#########

بيانات وتقارير

سجناء أحياء تحت الأموات في القبور


يستمر النظام في التصريحات الكاذبة ليحسن من صورته الإعلامية على أن المناطق التي بسط سيطرته عليها قد باتت آمنة

11 / آذار / مارس / 2020


سجناء أحياء تحت الأموات في القبور

 

*مع العدالة| شمس الحسيني

 

سجون سرية في منطقة باب مصلى بالعاصمة السورية دمشق إحداها مقر الأمن الجنائي وكذلك فرع شرطة المرور، في الشارع الواصل من سوق الحميدية إلى دوار باب مصلى يقع السجن المسمى بسجن “كركون” الشيخ حسن, إحدى بواباته التي على الشارع الرئيسي تشبه باب منزل قديم مهجور لا يكاد من يراه يتوقع أنه باب سجن سري خطير للغاية يُسجن فيه معارضي حكومة الأسد منذ عشرات السنوات.

يقع السجن تحت مقبرة باب مصلى ويتم إدخال السجناء إليه في وقت متأخر من الليل غالباً، معظم المعتقلين فيه نشطاء سياسيين مع أن النظام لطالما كان يتشدق بتقسيم أفرعه الأمنية إلى اختصاصات يفندها بحسب الجريمة المقترفة، و على ذلك يفترض بفرع الأمن الجنائي أن يكون مختصاً فقط بالسرقات و القتل و التزوير و التهريب و كل ما يندرج بحسب القانون السوري تحت تصنيف الجناية.

 

 

يخشى الناس عادة النزول في القبر إلا أن سجناء ” كركون الشيخ حسن ” يتمنون الصعود إلى القبر ”  كونهم يقبعون في سجن تحت إحدى أكبر مقابر الموتى بدمشق إضافة إلى أساليب التعذيب التي تزداد وحشية في كل يوم.

لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا، والتي تمّ إنشاؤها في آب/أغسطس 2011، كانت قد أصدرت تقريراً موسعاً حول عمليات التعذيب الممنهجة في سوريا خلال شهر شباط/فبراير 2016 بعنوان “بعيداً عن العين، بعيداً عن الخاطر .. الوفيات أثناء الاحتجاز في سورية” قالت فيه إنّ المحتجزين لدى النظام السوري تعرّضوا للضرب حتى الموت أو ماتوا نتيجة إصابات من جراء التعذيب، وهلك آخرون نتيجة الظروف  اللا إنسانية. وأكد التقرير أن النظام السوري ارتكب جرائم ضدّ الإنسانية تتمثل في الإبادة والقتل والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي والتعذيب والسجن والاختفاء القسري، واستناداً إلى هذا السلوك فهو متهم أيضاً بارتكاب جرائم حرب.

 

معضلة تشابه الأسماء

عشرات آلاف السوريين اعتُقلوا خلال سنوات الثورة بحجّة تشابه أسمائهم مع أسماء معارضين للنظام السوري. بعضهم قُتل تحت التعذيب، وبعضهم الآخر أمضى فتراتٍ طويلة في المعتقل، ما يُشير إلى أن الأمر ممنهج وليس عبارة عن خطأ أو تشابه بالأسماء فعلاً، وإنما هي حجّة أخرى للتضييق على السوريين وترهيبهم وتعنيفهم.

فإن كل سوري يعيش في مناطق النظام يُعتبر مطلوباً بذريعة تشابه الأسماء حتّى تثبت براءته. وفي بعض الأحيان، لا مجال لإثبات البراءة، فقد يقضي الشخص تحت التعذيب قبل أن يُعرف الخطأ. أما إذا نجا صدفة وخرج وأصبح حرّاً طليقاً، فقد يُعتقل مرّةً أخرى في فرع آخر لم تصله رسالة كفّ البحث، الضائعة دائماً بين الأفرع الأمنية.

بعد مرور أكثر من ست سنوات على اعتقال الناس وإخفائهم قسراً بسبب تشابه الأسماء، اتّجه النظام السوري إلى مكافحة هذه الظاهرة أخيراً، حسب تعبير وسائل إعلام موالية له. لكنَّ المُلفت للنظر هنا، هو أن الحل، وفقاً للنظام، كان بسيطاً جداً. ما يفتح باب السؤال على سبب تأخّره في علاج هذه المشكلة.

