تسعى قسد إلى كسب شيوخ العشائر العربيّة في مناطق سيطرتها لكي تتمكّن من السيطرة على المنطقة وتوسّع نفوذها، لكنّها غالباً ما تحصل على المال من عائلة المعتقل أو من قبيلته مقابل الإفراج عنهم
13 / شباط / فبراير / 2020
المصدر: المونيتور | خالد الخطيب
ريف حلب الشماليّ – سوريا: بدت سياسة قوّات سوريا الديموقراطيّة “قسد” محيّرة في الآونة الأخيرة، ففي الوقت الذي تواصل فيه حملات الاعتقال التي تطال مدنيّين بتهمة الانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش”، تقوم في الوقت نفسه بالإفراج عن آخرين من عناصر التنظيم من سجونها.
وتسيطر قسد على مناطق واسعة شمال شرق سوريا، من منطقة تل رفعت شمالي حلب ومنبج وكوباني في ريف حلب الشرقي وصولاً إلى محافظة الحسكة في أقصى شمال شرقي سوريا مروراً بمناطق الرقة وأجزاء من دير الزور والقامشلي.
ففي 30 كانون الثاني/يناير من عام 2020، اعتقلت قسد 4 أطفال تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً بتهمة الانتماء إلى التنظيم في مدينة هجين بريف دير الزور الشرقيّ، وذلك بعد أن قاموا بتوزيع منشورات تحمل تهديدات لقادة بارزين في “قسد”.
وسبق أن اعتقلت “قسد” 4 أشخاص آخرين في 29 كانون الثاني/ يناير، من بينهم امرأة في محافظة الرقّة – شمال شرق سوريا، بتهمة الانتماء إلى التنظيم، في حين قامت “قسد” في 25 كانون الثاني/يناير بإطلاق سراح 50 متّهماً بانتمائهم إلى “داعش” وكانوا في سجون “قسد” بمحافظة الرقّة.
وقال مجلس الرقّة المدنيّ على “تويتر”: “ثبت حسن سلوكهم ولم تتلطّخ أياديهم بدماء السوريّين”.
وفي 8 كانون الثاني/يناير، أفرجت “قسد” عن 34 معتقلاً بتهمة الانتماء إلى التنظيم، وبرّرت قرار الإفراج عنهم بالقول: “لم تتلطّخ أياديهم بدماء المقاتلين الكرد، وإنّ إطلاق سراحهم بناء على طلب من شيوخ وجهاء العشائر العربيّة”.
وفي 5 كانون الثاني/يناير، أفرجت “قسد” عن 83 شخصاً في الرقّة، معتقلين بتهمة الانتماء إلى التنظيم، وتمّت عمليّة الإفراج بالتعاون بين مجلس الرقّة المدنيّ ووجهاء العشائر العربيّة أيضاً.
وفي 31 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2019، قامت “قسد” بإطلاق سراح 13 عنصراً من “داعش” بمبادرة من وجهاء العشائر العربيّة في الرقّة، وتكفّل مجلس وجهاء العشائر العربيّة الموالية لـ”قسد” في الرقّة بعدم عودة هؤلاء العناصر إلى صفوف التنظيم أو القيام بأيّ نشاطات مناوئة لـ”قسد”.
وقال الناشط المدنيّ الملقّب بأبو مايا، الذي رفض الكشف عن اسمه، وهو يقيم في مدينة الرقّة، لـ”المونيتور”: “أطلقت قسد، خلال العام الماضي 2019 وبداية العام الحاليّ 2020، مئات المعتقلين لديها من عناصر داعش. تتقرّب قسد من شيوخ العشائر العربيّة لأنّ نسبة العرب كبيرة جدّاً في صفوف قوّاتها تصل إلى 70 في المئة تقريباً. ولذلك، تتخوّف من انقلابهم عليها، وتحاول التقرّب منهم من خلال الاستجابة إلى وساطاتهم، فالرقّة ومنطقة الجزيرة عشائريّة ولديها عاداتها وتقاليدها. ومن ضمن هذه العادات طاعة شيخ العشيرة من قبل أفراد عشيرته، أيّ أنّه في إمكان هذا الشيخ التأثير على عدد كبير من أتباعه وإلحاق الضرر بالتحالف مع قسد إن لم تتمّ تلبية مطالبه”.
