أوضح القاضي شهاب الدين أن كل ذلك يدل على أن هناك تناغماً بين النظام ومايسمى الإدارة الذاتية، وكل منهما يأخذ من الآخر ما يفيده في سلب أملاك السوريين.
15 / آب / أغسطس / 2020
*مع العدالة | شمس الحسيني
أصدرت “الإدارة الذاتية” في شمال سوريا منذ أيام قانوناً يحمل اسم “حماية وإدارة أملاك الغائب”، خلال غياب لأي موقف سوري، من كافة الأطراف.
وكان رد الفعل الوحيد والخجول على هذا الإجراء، هو من المحامين المقيمين داخل المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، والذين اكتفوا أيضاً بإبداء التحفظات على القانون؛ ووصف البعض هذا القانون بأنه “نوع من الاستيلاء على أملاك المغتربين”.
وقد أوضحوا بحسب آرائهم بأنه يشكل “اعتداءً على حرية التصرف بالأملاك الخاصة” التي تكفلها الدساتير في كل بقاع الأرض. وتباينت الآراء فيما بينهم، حيث قال آخرون إنه يجب عدم المبالغة في وصف القانون. وجاء في نص القانون، تشكيل لجنة لحماية أملاك الغائب، وتشير كلمة الغائب هنا إلى كل من غادر سوريا مدة سنة، أو أكثر “بقصد الإقامة الدائمة”، ونص القانون على تعريف الغائب بأنه: “كل من يحمل الجنسية السورية أو ما في حكمها ويقيم إقامة دائمة خارج حدود سوريا، ولا يقيم أحد من أقاربه من الدرجة الأولى أو الثانية في سوريا”.
ويكلف القانون اللجنة المسؤولة عن حماية أملاك الغائب بإدارة “استثمار” أملاكه طيلة فترة غيابه، ويفقد الغائب حقه في التصرف بأملاكه “دون المساس بأصل الحق”.
وفي لقاء خاص أجرته “مع العدالة” مع القاضي خالد شهاب الدين، المستشار القانوني، حول هذا القانون الجائر تحدث قائلاً: “من الناحية الشكلية للقانون ليست هناك سلطة تشريعية قامت بإصداره، وليس لدى ما يسمى الإدارة الذاتية الانفصالية أي حق بإصدار القوانين، وفرضها على الشعب لأنها ليست منتخبة من قبله”.
وتابع القاضي خالد شهاب قائلاً:”من الناحية الموضوعية هو تعدٍ واضح وصارخ، ومشابه للقانون (10) لدى النظام، وخاصةً أن هناك بعض المواد التي تتحدث عن اقتطاع ربع المساحة، في حال قام المالك بأي إجراء في السجل العقاري خلال عام”.
وأشار إلى أهداف هذا القانون بقوله:”هو قانون هدفه شبيه بهدف القانون (10) للاستيلاء على أملاك الغائبين” .. ولفت إلى أن “ليس هناك الآن قضاء مستقل حيادي في تلك المناطق لحفظ حقوق المالكين الحقيقيين في السجل العقاري أو وفق العقود”.
وأكد أن هذا القانون :”هو للاستيلاء على أملاك الغائبين بطريقة حاولوا أن تكون قانونية”. كما وطرح سؤالاً حول إصدار هذا القانون: “من هي السلطة التشريعية التي أصدرت هذا القانون، ومن هي السلطة السياسية التي تبنته؟”.
وأردف قائلاً:” ما هو الدستور الذي استندت إليه الإدارة الذاتية من أجل إصدار القوانين، وما هو العقد الاجتماعي الذي اتفق عليه الشعب السوري، والذي هو أساس لكل القوانين التي تصدر في سوريا؟”
وذكر القاضي شهاب الدين أن هذا القانون انتهاك صارخ للمادة (2) والمادة (17) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وللحقوق الخاصة بشأن الإنسان وخاصة موضوع التملك، والملكية الخاصة والاستيلاء عليها”. ولفت إلى أنهم يعلمون جيداً أن اللاجئين والغائبين غير قادرين على الحضور للدفاع عن ملكيتهم، واعتبر أن هذا استغلال لغيابهم، من قِبل سلطة غير شرعية أساساً، موجودة في تلك المنطقة، لا يحق لها أبداً إصدار هكذا قوانين.
وأشار إلى أن المشكلة الأخرى التي يواجهها الغائب هي عدم وجود مؤسسات حقيقية يلجأ إليها من أجل استعادة حقه المسلوب بمثل هذه القوانين.
مظاهرات ضد “قوات سوريا الديمقراطية – قسد” في مدينة الشحيل بريف ديرالزور الشرقي تندد بانتهاكاتها وجرائمها ضد المدنيين
وتابع:” هذه القوانين سبيهة بمثيلتها التي تصدر عن نظام بشار الأسد المستبد القمعي، حيث أصدر ليس فقط القانون رقم (10) بل احتال على نصوص قانونية متعلقة بالغائب من أجل الاستيلاء على عقارات المعتقلين الذين توفوا، والغائبين والمهجرين الذين لم يعودوا، والمفقودين في الحرب”.
وأوضح القاضي شهاب الدين أن كل ذلك يدل على أن هناك تناغماً بين النظام ومايسمى الإدارة الذاتية، وكل منهما يأخذ من الآخر ما يفيده في سلب أملاك السوريين.
