توفر المعايير الدولية لقضاء الأحداث إرشادات للمحاكم المحلية حول كيفية التعامل مع المجرمين الأحداث. كما وضع الاتحاد الأوروبي توجيها محدداً لضمان تنفيذ الحد الأدنى من معايير قضاء الأحداث في الدول الأعضاء فيه.
17 / أيلول / سبتمبر / 2021
*المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة
تثير قضيتان حديثتان في ألمانيا مسألة كيفية الموازنة بين حقوق المدعى عليهم الأحداث وحقوق الضحايا في المشاركة في الإجراءات القضائية. فقد حكمت المحكمة الإقليمية العليا في دوسلدورف بألمانيا مؤخراً على سارة و. بالسجن لمدة ستة أعوام ونصف بسبب عضويتها في منظمة إرهابية أجنبية وارتكابها جرائم ضد الإنسانية عن طريق الاستعباد المؤدي إلى الموت والاضطهاد من بين تهم أخرى. وعلى الرغم من ذلك، كان هذا الحكم هو المعلومة الوحيدة المتاحة للعامة حول المحاكمة. وفي يوم المحاكمة الأول قدم الدفاع طلباً بحجة أنه على الرغم من أن المتهمتين كانتا راشدتين إلا أن سارة و. كانت في الخامسة عشرة من عمرها فقط عندما سافرت إلى سوريا وكان عمرها أقل من 18 عاماً عندما ارتكبت معظم الجرائم المنسوبة إليها. ولذلك تم استبعاد الجمهور تماماً من المحاكمة كما أيد المدعون العامون الطلب قائلين إنه سيكون في المصلحة التعليمية الفضلى للمدعى عليها، ولذلك قررت المحكمة في النهاية إجراء محاكمة غير علنية، وبالتالي حرمان الجمهور ومجتمع الضحايا الأوسع من المعرفة بالأفعال الإجرامية.
وتؤكد مثل هذه القضايا على أهمية التواصل الرسمي للمحاكم وسلطات الادعاء في قضايا الجرائم الدولية. ولضمان أعلى درجة ممكنة من مشاركة الضحية مع حماية حقوق المتهم في نفس الوقت، فإن التواصل الرسمي هو الحل الأكثر عملية. ومع ذلك، ينبغي تقليل استبعاد الجمهور إلى الحد الأدنى، وينبغي النظر في إمكانية حضور بعض جلسات المحكمة المختارة بعناية على الأقل.
قضاء الأحداث وأعضاء داعش
توفر المعايير الدولية لقضاء الأحداث إرشادات للمحاكم المحلية حول كيفية التعامل مع المجرمين الأحداث. كما وضع الاتحاد الأوروبي توجيها محدداً لضمان تنفيذ الحد الأدنى من معايير قضاء الأحداث في الدول الأعضاء فيه. وتشترك جميع المعايير والمبادئ التوجيهية والأحكام المحلية المتعلقة بقضاء الأحداث في المبدأ الذي يحول دون وصم الجناة الأحداث من قبل المجتمع وينبغي أن يخدم القضاء غرضاً تعليمياً بدلاً من كونه مجرد عقوبة. وبينما يتم تطبيق هذه المبادئ والقوانين المحلية ذات الصلة بشكل متكرر في القضايا الجنائية العادية، فإن تطبيقها في محاكمات أعضاء داعش العائدين أثار مؤخراً تساؤلات حول التوازن الصحيح لقضاء الأحداث من ناحية ومشاركة الضحايا والشفافية من ناحية أخرى.
وللحيلولة دون وصم الجناة الأحداث من قبل المجتمع والسماح بإعادة اندماجهم فيه بشكل أفضل، ينص القانون الألماني على سبيل المثال على استبعاد العامةمن المحاكمات الجنائية إذا كان عمر الحدث المتهم أقل من 18 عاماً أو بين 18 و21 عاماً في وقت ارتكاب الجرائم المزعومة. ولا يطبق هذا القانون فقط عندما يكون عمر المتهم أقل من 21 عاماً وقت المحاكمة، ولكن يطبق أيضاً في كل مرة كان فيها عمر المتهم أقل من 18 أو 21 عاماً وقت ارتكاب الجرائمحتى لو كان عمره أكثر من 21 عاماً وقت المحاكمة.
المعايير الدولية للجنود الأطفال
تنصح الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية المحاكم الدولية والمختلطة بالنظر إلى الأطفال المنتمين إلى قوات مسلحة ومشتبه في ارتكابهم جرائم فظيعة كضحايا حرب في المقام الأول. ووفقاً لمبادئ باريس غير الملزمة ينبغي التعامل مع هؤلاء الأطفال من خلال آليات الحقيقة والمصالحة بدلاً من المحاكمات الجنائية وغيرها من الآليات القضائية. ومع ذلك، فقد تمت صياغة هذه المبادئ مع التركيز على الجنود الأطفال والأطفال الذين تم تجنيدهم بشكل غير قانوني في قوات مسلحة. وفي حين يمثل تجنيد الجنود الأطفال مشكلة في السياق السوريأيضاً فقد انضم العديد من مقاتلي داعش إلى النزاع طواعية بل وسافروا عبر الحدود الدولية للقيام بذلك. وبالتالي، فإن تصنيفهم كضحايا حرب بسبب انضمامهم عمداً إلى جماعة مسلحة لا يصور السياق الكامل. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجرائم الفظيعة المرتكبة في النزاع السوري تُحاكم حالياً في المحاكم المحلية فقط، لا سيما في الدول الأوروبية التي ينحدر منها العديد من أعضاء داعش الأجانب ولذلك فإن آليات الحقيقة والمصالحة غير متوفرة.
