#########

المحاسبة

سلب ملكيات المهجرين في سوريا “انتهاكات يصعب توثيقها


لا يثق السوريون المهجرون ممن سلبت ملكيات عقاراتهم أو باتت في دائرة الخطر بسبب القرارات والمراسيم الدورية بنوايا النظام حتى لو كانت إجراءات إثبات الملكية سهلة ويسيرة، وفق ما يؤكده وزير خارجية النظام، وليد المعلم

26 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2018


سلب ملكيات المهجرين في سوريا “انتهاكات يصعب توثيقها

 

 

 

*فراس العلي – مع العدالة

 

منذ بدء نظام الأسد اتباع سياسة تهجير المدنيين القسري، بدأت تلوح في الأفق كارثة جديدة ضحيتها ملكيات المدنيين العقارية في الوقت الذي يتم فيه تزييف الحقائق بدور السجلات العقارية يقابله فقدان الكثير من المدنيين للوثائق التي تثبت وجود ممتلكات عقارية لهم في المناطق التي هُجّروا منها.

ومع انتشار الفوضى لدى الدوائر الحكومية بمناطق النظام، باتت سرقة العقارات أسهل بعين السماسرة الذين جنوا ملايين الليرات عن طريق تزوير السجلات بالتعاون مع موظفين يتقاضون مبالغ هائلة مقابل تمرير هكذا أوراق بالسجلات.

 

أثبتت عدة تقارير صحفية منها “استقصائية” حجم الكارثة الملقاة على كاهل المهجّرين عن طريق بيع ملكياتهم العقارية دون علمهم بذلك بواسطة شبكات منظمة بينهم محامون وقضاة يعملون على تزوير سندات الملكية وإنشاء وكالات لأشخاص آخرين ومن ثم بيع العقارات.

وأدى ما سبق إلى رفع آلاف الدعاوى القضائية من قبل ملاك العقارات الأصليين طالبوا من خلالها باسترداد عقاراتهم المسلوبة منهم عنوة لكنهم دخلوا في متاهات قانونية لا قرار لها.

 

*ماذا ترك المُهجرون؟

نسبة كبيرة من المهجرين اتخذوا القرار عدم البقاء خوفاً من انتقام النظام، وباتت قضية عودتهم لمنازلهم في ظل وجود نظام الأسد من المستحيلات رغم ما اضطروا لتركه في مناطقهم من أملاك منقولة وغير منقولة.

 

في إحصائية صدرت من مجلس محافظة ريف دمشق التابع للحكومة المؤقتة، أكد مضمونها تهجير النظام بالتعاون مع روسيا أكثر 67 ألف مدني إلى شمال سوريا، بينما هُجر من أحياء حلب الشرقية عام 2016 أكثر من 35 ألف شخص، هذا بالإضافة إلى تهجير آلاف المدنيين من أرياف حمص وحماة واللاذقية.

 

عشرات الآلاف ممن ذكروا بالإحصائيات معظمهم يملكون عقارات وممتلكات أخرى في مدنهم وبلداتهم قبل تهجيرهم منها، وتقدر قيمتها بمليارات الليرات السورية، إضافة إلى الملكيات المنقولة كأثاث المنازل والمركبات والمحال التجارية ومقتنياتها وأموال منقولة أخرى.

اليوم أصبحت تحت تصرف النظام وبعض من موظفيه الساعين إلى جمع ثروات عبر تزوير الوثائق ونقل ملكيات هذه المنازل دون أن يدري حتى أصحابها، وحتى إن علموا، فلا مجال للعودة من أجل رفع دعاوى قضائية لإثبات ملكياتهم لعقاراتهم خوفاً من زجهم بالسجون لحجج كثيرة أقلّها “التعاون مع إرهابيين”.

ولعل ما يزيد من احتمالية طول أمد الانتهاكات التي ينفذها النظام عبر قوانينه ومراسيمه التشريعية بحق ممتلكات المدنيين المهجرين واستحالة رد الحق لأهله، هو خوف الأهالي من العودة، الأمر الذي جعل غالبيتهم يفكرون في الاستقرار بالمناطق الجديدة التي سكنوها شمال سوريا.

وفي أبريل الماضي، أصدر النظام القانون رقم 10 الذي يتضمن “إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر” مع تعويض أصحاب الممتلكات بحصص من المشروع العمراني الجديد في حال أثبتوا ملكياتهم، مناقضاً بشكل واضح المعايير الموضوعة ضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وأثار القانون قلق وحيرة آلاف المدنيين المهجرين ممن يملكون عقارات مسجلة بأسمائهم في المدن والبلدات التي هجروا منها، حيث قطع البعض الأمل من استعادة ممتلكاتهم وسط تقارير تفيد بمنح النظام الجنسية السورية لعدد كبير من الإيرانيين، بينما راجت في الآونة الأخيرة نشاطات الإيرانيين العقارية في مناطق النظام من خلال شراء المنازل والأراضي.

 

*أساليب نهب الملكيات

يشرع موظفون تابعون للنظام يتعاونون مع سماسرة وشبكات تزوير إضافة لمحامين وقضاة في سلب منازل المدنيين المهجرين دون أن يشعروا بذلك، خاصة مع اتباع وسائل لا تحتاج للتواصل مع صاحب العقار الأساسي. ومن هذه الطرق التي انتشرت، تزوير البطاقات الشخصية باسم مالك العقار بعد الاطلاع على ممتلكاته عبر دوائر المصالح العقارية ومعرفة تفاصيل كاملة عن صاحبه من خلال السماسرة، وبعد الاستحواذ على العقار عن طريق وكالة بنيت على أساس البطاقة الشخصية المزوّرة، يتم بيعه وقبض ثمن العقار دون علم مالكه الحقيقي.

