جدير بالذكر أن أهداف من عمليات الحصار تلك تعددت، إلا أن السمة الأبرز لها كانت دفع المدنيين للقبول بسلطة النظام القمعية، علماً بأن "منظمة العفو الدولية" قد وصفت تلك العمليات باستراتيجية "الاستسلام أو الموت جوعا"
18 / كانون أول / ديسمبر / 2018
*مع العدالة – اللجنة القانونية
يخالف ﺍﻟﺤﺼﺎﺭ الاقتصادي للمدنيين كلاً من: القانون ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﻭﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﻟﺤﻘﻮﻕ الإنسان، ﻭﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ الإنساني ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، إذ لا يسوّغ في القانون الدولي فرض ﺍﻟﺤﺼﺎﺭ ﺗﺤﺖ ﻣﺴﻤﻰ “ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺎﺕ ﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ” ﺇﻻ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ تتمثل في إقرار ذلك عن طريق ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ وفق المادة (41) ﻣﻦ ﻣﻴﺜﺎﻕ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ، ﻭﻭﻓﻖ معايير ومحددات وتدابير تضمن حفظ الأمن ﻭﺍﻟﺴﻠﻢ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﻴﻦ ﺃﻭ ﺇﻋﺎﺩﺗﻬﻤﺎ، ﻭﺃﻥ يأتي ذلك الإجراء بالتزامن مع اتخاذ إجراءات أخرى تضمن ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ.
ولا ينطبق أي من هذه المعايير على جرائم الحصار التي ارتكبها بشار الأسد ونظامه ضد المدنيين في مختلف المحافظات والمناطق السورية، إذ إن الأصل ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺼﺎﺭ ﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺃﻧﻪ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ ﻣﻘﻴﺪﺓ، ﻭﺇﺫﺍ شمل منع ﺗﻮﻓﻴﺮ ﺍلاﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ الأساسية ﻟﻠﺴﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ ﻋُﺪّ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﻓﻘﻪ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ الإنساني ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺆﺧﺬ ﺑﻌﻴﻦ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺼﻠﺔ ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ، بما في ذلك ﺣﻈﺮ ﺗﺠﻮﻳﻊ ﻭﺣﺮﻣﺎﻥ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ الإمدادات ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ ﻟﺤﻴﺎﺗﻬﻢ، ﻭتمكينهم من ﺗﻠﻘﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺍﺕ الإنسانية، والسماح بمرور ﺍﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻤﻨﺸﺂﺕ، ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﻤﻼﺑﺲ، ﻭتوفير ﺍﻟﻤﻘﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ للأﻃﻔﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﺤﻮﺍﻣﻞ.
وقد نصت ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﺎﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ على أنه: “ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺑﺄﻱ ﺣﺎﻝ ﺣﺮﻣﺎﻥ ﺃﻱ ﺷﻌﺐ ﻣﻦ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻋﻴﺸﺘﻪ الخاصة”.
حصار المدنيين في سوريا بصفتها عقوبة جماعية:
إن ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺤﺼﺎﺭ ﻭﻣﻨﻊ ﻣﺮﻭﺭ ﺍﻟﺒﻀﺎﺋﻊ التي اتبعها النظام في السنوات السبع الماضية ﺗﻤﺜﻞ نمطاً من أشكال ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ يحظرها ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ الإنساني ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، ﺧﺎﺻﺔ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺟﻨﻴﻒ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻟﻌﺎﻡ 1949 ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ ﻭﻗﺖ ﺍﻟﺤﺮﺏ، ﺣﻴﺚ ﺗﺆﻛﺪ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ (33) ﻣﻦ ﺍلاﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻊ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﺗﺪﺍﺑﻴﺮ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺿﺪ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ ﻭﻣﻤﺘﻠﻜﺎﺗﻬﻢ، وتمنع حصارهم باعتبار ذلك نمطاً من ﺇﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﺍلاﻗﺘﺼﺎﺹ ﺃﻭ ﺍﻟﺜﺄﺭ ﺃﻭ ﻣﻌﺎﻗﺒﺔ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ.
