#########

المحاسبة

المحاكم في سورية المستقبل.. ملفات شائكة وحقوق بالجملة


لا نستطيع القول إن ملف القضاء والعدالة الإنتقالية في سورية هو بحال أفضل من الملفات البقية، فهو أكثرها تعقيداً وتشابكاً، وحتى أثراً على المستقبل.

23 / أيلول / سبتمبر / 2018


المحاكم في سورية المستقبل.. ملفات شائكة وحقوق بالجملة

 

*سائد الشخلها 

 

بعد التغيرات الكبيرة التي مرت بها الثورة السورية منذ انطلاقها عام 2011، وعلى جميع الأصعدة السياسية منها والعسكرية والمدنية، كان هناك ملف رغم عدم التفات الكثير من النخب إليه، إلا أنه من أكثر الملفات تأثيراً لأهميته السياسية والحقوقية، وهو ملف العدالة الانتقالية ومحاسبة المتورطين في دماء المدنيين وتهجيرهم.

ويعد ملف إنشاء المحاكم في المرحلة الانتقالية أو في مرحلة ما بعد سقوط النظام من الملفات الشائكة التي تم طرحها على جميع طاولات الحوار في جنيف والأستانة، ولم يتم التوصل لحل له، وذلك لمعرفة أغلب الأطراف إن لم نقل الجميع، أن التوصل لاتفاق يوجب فيه الأطراف بالمثول أمام المحاكم في المرحلة الانتقالية، سيجرمهم أو سيضعهم في قفص الاتهام، مما جعلهم يتكلمون بمبدأ عدم المحاسبة، والذي بموجبه لا يمكن محاسبة أي طرف في الحرب الدائرة على جرائمه، ما سيؤدي لعدم محاسبة الأسد ونظامه على جرائمهم ضد الشعب السوري.

وعليه، تحتم على الحقوقيين السوريين أن يعملوا على إيجاد طرق قانونية وحلول تضمن في الوقت الراهن وفي سورية المستقبل أكبر كمٍ من العدالة، وأكبر ضمان لحقوق المتضررين من أطراف النزاع في سورية، وعلى رأسهم رموز النظام السوري بما فيهم بشار الأسد.

 

نهايات بطرق مسدودة

بما إن القضاء في سورية لا يتسم بالحياد، والنزاهة والشفافية المطلوبة لتحقيق العدل، فإن الحل الوحيد حالياً لدى المتضررين في سورية يكمن في المحاكم الدولية، ومن بين كل تلك المحاكم، تعد “المحكمة الجنائية الدولية” الوحيدة القادرة على محاسبة مجرمي الحرب في سورية، ولكن عدم توقيع النظام السوري على نظام روما الأساسي للمحكمة لعام 1998 جعل مطالبة المحكمة بالتدخل في القضية السورية يحتاج لقرار من الأمم المتحدة، ولكن في أيار عام 2014 وقف الفيتو الروسي – الصيني بوجه مشروع قرار لإحالة الوضع في سورية لهذه المحكمة، ما فسره الكثير من المراقبين بإغلاق الباب الوحيد أمام الشعب السوري لمحاسبة رموز النظام السوري وعلى رأسهم بشار الأسد.

 

 

أما محكمة العدل الدولية فلا يمكنها التدخل في الشأن القضائي السوري لعدم امتلاكها عنصر الاختصاص، وكذلك لأنها لا تستطيع محاكمة الأشخاص، بل يجب أن تكون أطراف النزاع في مخاصماتها دول أعضاء في الأمم المتحدة.

حاولت بعض الدول طرح فكرة إقامة محكمة دولية خاصة على غرار “محكمة الحريري”، ولكن هي الأخرى تحتاج لقرار من مجلس الأمن، والذي سيلقى نفس مصير مشاريع القرارات التي حاولت تجريم نظام الأسد في مجلس الأمن بسبب الفيتو  المزدوج، الروسي والصيني.

محاكمٌ مختلطة

تم اقتراح فكرة إنشاء هذه المحكمة من قبل جامعة الدول العربية في عام 2012 ،ولكن الجامعة لم تتخذ أي إجراء للمضي قدماً لتحقيق هذه الفكرة، واقترح وقتها السفير الأمريكي السابق لشؤون جرائم الحرب “ديفيد شيفر” إنشاء محكمة مختصة تغطي كلاً من سورية والعراق، وذلك بتوقيع معاهدة بين الأمم المتحدة وحكومة ملتزمة بتوفير العدالة للضحايا، وبيّن “شيفر” أن هذه المحكمة ستقوم على مبدأين أساسيين، أولهما مبدأ “الولاية العالمية” والذي تستطيع من خلاله أي دولة أن تحاكم أي شخص قام بجرائم ضد الإنسانية، والثاني مبدأ “الولاية القضائية المحلية لإحدى الدول خارج حدود الدولة” وفقاً لمبدأ الأثر، والذي هو متبع في المحاكم الأمريكية والعديد من المحاكم الأخرى، ولكن هذا الاقتراح لم يستجب له لعدة أسباب لوجستية ومادية وسياسية، وهناك سبب رئيس وهو عدم موافقة أي دولة عربية مجاورة لسورية القيام بهذه الخطوة التي ستكلفها الكثير سياسياً واقتصادياً.