أضاف: “لا يمكن معرفة مدى تورّط هؤلاء المفرج عنهم، لأنّ التنظيم قام بتنسيب الآلاف في صفوفه، ومنحهم مرتّبات ومناصب عسكريّة وإداريّة خلال سنوات سيطرته في محافظة الرقّة ومناطق شمال شرقيّ سوريا، ولا يمكن الجزم بأنهم أبرياء لأنّ عناصر التنظيم لا تتخلّى عن أفكارها بهذه السهولة، أيّ أنّ خطرها ما زال قائماً بالفعل. ولذلك، يبدو الإفراج عنها مخاطرة كبيرة”.
أعلن عن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية في مدينة القامشلي، شمالي سوريا في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، وذلك بدعم من الولايات المتحدة والتحالف الدولي لقتال داعش في سوريا، وكانت السيطرة على الرقة منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2017، وهي معقل التنظيم الأهم في سوريا نقطة تحول وبداية لسقوط مناطق التنظيم تباعاً، وتتالت المعارك ضد التنظيم الى أن أعلنت قسد بدء معركتها ضد آخر جيب يسير عليه التنظيم في ريف دير الزور في 9شباط/فبراير 2019، وفي 23 أذار/مارس 2019، أعلنت قسد القضاء التام على داعش.
وليست هناك احصاءات دقيقة لأعداد السجناء من داعش في سجون قسد، لكن هناك معلومات يتم تداولها تقول بأن عددهم 12 ألف، بينهم 2500 إلى ثلاثة آلاف أجنبي من 54 دولة، ومن بينهم أربعة آلاف سوري، وأربعة آلاف عراقي من عناصر التنظيم المعتقلين، تحتجز قسد السجناء ومعظمهم جرى اعتقالهم خلال المعارك ضد التنظيم في سبعة سجون على الأقل، ولا تفصح قسد عن أماكن توزع السجون، المعتقلين في سجون قسد من عناصر التنظيم السوريين هم في الغالب من العرب، ولدى قسد أيضاَ حوالي 12 ألف إمرأة وطفل من عائلات عناصر داعش في ثلاث مخيمات تديرها قسد، من بينها مخيم الهول الذي يؤوي الجزء الأكبر من هؤلاء.
من جهته، قال مدير موقع “فرات بوست” الصحافيّ أحمد الرمضان لـ”المونيتور”: “تسعى قسد إلى كسب شيوخ العشائر العربيّة في مناطق سيطرتها لكي تتمكّن من السيطرة على المنطقة وتوسّع نفوذها، لكنّها غالباً ما تحصل على المال من عائلة المعتقل أو من قبيلته مقابل الإفراج عنهم. كما تمنحهم بطاقة تمكّنهم من التنقّل بين المناطق الواقعة تحت سيطرتها، والحصول على المال هو الهدف الرئيسيّ الذي يقف وراء عمليّات الإفراج التي تحصل. وفي الغالب، تطلق سراح العناصر المتّهمة بانتمائها إلى التنظيم من الجنسيّة السوريّة مقابل دفع فدية ماليّة كبيرة من عائلة المعتقل أو من قبيلته قد تصل في كثير من الأحيان إلى 20 ألف دولار/ما يعادل الـ20 مليون ليرة سوريّة. أمّا بالنسبة إلى العناصر الأجانب فهي لم تطلق سراحها من دون الرجوع إلى جنسيّاتها الأجنبيّة”.
وعن دور العشائر العربيّة في مناطق سيطرة “قسد”، قال الناشط المدنيّ من مدينة الرقّة عبد اللطيف، الذي رفض الكشف عن اسمه كاملاً، لـ”المونيتور”: “عملت قسد منذ بداية سيطرتها على الجزيرة السوريّة – شمال شرق سوريا على استمالة واستقطاب شيوخ العشائر العربيّة التي تشكّل غالبيّة سكّان المنطقة لأسباب عدّة منها: تعزيز ادعائها بأنّها قوّات سوريّة من أبناء المنطقة، وليست ذات بعد قوميّ كرديّ، الأمر الذي دفع بقسد إلى تقبّل وساطات وكفالات العشائر لإخراج بعض عناصر التنظيم من أبناء العشائر وعوائلهم من مخيّم الهول – شرق الحسكة”.
