“يُقال إنه لا يمكن التعرف إلى أمة حقًا حتى ندخل سجونها. لا ينبغي الحكم على أمة من خلال معاملتها لنخبة مواطنيها، بل من خلال معاملتها لأضعف مواطنيها”
21 / تموز / يوليو / 2019
المصدر: عنب بلدي_ منصور العمري
اختصر نيلسون مانديلا، بمقولته هذه، الرسالة التي يسعى السوريات والسوريون لتوجيهها للمجتمع الدولي وإعلامه منذ سنين: عليكم النظر إلى حقائق الأمور وما خفي منها، ليس ما يعلنه الأسد وعصابته المجرمة وإعلامه الشريك، بل ما يفعله تجاه شعبه.
احتفلت الأمم المتحدة قبل أيام في 18 من تموز/يوليو، بـ “اليوم الدولي لنيلسون مانديلا”، وتطلب الأمم المتحدة كل عام في هذه المناسبة من الأفراد حول العالم الاحتفال باليوم العالمي لنيلسون مانديلا من خلال إحداث تغيير في مجتمعاتهم. فكل فرد لديه القدرة وعليه المسؤولية لتغيير العالم نحو الأفضل، ويُعتبر يوم مانديلا مناسبة للجميع للعمل وإلهام التغيير.
مانديلا أحد المخلدين في التاريخ، قضى 67 عامًا من حياته لخدمة الإنسانية، كمدافع عن حقوق الإنسان، وكان “أول رئيس منتخب ديمقراطيًا لدولة جنوب إفريقيا الحرة“.
أثارت فترات حياة مانديلا كثيرًا من الجدل. رغم أن منتقديه شجبوه باعتباره إرهابيًا شيوعيًا، تلقى إشادات دولية لموقفه المناهض للاستعمار وللفصل العنصري، واعتُبر رمزًا للديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ولديه احترام عميق في جنوب إفريقيا، حيث يُشار إليه باسمه العشائري ماديبا وأنه “أبو الأمة”. تلقى مانديلا أكثر من 250 جائزة، منها جائزة نوبل للسلام عام 1993 وميدالية الرئاسة الأمريكية للحرية، وغيرها.
في كانون الأول/ديسمبر 2015، قررت الجمعية العامة للأمة المتحدة توسيع نطاق اليوم العالمي لنيلسون مانديلا ليتم استخدامه أيضًا من أجل تعزيز الظروف الإنسانية للسجن، وزيادة الوعي بشأن السجناء باعتبارهم جزءًا من المجتمع، وتقدير عمل موظفي السجون على أنه خدمة اجتماعية ذات أهمية خاص، فأسمت اتفاقية “قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء” بـ “قواعد نيلسون مانديلا“، تقديرًا لإرث رئيس جنوب إفريقيا الراحل الذي قضي 27 عامًا في السجن بسبب كفاحه من أجل شعبه.
اليوم، ربما تعلم السوريات والسوريون أن العالم بدوله ومؤسساته الدولية والإعلامية أصبح يعرف أغلب ما فعله نظام الأسد بشعبه في سجونه السرية وفي خارجها، ولا يزال، ولديه كامل الأدلة والتوثيقات، وأصبح من البديهيات تسميته نظام الحكم في سوريا على أنه نظام ديكتاتوري يقوده الديكتاتور بشار الأسد، بدعم وسيطرة كبيرة من بوتين، ومسؤول عن جرائم حرب وجرائم كبرى ضد الإنسانية.
أتى هذا التغيير المعرفي )إن صح التعبير( نتيجة لجهود متفانية وكبيرة بالدرجة الأولى من ناشطين وناشطات الثورة داخل الأراضي السورية بتعاونهم مع المنظمات السورية التوثيقية الرائدة، والإعلام السوري الجديد وناشطات وناشطين خارج سوريا، في جزء كبير منها بدعم من حكومات ديمقراطية ومجتمع مدني أوروبي وأمريكي جبّار ومؤثر بالسياسات الحكومية لدوله، بالإضافة إلى مؤسسات إعلامية عربية ودولية، ومنظمات إنسانية دولية كان لها دور أساسي في إصدار تقارير حظيت بانتشار واسع إعلاميًا وعلى المستوى السياسي، أيضًا بالتعاون مع ضحايا نظام الأسد، والمنظمات السورية.
إلى حد ما، أعتقد أننا تجاوزنا اليوم كسوريات وسوريين ومنظمات سورية ودولية وإعلام سوري ودولي مرحلة التعريف فقط بإجرام الأسد. أصبح من الضروري في هذه المرحلة محاولة التفكير في إيجاد حلول لصمت المجتمع الدولي وعدم تحركه إزاء أكبر الجرائم ضد الإنسانية في هذا القرن، ارتكبها من لا تزال الأمم المتحدة تعتبره رئيسًا شرعيًا وعضوًا فيها، مع الحفاظ بالطبع على حالة التعريف الدائم بإجرام الأسد وتسليط الضوء عليها.
قد تكون أفكار الحلول من قبيل تطوير السوريات والسوريين العاملين في الشأن السوري العام لأنفسهم، باكتساب مزيد من الخبرات كل في مجاله.
عدم تحرك المجتمع الدولي جاء وبجزء منه لعدم خبرة السوريين في مفاصل وآليات تكوين الرأي العام الغربي، ومصالح دول الغرب الحقيقية، وهم يواجهون دولة الأسد بمؤسساتها وعلاقاتها الدولية وخبراتها المكتسبة من الأنظمة الشمولية كالاتحاد السوفييتي وروسيا اليوم. لم يأت هذا النقص من فراغ، فنظام الأسدين منع أي ثقافة متعلقة بحقوق الإنسان، وقونن الفساد ومخالفة القانون، وصور العالم كله للسوريين كأعداء له لعقود طويلة. أفقر نظام الأسدين الشعب ومواليه مثل معارضيه، حتى تحولت أولوياتهم إلى استحصال رغيف الخبز بأي طريقة، لا محاولة فهم الآخر والتعاون معه في إطار تفاهمات مصلحية أخلاقية تعود بالمنفعة على الطرفين.
قد تكون إحدى الأفكار أيضًا، الرجوع إلى آذار 2011، ودراسة ما قدمته السوريات والسوريون من تضحيات في كل مجال على حدة، ودراسة نتائجها اليوم، ثم البناء عليها، أو التعديل والتطوير لتتماشى مع المرحلة الحالية المختلفة جدًا عن تلك الفترة. إن كان للثورة أن تكون مستمرة فيجب الثورة على أنفسنا، من السكوت عن الحق، واضطهاد المرأة، وتحطيم أطفالنا بالاعتداء عليهم بالضرب، ونسف الآخر ورأيه، والتمييز العنصري والمناطقي والديني، وغيرها من الشوائب التي صنعها أو رسخها نظام الأسدين منذ عقود.
“لا يمكن إيقاف سيرنا نحو الحرية، وعلينا ألا نسمح للخوف أن يقف في سبيلنا“، ولا يمكن استمرار العمل بنفس الطريقة وتَوقّع نتائج مختلفة.