وﻧﺼﺖ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ (54) ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﻮﻛﻮﻝ ﺍﻹﺿﺎﻓﻲ ﺍﻷﻭﻝ ﺍﻟﻤﻠﺤﻖ ﺑﺎﺗﻔﺎﻗﻴﺎﺕ ﺟﻨﻴﻒ ﻋﻠﻰ أنه: “ﻳﺤﻈﺮ ﻣﻬﺎﺟﻤﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﻭﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻏﻨﻰ ﻋﻨﻬﺎ ﻟﺒﻘﺎﺀ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ، كالمواد ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ تنتجها، والمحاصيل ﻭﺍﻟﻤﺎﺷﻴﺔ ﻭﻣﺮﺍﻓﻖ ﻣﻴﺎﻩ ﺍﻟﺸﺮﺏ… ﻣﻬﻤﺎ كانت البواعث، سواء أكانت ﺑﻘﺼﺪ ﺗﺠﻮﻳﻊ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ، ﺃﻭ حملهم ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺰﻭﺡ، ﺃﻭ لأية بواعث أخرى”.
ﻛﻤﺎ يعد حصار المدنيين ﺟﺮﻳﻤﺔ ﺇﺑﺎﺩﺓ ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺟﺮﻳﻤﺔ ﺿﺪ الإنسانية وجريمة حرب، ﻃﺒﻘﺎً ﻟﻠﻤواد (6 الفقرة ج، 7 ب وك، المادة 8 الفقرة ب/25) ﻣﻦ نظام روما الأساسي ﻟﻠﻤﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻴﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ، حيث ﺗﺆﻛﺪ ﺍﻟﻤﺎﺩﺗﺎﻥ (55 و56) ﻣﻦ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺟﻨﻴﻒ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺿﻤﺎﻥ ﺗﺪﻓﻖ الإمدادات ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻭﺍﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﺪﻣﻴﺔ، وتنص القاعدة العرفية (53) على أنه: “يحظر تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب”.
وعلى الرغم من صدور القرار رقم (2139/2014) عن مجلس الأمن الدولي بالإجماع في 22/2/2014؛ والذي: “يلزم كافة الأطراف وخاصة نظام بشار الأسد بالسماح للوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركائها التنفيذيين بالوصول إلى من هم بحاجة للمساعدة بسرعة وأمان ودون معوقات” إلا أن النظام أمعن في ارتكاب جرائم حصار المدنيين وتجويعهم ومنع المساعدات الإنسانية عنهم لإجبارهم على الاستسلام له والخضوع لفروع مخابراته القمعية.
واستمر النظام في انتهاكاته كذلك على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن الدولي (2254/2015) بالإجماع في 18/12/2015، والذي نصت الفقرة (12) منه على: “يدعو الأطراف إلى أن تتيح فوراً للوكالات الإنسانية إمكانية الوصول السريع والمأمون وغير المعرقل إلى جميع أنحاء سورية ومن خلال أقصر الطرق، وأن تسمح فوراً بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم بحاجة إليها”، لكن النظام لم يمتثل لذلك القرار واستمر في ارتكاب جرائم الحصار المروعة ما أسفر عن مقتل المئات جوعاً، وتهجير مئات الآلاف قسراً نحو الشمال السوري.
ومن أبرز جرائم الحصار التي فرضتها قوات النظام والميليشيات الموالية ضد المدنيين ما يلي:
- حصار معضمية الشام، والذي بدأ في 18/11/2012، حيث تم منع إدخال الغذاء والدواء والمحروقات وكافة الاحتياجات الأساسية لأكثر من 12000 ألف نسمة بينهم 7000 طفل وامرأة، مع قطع تام للكهرباء، ما أسفر عن مقتل 11 مواطناً بينهم عشر سيدات جوعاً، وانتهت جريمة الحصار تلك بجريمة أخرى هي التهجير القسري لسكان معضمية الشام إلى إدلب في 19/10/2016.
- حصار الحجر الأسود، والذي بدأ في 13/12/2012، واستمر حتى 8/6/2013، ما أسفر عن مقتل 416 من المدنيين المحاصرين، ثم أقدم النظام على اقتحام الحي بعد قصفه، وقام باعتقال نحو 27 ألف مواطن للاعتقال ومات منهم العشرات تحت التعذيب، ولا يزال نحو 150 منهم في عداد المفقودين.
