#########

الضحايا

المخرج فراس فياض يواجه أنور رسلان:هذ الرجل أَمَر باغتصابي


نحتاج إلى معرفة من يرتكب هذه الجرائم ، إنها رسالة كبيرة. جئت باسمي. لا يجب أن أبقى صامتاً. لقد اغتصب النظام بلادنا لفترة طويلة"، موضحاً انه يرغب برؤية المزيد من الضحايا يتحدثون علناً

06 / تموز / يوليو / 2020


المخرج فراس فياض يواجه أنور رسلان:هذ الرجل أَمَر باغتصابي

*المصدر: المدن 
لم تغب مشاهد التعذيب القاسي الذي تعرض له، عن باله أبداً، بل سرد تفاصيل أيامه الصعبة وواجه جلاده داخل المحكمة. الحديث هنا عن المخرج السوري المرشح لجائزة “أوسكار” فراس فياض، الذي قدم شهادته أمام المحكمة الولائية العليا في مدينة كوبلنز الألمانية، حيث انعقدت جلسة لمحاكمة مُتهمين إثنين بالتعذيب في سوريا.

وكان فياض (35 عاماً)، أول ضحية تبلغ في ألمانيا عن فصول رعب تفوق الخيال، وقد روى ما حصل معه في العام 2011 عندما كان معتقلاً. وعلى بُعد أمتار قليلة منه في قاعة المحكمة، جلس المُتهم، وهو ضابط المخابرات السوري السابق أنور رسلان (57 عاماً)، الذي يواجه اتهامات بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية، حينما كان مسؤولاً رفيعاً برتبة عقيد، ترأس القسم 251 من المخابرات السورية، وكان مسؤولاً عن أمن العاصمة دمشق، وهو المتهم الرئيسي في هذه القضية، وتشمل الاتهامات جرائم ضد الإنسانية، والقتل (58 مرة)، والتعذيب في 4000 حالة على الأقل، إضافة إلى تهم الاغتصاب والاعتداء الجنسي.

ومن المتوقع أن يشهد أكثر من 24 من ضحايا التعذيب السوريين في المحاكمة غير المسبوقة التي بدأت في نيسان/أبريل الماضي ، وتبحث دعاوى بشأن التعذيب الممنهج الذي ترعاه الدولة الأسدية، علماً ان رسلان هو مسؤول الإستجواب في سجن الخطيب سيئ السمعة بدمشق حيث اعتقل فياض، قبل انشقاقه عن النظام العام 2013 ولجوئه في وقت لاحق إلى ألمانيا، وهناك لاحقته يد العدالة باعتقاله العام 2019، واتهامه بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية.

وقال فياض في تصريحات لـNPR، وهي إذاعة أميركية، أنّ “قضيته تتعلق بالعنف الجنسي”، والأمر صعب بالنسبة له، خصوصاً أنه لم يتحدث عنه علناً أبداً. حتى أنه لم يخبر عائلته به. وكان روايته العلنية الأولى لما جرى، في قاعة المحكمة في كوبلنز، عندما جلس الرجل المتهم بأمر تعذيبه على بعد أمتار قليلة منه.


وخلال المحاكمة، طلب منه القضاة إعادة سرد الإعتداء الجنسي الذي تعرض له، وهو اغتصاب بواسطة عصا خشبيّة، كما أكد أنه اضطر لإجراء عمل جراحي جراء الإصابات التي تعرض لها بعدما أطلق سراحه في النهاية. وأكمل: “كنت أحمل هذا الألم لفترة طويلة، لكن عليّ أن أبدأ بالتحدث بصراحة”. موضحاً أنه “فضّل الصمت بسبب الاغتصاب الذي تعرض له، وهو ما يُعتبر وصمة عار في المجتمع السوري”، علماً أن معظم الناجين السوريين من العنف الجنسي لا يتحدثون عنه أبداً ويعيشون معه في حالة إنكار لسنوات، بحسب تقرير للأمم المتحدة العام 2018 يوثق الاستخدام المنهجي للعنف الجنسي في سوريا باعتباره “أداة لغرس الخوف والإذلال والمعاقبة”.


وعلق فياض: “نحتاج إلى معرفة من يرتكب هذه الجرائم ، إنها رسالة كبيرة. جئت باسمي. لا يجب أن أبقى صامتاً. لقد اغتصب النظام بلادنا لفترة طويلة”، موضحاً انه يرغب برؤية المزيد من الضحايا يتحدثون علناً.