 

نقلت صحيفة تشرين الرسمية التابعة للنظام، عن العقيد بسام سليم، رئيس فرع التسجيل الجنائي في إدارة الأمن الجنائي، قوله: «ترد يومياً قضايا لأشخاص تمّ توقيفهم بسبب تشابه الأسماء. وقد تمّ إيجاد حلٍّ للمشكلة عبر إنشاء بوابة وربطها مع الشؤون المدنية، وهي تضمّ أسماء المواطنين السوريين، إضافة إلى بوابة أخرى للمواطنين الفلسطينيين، وفيهما معلومات مفصلة عن كل مواطن، حيث تتمّ مقارنة المعلومات الموجودة على الحاسب مع بيانات الشؤون المدنية، ويتم التدقيق والمعالجة بحسب الأصول. بهذه الطريقة، تعالَج مواضيع تشابه الأسماء بوقت أقل وسرعة أكبر، وقد تمّ تزويد الفرع بحواسيب إضافية لإنجاز العمل بسرعة».

 

لكن هذا الإجراء الذي يتحدّث عنه النظام يأتي بعد اعتقال عشرات الآلاف، واختفاء الكثيرين على حواجز النظام بحجة تشابه الأسماء.

ويأتي كلام النظام في الوقت الذي تخرج فيها عشرات الوقفات والاحتجاجات بمناطق استعادتها قوات النظام قبل أكثر من عام منها (درعا والغوطة)، والتي تطالب بوقف الاعتقال، وإخراج المعتقلين، ما يؤكد تنافي التصريحات مع الواقع الميداني في سوريا عموماً.

 

  • ويستمر النظام في التصريحات الكاذبة ليحسن من صورته الإعلامية على أن المناطق التي بسط سيطرته عليها قد باتت آمنة.

حيث أفاد رئيس فرع الأمن الجنائي اللواء بقوات النظام “ناصر ديب”، بأنّ نسبة الجريمة انخفضت في سوريا خلال العام الجاري بنسبة خمسين بالمئة.

وجاء تصريح “ديب” لصحيفة “الوطن” الموالية للنظام، قائلاً: “نتيجة عودة الكثير من المناطق إلى سيطرة “الدولة” انخفضت جرائم الاغتصاب  القتل و الخطف و تهريب الأسلحة بنسبة خمسين بالمئة.

ولم يوضح رئيس فرع الأمن الجنائي، خلفية هذا الرقم وعلى ماذا يستند! و هو يتنافى تماماً مع التأكيدات الميدانية بارتفاع نسبة الجريمة والخطف والسرقة وخصوصاً بمناطق سيطرة النظام، والمناطق الجنوبية التي استعاد السيطرة عليها؛ حيث تشهد درعا يومياً عمليات قتل واغتيال، فيما تتواصل عمليات الخطف والابتزاز  والتصفيات بالسويداء بشكل شبه يومي أيضاً.

 

حاميها حراميها

(حاميها حراميها) مقولة تنطبق على قضية الفساد التي هزت وزارة الداخلية في دمشق والتي دفعت وزير الداخلية لدى النظام اللواء محمد رحمون لإجراء تنقلات في وزارته، بعد أقل من شهرين من إجرائه مجموعة تنقلات واسعة. وقد كشفت التحقيقات الجارية مع اللواء رائد خازم، مدير إدارة مكافحة المخدرات، وعدد من الضباط معه، تورطهم باستبدال مواد غير مخدرة بأخرى مخدرة لتبرئة تجار مخدرات ومجرمين، على خلفية ضبط 83 كيلوغراماً من مادة الكوكايين. وتشير التحقيقات، بحسب وسائل إعلام سورية غير رسمية قريبة من النظام، إلى تورط ضباط الداخلية بالإشراف والاطلاع على زراعة الحشيش في أماكن سرية. وقد تم توقيفهم في سجن عدرا المركزي على ذمة التحقيق.

 

 

مصادر حقوقية متابعة للقضية في دمشق قالت لـ«الشرق الأوسط» إن : المتهمين يواجهون تهماً بالفساد تتجاوز قيمتها 4 مليارات ليرة سورية (نحو 6 ملايين ونصف المليون دولار)، قيمة 83 كيلوغراماً من مادة الكوكايين المخدرة، تمت مصادرتها من قبل إدارة مكافحة المخدرات، واعتقل المشتبه بمسؤوليتهم عن تهريبها إلى سوريا. وخلال فترة توقيفهم، تم استبدال الطحين ببودرة الكوكايين لتبرئة المتهمين بالقضية، وبينهم موظفون حكوميون لدى النظام.

و على هذا السياق لا يستبعد فرع الأمن الجنائي في دمشق الذي يقع عند دوار باب مصلى من قضية الاتجار بالمواد المخدرة و ترويجها كأمثاله من الأفرع الأخرى.