- ثم نوّه حول النتيجة التي يريد إيصالها من ذكر ما سبق، أن هذه القوانين هي غير شرعية، وليس لها أي مستند دستوري، أو قانوني ترتكز إليه.
وذكر أن لأحكام الغائب شروطاً وهناك أركان، لا تنطبق على الوضع الحالي في سوريا، وقال:” نحن الآن في حالة حرب، والبلاد في حالة فوضى، لا يمكن خلالها تطبيق قانون الغائب . وحتى ضمن القانون السوري لدى النظام، والذي ينص على إدارة أملاك الغائب، لا يمكن تطبيق هذه القوانين إلا بعد انتهاء هذا الوضع، وتحقيق الانتقال السياسي، والبدء بالمرحلة الانتقالية، حينها يمكن تطبيق القوانين الخاصة بموضوع الأملاك المنقولة وغير المنقولة”.
وبيّن أن الأمر هو استغلال للظرف الراهن، وابتعاد السوريين عن أملاكهم قسراً، بسبب التهجير القسري، والتغيير الديموغرافي، وبسبب الظروف الإنسانية التي منعتهم من أن يكونوا بالقرب من أملاكهم.
وأكد أن فترة الغياب سنة لا تبدأ من الآن، بل تبدأ بعد انتهاء الحرب تماماً، وضمن بيئة مستقرة. ولفت إلى أن اقتطاع حصص عقارية من الأراضي هو غير شرعي، طالما هناك ورثة للغائب في حالة موته مثلاً، موجودون في أي مكان أو أي دولة حول العالم. إذن، لا يمكن أن تقوم هذه الإدارة بسلخ أي جزء من تلك الأراضي، ولا يوجد مستند قانوني لذلك طالما أنها مسجلة في السجل العقاري، أو أن هناك عقوداً تحفظ هذه الملكية.
جنديان من “قوات سوريا الديمقراطية_ قسد” يقفان إلى جانب عربة عسكرية تابعة للاحتلال الأمريكي في شرقي سوريا
واستنكر القاضي شهاب الدين هذا الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم بقوله:” هل كُتب على السوريين أن يكونوا بين فكي كماشة، النظام الأسدي المجرم يقوم بسلبهم عقاراتهم وفق القانون 10 وغيره من القوانين، إصافة إلى الشركات الإيرانية والروسية، من جهة، ومن جهة أُخرى تقوم هذه الأحزاب الانفصالية، ومايسمى حكومة الأمر الواقع وإدارة الأمر الواقع في المنطقة الشرقية، أيضاً تقوم بذات العمل للاستيلاء على عقارات المهجّرين والغائبين”. وأردف متسائلاً: ” أيّ قانون يطبّق الآن حول موضوع إدارة أملاك الغائبين، ونحن في حالة حرب؟.”
وحول إمكانية اللجوء إلى جهة ما تعيد حقوق السوريين الغائبين، يقول القاضي خالد شهاب الدين : “يمكن اللجوء إلى منظمات حقوق الإنسان ومنها على سبيل المثال ” هيومن رايتس ووتش- Human Rights Watch ” وأيضاً يمكن اللجوء إلى المنظمات الحقوقية الموجودة في تركيا داخل المناطق المحررة في سوريا، أو في أوروبا، ويمكن اللجوء أيضاً إلى ممثلي الدول في الملف السوري”.
وأعطى مثالاً حول التحرك القانوني الذي حدث من أجل القانون 10 وقال : ” لقد قمنا حينها بحملة واسعة ضد القانون، وأوضحنا سلبياته وخطورته على أملاك السوريين، وتم حشد أكثر من 40 دولة وتم التحدث عنه في مجلس الأمن”. وذكر أن ألمانيا قادت تحالفاً وكذلك تركيا، إلى أن توقف العمل بالقانون، إلا أن النظام استطاع الاحتيال على الأمر والاستمرار بتنفيذ أجزاء من القانون وخاصة في دمشق وحلب.
وأوضح أن السوريين الذين سيتم التعدّي على أملاكهم الآن من قبل الإدارة الذاتية، موجودون غالباً في أوروبا، وبالتالي يستطيعون اللجوء إلى منظمات حقوقية تساعدهم في توثيق تلك الحالات، واللجوء أيضاً إلى الادعاء في تلك الدول، على الأقل للحشد ضد هذا القانون، وردع الإدارة الذاتية وإيقافها عند حدها.
وبما يخص من يستطيع التأثير بشكل مباشر على هذه الإدارة، فبرأيه أن التحالف الدولي وأمريكا هم من يستطيعون ذلك، ويعود ذلك لأن أمريكا أساساً هي الداعم الأول لها.
وتابع قائلاً:” لكن يجب علينا جميعاً أن نكشف سلبيات هذا القانون وخطورته، ويجب علينا أن نتحرك بسرعة”.
ونوه إلى أن هيئة القانونيين السوريين ستتحرك من أجل كشف حقيقة هذا القانون، وأكد أن ” مع العدالة” وكافة المنظمات ووسائل الإعلام ستساهم في كشف سلبياته. وقال أيضاً إن الإعلام يتحمل مسؤولية كبيرة في كشف خطورة هذا القانون على السوريين وأملاكهم. وأوضح أن الهدف من هذا القانون خطير جداً، وهو التغيير الديموغرافي في المنطقة.