بدء محاكمة ضابطين سوريين بجرائم ضد الإنسانية في ألمانيا
24 / نيسان / أبريل / 2020
*المصدر: رصيف 22
بدأت اليوم الخميس، في 23 نيسان /أبريل، في مدينة كوبلنز الألمانية جلسات محاكمة ضابطَيْ المخابرات السوريين السابقين أنور رسلان وإياد الغريب، على خلفية تهمٍ بارتكابهما “جرائم ضد الإنسانية”.
هذه المحاكمة هي الأولى من نوعها في العالم وتشكل سابقة قانونية، حيث يُحاكَم الأول بتهمة تعذيب آلاف الأشخاص بينما الآخر بتهمة سَوْق عشرات المتظاهرين إليه، بحسب موقع “المنبر القانوني” على الإنترنت.
ويؤكد الموقع القانوني أن رسلان (57 عاماً) والغريب (43 عاماً) عنصران سابقان في المخابرات السورية العامة وقد تم القبض عليهما في شباط /فبراير 2019 في برلين وراينلاند-بفالز، ويتم احتجازهما على ذمة التحقيق.
في مقال بعنوان “الصيد الكبير”، فصّلت مجلة “دير شبيغل” الألمانية كيفية القبض على المتهميْن في مقابلة مع المحامي السوري أنور البني، المدعي الأساسي في هذه القضية.
وقال البني إنه بعد وصوله مع زوجته إلى برلين عام 2014، رأى في منطقة مارينفيلديه رجلاً، فقال لزوجته إنه يعرفه لكنه لم يستطيع تحديد هويته. بعد ذلك، عادت الذاكرة وأسعفته، ليتبيّن أن الرجل هو رسلان الذي كان قد اعتقله عام 2006 بتهمة معاداة النظام. الآن رسلان نفسه وراء القضبان.
هناك عشرات المدعين والشهود في القضية، بالإضافة للبحوث التي قدمها البني وموظفوه في “المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية”. وبحسب المركز، من المتوقع أن تستمر جلسات المحاكمة لأكثر من سنة، وستكون علنية.
تُهم تعذيب وقتل واغتصاب
في الوقائع، تكشف صفحة المحكمة الإقليمية العليا لولاية راينلاند-بفالز، الواقعة في مدينة كوبلز الألمانية، أن مجلس الشيوخ الجنائي الأول – مجلس حماية الدولة- قد وافق على التهم التي وجهها المدعي العام الألماني في 18 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019 ضد رسلان والغريب، وعلى بدء إجراءات المحاكمة بقرار اتخذته المحكمة في 6 آذار/ مارس 2020 .
بحسب المحكمة، فإن رسلان متهم بالتواطؤ في جريمة ضد الإنسانية بين 29 نيسان/ أبريل 2011 و7 أيلول/سبتمبر 2012 من خلال عمله، وذلك في إطار هجوم واسع وممنهج على السكان المدنيين. ويضيف بيان المحكمة أن رسلان متهم في هذا السياق بالقتل 58 مرة، بالإضافة للاغتصاب والاعتداء الجنسي الشديد.
أما الغريب فيُقال إنه مذنب بالمساعدة والتحريض على جريمة ضد الإنسانية، بين مطلع أيلول/سبتمبر 2011 و31 تشرين الأول/أكتوبر 2011.
ووفقاً لبيان المحكمة، يُقال إن رسلان كان رئيس وحدة “التحقيقات” في إدارة المخابرات العامة (القسم 251)، المسؤولة عن أمن مدينة دمشق والمناطق المحيطة بها، وسجن القسم 251 كان ملحقاً بهذه الوحدة. كما كان مسؤولاً عن محققي وحدة التحقيق والرئيس العسكري لموظفي السجن.
وتتضمن لائحة الاتهامات لرسلان “القتل والتعذيب تحت قيادته ومسؤوليته في سجن القسم 251 خلال الفترة الممتدة من 29 نيسان/أبريل 2011 و7 أيلول/سبتمبر 2012، حيث تم تعذيب 4000 سجين على الأقل من قبل إدارة 251، بما في ذلك التعرض للعنف الوحشي من ضرب وركل وصدمات كهربائية، بالإضافة لحالة اغتصاب واعتداء جنسي شديد. كما تم تهديد المعتقلين بإساءة معاملة أقاربهم”.