الشفافية والعدالة الانتقالية
بالإضافة إلى قضية سارة و.، فإن محاكمة ألمانية جديدة تفاقم هذه المسألة. حيث تتعلق القضية الجديدة بإحدى عضوات داعش التي سافرت إلى سوريا في سن المراهقة. وتم تقديم لائحة الاتهام العلنية في هذه القضية مؤخراً من قبل المدعي العام الاتحادي الألماني وستبدأ المحاكمة في الموعد المحدد. وفي حين أنه من الأهمية حماية حقوق المتهم، ولا سيما الجناة الأحداث، فمن المشكوك فيه ما إذا كان ينبغي لمبادئ قضاء الأحداث أن تتجاوز حقوق الضحايا في قضايا الجرائم الدولية في مجتمع كبير ومتضرر لا سيما عندما يكون الجاني الحدث قد بات الآن متهماً بالغاً.
وتُعد مشاركة الضحايا ووضوح الإجراءات القضائية أمرين أساسيين للعدالة الانتقالية، مما يعني السماح للمجتمعات المتضررة بتجاوز تجاربها المؤلمة من خلال محاسبة جميع مرتكبي الجرائم الفظيعة. بالإضافة إلى ذلك، فإن مشاركة الضحايا المباشرين كمدعين متضامنين و/أو كشهود وإمكانية متابعة الشهادات والحجج والإجراءات القضائية أمر بالغ الأهمية بالنسبة لهم للتغلب على الصدمات الجماعية. ومع ذلك، لا يُعتبر وضوح عمليات المساءلة والمشاركة فيها أمراً مسلّماً به بمجرد الإعلان عن بدء مثل هذه العمليات والنتيجة النهائية (خاصة إذا لم يتم إجراؤها باللغة الأم للمجتمع المتضرر). وبدلاً من ذلك، ينبغي أن تُعقد محاكمات الجرائم الدولية علناً كلما أمكن لا سيما عندما ينتمي الجناة عمداً إلى جماعة مسلحة، ولم يرتكبوا جميع الجرائم المنسوبة إليهم كأحداث، وكانوا بالغين وقت المحاكمة.
وفي حين أن العديد من الأطر القانونية المحلية لا تنص حالياً على إجراء محاكمات علنية للأحداث الجانحين، فإن الإصلاح سيكون وفقاً للقانون الدولي. وتنص قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لإدارة شؤون قضاء الأحداث (قواعد بكين) على عدم إتاحة المعلومات المتعلقة بالاسم والسجل الجنائي والمعلومات الشخصية المحددة لأطراف ثالثة. وبدلاً من استبعاد الجمهور كلياً من محاكمات الأحداث الجانحين ينبغي إجراء المحاكمات بطريقة أكثر مرونة. فالجلسات التي لا يتم خلالها مناقشة أي معلومات شخصية عن المتهم ولكنها مهمة للضحايا بسبب إيراد تفصيل الأعمال الإجرامية ينبغي أن تكون متاحة للجمهور.
التوصيات
يُعد قضاء الأحداث والمقاتلون الأجانب العائدون جانباً آخر من جوانب القانون الجنائي الدولي، حيث يكشف النقاب عن الحاجة إلى إصلاح الإجراءات الجنائية المحلية. وأظهرت المحاكمات بموجب الولاية القضائية العالمية ومحاكمات المقاتلين الأجانب العائدين الحاجة إلى تشريعات محلية لتكييف إجراءاتهم الجنائية مع التحديات التي يطرحها التعامل مع الجناة والناجين من الجرائم الدولية. وهناك حاجة ملحّة بشكل خاص لتلبية احتياجات الناجين ومجتمعات الضحايا بشكل مناسب من خلال منحهم حقوقا إجرائية لمتابعة الإجراءات القضائية.
ولتحقيق التوازن بين هذه الاحتياجات ومنع الوصم وتيسير إعادة إدماج الجناة، ينبغي تنفيذ استراتيجيات الاتصال والتواصل الرسمية من قبل المحاكم والسلطات المختصة. وبهذه الطريقة، يتم مشاركة المعلومات الصحيحة حول الإجراءات القضائية، بما في ذلك التفاصيل حول المتهم وسلوكه، بشكل أساسي من قبل القنوات الرسمية، وهذا بدوره يقلل من خطر التضليل والتغطية الواسعة من قبل وسائل الإعلام والجهات الفاعلة العامة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تقليص استثناءات المحاكمات العلنية إلى الحد الأدنى المطلق في قضايا الجرائم الدولية على النحو المبين أعلاه. وإن الاعتماد على إجراءات مكافحة التطرف وإعادة إدماج المقاتلين الأجانب العائدين لا يفيد الجناة فحسب، بل يفيد الضحايا أيضاً، لأنه يوفّر عدالة حقيقة حيث يتم معاقبة الجناة واتخاذ تدابير لمنع مثل هذه الجرائم في المستقبل.