هناك حاجة إلى دعم دولي للسماح بدفن الجثث بطريقة كريمة". "وتحتاج الفرق المحلية التي تجري عمليات البحث عن رفات الضحايا إلى تدريب ومساعدة تقنية لاستخراج الجثث وجمع البيانات دون فقدان المعلومات الضرورية لتحديد الهوية"
07 / نيسان / أبريل / 2019
*مع العدالة
نشرت مجلة “وايرد-Wired ” الأمريكية تقريراً حول استخراج الجثث من المقابر الجماعية المكتشفة مؤخراً في مدينة الرقة السورية بعد المعارك الأخيرة التي دارت بين “تنظيم داعش” الإرهابي، وقوات التحالف الدولي.
تستهل المجلة تقريرها من خلال نقل حالة المكان والطقس في تلك المناطق بعبارات تصوّر الأجواء والمعيشة المزرية هناك؛ قائلة: ” الغيوم أزاحت أعباءها عن الأرض، لكن الطرقات غارقة بالمياه بعد أن توقف المطر. قنوات الري في المراعي تفيض بالوحل. وفي المسافة البعيدة ينفخُ عادم “جرار زراعي” دخانه حول حافة الحقل. تحت مساحة من الأشجار القريبة، تندلع نيران أمام مخيمات صغيرة.
- ” من يحتاج إلى البسكويت؟”، قال شابٌ ذو عينين شاخصتين، لمجموعة من عشرة رجال تقريباً، تجمعوا حول النار. البعضُ منهم يجلس، والبعض الآخر يجثو. أما الباقي قد تمدد. شخص يغلي البيض في غلاية صغيرة. ولديهم تمر، وأكواب صغيرة من الشاي.
حوالي الساعة العاشرة صباحاً، أطلت الشمس عبر الضباب، النار تبتسم، وثمة رجل واحد يسير نحو البستان عميقاً، ليأتي صوت تكسير الخشب من حيث اختفى الرجل. عاد ليضع الأغصان في النار.
“نأمل أن ننتهي في وقت مبكر اليوم”، يقول حسن محمد. الذي يرتدي ملابس عمل مثله كباقي الرجال.
يأتي صوته الخفيف من وراء قناع الوجه الجراحي الأزرق الذي يستخدمه الأطباء. عند قدميه توجد أكياس عديدة _ أكياس للجثث _ في صفّ واحد على طريق ترابية متاخمة للعشب. خارج الحقل فوضى من أكوام ترابية تشير إلى وجود مقابر مؤقتة.
مدينة الرقة كانت منذ يناير 2014 هي العاصمة الفعلية للــ”دولة الإسلامية”. مدينة الرقة في شمال شرق سورية، تقع على ضفاف نهر الفرات، ولقد كانت موقعاً للتعذيب الوحشي الذي كان يصوّر فيه تنظيم الدولة الإسلامية جرائمه لنشر دعايته. وبحسب المجلة، المنطقة كما يشاع، أعدم فيها الصحافيان “جيمس فولي وستيفن سوتلوف”. ولقد عاش سكان المدينة لسنوات تحت الحكم (الإسلامي القسري).
ويضيف التقرير، في تشرين الأول / أكتوبر، حرّر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة المدينة من المقاتلين، بعد شهور من الحروب في جميع أنحاء شوارع المدينة والأزقة الضيقة. وبحلول كانون الأول/ ديسمبر 2018، كان أكثر من 165.000 نازح قد عادوا إلى المدينة. ووفقاً للقيادة المركزية الأمريكية، أن الغارات الجوية قتلت ما يقرب من 1200 مدني، ومن مقاتلي “داعش” أعداد لم تحصَّ؛ وقد تم دفن العديد من القتلى على عجل. ومع عودة السكان السابقين إلى منازلهم المدمرة، تعمل القوات المسؤولة عن المدينة على إخراج الجثث والتعرف عليها.
حيث تم توظيف الرجال الذين كانوا يحيطون بالنار، كمستخرجين للجثث، وهم يقومون بهذا العمل منذ أكثر من عام. واليوم يعملون من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثالثة بعد الظهر.
تنقل المجلة عن السكان هناك، أن في بعض الأحيان يتم عرض رفات القتلى على أقاربهم، الذين قد يتعرفون على أفراد أسرهم من خلال الألبسة أو الأحذية. وإذا لم يتم تحديد هويات الضحايا، فمن الأفضل أن يوضعوا في مخزن _ على سبيل المثال مشرحة في مستشفى، لكن الطاقة الكهربائية في الرقة محدودة، وليست كافية للثلاجات والمجمدات.
وكما يذكر التقرير، أنه ربما في وقت لاحق عندما يتم بناء المدينة، سيكون هنالك مجمدات، واختبار الحمض النووي. لكن جزءاً من إعادة ترتيب المنقطة، هو استخراج القتلى من الحقول. لذلك، يلجأ الرجال إلى الحفاظ على الأرض (ويتم إعادة دفن الجثث مجهولة الهوية في المقابر الحديثة، والأكثر رسمية، خارج المدينة بأسرع وقت ممكن.)