- حصار قدسيا، الذي بدأ في 14/10/2013، واستمر حتى آب 2016، حيث تعرض نحو 400 ألف مدني للحصار نصفهم من النساء والأطفال، بينهم نحو 8100 طفل دون سن العامين، وعمدت قوات النظام إلى نشر قناصة في المباني المجاورة لمنع أية محاولة لتهريب حليب الأطفال أو إدخال الغذاء والدواء والمحروقات، وانتهت جريمة الحصار بجريمة أخرى هي التهجير القسري لأهالي الهامة وقدسيا إلى الشمال السوري.
- حصار الغوطة الشرقيةـ الذي بدأ في 19/11/2013، وشمل: دوما، وعدرا، والضمير، والريحان، وحرستا، وزملكا، وعربين، وحمورية، والعتيبة، والعبادة، والأحمدية، وحران العواميد، والمليحة، وشبعا، ودير العصافير، وزبدين، وعين ترما، والبحارية، والقيسا، وتم إطباق الحصار على المنطقة بأسرها من خلال تطويق المنطقة وإنشاء ثلاثة حواجز على مداخلها الرئيسة وهي: حاجز المليحة، وحاجز جرمانا، وحاجز مخيم الوافدين، وشمل الحصار أكثر من مليون ومائة ألف مدني بينهم 350 ألف طفل منهم نحو 70 ألف رضيع، وأسفر نقص التغذية والدواء عن مقتل أكثر من 397 مدنياً منهم 206 أطفال أغلبهم حديثو الولادة، ونحو 67 امرأة. كما تم قنص نحو 74 شخصاً حاولوا الوصول إلى السوق الواقعة في مخيم الوافدين قرب دوما، كما أصيب عشرات الآلاف بالتيفوئيد والتهاب الكبد نتيجة تلوث مياه الآبار والأطعمة والهواء، وتفشى مرض السرطان نتيجة تلويث المنطقة واستهدافها بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية، حيث أصيب نحو 543 شخصاً بالسرطان توفي العديد منهم بسبب عدم توفر الجرعات. واستمر الحصار حتى شهر شباط 2018، حيث شنت قوات النظام وحلفاؤه عملية برية وجوية واسعة النطاق، شملت قصف دوما بالسلاح الكيميائي، وأسفرت عن مقتل أكثر من 1630 مدنياً، بينهم 330 طفلاً، وتهجير عشرات الآلاف قسراً إلى الشمال.
- حصار مضايا، الذي بدأ في أواخر عام 2013 واستمر حتى 12 نيسان 2017، حيث أقدمت قوات النظام على تطويق المنطقة وإنشاء حواجز على مداخلها الرئيسة المتمثلة في: حاجز كازية نبع بردى، وحاجز الوزير، وحاجز المطحنة، وأسفر عن تهجير سكان مضايا والزبداني قسراً إلى الشمال.
- حصار حاجز الشعبة، الذي بدأ في تموز 2015، واستمر حتى كانون الثاني من العام نفسه، حيث قامت قوات النظام بتطويق المنطقة، ومحاصرة أكثر من 43 ألف مدني، بينهم 300 عائلة نازحة من الزبداني، ما أدى إلى مقتل نحو 29 مدني.
- حصار حي الوعر في مدينة حمص، الذي بدأ في 10/10/2013، واستمر حتى آذار 2017، حيث تمت محاصرة أكثر من 15 ألف عائلة، وفرض سياسة التجويع ومنع دخول الغذاء والدواء والمحروقات إلى الحي، ومن ثم تهجير السكان قسراً.
