#########

المحاسبة

من قضايا التاريخ السوري.. مجازر رفعت الأسد


   كان رفعت الأسد موغلاً في الكثير من الأعمال الوحشية في سورية وخارجها طوال فترة وجوده في السلطة، وعلى الأصعدة كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية

25 / حزيران / يونيو / 2020


من قضايا التاريخ السوري.. مجازر رفعت الأسد

 

*المصدر: المركز السوري للعلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية  

د. سامر عبد الهادي علي

 

من قبيل الصدفة، وبينما كنت أكتب عن أحد كبار مجرمي نظام البعث الأسدي في سورية المعاصرة “رفعت الأسد” صدر اليوم الأربعاء 17 حزيران/ يونيو 2020 حكماً فرنسياً بسجنه لمدة أربع سنوات مع الحجز على أمواله وممتلكاته في كل من فرنسا وبريطانيا، وبانتظار حكم آخر قد يصدر عن إسبانيا كذلك، حيث يمتلك فيها المليارات من أموال الشعب السوري المنهوبة على مدار عقود. وبالرغم من أنّ هذا الحكم تأخر كثيراً، وطال انتظاره إلا أنه يبقى دون طموح آلاف المكلومين من أفراد وعوائل قضت على يدي هذا المجرم في مختلف مدن سورية، حيث لم يكن الجرم الموجه إليه هو جرم القتل وارتكاب مجازر حرب ممنهجة، بل جاء نتيجة اتهامه بغسيل أموال، وهو أمر مقصود هدفه شرعنة حصول هذه الدول على أمواله وعدم إعادتها للشعب السوري التي نُهبت من جيوبه.

فمن هو المجرم رفعت الأسد؟

وماذا فعل خلال سنوات من تاريخ سورية الأسود في ظل حكم طائفي استبدادي أقلّوي؟

* من هو رفعت الأسد؟

   وُلد رفعت علي سليمان الأسد في 22 آب/ أغسطس 1937 بمدينة القرداحة التابعة لمحافظة اللاذقية، وهو الشقيق الأصغر لرئيس النظام السوري النافق حافظ الأسد، وجميل الأسد، وعم الرئيس الحالي بشار الأسد.

وبعد قيام حزب البعث بانقلابه في الثامن من آذار 1963 تخرّج رفعت الأسد من الكلية الحربية، وشارك بعد تخرجه في انقلاب 23 شباط 1966، الذي استولت فيه طغمة من العسكريين البعثيين على السلطة ضمن ما عُرف باللجنة العسكرية، وكان أحد أعضائها حافظ الأسد. ثم التحق بعدها بدورة قائد حراسة مدرعات ومشاة في القابون، وأصبح عام 1967 قائداً للفرقة /569/ ثم أُلحقت به سرايا الدفاع لتدريبها، وكانت من أبرز فرق الجيش السوري وأكثرها دعماً.

   شارك في انقلاب عام 1970 الذي قاده شقيقه حافظ الأسد، واستولى من خلاله على السلطة في البلاد، ليزداد نفوذه بشكل كبير في الدولة والجيش، فاتّبع دورة أركان حرب عليا مع مجموعة من الخبراء الروس حول العقيدة العسكرية، وفي عام 1975 تقلد منصب رئيس المحكمة الدستورية، كما تولى منصب رئيس مكتب التعليم العالي من عام 1975 حتى عام 1980 جامعاً بين المنصبين، كما حاز خلالها عام 1977 على الدكتوراه في الاقتصاد، وحصل على شهادة دكتوراه أخرى في التاريخ من جامعة دمشق. بالمقابل بقي يقود الفرقة /569/ ويشرف على سرايا الدفاع حتى عام 1984، وكان العديد يرون فيه خليفة لأخيه الأكبر حافظ الأسد في قيادة البلاد، وقد تولى بعدها في 11 آذار/ مارس 1984 منصب نائب رئيس الجمهورية لشؤون الأمن القومي. وكان هذا العام تاريخاً فاصلاً في حياته السياسية والعسكرية، فقد حاول رفعت الأسد القيام بانقلاب عسكري على شقيقه حافظ الأسد، لكن حافظ الأسد حال دون ذلك، وتم تسوية الخلاف بخروج رفعت الأسد من سورية مع مجموعة كبيرة من العاملين معه لفترة 6 أشهر. عاد بعدها إلى دمشق وشارك في المؤتمر القطري عام 1985، إلا أنّ الخلافات السياسية بين الأخوين بقيت متفجرة فغادر سورية من جديد عام 1985 للإقامة في معلناً “عدم مسؤوليته عن السياسات السورية وقراراتها في كل المجالات”.

