هذا هو وضع السلطة التي لم تعد "تمون" على مجنّد، ووضع المعارضة التي لا "تمون" على فصيل، ولا تفعل شيئا لتمون على الشعب، من الذي يستطيع بعد اليوم إقناع السوريين أنه سيكون لهم نصيب من حل يعلمون أنه قد ينقذهم أو يوردهم موارد التهلكة؟!
17 / آب / أغسطس / 2019
المصدر: العربي الجديد_ ميشيل كيلو
تعاني علاقة السياسي بالعسكري في الصراع السوري من افتراقٍ مزمن، يترك آثاره السلبية على ما تشهده الساحة من تطوراتٍ طاولت السوريات والسوريين في مشارق الأرض ومغاربها.
من المفهوم أن تنهار هذه العلاقة لدى أهل السلطة الذين تحوّلوا إلى أتباع يحظون باحتقار الغزاة والمتدخلين الأجانب من دول وتنظيمات إرهابية ومذهبية استقدموها لنصرتهم، وسرعان ما تحولوا إلى أتباع لا حول لهم ولا طول لها، أزاحتهم عن كثير من مناطق انتشارها في سورية، حتى لم يلفت نظر أحد ما يعلن، من حين إلى آخر، عن إخراج مخابرات السلطة، جسمها الأخير الباقي، إلى خارج منطقة البوكمال، أو طرد “جيشها” من مواقع رمزية سياسيا، كمطار حلب في الشمال أو معسكرات ثعلبة في الجنوب، في ظل ما اتسم العسكري الأسدي به دوما من غربة عن سورية، وإزاحته جانبا من قبل الذين يقاتلون عوضا عنه من روس وإيرانيين ومرتزقة باكستانيين وأوزبك وبنغاليين وعراقيين ولبنانيين… إلخ، بينما تلاشى السياسي إلى درجة الامحاء، مع انفراد قادة الاحتلالات الأجنبية باتخاذ قرارات سيادية، تقوّض قدرات السلطة القابعة في القصر الجمهوري، وتتعارض مع أي فهم للسيادة الوطنية، ومع حضورها في الشأن العام. لذلك، ما أن تغادر مخبأها إلى مطار حميميم لتنعم بضيافة محتليه الروس، حتى يتعرّض رئيسها للإهانة أمام عدسات التلفزة، ويمنع من مرافقة السيد الحقيقي على الأرض السورية، الرئيس بوتين، وينحى جانبا ريثما يستعرض المحتل القوات التي أنقذت ربيبه الدمشقي، من دون أن يسمح له بالمشاركة في استعراضها.. وهل يسمح لعميل باستعراض جيش دولة عظمى، لمجرد أنها أنقذته؟ لا داعي للتعليق على تفقد قاسم سليماني مطارات وثكنات من دون إعلام سلطة دمشق، لأنه لم يستأذنها في إقامتها.
تعاني المعارضة بدورها من الانفصال بين السياسي والعسكري الذي صار يجعل الحديث مستحيلا عن السياسي مرجعية للعسكري، وعن توافقهما على مشتركاتٍ تجمعهما في الثورة، لأن العسكري انفرد بتنظيماته وقراراته بعد أشهرها الأولى، على الرغم من أن وحدتهما أو التنسيق بينهما يقرّب الحل، واستمرار علاقاتهما الراهنة ينزل بالقضية السورية كارثةً يستحيل تفاديها، بعد كل ما قدمه أبناؤها من تضحياتٍ في سبيل انتصارها.
لم يحدث التوافق المطلوب، بل وقع تباعد متعاظم بين قطاعين، يعني افتراقهما فشل أي ثورة، فما بالك إذا كان العسكري قد عزّز انفصاله عن السياسي، على الرغم من محاولات بذلها مخلصون لتوحيدهما، وأفشلها ضعف ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، وتمسّك الفصائل بدورها المستقل، وظهور تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، ورفض الفصائل الكبيرة بيان جنيف لعام 2012 ومفاوضات الحل السياسي، ثم قبولها لقاءات في أستانة بقرار لم يتخذه “ممثل الشعب السوري الشرعي”، وشارك فيها عسكريون احتسبوا أنفسهم على فصائلهم التي أسست فروعا سياسية لها، كي لا تعترف بمرجعية الائتلاف السياسية، الملزمة لها.
باستسلام “الائتلاف” لهذا الواقع، زاد بعدا عن الشؤون العسكرية والحد الأدنى من وظائفه السياسية المرتبطة بها، كإصدار بيان على سبيل المثال، يخبر أهل إدلب ومناطقها بفحوى القرارات الدولية حولها، وبتدابيره لمواجهتها، ليمارس بعض مسؤولياته عنهم، ويتحاشى تهمة تركهم لمصيرهم، كما يقال اليوم في ريف حماه الشمالي وإدلب الجنوبي، وإدلب نفسه، ويتفادى هو وهيئة التفاوض الإدانة وما يترتب عليها بالنسبة لدورهما الذي يتطلب إصدار بيان يومي يصارح الشعب بخلفيات ما يجري، وأبعاده، واحتمالاته، ويساعده على مواجهة الكارثة الإنسانية والوطنية المحدقة بالملايين من أبنائه.
هذا هو وضع السلطة التي لم تعد “تمون” على مجنّد، ووضع المعارضة التي لا “تمون” على فصيل، ولا تفعل شيئا لتمون على الشعب، من الذي يستطيع بعد اليوم إقناع السوريين أنه سيكون لهم نصيب من حل يعلمون أنه قد ينقذهم أو يوردهم موارد التهلكة؟!