معظم هذه الفصائل أبعد ما تكون عن أهداف الثورة السورية، ومن خلال التدقيق في تركيبتها، يتبين أن حمل البندقية في هذه المناطق صار وظيفة تدر دخلا أفضل من بقية الوظائف، وليس من أجل الدفاع عن الشعب كما حصل في الأيام الأولى للثورة
04 / حزيران / يونيو / 2020
*المصدر: موقع تلفزيون سوريا | بشير البكر
لم يعد الوضع مقبولا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والتي تنتشر فيها الفصائل المسلحة في محافظة إدلب ودرع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام.
وتعيش هذه المناطق حالة من الفلتان الأمني والتجاوزات ضد السكان. ولا يمر يوم من دون انتهاكات يدفع ضريبتها المدنيون. وتتنوع الانتهاكات. منها الاعتقالات والمحاكمات الصورية وزج المواطنين في السجون الخاصة، وكم الأفواه، وفرض أنظمة قمعية تستهدف الناشطين والنساء. ولا يقف الأمر عند هذا الحد فهناك الحروب بين الفصائل التي صارت تتكرر على نحو شبه يومي في وسط المدنيين، ومن ثم هناك تعديات الفصائل على السكان وعلى أرزاقهم وبيوتهم وحرياتهم. وكل هذه المظاهر تندرج تحت ما يُسمى ممارسات أمراء الحرب.
يعيش المواطن السوري في هذه المناطق وضعا مزريا فهو ضحية لتجاوزات الفصائل من جهة، وحرب النظام وروسيا وإيران التي هجرت الملايين من بيوتهم، من جهة ثانية. هذا بالإضافة إلى الوضع المعيشي السيء والغلاء الفاحش. وباتت الغالبية العظمى من الناس لا تقدر على تأمين خبزها اليومي، ولا تحصل على الحد الأدنى من حصة الصحة والتعليم والنظافة، وهناك أكثر من مليون يعيشون في مخيمات عشوائية تفتقر لأبسط شروط الحياة، ويعز فيها حتى الماء الصالح للشرب.
ويبدو من متابعة دقيقة للوضع أن صبر الناس على هذه الفصائل قد نفد، وفي حال لم تتحرك تركيا والائتلاف لضبط الوضع وإنهاء الفلتان، فإن النتائج سوف تكون سلبية جدا، وستذهب الأوضاع نحو مزيد من الـتأزم وهذا سوف يقود إلى الانفجار في منطقة مكتظة بالبشر والسلاح، ومثال ذلك ما حصل الأسبوع الماضي حين اعتدى فصيل “الحمزات” على مهجرين من الغوطة الشرقية، وكادت تحصل مذبحة لولا تدخل الجيش الوطني.
ومن دون شك هناك مصلحة أساسية للنظام في اللعب على الاستقرار في هذه المناطق، وكلما اهتز الوضع كسب النظام. وتحدثت أنقرة أكثر من مرة عن أعمال تخريب قام بها حزب العمال الكردستاني. وفي ذات الوقت تؤكد المعارضة معلومات بأن النظام يقوم بالتخريب، ومن غير المستبعد مسؤوليته عن إرسال المفخخات إلى هذه المناطق، الأمر الذي يضاعف مسؤولية تركيا وهيئات المعارضة السورية من أجل السهر على أمن هذه المناطق وتحصينها بوجه مخربي الداخل قبل الخارج.
وإزاء هذا الوضع المزري هناك عدة ملاحظات يمكن تسجيلها هنا: الأولى هي أن كافة الفصائل التي ترتكب الانتهاكات تنتشر في المناطق التي تقع ضمن مناطق النفوذ التركي، والتي توجد فيها قوات تركية وأخرى من الجيش الوطني التابع للحكومة السورية المؤقتة التي تعد جزءا من الائتلاف الوطني. والملاحظة الثانية هي أن غالبية الفصائل تتبع ما يسمى الجيش الوطني، باستثناء هيئة تحرير الشام، التي تقيم ما يشبه إمارة خاصة لها في محافظة ادلب، وتتصرف كدولة مستقلة.
وأما الملاحظة الثالثة فهي، أن معظم هذه الفصائل أبعد ما تكون عن أهداف الثورة السورية، ومن خلال التدقيق في تركيبتها، يتبين أن حمل البندقية في هذه المناطق صار وظيفة تدر دخلا أفضل من بقية الوظائف، وليس من أجل الدفاع عن الشعب كما حصل في الأيام الأولى للثورة.
ما يحتاجه السوريون في هذه المناطق هو الخلاص من هذه الفصائل بأي شكل من الأشكال، وتقع المسؤولية الأولى على الدولة التركية صاحبة التأثير والنفوذ والتمويل، في وضع حد لأعمال التجاوزات والاعتداءات على المدنيين، وتدمير ما تبقى من روح ثورية ضد النظام السوري. وحتى تثبت تركيا جدية في مواجهة العبث بمصير هذه المناطق، فإنها مدعوة كخطوة أولى إلى وقف كافة المسؤولين عن هذه الأعمال وإبعادهم عن المنطقة نهائيا. والمسؤولية الثانية تقع على الائتلاف والحكومة المؤقتة ووزارة الدفاع للتصرف بحزم من أجل الضرب بيد من حديد على الزعران الذين حولوا حياة الناس إلى جحيم، وعلى وزارة الدفاع التعاون مع تركيا لإنجاز هذه المهمة الصعبة. وتقع المسؤولية الثالثة على وسائل الإعلام المعارضة أو المحسوبة على خط المعارضة لفضح التجاوزات والتنديد بمرتكبيها.