باتت المحاكم الميدانية في سوريا مصدر رعب لمعتقلين وأمل للبعض منهم، حيث تقول تقارير حقوقية، إن المعتقلين يظنون قبل الامتثال أمام المحكمة أنه سيتم نقلهم لسجون أفضل لكنهم ينقلون لغرف تحت الأرض
06 / كانون الثاني / يناير / 2019
*فراس العلي – مع العدالة
محاكم تتبع في زمن الحرب، تبتعد كثيراً عن ميدان العدالة خاصة أنها تعتمد على السرعة في إطلاق الحكم وتنفيذه ضمن اعتبارات تضع مصلحة النظام الحاكم بالمرتبة الأولى، هي المحاكم الميدانية العسكرية التي تشكل أثناء الحرب، حيث باتت حجة لدى النظام لتصفية المعتقلين.
ورغم أنها تقتصر فقط على محاكمة العسكريين ما يعني أن أي حكم يطال مدنياً من قبلها يعتبر معدوماً وغير ذي أثر قانوني، لكنها كانت وسيلة لدى النظام لتصفية المعتقلين بتهم معدّة مسبقاً لهم دون السماح لهم بالطعن في الأحكام لا من حيث الشكل ولا المضمون.
وأعدم عناصر النظام آلاف المعتقلين بعد أن حكم عليهم بالإعدام من قبل ما تسمى “المحاكم الميدانية” ضمن إجراءات لا تتجاوز الدقائق ليتم تسجيل الحكم بعدها بحق المعتقل، هذا عدا الضرب المبرح وأشكال التعذيب التي يتعرضون لها قبل تنفيذ الحكم بحقهم.
في تقرير لمنظمة العفو الدولية بنيَ في إحدى فقراته على شهادة لحارس سابق في سجن صيدنايا، جاء فيها “أن أكثر من 13 ألف شخص أعدموا شنقاً في صيدنايا بين سبتمبر 2011 وديسمبر 2015، مؤكداً أنهم كانوا يضربون المعتقلين بكل ما أوتيهم من قوة ورغبة”.
وضمن تقارير أخرى، أكدت ازدياد عدد المعتقلين الذين أعدموا على يد عناصر النظام بناء على أحكام المحاكم الميدانية العسكرية، وفق صور التقطتها أقمار صناعية تظهر عشرات الجثث والمقابر وازدياد رقعة الحفريات.
التأسيس
صدر المرسوم رقم 109 عام 1968 والقاضي بإنشاء محاكم الميدان العسكرية لمحاكمة العسكريين ومن ثم تم تعديله بالمرسوم رقم 32 عام 1982 على يد حافظ الأسد لتتسع صلاحيات المحاكم الميدانية وتشمل المدنيين أيضاً في أوقات السلم والحرب.
وأدى تشكيل المحاكم الميدانية إلى الطعن باستقلالية القضاء وعدم احترام أبسط مبادئ القضاء مثل استقلاليته وحق دفاع المدعي عليه والطعن بالأحكام والفصل بين السلطتين القضائية والتنفيذية.
وبقيت المحاكم الميدانية قيد التفعيل بسلطاتها المطلقة وإدارة من عسكريين قد لا يحملون حتى إجازة في الحقوق حيث إن المرسوم المعدل لم يشترط للتعيين بمنصب القاضي سوى رتبة العسكري.
ووفق المرسوم، فإن المحاكم الميدانية تشكل بقرار من وزير الدفاع ويتم تشكيلها من رئيس وعضوين، ويجب ألا تقل رتبة الرئيس عن “رائد”؛ أما فيما يخصّ العضوين، فلابد ألا تقل عن رتبة “نقيب”، الأمر الذي شكل عيباً قانونياً بدأ من إعطاء الصلاحية لوزير الدفاع بتأسيس هذه المحاكم إلى عدم المعرفة القانونية الكاملة لإطلاق الأحكام القانونية بحق المعتقلين.
واختصرت المحاكم الميدانية في عملها الكثير من الإجراءات التي تكفل للمعتقل على الأقل الدفاع عن نفسه والطعن بالحكم واستئنافه ونقضه، فقرار المحكمة الميدانية بالنهاية هو يمضي نحو التنفيذ الفوري، وهذا ما شكل خللاً واضحاً باستقلالية القضاء والمحاكم في سوريا.
وبمثل هذه المراسيم، شكل نظام الأسد منظومة أمنية واسعة الصلاحيات يحق لها أن تحاكم أي فرد سواء مدني أو عسكري وفي أي وقت، سواء كانت البلاد في حالة سلم أو حرب.
وتتضمن أعمال المحاكم الميدانية التي تديرها مخابرات الأسد جملة من الانتهاكات من حيث الشكل والمضمون والصلاحية والوقت والاستقلالية والدفاع والطعن والاستئناف والنقض، وترتكب الانتهاكات من تشكيل المحكمة إلى حين إطلاق الحكم وتنفيذه وتقييد سبب الوفاة لدى دوائر السجل المدني.