“المتهم أنور رسلان في قاعة المحكمة”
هذه الانتهاكات الجسدية والنفسية الوحشية كانت تتم بهدف انتزاع معلومات واعترافات من السجناء عن المعارضة السورية. وقد لقي، بحسب بيان المحكمة الألمانية نفسه، 58 شخصاً على الأقل مصرعهم نتيجة سوء المعاملة في تلك الفترة.
يُضاف إلى ذلك، ظروف احتجاز غير إنسانية ومهينة في السجن. ومنها، على سبيل المثال، حرمان السجناء من الرعاية الطبية والنظافة الشخصية والطعام، وازدحام الزنزانات الشديد.
وقام رسلان، بصفته رئيس وحدة التحقيق، بتقسيم المحققين وحراس السجن وتحديد مهامهم وإجراءات عملهم، بما في ذلك استخدام التعذيب الوحشي والمنهجي. كما كان على دراية بشدة عمليات التعذيب طوال فترة توليه المنصب، ولذلك كان يدرك حقيقة موت السجناء نتيجة العنف الشديد.
أما الغريب فكان موظفاً في قسم فرعي، وقد قام في خريف عام 2011 مع زملائه بتفتيش الشوارع بحثاً عن الفارين من المتظاهرين نتيجة لتفكيك التظاهرات، واقتياد هؤلاء إلى سجن القسم 251.
“المتهم إياد الغريب في قاعة المحكمة”
نتيجة لذلك، تم توقيف 30 شخصاً على الأقل نُقلوا إلى سجن 251، وتعرضوا للضرب في الطريق إلى السجن، كما تعرضوا لدى وصولهم للتعذيب الوحشي والممنهج.
الغريب كان كذلك على دراية بالتعذيب المنظم والممنهج في القسم 251 عندما تم اعتقال المتظاهرين، وكل ذلك بحسب بيان المحكمة التي تقوم بمحاكمة المتهميْن اليوم.
مدعون وشهود في القضية
يقوم “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” (ECCHR) بمساندة 16 سورياً ناجين من التعذيب في هذه المحاكمة، البعض منهم ادعى بشكل جماعي على المتهمين.
ويقول مدير المركز فولفغانغ كاليك إن هذه المحاكمة ستعطي صورة عامة عن الجرائم المرتكبة من النظام السوري. هذه المعرفة يمكن أن تُستعمل من قبل آخرين في محاكمات لاحقة.
ويوضح أن التحقيق في الجرائم المرتكبة من قبل عناصر نظام الرئيس بشار الأسد غير ممكن في المستقبل المنظور، ولذلك الإمكانية الوحيدة هي مقاضاتهم في دول ثالثة كألمانيا، باستخدام مبدأ الولاية القضائية العالمية.
المحاكمة التي بدأت اليوم هي جزء من جهد كان قد بدأه المركز منذ عام 2016 في عمله على سوريا، ويتضمن سلسلة من الدعاوى الجزائية التي قام بها أكثر من 100 شخص سوري هم ناجون من التعذيب، وأقارب ضحايا، وناشطون ومحامون في ألمانيا والنمسا والسويد والنروج.
المطالبة بالتعويضات
تأتي المحاكمة بينما كان هناك جدل قائم حول كيفية محاكمة رسلان والغريب في ألمانيا، على جرائم ارتكباها أثناء عملهما لدى جهاز المخابرات العامة في سوريا، وذلك قبل إعلان انشقاقهما عن النظام وخروجهما من سوريا.
يوضح المحامي خُبيب علي محمد لرصيف22 بأن المتهميْن الاثنين سوف تتم محاكمتهما على الجرائم التي ارتكباها أثناء خدمتهما للنظام في سوريا، حتى ولو قاما بالانشقاق عن النظام وترك سوريا لاحقاً.
ويؤكد المحامي بشكل قاطع أن رسلان والغريب سيُحاسبان على الجرائم التي ارتكباها أثناء أدائهما لوظيفتيهما عند النظام السوري، فـ”الانشقاق وتغيير الولاءات لا يُعطي الفرد أية حصانة من المحاكمة على جرائم ارتكبها في السابق”.
