التعذيب النفسي: إجبار المعتقلين على مشاهدة الاغتصاب، التهديد بالاغتصاب، مشاهدة الموت تحت التعذيب، التهديد باعتقال الزوجة وتعرية المحارم، والتهديد بالذبح، والتعرية، ووضع المعتقل مع شخص في النزع، أو وضعه مع شخص ميت
12 / نيسان / أبريل / 2019
*مع العدالة – اللجنة القانونية
أسفرت سياسات النظام في ممارسة التعذيب الممنهج وإلحاق الألم الشديد والمعاناة البدنية والعقلية بالمعتقلين تعسفاً إلى مقتل آلاف المعتقلين، والذين تم نشر أسماء بعضهم وصورهم المروعة، والتي تدل على ارتكاب عناصر النظام انتهاكات فظيعة بحق المدنيين السوريين، حيث شاهد العالم أجمع عشرات الآلاف من الصور والتوثيقات التي سميت بملف “سيزر” أو “قيصر”، والتي أثبتت ممارسة المؤسسات الأمنية للنظام جريمة التعذيب وفق التعريف المحدد في الفقرة (و/1) من المادة (7) من ميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية.
جدير بالذكر أن الجمهورية العربية السورية قد انضمت في آب 2004 إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة الصادر عام 1984، وبمصادقتها عليه أصبحت بنود تلك المعاهدة ملزمة لها ونافذة بحقها.
وكان “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” قد نص في مقدمته على أن الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، كما عززت بنوده تلك المفاهيم، حيث أكدت في المادة (3) أنه: “لكل فرد الحق في الحياة والحرية والأمان على شخصه”، ونصت المادة (4) على أنه: “لا يجوز استرقاق أحد واستبعاده”، كما أشارت المادة (5) إلى: “الحق في عدم التعرض للتعذيب أو لأي ضرب آخر من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”، وكذلك المادة (9) التي نصت على أنه: “لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً”، والمادة (11) التي أكدت أن: “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”.
وأكدت المادة (7) من “العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية” لعام 1966، على أنه: “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة”، كما نصت المادة (3) من “إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975، على أنه: “لا يجوز لأي دولة أن تسمح بالتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو أن تتسامح فيه. ولا يسمح باتخاذ الظروف الاستثنائية، مثل حالة الحرب أو خطر الحرب أو عدم الاستقرار السياسي الداخلي أو أية حالة طوارئ عامة أخرى، ذريعة لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”.
وعرفت المادة (1) من “اتفاقية مناهضة التعذيب” لعام 1984، بأنه: “أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما يقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبة أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.
ولضمان التزام سائر الدول الأطراف بذلك؛ نصت المادة (2) على ضرورة أن: “تتخذ كل دولة طرف إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي”، كما أكدت على أنه: “لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديد بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب”، وأنه: “لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب”.
وطالبت المادة (4) من الاتفاقية بأن: “تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأية محاولة لممارسة التعذيب وعلى قيامه بأي عمل آخر يشكل تواطؤ ومشاركة في التعذيب”، وأن: “تجعل كل دولة طرف هذه الجرائم مستوجبة للعقاب بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار طبيعتها الخطيرة”.
وعلى الصعيد نفسه؛ نصت المادة (35) من دستور الجمهورية العربية السورية على أنه: “لا يجوز تعذيب أحد أو معاملته معاملة مهينة ويحدد العقاب بموجب القانون”، كما أكدت المادة (54) على أن: “كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة يعد جريمة يعاقب عليها القانون”.
كما نصت المواد (391، و541، و542، و543) من قانون العقوبات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي (148/1949) على: معاقبة من يلحق الإيذاء قصداً بشخص ما، وأكدت نصت المادة (535) على أنه يعاقب بالإعدام على القتل قصداً كل من ارتكب القتل عمداً”.