حجة لتصفية المعتقلين
تستمر فروع الأمن ومعتقلات النظام بتنفيذ أحكام الإعدام الصادرة عن محاكم الميدان العسكرية بحق المعتقلين بحجج كثيرة، ووفق تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية نشر منذ أيام، فإن أعداد المعتقلين في سجن صيدنايا ومقر الشرطة العسكرية وفروع أمنية أخرى تنخفض بسبب تسريع نظام الأسد من وتيرة الإعدامات الميدانية مؤخراً بعد خضوع المعتقلين للمحاكم الميدانية.
واعتمدت الصحيفة في تقريرها على صور التقطتها أقمار صناعية وتظهر وجود عشرات الأجسام المظلمة، وبعد تحليل الصور من قبل الطب الشرعي تبين أنها تتطابق مع جثث بشر، إضافة لصور أخرى التقطت لأراضٍ زراعية قرب دمشق تظهر ازدياد عدد المقابر وعمليات الحفر.
ومؤخراً علق معتقلو سجن حماة المركزي إضرابهم بعد صدور أحكام إعدام بحق العديد منهم، وجاء ذلك بعد وعود من نظام الأسد بالنظر في مطالبهم المتمثلة بإطلاق سراح قسم منهم وعدم تحويل معتقلين إلى سجن صيدنايا لتنفيذ حكم الإعدام بحقهم.
ومن بين المعتقلين الذين حكم عليهم بالإعدام بناء على المحاكم الميدانية، أحمد محمد جدعان وعمار مصطفى الطرشان ومحمود علوان وفايز حسن درفين وأنور محمد فرزات ورائد أحمد يونس شنان وشعلان عبد الحميد الشيخ المكارة وخالد محمد مشيمش.
وقالت الهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين في بيان، الشهر الفائت، إن قاضي الفرد العسكري، بحماة “فراس دنيا” أمر بترحيل 11 معتقلاً من سجن لحماة لسجن صيدنايا دون توضيح أية تفاصيل سوى كلمة مؤجل جانب اسم كل معتقل ما يعني أن هناك حكم إعدام صادر عن المحكمة الميدانية مؤجل التنفيذ وحان موعد تنفيذه.
وأضافت، أن المحكمة الميدانية في دمشق استدعت بطريقة مماثلة من سجن حماة محمد ملاذ بركات إلى سجن صيدنايا عام 2016 وقامت بتنفيذ حكم الإعدام بحقه، معتبرة أن هذه المحاكم أشبه بمحاكم العصابات وهي جزء من منظومة إرهاب الدولة المنظم والممنهج لترهيب السوريين.
وتزداد أحكام الإعدام التي تصدر من محاكم الميدان العسكرية في معتقلات نظام الأسد، وما يوثق هذه المحاكمات قوائم أسماء لنحو ألف معتقل قضوا إثر التعذيب وتنفيذ الأحكام بحقهم التي سلمت لمديرية السجل المدني في دمشق.
مخالفات قانونية بالجملة
في تحليل قانوني لماهية عمل محاكم الميدان العسكري، نشر المنتدى القانوني السوري تحليلاً لمراسيم تشكيل المحاكم الميدانية وتوضيح أهم المخالفات القانونية التي وردت في تفاصيلها.
وجاء في التحليل أن المرسوم يخالف في مواد منه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وقانون العقوبات السوري.
واعتبر أن المرسوم يخالف مبدأ عدم رجعية القوانين عن طريق إطلاق حكم على شخص بسبب فعل معين مباح أصلاً ولا يوجد أي نص قانوني يجرّمه. وهذا يخالف المنطق والعدالة، كما خالف المرسوم مبدأ قدسية حق الدفاع إضافة لمبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ عدم جواز المحاكمة عن نفس الفعل مرتين.
ويؤكد ما سبق أن مصطلح محكمة حتى لا يمكن أن يطلق على هذه اللجان التي يتم تسميتها من وزير الدفاع وتخالف بكل أفعالها أبسط المبادئ القانونية المتبعة في سوريا.
وباتت المحاكم الميدانية في سوريا مصدر رعب لمعتقلين وأمل للبعض منهم، حيث تقول تقارير حقوقية، إن المعتقلين يظنون قبل الامتثال أمام المحكمة أنه سيتم نقلهم لسجون أفضل لكنهم ينقلون لغرف تحت الأرض.
ولم تتمكن جهات قانونية من الدخول ومعاينة معتقلات النظام ومراقبة هذه المحاكم والاطلاع على الوثائق والأحكام الخاصة بسير عمل هذه المحاكم وطبيعة التهم الموجهة للمعتقلين وتنفيذ الحكم وما إلى ذلك من انتهاكات.
وكان الائتلاف قد أعلن عن صدور أول مرسوم تشريعي حمل الرقم 1 وأعلن فيه عن إبطال العمل بالمرسوم المعدل لمرسوم تشكيل محاكم الميدان العسكري، لكن لا أثر تنفيذي لهذا المرسوم الذي تضمن إلغاء عدة مراسيم صدرت من قبل نظام الأسد وتحمل جملة من المواد التي تسمح بارتكاب انتهاكات بحق السوريين.
وأوصت عدة منظمات حقوقية بإيقاف تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية الميدانية ومحاكم قضايا الإرهاب، وإلغائها لمخالفتها التشريعات المحلية والدولية لضمان المحاكمة العادلة.
المزيد للكاتب ⇐ هنا
.
.