وبخصوص هذه القضية، يروي وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس هذه الحادثة بشكل مختلف، حيث ذكر في كتابه “ثلاث أشهر هزت سورية” أن رفعت الأسد “حاول أن يقود محاولة انقلابية لعزل شقيقه حافظ الأسد إثر دخوله في غيبوبة مرضية عام 1984، وقد تطور الأمر إلى نزاع بين القوات التابعة له والقوات الحكومية، وكان رفعت الأسد يهدد بإحراق العاصمة دمشق، إلا أن حافظ الأسد، تمكن من احتواء الأمر وقام بإرغام شقيقه على مغادرة سورية بعد إعطائه مبلغا كبيراً من المال، تكفل الزعيم الليبي معمر القذافي حينذاك بدفعه، بسبب خواء خزينة الدولة من السيولة النقدية المطلوبة، ليقيم بعد ذلك في منتجعه الخاص في مدينة (مربلة) الإسبانية”.

   عام 1992 عاد إلى سورية للمشاركة في تشييع والدته التي توفيت وهو في باريس، وبقي في سورية حتى عام 1998 حيث قرر مغادرة سورية إلى باريس من جديد بحجة عدم تحمله مسؤولية قرارات سياسية واقتصادية وعسكرية كان غير راغباً فيها، وعلى أثرها تم إعفاءه نهائياً من منصب نائب الرئيس لشؤون الأمن القومي بتاريخ 8 شباط/ فبراير 1998.

* ما هي سرايا الدفاع؟

   سرايا الدفاع قوة شبه عسكرية تولى قيادتها رفعت الأسد، وكانت مهمتها الدفاع عن نظام الأسد والعاصمة دمشق من هجوم خارجي أو داخلي، والاغلبية الساحقة من عناصرها من الطائفة العلوية، لضمان ولائها المطلق للنظام. وقد كانت ذراع نظام الأسد الوحشية في قمعه وتنكيله بالشعب السوري، وأوكلت إليها المهمات الاكثر قذارةً وإجراماً، حيث كانت القوة الرئيسة التي ارتكبت مجزرتي تدمر وحماة.

   عام 1984 تم دمجها ضمن قوات الجيش السوري تحت اسم الفرقة الرابعة، كما دخلت عناصرها إلى الحرس الجمهوري، بالإضافة إلى الفرقة المجوقلة التي تتكون من 5 أفواج قوات خاصة، وذلك بعد خلاف حافظ الأسد مع أخيه رفعت واتهامه له بتدبير محاولة انقلاب عليه للاستيلاء على السلطة.

* أهم مجازر رفعت الأسد التي سجلها التاريخ السوري المعاصر:

   كان رفعت الأسد موغلاً في الكثير من الأعمال الوحشية في سورية وخارجها طوال فترة وجوده في السلطة، وعلى الأصعدة كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أنّ وحشيته تجاوزت كل الحدود في أهم مجزرتين في تاريخ سورية المعاصر كان رفعت الأسد وسراياه التي يقودها رأس الحربة في ارتكابها، وهما:

1- مجزرة سجن تدمر 1980:

   في 26 حزيران/ يونيو 1980 تعرّض رئيس النظام السوري حافظ الأسد لمحاولة اغتيال فاشلة، هذه المحاولة جعلت نظام الأسد يكشّر عن أنيابه باتجاه الانتقام ممن اتهمهم بهذه المحاولة، وتحديداً الإخوان المسلمين، وكانت الضحية سجناء سياسيين في سجن تدمر، حيث صدرت الأوامر في اليوم ذاته بتصفية المعتقلين في سجن تدمر، وبدأ التنفيذ في اليوم التالي صباح 27 حزيران/ يونيو 1980 حيث أمر رفعت الأسد عناصره من سرايا الدفاع بتنفيذها، وكلّف رفعت صهره الرائد معين ناصيف باقتحام سجن تدمر وقتل من فيه من المعتقلين.

   شارك في المجزرة أكثر من /100/ عنصر، حيث نُقلوا من دمشق إلى مطار تدمر العسكري بواسطة /12/ مروحية، ثم توجه نحو /80/ منهم إلى السجن، ودخلوا على السجناء وأعدموا المئات منهم رمياً بالرصاص في ساحات السجن ومن بقي منهم داخل الزنازين تم قتله باستخدام القنابل والرصاص. ووفق مصادر متقاطعة فإنّ جثامين القتلى نُقلت بواسطة شاحنات وتم دفنها في حفر في وادِ يقع شرق مدينة تدمر. وبذلك تكون هذه المجزرة التي نفذها رفعت الأسد مباشرةً بأوامر من أخيه حافظ أبشع ما حصل في تاريخ سورية المعاصر، ولتكون فاتحة عهدٍ جديدٍ من عهود الإجرام لهذه العائلة الطائفية التي أخذت توغل في دماء السوريين دون رادعٍ أو وازع، وهو ما جرّأها على الاستمرار في مجازرها لترتكب أخرى أكثر فظاعةً في مدينة حماة ومدن سورية أخرى.