في الحقيقة إن التركيبة السكانية في مناطق شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قسد هي تركيبة متنوعة، والتوزع الديموغرافي للقوميات متداخل، لكن غالبية السكان هم من المكون العربي، ليست هناك إحصاءات دقيقة حول نسب كل قومية تسكن المنطقة لكن الثابت هو أن العرب وبالأخص العشائر العربية المتنوعة هو المكون الأكثر عدداً من بين باقي المكونات العرقية، أي أن الأكراد السوريين هم أقل من العرب في المنطقة.
أضاف عبد اللطيف: “هناك أهداف عدّة تحقّقها قسد من إطلاق سراح المحتجزين لديها من عناصر داعش، أوّلها تحقيق مطالب العشائر بالإفراج عن أبنائهم. وكذلك، تتقاضى الأموال والرشاوى، إضافة إلى الإفراج عن بعضهم عمداً لتعمّ الفوضى لإرغام القوّات الأميركيّة على البقاء في المنطقة. وعندما تفرج قسد عن شخصيّات قياديّة في التنظيم ورغم الخطر الذي تشكّله على أمن المنطقة، فإنّها تستفيد منها وتستخدمها لمشروعها وتحرّك الرأي العام بأنّها ما زالت تلاحق فلول عناصر التنظيم وأنّ بقاءها ضرورة ولا يمكن التخلّي عنها باعتبارها حامية للمنطقة من مخاطر التنظيم، الذي ما زال متواجداً بحسب ما تزعم”.
وأكّد عبد اللطيف أنّ “قسد ترتكب جريمة بحقّ الناس في مناطق سيطرتها بالرقّة وبقيّة مناطق شمال شرقيّ سوريا من خلال الإفراج عن هؤلاء المجرمين الإرهابيّين، الذين سيعيدون تجميع أنفسهم في مجموعات تعاود نشاطها الإجراميّ الدمويّ وتستهدف الناس وممتلكاتهم وتقوم بأعمال انتقاميّة. لا تهتمّ قسد كثيراً للوضع الأمنيّ في مناطق سيطرتها، إذ لطالما كانت ضمن نطاق سيطرتها، فهي مستفيدة من الفوضى وكون هؤلاء المجرمين طلقاء”.
وأشار الصحافيّ السوريّ عهد صليبي، وهو من دير الزور، خلال حديث لـ”المونيتور” إلى “أنّ التركيبة السكانيّة في مناطق شمال شرقيّ سوريا هي تركيبة عشائريّة، وغالباً ما تكون أقوال شيوخ العشائر مسموعة بين أوساط العشيرة. وفي الوقت الراهن، لهم كلمة مسموعة من الأهالي، وتلجأ إليهم قسد لضبط المنطقة وحشد الدعم والمقاتلين في صفوفها، وكذلك في إخماد أيّ حراك مناهض لوجودها”.
وقال صليبي : “إنّ بعض المحتجزين الذين أطلقت سراحهم قسد، اشتبهت بهم لوجود أقربائهم في صفوف التنظيم. وبالنسبة إلى الآخرين، كانوا يعملون في البلديّات والمراكز المدنيّة التابعة للتنظيم، ومن بينهم أشخاص أبرياء بالفعل. لا يمكننا القول إنّ جميع من أفرجت عنهم قسد هم عناصر إرهابيّة تابعة للتنظيم فعلاً”.
يمكن القول بأن سياسة قسد المحيرة بالتعامل مع خطر داعش تتحكم بها مجموعة المصالح التي تريد تحقيقها قسد، اطلاق سراح عناصر التنظيم يحقق لها الكثير من المصالح، التقرب من وجهاء العشائر وضمان ولائهم، والتخلص من تكاليف الاحتفاظ بهؤلاء العناصر في السجون، وفي نفس الوقت يبدو أنهم لا يشكلون خطراً بالنسبة لقسد، حتى وإن قاموا بأعمال إرهابية فيما بعد فإنهم بذلك يؤكدون أهمية بقاء قسد في المنطقة ومعها التحالف، استمرار خطر التنظيم يشكل بالنسبة لقسد مبرراً لتواجدها، ناهيك عن المنفعة المادية التي تجنيها قسد من خلال الكفالات والفديات المالية التي يدفعه وجهاء العشائر وعائلات عناصر التنظيم حتى يتم الإفراج عن أبنائهم.