قضاء عادل

يرى الكثير من الحقوقيين السوريين أن الحل الوحيد المتبقي أمامنا كسوريين، هي بتوثيق الانتهاكات التي حصلت، وحفظها بطرق قانونية لتقديمها للقضاء الذي سيقام في سورية ضمن المرحلة الانتقالية، والذي لن يكون إلا بدستور يضمن للقضاء نزاهته واستقلاله.

وقال “أيمن أبو هاشم” المحامي والباحث في القانون الدولي: “من الطبيعي أن يكون النظام القضائي الذي سيقام في سورية نظام مساير للأنظمة القضائية المتطورة والعصرية، والتي تقوم على فصل السلطات بصورة أساسية وتضمن استقلالية القضاء، لأن استقلال القضاء هو الضامن الحقيقي من أجل قيام المحاكم المدنية،التي بدورها  تسعى لتحقيق العدالة، وبالتالي، كل ما كان موجوداً  في عهد الأسد الأب والابن، صمم لضرب المحاكم المدنية والقضاء، من خلال إحداث المحاكم الاستثنائية تحت عناوين عدة، كـ”محاكم عسكرية أو أمنية أو اقتصادية، وهذه المحاكم شكلت افتئات على سلطة القضاء، وخلقت وضعاً لا يتسم بالتوازن بين الحقوق والواجبات، ولا يعطي للقضاء استقلاليته بل على العكس، كانت هي أداة بيد النظام لفرض قيوده وتوجهاتها على المجتمع السوري.

 

وأكد أبو هاشم أن المطلوب في سورية هو نظام قضائي عصري متطور، يقوم على احترام حقوق الإنسان وفصل السلطات واستقلال القضاء، وأن يكون هناك ضمانة للقضاة وأن يكون لديهم الإمكانيات لتطبيق العدالة وفق دستور يمنع أي تغول للسلطتين التشريعية والقضائية على حساب السلطة القضائية.

 

عنق الزجاجة

بعد سبع سنوات من حرب بدأها النظام السوري على شعبه، والتي خلفت ملايين النازحين ومئات آلاف القتلى والمعتقلين، تبقى أهم المخاوف هو دخول البلاد بحالة من الانتقامات الفردية والجماعية بعد سقوط النظام، لذا كان لابد من التفكير مسبقاً بحل يخرج البلاد من حروب مناطقية أو طائفية لا تحمد عقباها، وكان على رأس هذه الحلول هي إقامة محاكم تضمن محاسبة الجناة، الذي بدوره سيثبط الحالة الانتقامية لدى الأفراد والجماعات التي تبحث عن العدالة.

ومن الجدير بالذكر أنّ تأخر استحداث محاكم محلية ودولية لمحاسبة مجرمي الحرب، أدخل رواندا التي بدأت الحرب فيها بعد استقلالها عام 1962 بحروب طائفية دمرت البلاد لثلاثة عقود تقريباً، حيث إن أول محكمة محلية لمجرمي الحرب أقيمت أواخر عام 1996، أما مجلس الأمن فقد أقام “المحكمة الجنائية الدولية لرواندا” عام 1994 ما كلف البلاد مئات آلاف الروانديين الذين ذهبوا ضحايا حرب انتقامية ذات بعد طائفي.

وعلق القاضي “أنور مجني” على موضوع آلية تشكيل المحاكم المختصة بشؤون العدالة الانتقالية في سورية المستقبل قائلاً: “إن الحل الأمثل هو بإقامة محاكم محلية مشكلة من قضاة سوريين، تتبع للسلطة القضائية السورية، ولكن لا يمنع من وجود مستشارين وخبرات أجنبية، ولكن بصفة استشارية وأن يكون الحكم الأخير للقضاة السوريين”.

 

لا نستطيع القول إن ملف القضاء والعدالة الإنتقالية في سورية هو بحال أفضل من الملفات البقية، فهو أكثرها تعقيداً وتشابكاً، وحتى أثراً على المستقبل، ويبقى الحل الوحيد أمامنا كسوريين وحقوقيين من محامين وقضاة، هو التجهيز لمرحلة قد تكون السبب في استقرار بلد عانت الكثير من القمع والقتل والتهجير، والوصول بالبلاد لحالة من الاستقرار والعدل والحرية، التي خرج الشعب للمطالبة بها منذ زهاء ثماني سنوات.

 

اقرأ المزيد للكاتب :

المعتقلات السوريات ولعبة خلط الأوراق !