في الوقت الذي ترتفع فيه حدة الجدل حول القانون، يبقى له مفعول نفسي رمزي لا يقدر بثمن، ذلك أنه حمل لكل السوريين الذين ذاقوا الويلات من جرائم الأسد وإيران وروسيا أملا بمعاقبة مرتكبي الجرائم، وإحقاق العدالة ولو كان ذلك بمفعول متأخر
24 / حزيران / يونيو / 2020
*المصدر: موقع تلفزيون سوريا | بشير البكر
قانون قيصر شاغل السوريين الأساسي في الوقت الراهن، لأنه أهم موقف دولي صدر منذ بداية الثورة السورية، لجهة أنه يشمل كل ما يحيط بالمسألة السورية، ولكونه يصدر من الولايات المتحدة الأميركية. وهذا عنصر قوة وضعف القانون في الوقت ذاته.
فإذا طبقت واشنطن القانون حسب ما جاء في نصوصه من إجراءات، فإن ذلك سوف يشكل نقلة نوعية للملف السوري الذي يراوح في مكانه منذ عام 2013، حين تخلى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عن الالتزام الأخلاقي ومسؤولية أميركا تجاه سوريا بعد مجزرة الكيماوي في الغوطة. وإذا تراخت واشنطن، ولم تذهب حتى النهاية في فرض عقوبات صارمة على بشار الأسد وداعميه، فإن هذا سوف يشكل مقبرة للقانون، ويصيب السوريين بنكسة، في وقت يتعلقون الآن بأمل وقف الإبادة التي يواجهونها منذ عام 2011، ويشارك فيها الأسد وروسيا وإيران. إلا أن هذا الاحتمال ليس قريبا.
وحتى لو أن الإدارة الأميركية رأت أن تخفّف من وقع مطرقة القانون، فإن ذلك لن يتم في المدى المنظور، ولن يحصل من دون مساومات مع موسكو صاحبة القرار في سوريا، وستكون المساومات بين واشنطن وموسكو، وعلى حساب إيران والأسد. ومن غير المستبعد أن ترضخ موسكو وتدخل في بازار المساومة، بما في ذلك على جلد الأسد، الذي روجت صحف روسية له منذ عدة أشهر أنه بات يشكل عبئا على روسيا.
وفي الوقت الذي ترتفع فيه حدة الجدل حول القانون، يبقى له مفعول نفسي رمزي لا يقدر بثمن، ذلك أنه حمل لكل السوريين الذين ذاقوا الويلات من جرائم الأسد وإيران وروسيا أملا بمعاقبة مرتكبي الجرائم، وإحقاق العدالة ولو كان ذلك بمفعول متأخر. وعليه فلا غرابة في أن يحتل القانون هذا الاهتمام من جانب غالبية السوريين. ومنذ دخوله حيز التنفيذ في السابع عشر من الشهر الحالي، بدأت الغالبية تحسب كل حساباتها على أساسه، وتقيس أفعالها على احتمالات ما يمكن أن يأتي به من حصاد. وليس المهم أن يكون قريبا، بل أن يعيد الأمور إلى نصابها بعد أن تخلى المجتمع الدولي عن دوره في نجدة السوريين الذين يتعرضون إلى حرب إبادة متعددة الاشكال، ومنها الحرب الراهنة التي تتعلق برغيف الخبز.
وتنشغل غالبية الذين لحق بهم الأذى بالبحث في تفاصيل القانون عن أجوبة للأسئلة التي بقيت معلقة، وخصوصا فيما يخص عودة المهجرين قسرا، والإفراج عن المعتقلين، وتحديد مصير المختفين قسرا، ووصول المساعدات الإنسانية إلى من يستحقها داخل الأراضي السورية. ولا يخامر أحد أدنى شك في أن القانون سوف يمر من دون أن يدفع الأسد وحلفاؤه ثمنا كبيرا. وخصوصا في الملفات الثلاثة. وهذه المسألة تخص روسيا أكثر من غيرها، فهي لا تستطيع أن تنكر أن هناك قرابة 100 ألف معتقل ومختفٍ قسريا، وليس في وسعها أن تعارض عودة المهجرين الذين شاركت في تهجيرهم من درعا وريف دمشق وريف حمص..الخ، وربما استمرت بالتلاعب بموضوع المساعدات الإنسانية، وتأجيل الاستحقاق السياسي المترتب على القانون إلى حين، إلا أنها لن تقدر على إنكار قضيتي المعتقلين والمهجرين قسرا، وهناك قسم كبير تم تهجيره على يد القوات الروسية منذ أن شاركت في جرائم إبادة السوريين في درعا والغوطة وأرياف حمص وحماه وحلب وإدلب.
قد يكون قانون قيصر القشة التي يتمسك بها الغريق السوري، أو القطرة التي ستفيض منها كأس الأسد الملآنة بدماء الأبرياء. قيصر سوف يعيش معنا لسنوات، نسقط عليه كل مآسينا السورية التي ضاق بها الكون ولم يجد لها حلا.