لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو أن تعيده ("أن ترده") أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب
26 / تموز / يوليو / 2019
المصدر” تلفزيون سوريا/ حسان الأسود
تعرّض السوريون في اسطنبول خلال الأيام القليلة الماضية لمحنة شديدة نتيجة التطبيق الفوري والمتعجّل لمجموعة من القرارات الصادرة عن السلطات التركية والهادفة لتطبيق القوانين بشكل صارم عليهم بعد أن كان هناك تعليمات أو توجيهات استثنتهم من الخضوع لأحكامها تبعاً لشعور المسؤولين الأتراك بفداحة الظلم الذي يتعرّض له السوريّون من نظام الإرهاب الأسدي.
لقد جاءت هذه القرارات بُعيد نجاح حزب الشعب الجمهوري في انتخابات بلديّة اسطنبول وبدَت وكأنّها تتويجاً لمجموعة من الضغوطات التي مارستها فئات وشرائح واسعة من المجتمع التركي وبعض أحزاب المعارضة التي أرادت كسب أصوات الناخبين برفعها شعارات تدغدغ المشاعر المتأججة ضدّ سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم، وعلى الأخصّ منها سياساته المتعلّقة بالشأن السوري.
إنّ النظر بموضوعية لهذه التطوّرات تفرض علينا أن نتتبّع مسألة اللجوء السوري في مسارات الواقع المتشبّعة وفق اعتبارات السياسة والمصالح أولاً والقانون الدولي ثانياً دون أن ننسى الاعتبارات الإنسانيّة.
لقد تعاملت جميع الدول بلا استثناء مع المسألة السوريّة من منطلق الحفاظ على أمنها القومي وتحقيق مصالحها الذاتيّة قبل أيّة اعتبارات أخرى، وقد كان تعاملها مع مسالة التهجير القسري الممنهج لشرائح محددة من السوريين واللجوء السوري الناتج عنه جزءاً من هذا النهج القائم على اعتبارات حماية المصالح الوطنيّة لهذه الدول.
لا يمكن أن نغفل بالتأكيد الطابع الإنساني لتعامل الشعوب التي استقبلت السوريين خاصّة في السنوات الأولى للمحنة السوريّة، ونذكر على سبيل المثال التعاطف الكبير الذي شعروا به في الرمثا وإربد من مدن الأردن، وفي عرسال وطرابلس من مدن لبنان، وفي أورفا والريحانية وغازي عينتاب من مدن تركيا، والقاهرة والاسكندرية من مدن مصر. لكن طول الفترة الزمنيّة وتعقّد الأوضاع الأمنيّة وازدياد أعداد اللاجئين من السوريين كما غيرهم من العراقيين والأفغان وتقلّب الظروف السياسية في هذه البلدان خاصّة ونجاح أحزاب اليمين في كثير من بلدان العالم الغربي وبالتالي اشتداد حدّة خطابات الكراهية والخطابات العنصريّة الموجّهة ضدّ اللاجئين، كل هذا أثّر بشكل أو بآخر على تقلّب المزاجات الشعبيّة، خاصّة بعد أن لاحظنا كيف تم استغلال هذه القضايا لتحقيق مكاسب انتخابيّة في كثير من البلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا والمجر وفرنسا وتركيا وغيرها من الدول.
أمّا أحكام القانون الدولي الناظمة لشؤون اللاجئين فقلّما تمّ احترامها خاصّة في بلدان الجوار السوري، وكي لا يُفهم الكلام على أنّه تحيّزٌ لجهة على حساب أخرى أو جحود ونكران لجهود الدول والشعوب المستضيفة للاجئين، فإننا سنستعرض بعض النصوص المرجعيّة في القانون الدولي ونقارنها مع سلوكيات وتصرفات الحكومات مع اللاجئين إلى أراضي دولها.
تنصّ المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على:
المادة 14
1- لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصاً من الاضطهاد.
2- لا يمكن التذرّع بهذا الحق إذا كانت هناك ملاحقة ناشئة بالفعل عن جريمة غير سياسية أو عن أعمال تناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها.
وتعرّف المادة الأولى من اتفاقيّة أحكام اللجوء لعام 1951 المعدّلة بموجب أحكام البروتوكول الخاص بوضع اللاجئين لعام 1967 اللاجئ بالقول:
المادة 1
(إنه شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العرق، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظلّ بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد.)
لقد كانت هذه الاتفاقيّة محصورة من حيث النطاق الجغرافي بدول أوروبا، وقد جاءت كأحد أشكال التعامل مع نتائج الحرب العالميّة الثانية وما طرأ خلالها من تغييرات ديموغرافية وحالات نزوح ولجوء هائلة، لكنّ تطوّر هذه المسألة على مستوى العالم فرض إجراء التعديلات عليها بموجب البروتوكول الملحق في العام 1967. وبالرجوع إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسة نجده ينصّ في المواد 12و13منه على ما يلي:
المادة 12
1. لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته.
2. لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده.
3. لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متمشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد.
4. لا يجوز حرمان أحد، تعسفا، من حق الدخول إلى بلده.