وعلى الرغم من التزام النظام ببعض الاتفاقيات الدولية، ونص دستوره على حرمة التعذيب، والقوانين الصادرة بمعاقبة من يرتكب تلك الجناية؛ إلا أن مؤسسات النظام قد دأبت على ممارسة التعذيب بشتى صوره وبصورة ممنهجة ضد المدنيين، وخاصة في السنوات السبع الماضية، حيث وثقت لجان التحقيق الدولية و”لجنة مناهضة التعذيب” و”مجلس حقوق الإنسان” ومنظمات حقوقية وإنسانية منها “هيومان رايتس ووتش” و”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” آلاف الانتهاكات التي تم تفصيلها في تقارير صدرت عنها بجرائم التعذيب التي مارستها المؤسسات الأمنية في معتقلات النظام وفروعه الأمنية.
فبعد مرور عام ونصف على اندلاع الاحتجاجات الشعبية، كانت قوات النظام قد اعتقلت أكثر من 195000 ألف مدني، بينهم نحو 60000 مختف قسرياً، و9000 آلاف طفل دون الثامنة عشرة، و4500 امرأة، ونحو 1200 طالبة جامعية، ونحو 35000 ألف طالب جامعي، قتل منهم تحت التعذيب حتى تاريخ 31/12/2012 أكثر من 1215 معتقلاً، بينهم 34 طفلاً، و17 امرأة، و23 مسناً، من مختلف المحافظات السورية.
وتنوعت أساليب التعذيب التي مارسها عناصر النظام في المعتقلات والفروع الأمنية، أبرزها:
1-وضعيات التعذيب: الشَبِح، والدولاب، وبساط الريح، والصلب، والتعليق، وتهشيم العظام، والكرسي الكهربائي، والكرسي الألماني.
2-ألوان التعذيب: الضرب، وقلع الأظافر، ونتف الشعر، وانتزاع اللحم، والاغتصاب، وتقطيع الأعضاء، وحرق الجلد، والتعريض للبرد القارس، ومنع الرعاية الطبية، والحرمان من دخول الخلاء، وتكديس المعتقلين في غرف صغيرة، وسكب الماء البارد، وتكسير الأضلاع، ومنع المعتقلين من الماء والغذاء، والوقوف الطويل، وصبّ الزيت المغلي والماء الساخن على الأرجل، وقص الأذن، وتكبيس الأذن والأنف، والتعليق في الهواء، والصعق بالكهرباء.
3-التعذيب النفسي: إجبار المعتقلين على مشاهدة الاغتصاب، التهديد بالاغتصاب، مشاهدة الموت تحت التعذيب، التهديد باعتقال الزوجة وتعرية المحارم، والتهديد بالذبح، والتعرية، ووضع المعتقل مع شخص في النزع، أو وضعه مع شخص ميت، وتوجيه الشتائم والألفاظ البذيئة، وإهانة معتقدات المعتقل، وأمر المعتقلين بالسجود لصورة بشار الأسد، وإيهام بعضهم بالإفراج عنهم بهدف إجبارهم على الاعتراف بأمور لم يرتكبوها، فضلاً عن ممارسة انتهاكات شنيعة ضد المرضى من المعتقلين وتعرضهم للضرب والتعذيب الممنهج من قبل أطباء المعتقل.
ومن أشد الأفرع الأمنية ضراوة ووحشية في ممارسة التعذيب ضد المعتقلين تعسفياً:
- فرعي المخابرات العسكرية 215 و227
- فرع المخابرات الجوية في المزة
- فرع الأمن السياسي بحلب
- فرعي المخابرات الجوية وأمن الدولة بحلب
- فرع المخابرات العسكرية في حمص
- فرع المخابرات الجوية في حماه
- فرع المخابرات الجوية في درعا
وذلك على سبيل المثال لا الحصر، إذ إن ممارسة التعذيب كانت ولا تزال شائعة في مختلف السجون والمعتقلات والأفرع الأمنية دون استثناء.