وفي العام 2011، عندما بدأت الاحتجاجات في سوريا ضد النظام، أمسك فياض بكاميرته ونزل إلى الشوارع لتوثيق المظاهرات السلمية المبكرة، والاعتقالات، وردّ فعل قوات النظام العنيفة وإطلاق النار على المتظاهرين في محاولة لقمعهم. وبعدها، جرى اعتقاله، واحتجازه، واتهامه بالتجسس ودعم الأنشطة المناهضة للنظام. كان فياض مقتنعاً أنه سيموت في السجن، حتى أن بقية المعتقلين معه قالوا أنه لن يبقى على قيد الحياة.


يسترجع فياض فصول التعذيب التي تعرّض لها، حيث كان يتعرض للضرب والركل بشريط حديدي والعصي، كما جرى تعليقه من السقف لتلامس أطراف أصابع قدميه الأرض فقط، إلى جانب وضعه في زنزانة صغيرة جداً. وأكمل أنه “يتذكر الإستجوابات بينما كان معصوب العينين وجاثياً على ركبتيه”، وكان الرجل الذي يحقق معه هو أنور رسلان الموجود في المحكمة. وأضاف: “كنت نحيلاً وبلا شعر، جسدي ينزف. كنت أشعر بالخوف من النظر في المرآة لفترة طويلة”.

وبعد مرور شهرين ونصف على الإعتقال، جرى إطلاق سراح فياض من دون أي تفسير، وبعدها حثته عائلته على مغادرة البلاد لاقتناعها بأنه لن ينجو من اعتقال آخر. وبعد فترة وجيزة، هرب من سوريا. وعزا نجاته إلى القدر وتساءل: “لماذا أنا؟ ساعدتني الكارما على الخروج لأني لدي مهمة أقوم بها في هذه الحياة”، في إشارة إلى عمله في صناعة الأفلام الوثائقية.

وبعد هروبه من سوريا، دخل فياض إلى تركيا، ثم عاد وتسلل عبر الحدود السورية إلى مدينة حلب لتوثيق حياة المدنيين السوريين تحت القصف. وفي العام 2018، حصل فياض على إذن للدخول إلى الولايات المتحدة بعدما جرى ترشيح فيلمه “آخر الرجال في حلب” لجائزة “أوسكار” عن فئة أفضل فيلم وثائقي. وفي شباط/فبراير من هذا العام، جرى ترشيح فيلمه “الكهف” لجائزة أوسكار، عن فئة أفضل فيلم وثائقي، وهو يسرد قصة فريق طبي تقوده النساء في مستشفى تحت الأرض يسمى “الكهف”، جرى من خلاله اسعاف وعلاج أهل الغوطة الشرقية أثناء القصف المتواصل الذي تعرضت له المدينة من قوات النظام السوري.


وقال فياض أنه حتى مع التكريم الذي ناله على عمله، لم يتمكن من الاحتفال. وسرد ذكرياته: “سألني فريقي: لماذا لست سعيداً؟ عليك أن تشعر بالسعادة. لكني لم أعرف كيف أعبّر عن سعادتي. كنت غاضباً جداً. بداخلي، كان هناك الكثير مما لم أستطع مشاركته بسبب وصمة العار والخجل”. مضيفاً أن ذلك الوهم عاد إليه في الأيام التي تلت شهادته أمام المحكمة الألمانية: “أشعر أن جسدي مكسور، وبدأت أفقد القدرة على ترتيب الكلمات”.

ورغم ذلك، يرى فياض أن محاكمة مجرمي الحرب هي الخطوة الأولى في طريق شفائه الطويل، وأكمل: “عندما ذهبت إلى المحكمة، بدأت أشعر أن شيئاً ما تغير تماماً بعد ذلك. بالطبع، هناك ألم جسدي، لكني بدأت أعتقد أن العدالة شيء حقيقي. إنها ليست كذبة”.


وخلال وقوفه داخل قاعة المحكمة، أذهل فياض القضاة عندما أخبرهم أنه يمكن أن يغفر للمدعى عليه رسلان. وأضاف في المقابلة: “إذا اعترف بحدوث هذه الأشياء، فعندئذ يجب أن أغفر له. أشعر أن التسامح هو الطريقة الوحيدة التي يمكن أن أعيش بها بسلام”. غير أن رسلان نفى كل التهم الموجهة إليه، منكراً مسؤوليته عن أي فعلٍ حصل، وتحديداً حالة الاغتصاب التي تعرض لها فياض.


وحالياً، فإن المخرج يعمل على فيلم وثائقي جديد يوثق تفاصيل اعتقاله وتعذيبه، وعن المحاكمة في ألمانيا. وقال: “أحاول أن أجعل ذلك رسالة لعائلتي لأني لم أخبرهم من قبل بما مررت به”. وختم: “أخطط أيضاً لإخبار عائلتي لماذا قررت الإدلاء بشهادتي، وذلك من أجل التاريخ وإرسال رسالة إلى أولئك الذين مازالوا مسجونين في سوريا، بأنهم غير منسيين”.


المادة من المصدر