام 2015 لتخفيه قسرياً حتى قبل عدة أشهر حيث أصدرت وثيقة وفاته.
إضافة إلى الكاتب الفلسطيني السوري “علي الشهابي” المختفي قسراً منذ 17/12/2012 في أقبية النظام السوري، والذي اعتقل مراتٍ عديدة قبل الثورة ثلاث مرات أطولها من تاريخ 1982 لغاية 1992.
كما قامت قوات النظام بعمليات اعتقال جماعية بحق فلسطينيي سورية كان أبرزها توقيف 1200 فلسطينياً مدنياً من أهالي مخيم اليرموك المحاصر على حاجز الوحش جنوب دمشق، إثر محاولتهم الخروج من المناطق المحاصرة، ولا يزال مصير الكثير منهم مجهولاً حتى هذه اللحظة.
جاء في المادة الأولى من اتفاقية “لاهاي” عام 1930 “تختص كل دولة بأن تحدد في قوانينها الأشخاص الذين يتمتعون بجنسيتها وتعترف الدول الأخرى بتلك القوانين في حدود عدم تعارضها مع الاتفاقيات الدولية أو العرف الدولي ومبادئ القانون العام المعترف به من الدول على وجه العموم في مسائل الجنسية” وعليه فإن النظام السوري لم يرتكب خطأ قانونياً حين رفض مبدأ ازدواج الجنسية، ولكن الخطأ الذي وقع فيه وعن عمد هو عدم اعترافه بالجنسية التي حصل عليها المواطن السوري بطريقة قانونية، وهذا ما نوهت عليه تقارير دولية عديدة تسبق الثورة.
ولكن بعد الثورة لم يصدر أي تقرير بشأن ازدواج الجنسية حول سورية، أو عن هذه الفئة من المعتقلين، حتى صدر تقرير “منظمة العفو الدولية” عام 2018، إذ تم ذكر قضية كل من “مازن دباغ” وابن شقيقه و “باتريك عبد القادر دباغ”، وهما يحملان الجنسية الفرنسية والسورية المزدوجة، حيث أخفاهما قسرًا النظام السوري في مقرّ المخابرات الجوية بدمشق؛ وفي تموز 2018، حصلت عائلة الدباغ على وثائق من الحكومة السورية تفيد بأن مازن وباتريك قد توفيا في تشرين الثاني 2017 وكانون الثاني 2014، على التوالي.
وعلى صعيد المنظمات المحلية نوهت منظمات عديدة لمسألة هؤلاء المعتقلين، على أمل الحصول على دعم المجتمعات والدول التي يحوز هؤلاء المعتقلين لجنسيتها، حيث أعلن فريق الرصد والتوثيق في “مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا”، أن الفلسطينيين – السوريين الذين قضوا تحت التعذيب في السجون السورية قرابة 565 ضحية، إضافة لحوالي 12 ألفاً معتقلاً فلسطينياً، بينهم 613 امرأة و789 طفل منذ بداية الثورة، وفقاً لتقرير مرافق أصدره مركز “توثيق المُعتقلين والمفقودين الفلسطينيين في سورية”.
وذكرت تقارير أخرى أصدرتها “الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي” عن معتقلين يحملون الجنسية الفرنسية والألمانية وحتى الأمريكية، ولكن لم تخصص هي أو أي منظمة أخرى تقريراً خاصاً بالمعتقلين مزدوجي الجنسية.
رغم أن ملف مزدوجي الجنسية المعتقلين ملف قد أهمل في سني الثورة الأولى، إلا أن السنة الأخيرة حملت في طياتها أملاً من خلال إصدار القضاء الفرنسي الأمر بإلقاء القبض على شخصيات مهمة في النظام السوري على خلفية قضية “آل الدباغ”، وكذلك قبول قضايا أخرى متفرقة في أوروبا كهولندا وألمانيا لضحايا يحملون جنسيات تلك الدول قضوا في أقبية الفروع الأمنية التابعة للنظام.
لمّا يزل النظام السوري نظاماً شمولياً لا يستطيع التمييز بين مطالبي الحرية والعدالة سواء كانوا سوريين أم لا، ولا يستطيع أن يخرج السوريين من عباءته حتى وإن اختاروا التخلي عن جنسيتهم للحصول على حريتهم، لذا لا سبيل للوصول لدولة المواطنة التي يحلم فيها كل مواطن سوري سوى تجاوز هذا النظام المجرم ومحاكمته على جرائمه التي تعدت كونها جرائم بحق السوريين بل تخطتها لتصبح جرائم بحق البشرية جمعاء.
المزيد للكاتب
⇓