الأمثلة على ذلك في القضاء الألماني عديدة، فقد تمت محاسبة الكثير من مرتكبي الجرائم أثناء فترة الحكم النازي أو من دولة ألمانيا الشرقية سابقاً، لأن تغيير الولاءات لا يعفي من المسؤولية مطلقاً.
وكان لرصيف22 لقاء مع المحامي الألماني أندرياس شولز، وهو محامٍ يرأس مجموعة من 4 محامين منهم علي محمد، كانوا قد رفعوا دعوى مدنية على رسلان تحديداً، بالتوازي مع الدعاوى الجنائية المقامة ضده.
شولز وفريقه يمثّلان حالياً عينة صغيرة من سبع ضحايا فيها نساء وأطفال ورجال من مختلف الحالات الاجتماعية والفئات العمرية، والهدف هو المطالبة بتعويضات مالية بمليارات الدولارات للضحايا.
وعندما تبدأ نتائج الدعوى المدنية بالصدور، هذا العدد سيتوسع ليشمل آلاف الضحايا، علماً أن هذه القضايا تتم بشكل فردي كل فرد قضيته منفصلة.
خطة الطريق
أمام شولز خطة واضحة، إذ يؤكد المحامي صاحب القضايا الجنائية العالمية العديدة أنه يجب أن يصدر حكم بالدعاوى الجنائية على المتهم أولاً، وبناء عليه تبدأ عجلة القانون بالتحرك في القضايا المدنية مثل التعويضات للضحايا.
القانون الدولي يطبق على الفرد الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية، وعندما يتم التثبت من وقوع جريمة ضد الإنسانية، يفتح الباب أمام الملاحقات القانونية الجزائية في ألمانيا، وبعدها الدعاوى المدنية التي من ضمنها المطالبة بتعويضات لمجموعات كبيرة من الضحايا.
السجن المؤبد لأنور رسلان
أما عن رؤيته لكيفية سير المحاكمة، فيتوقع علي محمد أن “ينال المتهم الأساسي في القضية الذي ندعي عليه، أنور رسلان، عقوبة السجن المؤبد”.
من جهته، يتوقع شولز أن تقوم الدولة الألمانية باعتماد سياسة تسوية معينة مع النظام السوري خارج المحكمة Ex Grazia، تقتضي بأن تدفع الدولة السورية تعويضات للضحايا تحت الطاولة، مقابل قبولها مجدداً في المجتمع الدولي بين الدول “المتحضرة”.
ويضيف بأن الدولة الألمانية كانت قد بدأت سابقاً مساراً مشابهاً مع النظام السوري في قضية جريمة الـMaison de France، ولذلك يتوقع أن يقوموا بنفس الخطوة السياسية اليوم.
في المقابل، يستبعد شولز أن تعترف الدولة السورية بمسؤوليتها عن الجرائم المرتكبة، بينما قد توافق على دفع التعويضات من دون الاعتراف بالجرم، من أجل تلميع صورتها دولياً في خطوة علاقات عامة قد تعيدها إلى تطبيع علاقاتها، التجارية والمالية، خصوصاً مع المجتمع الدولي.
وكان لرصيف22 حوارٌ أيضاً مع الصحافي السوري عامر مطر الذي يتخذ صفة الادعاء الشخصي في الدعوى المقامة ضد الضابطين.
ويقول: “كنت مسجوناً عند الفرع الذي كان رسلان رئيساً له عام 2011 وقد قام بالتحقيق معي وتعذيبي. اليوم هو سجين وأنا مدّعٍ ضده أمام القضاء الألماني”.
ويضيف مطر قائلاً “لقد تم اعتقالي بسبب تغطيتي الصحافية لأوائل أيام الثورة السورية”، موضحاً أن لهذه المحاكمة أهمية رمزية عنده باعتبارها “فرصة لرؤية من قام بسجني وتعذيبي أمام المحكمة، بعد أن كنت قد فقدت الأمل بالعدالة. هذه فرصة كبيرة ليكون لدينا إيمان بالعدالة، وهي رسالة لكل مجرم أنه حتى لو طال الزمن، سيأتي اليوم الذي ستحاسب فيه”.
ويختم: “في السجن كان لدينا أمل أنا وبقية الرفاق بأن نحاكم كل المجرمين في سوريا الحرة، لكن مع استمرار الديكتاتورية يمنحني القدر فرصة محاكمة أحدهم في المنفى”.