ونتيجة لتلك الانتهاكات الممنهجة ارتفع عدد القتلى جراء التعذيب في صفوف المعتقلين خلال نهاية عام 2013 إلى 2305 مدني، بينهم 80 طفلاً و25 امرأة، و51 مسناً، ينتمون إلى مختلف المحافظات السورية.
ثم ارتفع عدد القتلى في الاعتقال نهاية عام 2014، إلى 5854 مدنياً، بينهم 96 طفلاً، و34 امرأة، كما تضمنت قائمة القتلى إعلاميين ومهندسين ومحامين وأطباء وطلاب جامعيين، وغيرها من المهن.
ولم يكن عام 2015 أقل دموية من سابقيه، حيث قتل في معتقلات النظام أكثر من 1546 مدنياً، بينهم 7 أطفال، و4 سيدات.
وبلغ عدد القتلى تحت التعذيب عام 2016 إلى أكثر من 476 مدنياً بينهم طفلان و7 سيدات، ليرتفع عدد ضحايا التعذيب من بداية الثورة حتى حزيران 2016 إلى 12596 شهيداً قضوا تحت التعذيب، بينهم 160 طفلاً و69 امرأة من شتى محافظات القطر السوري.
وفي عام 2017 قتل تحت التعذيب في معتقلات النظام أكثر من 211 مدنياً، وارتفع عدد القتلى عام 2018 ليبلغ 925 مدنياً، بينهم طفل وسيدتان ليتجاوز مجموع عدد القتلى جراء التعذيب بحلول شهر أكتوبر 2018 إلى أكثر من 14000 مدني، بينهم 164 طفلاً، و70 امرأة.
جدير بالذكر أن هذه الإحصائيات تقتصر على تعداد القتلى تحت التعذيب، دون محاولة استقصاء المجموع الكلي للضحايا من الذين تعرضوا لشتى الإصابات الجسدية والنفسية أو الذين خرجوا معاقين جراء التعذيب، الأمر الذي ينافي سائر القوانين الوطنية، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بمناهضة التعذيب والقانون الإنساني الدولي والعهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية، ويمكن مشاهدة الأنماط المختلفة من التعذيب في التقارير التي تم نشرها في غضون السنوات السبع الماضية فضلاً عن نحو 50 ألف صورة تم نشرها في ملف “قيصر”.
وتؤكد شهادات الناجين وتقارير لجان التحقيق والمنظمات الدولية أن أجهزة أمن النظام قد مارست جرائم القتل العمد والقتل العمد الجماعي بصورة ممنهجة، كما ارتكب عناصرها جرائم التعذيب المفضي إلى القتل، كما عمد النظام إلى إصدار أحكام بالإعدام ومن ثم تنفيذها دون وجود حكم سابق صادر عن محكمة مشكلة تشكيلاً نظامياً تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف عموماً بأنه لا غنى عنها، الأمر الذي يصنف ضمن جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب.
جدير بالذكر أن مصادقة الجهورية العربية السورية على اتفاقية مناهضة التعذيب يضع نظام بشار الأسد تحت طائلة القانون الدولي وفق مفهوم “الولاية القضائية الدولية”، حيث نص البند (ج) من المادة الخامسة من الاتفاقية على إمكانية أن تطال الولاية القضائية من يرتكب جرائم التعذيب بحق مواطني أية دولة أخرى. وبناء على ذلك البند قبلت العديد من المحاكم الأوروبية دعاوى مرفوعة من قبل مواطنيهم ضد النظام، وعلى رأسهم ألمانيا، وفرنسا التي أصدرت مذكرات اعتقال بحق ثلاثة من رموز المؤسسة الأمنية، نتيجة وفاة اثنين من رعاياها في معتقلات النظام تحت التعذيب. الأمر الذي يدعونا للمطالبة بتذكير سائر دول العالم الحر على ضرورة تغليب العدالة على السياسة، وعلى محاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وفي مقدمتهم بشار الأسد وقادته الأمنيين والعسكريين بهدف الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.