2- مجزرة حماة 1982:

   استمراراً لمجازر النظام بحق سورية وشعبها، جاءت مجزرة جديدة أكثر وحشية ودموية من سابقاتها، وأيضاً بإدارة وتنفيذ رفعت الأسد. ففي 2 شباط/ فبراير 1982 قامت قوات النظام السوري، في مقدمتها سرايا الدفاع بقيادة وإشراف مباشر من رفعت الأسد بحصار مدينة حماة لمدة /27/ يوماً بحجة إنهاء وجود جماعة الإخوان المسلمين، ثم بدأ بعدها اقتحام المدينة بكافة أنواع الأسلحة، فدّمرت معظم المدينة على رؤوس ساكنيها، وتم القيام بعمليات إعدام ميداني للكثير من أبناء المدينة، أطفالاً ونساءً ورجالاً. شارك في هذه المجزرة كل من: (سرايا الدفاع، الواء 47 دبابات، اللواء 21 ميكانيك، الفوج 21 إنزال جوّي “قوات خاصّة”).

وقالت اللجنة السورية لحقوق الإنسان إن حصيلة الضحايا قد تجاوزت /40/ ألف، ووُصفَ الهجوم بأنه أحد “أكثر الأعمال دموية التي قامت بها حكومة عربية ضد شعبها في التاريخ الحديث للشرق الأوسط”. بينما قدّر الصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك عدد الضحايا بأكثر من /20/ ألف. وقال الصحفي الأمريكي توماس فريدمان في كتابه “من بيروت إلى القدس” الصادر عام 1989 أن: “رفعت تفاخر في وقت لاحق في العدد الإجمالي للضحايا” وقال إنهم لا يقلوا عن /38/ ألف.

   كانت هاتان المجزرتان، ناهيك عن عشرات المجازر التي ارتُكبت ولا تزال، وصمة عار في جبين هذا المجرم الطائفي رفعت الأسد وجيبن النظام الذي ينتمي إليه، وكل من وقف وأيّد هذا النظام الإجرامي إلى يومنا هذا.

* رفعت الأسد خارج سورية “المنفى”:

   عاد رفعت الأسد إلى مدينة مربلة الإسبانية عام 2001 بهدف الإقامة، واستثمر في مجال الشبكات التلفزيونية بامتلاكه محطة ANN الفضائية، التي يرأسها أحد أبنائه، إلى جانب امتلاكه وسائل إعلامية أخرى (إذاعة، صحف، مجلات). وتوزعت استثماراته في عدد من الدول الأوروبية أهمها “بريطانيا وفرنسا وإسبانيا”، ما جعله مسافراً بشكلٍ دائم بين هذه الدول. كما عمل في مجال العقارات، ولديه استثمارات ضخمة في مربلة حيث يمتلك بها فندقاً من خمسة نجوم، وعشرات المتاجر والشقق الفندقية في منطقة بورتو بانوس، أحد أرقى المرافئ السياحية على شاطئ الشمس، والعديد من العقارات في إسبانيا بقيمة إجمالية تبلغ /250/ مليون استرليني، وله منزل في ماي فير في بريطانيا بقيمة /10/ مليون استرليني، وقصر في فرنسا بالقرب من قوس النصر على طريق الشانزليزيه، وله فريق كبير من الحراس الشخصيين والمرافقين.

* ملاحقات قانونية وقضائية:

   منذ خروجه من سورية بدأت التهم تلاحق رفعت الأسد، خاصّة مع الأموال الطائلة التي أخذها معه، والتي حصل عليها من خزائن الدولة السورية، ومن هبات ادّعى أنها مُنحت له. وبالرغم من عدم ثبوت غالبية التهم الموجهة له طوال السنوات الماضية، وتبرئته أما العديد من المحاكم الفرنسية والإسبانية، إلا أنّ ذلك لم يثنِ المنظمات الحقوقية والإنسانية من ملاحقته، كان منها الشكوى القانونية التي تقدمت بها كل من منظمة شيربا والفرع الفرنسي لمنظمة الشفافية الدولية اللتان تعملان في مجال مكافحة الفساد، حيث اتهموه بالاختلاس والفساد المالي وأنه حصل على بعض ممتلكاته في فرنسا بطريقة غير قانونية، وبدأ القضاء الفرنسي بالنظر في هذه الشكوى، وغيرها من الشكاوى التي أخذت تتابع في كل من فرنسا وإسبانيا، لتثمر أخيراً في 17 حزيران/ يونيو 2020، حيث قضت محكمة فرنسية بباريس بسجن رفعت الأسد لأربع سنوات بعد إدانته بتهم فساد، وشملت قائمة الاتهامات التي أدين بها “تبييض الأموال واختلاس أموال تعود للحكومة السورية”، كما أمرت المحكمة بمصادرة العقارات التي يملكها رفعت في فرنسا وتقدر قيمتها بنحو /100/ مليون دولار. لكن رفعت الأسد لم يمثل أمام المحكمة بسبب نقله إلى المستشفى في كانون الأول/ ديسمبر لإصابته بنزيف داخلي.

   بقي أن نذكر…. أنّ رفعت الأسد كان متعدد الزوجات، ومن أبرزهم “أميرة الأسد”، وسناء مخلوف، وابنة طراد الشعلان “شقيقة حصّه الشعلان” وهي زوجة الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود. وكان هدفه من وراء ذلك إقامة تحالفات قوية وعلاقات متينة مع عائلات بارزة وعشائر مرموقة في سورية.


مجازر رفعت الأسد