المادة 13
لا يجوز إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية في إقليم دولة طرف في هذا العهد إلا تنفيذاً لقرار اتُخذ وفقا للقانون، وبعد تمكينه، ما لم تحتم دواعي الأمن القومي خلاف ذلك، من عرض الأسباب المؤيدة لعدم إبعاده ومن عرض قضيته على السلطة المختصة أو على من تعينه أو تعينهم خصيصاً لذلك، ومن توكيل من يمثله أمامها أو أمامهم.
كذلك تنصّ اتفاقيّة مناهضة التعذيب لعام 1984على ما يلي:
المادة 3
1- لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو أن تعيده (“أن ترده”) أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب.
2- تراعى السلطات المختصة لتحديد ما إذا كانت هذه الأسباب متوافرة، جميع الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك، في حالة الانطباق، وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية لحقوق الإنسان في الدولة المعنية.
المادة 13
تضمن كل دولة طرف لأي فرد يدعى بأنه قد تعرض للتعذيب في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية، الحق في أن يرفع شكوى إلى سلطاتها المختصة وفى أن تنظر هذه السلطات في حالته على وجه السرعة وبنزاهة. وينبغي اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان حماية مقدم الشكوى والشهود من كافة أنواع المعاملة السيئة أو التخويف نتيجة لشكواه أو لأي أدلة تقدم.
أمّا اتفاقيّة مناهضة التمييز العنصري لعام 1965 فتنصّ على:
المادة 1
في هذه الاتفاقية، يقصد بتعبير “التمييز العنصري” أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.
لقد صادقت دول الجوار السوري على هذه الاتفاقيات الدولية وبالتالي فهي مُلزمة لها من ناحية قانونية، ومن لم تصادق على إحداها أو تحفّظت على بعض البنود فيها فإنها تخضع لمبدأ “عدم الإعادة” الثابت والمستقر في القانون الدولي العرفي الذي يسري على جميع الدول بلا استثناء، والذي يقضي بعدم جواز إعادة أيّ لاجئ إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريّته مهددتين فيها بسبب عرقه أ دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعيّة معيّنة أو بسبب آرائه السياسية.
لم تمنح الحكومة التركيّة السوريين الهاربين إلى أراضيها صفة اللاجئين واعتمدت بدلاً عن ذلك مُصطلحاً ذا دلالات تاريخية دينية تمثّل بعبارة “المهاجرين والأنصار” لكنّ هذا الأمر لا ينفي التزامات الدولة التركيّة المفروضة عليها بموجب القانون الدولي العرفي وخاصّة مبدأ عدم الإعادة القسريّة المحكي عنه أعلاه، كما إنّ ذلك لا يغيّر من المركز القانوني للسوريّين الهاربين إليها خوفاً على أرواحهم.
ينطبق الأمر ذاته على الأردن ولبنان والعراق، فقد كانت حالات الإعادة القسرية من لبنان متكررّة منذ السنوات الأولى للمحنة السورية ويُضاف لها بكلّ تأكيد أجواء المعاملة التميزيّة العنصريّة التي يتعرض لها اللاجئون السورين فعلاً تحت ذرائع واهية من قبيل مكافحة الإرهاب والتي تجد الغطاء السياسي لها من قبل رئيس الدولة ووزير خارجيّته وعدد كبير من المسؤولين الحكوميين تحت ذرائع واهية تتعارض مع أبسط القواعد الأخلاقية والإنسانيّة، وإن صحّت الأنباء التي تناقلتها بعضُ وسائل التواصل الاجتماعي عن نيّة السلطات اللبنانيّة تسليم 1800 معتقل سوري لديها في سجن رومية لقوّات النظام السوري، فإننا نكون أمام أكبر وأخطر انتهاك لحقوق اللاجئين السوريين في لبنان على الإطلاق.
أمّا في الأردن فقد كانت تتم عمليات الإعادة القسريّة تحت تسمية “القذف عبر الحدود” إلى الأماكن الخارجة آنذاك عن سيطرة قوات النظام السوري والخاضعة لسيطرة قوّات الجيش السوري الحر. إنّ ما ينطبق على لبنان وتركيا من حيث التوصيف القانوني ينطبق أيضاً على الأردن من حيث عدم التزام حكومات هذه الدول بمبادئ القانون الدولي العرفي وإن كان يُحسب لحكومتي الأردن وتركيا أنّهما لم تعيدا أي سوريّ إلى سلطات النظام الأسدي بعكس حكومة لبنان.
خلاصة القول: إنّ التزام الدول بقواعد القانون الدولي في تعاملها مع أزمات اللجوء لا يشكّل منّة أو مكرُمة للهاربين من القتل والعَسف والاضطهاد، بل هو التزام أصيل تفرضه أسسُ وجود الدولة ذاتها ضمن محيط أوسع اسمه المجتمع الدولي، كما إنّ تطبيق هذه القواعد يرفع من شأن الدول ويعطي مؤشرات حقيقيّة على مدى تحضّرها والتزامها بالقيم والمُثل الإنسانيّة العليا التي طوّرها المجتمع البشري عبر نضال مستمرّ منذ وجدت البشريّة.