يأملون في تحديد الهوية لاحقاً
وفي سياق الموضوع ذاته، تذكر المجلة أن الصراع في جميع أنحاء العالم والمقابر الجماعية لا ينفصلان، على المستوى العملي. فهذه طريقة فعالة لاستخراج الجثث بعد المعارك، كما أنها شكل من أشكال عدم الاحترام وغالباً ما تكون علامة على حدوث تطهير عرقي. والإجراءات الدولية الخاصة بالتحقيق في هذه المقابر معروفة جيداً، وقد تم تدريب مستخرجي الجثث على كيفية تسجيلها وتحليل البيانات الخاصة بها. مع الوقاية الشخصية كأحذية، وأقنعة الوجوه للحماية من الأمراض المعدية أو الغازات الخطرة مثل “الأمونيا”.
قد لا يتوفر خبراء الطب الشرعي بسهولة، كما يشير التقرير، لذلك يلتقط المستجيبون لهذا العمل الصور الفوتوغرافية التي تهدف إلى المساعدة في تحديد الهوية لاحقاً، وينبغي أن تتضمن الصور تفاصيل لكامل الجسم والوجه، وميزات أخرى مثل الملابس والقياسات. حيث يعمل التوثيق بكل من الصور والشروحات على زيادة فرص تحديد الهوية في المستقبل، عندما تستطيع المستشفيات المحلية أو منظمات الإغاثة الدولية تسهيل إجراء اختبار الحمض النووي.
الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، كما يذكر ضمن التقرير أنه أعدّ كتيباً بعنوان” إدارة جثث الموتى بعد الكوارث”. لكن فريق الرقة لا يستطيع فعل أي شيء من هذا. لديهم القليل من التمويل، والقليل من الأدوات. ليس لديهم معدات لمعالجة الحمض النووي. وهذا ما يعقد المهمة. فأدوات تحديد الهوية الوحيدة الخاصة بهم هي تلك الأكثر شيوعاً.
ففي البداية يتعيّن عليهم القيام بتحديد موقع القبور، إذ يستخدم الفريق أيضاً خرائط ــ Google أو Google Earth وصور الأقمار الصناعية للبدء في تعيين المواقع المحتملة؛ فمن الأعلى يمكن تحديد القبور بسهولة. حيث تظهر في صور الأقمار الصناعية المحدثة كصفوف من الأتربة المقلوبة في الحقول المحلية، وفي مناطق شاغرة ضمن أنحاء المدينة، مثل الخيوط في المناظر الطبيعية.
وبينما يبدأ الفريق بحفر القبور، تصل معلومات من العائلات عن المجوهرات التي قد يرتديها أقرباؤهم، سواء كانت سناً ذهبية، أو أساور، أو حتى الأحذية التي ينتعلونها عندما شوهدوا لآخر مرة. ويتم التواصل مع فريق العمل بشكل عشوائي بأغلب الأوقات من قبل الأهالي عبر صفحة “الفيسبوك” كي يقوموا بزيارة مكاتب المجلس المدني في الرقة.
يتم توجيه النصائح إلى مدراء المكاتب، الذين يحاولون مطابقة معلومات التعريف مع قاعدة بيانات متنامية قام الفريق بتجميعها أثناء عملهم لالتقاط تفاصيل صغيرة -ساعة يد وسن مقلوبة -في دفاتر ملاحظات يحملونها معهم.
ويضيف التقرير أن المنظمات الدولية تشيد بعملها حتى مع انخفاض تمويلها. إذ يسعى قادة في الرقة إلى الحصول على المزيد من التمويل عبر المجتمع الدولي ومنظمات الإغاثة للمساعدة في إزالة ونقل رفات الضحايا، لكن عمل القائمين على استخراج الجثث لايزال يمثل جانباً غير معترف به من إعادة الإعمار.
وكما ينقل التقرير قول نائبة مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “هيومن رايتس ووتش” لما فقيه:
- هناك حاجة إلى دعم دولي للسماح بدفن الجثث بطريقة كريمة”. “وتحتاج الفرق المحلية التي تجري عمليات البحث عن رفات الضحايا إلى تدريب ومساعدة تقنية لاستخراج الجثث وجمع البيانات دون فقدان المعلومات الضرورية لتحديد الهوية”.
وأخيراً، تقيّم منظمة _ مع العدالة_ وتثمّن عمل الفرق المحلية والداعمين الدوليين لها في هذا الملف الإنساني، وتطالب كل المنظمات الطبية والحقوقية بالعمل على ملف الضحايا المدنيين الذين قتلوا من قبل النظام السوري وحلفائه، والتنظيمات الراديكالية المتشددة، وعلى رأسها “تنظيم داعش” الإرهابي، لتحقيق العدالة في سورية، ومحاسبة كل من قام بانتهاكات ضد الإنسانية وجرائم حرب في سورية، وفي كل دولة تشهد نزاعات وحروباً يسقط خلالها الأبرياء.