لكن الطريقة الآنفة الذكر لسلب ملكيات المدنيين تحتاج لإجراءات كثيرة على عكس الطريقة الأخرى التي اعتمدتها شبكات التزوير، كتزوير توكيل من صاحب العقار الحقيقي لشخص آخر كي يبيع له عقاره بالتعاون مع موظفين ومحامين وخبراء في برامج تعديل الصور وتحريف المعلومات الواردة في الوكالة.

 

 

وفي تحقيق استقصائي أعدّه صحفيون سوريون بدعم من أريج للصحافة الاستقصائية، أكد مضمونه وجود أربع طرق متبعة في سوريا لتزوير الوكالات موضحين صعوبة وسهولة كشف التزوير، وهذه الطرق هي:

-التزوير باستخدام آلات المسح الضوئي

-التزوير باستخدام أختام الكاتب بالعدل المزورة

-التزوير عن طريق تغيير معالم وكالة نظامية

-تزوير الهوية الشخصية

 

وأكد التحقيق الاستقصائي ضلوع قضاة ومحامين وعدد من كتاب العدل في العمل مع شبكات التزوير، الأمر الذي يجعل عقارات المدنيين المهجرين هدفاً لمثل هؤلاء دون مساءلة تعادل حجم الانتهاكات التي تعرض لها مالكو العقارات المهجرين.

 

*آلاف الدعاوى

ينتظر القضاء السوري مستقبلاً تحديات جمة وخاصة القضاء المدني الذي سيواجه آلاف الدعاوى المدنية التي تحتاج البت فيها في مجالات إثبات ملكية العقار والتعويضات المستحقة والعقوبات الموجهة للمزورين والمستغلين والمستخدمين للعقارات بدون وجه حق.

لكن ما يزيد صعوبة عمل القضاء المدني في المستقبل عوامل كثيرة أبرزها ضياع وتلف العديد من الوثائق التي تثبت ملكية المدعي لعقاره بسبب الظروف التي مروا بها.

أما القضايا الأصعب مما سبق، فهي تتبع ملكية العقار إن كان قد بيع أكثر من مرة في ظل المرحلة الراهنة، الأمر الذي يجعلنا أمام فرضية من الممكن أن تزيد من حجم خطر فقدان ملكيات المدنيين المهجرين وهي طول أمد هذه الانتهاكات وعدم معالجتها في المستقبل القريب، لاسيما إن انتقلت ملكية العقار عبر أشخاص عديدين.

وتزداد التحديات التي ستتجسد في معالجة ملكيات مدنيين تقدر قيمتها بمليارات الليرات أمام رجال العدالة مع تعدد أساليب السلب التي تتبعها شبكات التزوير من جهة، والنظام عبر قوانينه من جهة أخرى.

ومن المحتمل أنّ أكثر الاختيارات ملائمة لعمل القضاء في المستقبل اعتبار القوانين والمراسيم الصادرة عن النظام في وقت الحرب ملغية ولا تحمل أي أثر قانوني، لكن أيضاً ستخلق أمامهم صعوبات جديدة تتجسد بإثبات عمليات البيع والشراء الحقيقية وكشف الصورية منها في السنوات السبع الماضية.

 

 

 

*تحذيرات

في الشهر الخامس من العام الحالي، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريراً اعتبرت فيه أن القانون رقم 10 الصادر عن نظام الأسد تصل آثاره إلى حد الإخلاء القسري بحق المالكين ومصادرة أملاك من لا يملكون حقوق ملكية معترف بها، مؤكدة وفق آراء خبراء قانونيين بمجال الشؤون العقارية أن القانون رقم 10 ليس قانونياً.

ويخالف القانون ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالإضافة إلى الميثاق العربي الذين ينص على عدم جواز مصادرة الأموال كلها أو بعضها بصورة تعسفية أو غير قانونية في أي حال من الأحوال.

وطالبت المنظمة حلفاء نظام الأسد “روسيا وإيران” على حثّه لإلغاء القوانين الإشكالية التي تشكل عقبات أمام عودة المهجرين مثل القانون رقم 10 وقانون مكافحة الإرهاب عام 2012 والمرسوم رقم 66.

وبعد ما سببه القانون رقم 10 من جدل واسع بين أواسط المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية من جهة ووسائل الإعلام من جهة أخرى، أجرى النظام تعديلات على بعض البنود أبرزها تمديد المدة الزمنية التي تخول صاحب العقار إثبات ملكيته للعقار خلال سنة بعدما كانت شهراً، إضافة إلى إمكانية إثبات الملكية عن طريق تكليف أقارب صاحب العقار حتى الدرجة الرابعة.

ولا يثق السوريون المهجرون ممن سلبت ملكيات عقاراتهم أو باتت في دائرة الخطر بسبب القرارات والمراسيم الدورية بنوايا النظام حتى لو كانت إجراءات إثبات الملكية سهلة ويسيرة، وفق ما يؤكده وزير خارجية النظام، وليد المعلم.

كل ما سبق يقودنا إلى طريق واحد صالح لمعالجة هذه الانتهاكات، وهو إبعاد النظام برموزه القيادية عن السلطة وترشيح هيئات مستقلة بإشراف دولي تدير البلاد قضائياً، فعلى الأقل يعود الأمل لمن سلبت ممتلكاتهم بإعادتها ولو تتم معالجة الكارثة بشكل نسبي.

ولايزال قسم كبير من السوريين يحتفظون بمفاتيح منازلهم ومحالهم التجارية التي تركوها خلفهم بعد تهجيرهم قسراً من مدنهم وبلداتهم، آملين أن يأتي اليوم الذي يعودون فيه لمناطقهم دون أن يفقدوا أياً من ممتلكاتهم.

 

المزيد للكاتب

هنا