- حصار حلب، الذي ابتدأ في مطلع عام 2016، واستمر حتى 16/12/2016، وشمل نحو 300 ألف مدني، حيث أقدمت قوات النظام على تطويق الأحياء الشرقية من مدينة حلب وإنشاء حواجز على مداخلها الرئيسة في: طريق حلب دمشق الدولي، والراموسة، ومدخل حلب الجديدة البحوث العلمية، والشيخ سعيد، وطريق خناصر معامل الدفاع، والكاستيلو، وانتهى الحصار بتهجير سكان الأحياء الشرقية من المدينة عقب حملة عسكرية شاركت فيها القوات الروسية والإيرانية والميليشيات الموالية، وتضمنت قصف المدارس والمستشفيات وتسميم مصادر المياه، ومنع الغذاء والدواء، وأسفرت العملية عن مقتل نحو 171 مدنياً بينهم 27 طفلا و26 سيدة، وأتبع النظام جريمتي الحصار وقصف المناطق الآهلة بالسكان بتهجير عشرات الآلاف قسراً من سكان حلب نحو الشمال الغربي.
- حصار داريا، الذي بدأ في 15/11/2012، واستمر حتى 26/8/2016، حيث فرضت قوات النظام حصاراً خانقاً على المدنيين، ومنعت دخول الغذاء والدواء والمحروقات، وقامت بعمليات قصف يومي بالبراميل المتفجرة، وبالصواريخ والأسلحة الكيميائية والحارقة، وذلك بهدف فصل داريا عن المعضمية، وتم في تلك المرحلة توثيق أكثر من 9 حالات موت جوعاً، وأكثر من 4311 حالة اختفاء قسري، ومقتل نحو 817 مدني، بينهم 67 طفلاً و98 سيدة، و56 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية، وإلقاء أكثر من 7846 برميلاً متفجراً، وشن 8 هجمات كيمائية و3 هجمات بالذخائر العنقودية، وانتهت تلك الجرائم بجريمة تهجير سكان درايا قسراً إلى الشمال.
- حصار مخيم الركبان على الحدود السورية-الأردنية، الذي بدأ في مطلع تشرين الأول 2018، حيث عمدت قوات النظام وحلفاؤه إلى إحكام حصار غير إنساني على أكثر من 67000 ألف مدني لجأوا إلى مخيم الركبان الحدودي، وذلك عبر التجويع ومنع كافة المقومات الأساسية للحياة الأساسية خاصة المياه والدواء، بهدف دفعهم لتسليم أنفسهم، ما أسفر عن مقتل نحو 14 مدنياً بينهم أربعة أطفال وامرأتان وثلاثة رجال و خمسة من كبار السن.
جدير بالذكر أن أهداف من عمليات الحصار تلك تعددت، إلا أن السمة الأبرز لها كانت دفع المدنيين للقبول بسلطة النظام القمعية، علماً بأن “منظمة العفو الدولية” قد وصفت تلك العمليات باستراتيجية “الاستسلام أو الموت جوعا”، في حين وصفها مجلس الأمن بمصطلح “التكتيك الوحشي”، حيث خضع نحو 4.6 مليون سوري لتلك الجريمة على يد قوات النظام، وحمل القرار (2139) السلطات السورية مسؤولية انتهاكات واسعة النطـاق لحقوق الإنـسان والقـانون الإنـساني الدولي، وعلى الرغم من صدور القرارات (2139، و2165، و2191، و2254، و2258) من قبل مجلس الأمن إلا أنها بقيت جميعها حبراً على ورق، ولم يبذل المجتمع الدولي جهوداً تذكر لمنع النظام من الاستمرار في انتهاك القوانين الدولية والاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان ووقف جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري.
ولا شك في أن الانتهاكات التي رافقت تلك العمليات الوحشية تصنف ضمن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وتعتبر مخالفة لميثاق ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ 1945، وللإعلان ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﺤﻘﻮﻕ الإنسان 1948، وللعهد ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﺎﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ 1966، ﻭلاتفاقيات ﺟﻨﻴﻒ ﺍﻷﺭﺑﻊ 1949، وللبروتوكول ﺍﻹﺿﺎﻓﻲ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻌﺎﻡ 1977 ﺍﻟﻤﻠﺤﻖ ﺑﺎﺗﻔﺎﻗﻴﺎﺕ ﺟﻨﻴﻒ، وللقانون ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻭﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ الإنساني ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، وﻳﺠﺐ ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ﻣﺮﺗﻜﺒﻴﻬﺎ وفق ﻗﻮﺍﻋﺪ ﻭﻣﺒﺎﺩﺉ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻲ وفق المادتين (6 و7 و8) ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ الأساسي ﻟﻠﻤﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻴﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ.