يبدأ الكتاب فصوله برسالة سبق للأستاذ المالح أن بعث بها عام 2001 إلى السيدة "ماري روبنسون" مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والتي يعرض فيها لتدهور واقع حقوق الإنسان في سوريا والوضع الكارثي لمعتقلي الرأي في السجون السورية.
06 / نيسان / أبريل / 2021
*المصدر: تلفزيون سوريا | محمد برو
كما درج كثير من المشتغلين بالشأن العام، وعلى وجه التخصيص الشأن السوري العسير، الذي مرَّ ويمر بتلك المسيرة الملحمية، في مواجهة هذا القمع المسلح، والمتوحش والمعزز دولياً واقليمياً، وبعد مضيِّ زمنٍ كافٍ لإعادة المراجعة وتقييم تلك التجربة أو سلسلة التجارب، يعمد قلة منهم لتدوين تلك السنوات الحافلة وتوثيقها، وإبداء الرأي في بعض تفاصيلها، ليواجه ذاته أولاً، وليوثق تلك التجربة كونها ملكاً لشعبٍ بذل كلَّ ما يملك في سبيل حرية منشودة، وكرامة غائبة وحقوق مستباحة.
قليلٌ من السوريين من تقحَّم هذه المهمة الصعبة، لما لها من إباحة نفسٍ للمنتقدين والخصوم، ولقلةٍ من المنصفين.
سبق أن كتب “د. برهان غليون” كتابه عطب الذات، الذي أثار زوبعةً من الآراء حوله، لكنها لم تقلل أبداً من أهميته، وقد كان من بواكير المراجعات التي حظي بها المتتبعون للشأن السوري، لا سيما أنه أستاذ في العلوم السياسية ومن مؤسسي المجلس الوطني السوري، ومنذ أشهر قليلة طالعنا الأستاذ “رياض سيف” وهو أيضاً من المؤسسين، “وهو علمٌ غنيٌّ عن التعريف” بالجزء الأول من رؤيته لما جرى في حمأة الصراع مع نظام الأسد الأب والابن في كتابه “رياض سيف، سيرةٌ ذاتية وشهادةٌ للتاريخ”.
واليوم يقدم لنا شيخ الحقوقيين السوريين، المحامي “هيثم المالح” مشروعه الطويل، والذي يوثق فيه مسيرة ما يزيد على ستين عاماً من العمل النضالي المعارض، والتي كان الشطر الأكبر منها في مواجهة تغول نظام الأسد في الداخل السوري، الأمر الذي دفع ثمنه وثمن مواقفه سنوات طويلة من السجن والملاحقات الأمنية، التي جعلت حياته في دمشق حياةً محفوفةً بالخطر، ومع هذا لم تلن له عزيمه أو ينخفض له صوت، ويعرف كل من تابعه عبر الفضائيات أو مختلف وسائل الإعلام، كيف كان يكيل الاتهام تلو الاتهام للنظام وأجهزته الأمنية من داخل دمشق، وكان يومها يكرر للعالم أن الدرج القذر إنما يغسل من الأعلى إلى الأسفل معرضاً بهرم السلطة الفاسدة، وكان من بين قلةٍ قليلةٍ من الحقوقيين الأبطال، الذين لم يتوقفوا عن المطالبة بحذف فقرات من الدستور، تجعل من حزب البعث كياناً محتكراً للسلطة في البلاد دون الآخرين، وبإلغاء فقرات تحمي الجلادين في أجهزة الأمن من المحاسبة حال قتلهم لأحد المتهمين، وكان يكرر بلا هوادة شجبه ومطالبته بإلغاء قانون الطوارئ والعمل بالأحكام العرفية.
وقبل أن يدفع لنا بكتابه “ذكريات على طريق الحياة” والذي يطبع اليوم في جزأين كبيرين، يقدم لنا عبر كتابه “إضاءات سياسية” مقدمةً عن آرائه ومواقفه وكتاباته التي تضم مقالات ومرافعات وبيانات بين عامي “2001-2012” أي ابتداء من استيلاء “بشار الأسد” على مقاليد الحكم في سوريا كوريث فردٍ لأبيه.
يستهل المحرر الكتاب بمقدمةٍ تعرف بالأستاذ “هيثم المالح” محامياً وقاضياً في مصياف ودمشق ومن ثم في ليبيا، وبسبب مواقفه الواضحة والجريئة من تجاوزات العسكر والأمن في الحكومات الانقلابية المتعاقبة، كان “هيثم المالح” يخضع للمراقبة والمساءلة المستمرة من أجهزة الأمن.
وحصل في أواخر عام “1958” أن التقى بوزير الداخلية “عبد الحميد السراج” الذي كان يلقب بالسلطان الأحمر لشدة قسوته وجبروته واستخدامه السلطة في كم الأفواه وقمع الحريات، وكان قد أوكل لبعض رجاله مهمة مراقبة أستاذنا “هيثم المالح”، فذكر له أن من دأبه ومذهبه العمل بوضوح وشفافية، ولا توجد لديه أسرار يخفيها ولا مانع لديه أن تستمر السلطة في مراقبته شريطة أن تتوفر بالمراقب خصلتان، فسأله السراج عنهما فأجاب الأولى أن يؤدي عمله بأمانة فلا يزوِّر ولا يكذب استرضاء لرؤسائه، والثانية أن يتمتع بدرجةٍ كافيةٍ من الفهم، فهو يراقب قاضياً يتحدث بكلامٍ متخصصٍ وعالي اللغة، ويحتاج لمن يفهم هذه اللغة قبل تشويهها ونقلها بغير فهم، فأجابه السراج من أين لي أن آتيك بأشخاص يملكون هذه الصفات.
يبدأ الكتاب فصوله برسالة سبق للأستاذ المالح أن بعث بها عام 2001 إلى السيدة “ماري روبنسون” مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والتي يعرض فيها لتدهور واقع حقوق الإنسان في سوريا والوضع الكارثي لمعتقلي الرأي في السجون السورية، ثم يعقبه بفصلٍ عن “القضية الفلسطينية” لما لها من أهمية مركزية في الفضاء السياسي العربي والإسلامي، ثم ينتقل إلى الشأن السوري قبيل اندلاع الثورة، وينتقل إلى الشأن العربي والدولي، ويختم بالفصل الأخير عن الشأن السوري بعد اندلاع الثورة، ويكون بهذا قد أضاء عبر مجموعة كبيرة من المقالات والرسائل تتجاوز المئة في عددها، رؤيته ومنهجيته كواحد من أهم الحقوقيين والسياسيين الذين اشتغلوا في الشأن العام السوري.
تجدر الإشارة إلى أن معظم ما كتبه الأستاذ المالح إنما كتبه في سوريا وفي بيته الذي تحاصره أجهزة الأمن في معظم الأيام، أو من داخل سجنه، وقد صرح بهذه الأفكار عبر وسائل الإعلام من دمشق دون أن يقيم لآلة القمع الأمنية أدنى وزن، وتتميز معظم مرافعاته ومقالاته، أو رسائله بالاستناد إلى ذلك الكم الكبير من الوثائق المدعمة والمعززة، والتي يندر وجودها عن شخص آخر، فقد دأب على جمعها وتدقيقها منذ أواسط القرن الماضي.
يقع الكتاب في أربعمئة وثمانٍ وتسعين صفحة من القطع الكبير
صادر عن دار الخوارزمي ودار زقاق الكتب عام 2021