#########

العدالة والمساءلة

أزمة أوكرانيا والقضية السورية


"تبدو قصة أوكرانيا شبيهة بسوريا حيث احتلت روسيا القرم والآن إقليمي لوغانسك ودونيتسك ولن يستطيع العالم الغربي سوى فرض عقوبات اقتصادية على روسيا التي سوف تتكيف معها رويدا رويدا بالاعتماد على مخزوناتها الضخمة من الغاز والنفط"

26 / شباط / فبراير / 2022


أزمة أوكرانيا والقضية السورية

*المصدر: تلفزيون سوريا- رضوان زيادة 


صحا العالم مرة أخرى على أزمة دولية جديدة افتعلها بوتين بتحريكه أكثر من 150 ألف جندي روسي على الحدود الأوكرانية. حذرت الولايات المتحدة من أن بوتين يستعد لغزو أوكرانيا لكن روسيا استخفت بالأمر وردت عبر الناطقة باسم وزارة الخارجية بأن الغرب يقوم بمسرحية هزلية من أجل التحريض ضد روسيا، لكن بوتين استكمل إجراءات التمارين العسكرية على الحدود الأوكرانية وبالتعاون مع بيلاروسيا، بما فيها تجريب الصواريخ البالستية، وبعدها بأيام جمع بوتين المسرح الهزلي أو ما يسمى مجلس الأمن القومي، من أجل إقرار إعلان انفصال كلٍ من جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك بعد أن قضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014.

وبالتالي نفذ بوتين وعوده باحتلال أراض جديدة داخل أوكرانيا مدعيا الحفاظ على حقوق الأقلية الروسية هناك، وزاعما رغبته في استرجاع أراضي الاتحاد السوفييتي السابق التي منحها ستالين بطريقة غير مشروعة إلى أوكرانيا التي وصفها بأنها لم تكن “دولة في تاريخها وأنها كانت دوما جزءاً من روسيا” وهو ما أثار الذعر والرعب داخل أوكرانيا بأن روسيا ترغب في اجتياح دولتهم لأن الجارة روسيا لا تعترف بها كدولة جارة مستقلة.

اكتشف العالم إذاً مرة أخرى قوة بوتين العسكرية وغياب العقلانية السياسية في قراراته أو المصالح الشعبية والوطنية لروسيا التي تختصر كليا في رغبة بوتين في العظمة والسيطرة حتى ولو كان ذلك ضد فكرة القانون الدولي وضد فكرة ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

والطريف أن بوتين يستخدم هذه اللغة لتبرير تدخله العسكري في سوريا لكنه يتجاهلها دوما في أوكرانيا وهو ما يعكس تماما غياب فكرة القانون أو المجتمع الدولي حيث أعاد بوتين العالم إلى فكرة القوة العارية والسيطرة عبر الإجراءات العسكرية.

بالطبع لن يستطيع مجلس الأمن أو الأمم المتحدة القيام بأي شيء حيث تحتفظ روسيا بمقعد دائم لمجلس الأمن هناك، وهو ما حدث سابقا في القضية السورية حيث استخدام روسيا المتكرر للفيتو شل عمل مجلس الأمن في سوريا، فقد استخدمت روسيا حق النقض الفيتو 13 مرة لقرارات تتعلق بسوريا تمنع فيها إدانة النظام السوري أو السماح لمحكمة الجنايات الدولية في التحقيق في جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا. وحتى قرارات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الخاصة بسوريا، إذ يبلغ عددها 25 قراراً بدءا من أول قرار صدر عن المجلس في نيسان/أبريل2011 والذي دان “بشكل قاطع استخدام السلطات السورية العنف القاتل ضد المحتجين المسالمين وإعاقة الوصول إلى العلاج الطبي” وطالب الحكومة السورية “بالإفراج الفوري عن “سجناء الرأي وعن الأشخاص المحتجزين بصورة تعسفية” وطالب المفوضية السامية لحقوق الإنسان بتشكيل لجنة تقصي للحقائق تقدم تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان في اجتماعه القادم”.

طبعا لم تسمح السلطات السورية لها بالدخول أبداً إلى الأراضي السورية، بعدها قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف بناء على تقرير لجنة التحقيق الذي أقر “بارتكاب السلطات السورية وأفراد القوات العسكرية والأمنية انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان في أماكن مختلفة من الجمهورية العربية السورية منذ آذار/مارس 2011 وهي انتهاكات يمكن أن تشكل جرائم ضد الإنسانية” وبعدها قرر مجلس حقوق الإنسان تشكيل لجنة التحقيق الدولية المستقلة التي ما زال يرأسها البرازيلي بنييرو والتي أصدرت إلى اليوم ما يفوق على 12 تقريراً توثق فيها لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا.

برغم كل ذلك لم تجد أي من قرارات مجلس الأمن خاصة المتعلق بالانتقال السياسي 2254 أو تلك القرارات الخاصة بوضع حقوق الإنسان طريقها إلى التنفيذ في سوريا، إن ذلك يكشف حجم الفشل الأممي في سوريا وحيث إن استراتيجية النظام في تغيير الوقائع على الأرض عبر الإبادة والقتل المستمر حولت هذه القرارات إلى قرارات لا معنى لها، وربما تصبح سابقة في تحدي الدول لقرارات الأمم المتحدة لأنها لا تجد طريقها إلى التنفيذ.

تبدو قصة أوكرانيا شبيهة بسوريا حيث احتلت روسيا القرم والآن إقليمي لوغانسك ودونيتسك ولن يستطيع العالم الغربي سوى فرض عقوبات اقتصادية على روسيا التي سوف تتكيف معها رويدا رويدا بالاعتماد على مخزوناتها الضخمة من الغاز والنفط والاعتماد على الصين الشريكة لها أيضا والتي زارها بوتين قريبا وأعلن الرئيس الصيني صراحة دعم روسيا في قضية عدم توسع الناتو وهو موقف لم تعتد الصين على اتخاذه وهو ما يكشف بشكل رئيسي تحالفا صينيا – روسيا صاعدا في وجه الغرب، وهذا التحالف أيضا وجدناه في سوريا عبر التصويت المشترك بين روسيا والصين للفيتو ضد أي قرار غربي يدين انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.

لم يبق اليوم سوى مراقبة مدى تأثير هذه العقوبات وتصاعدها في الحالة الروسية وهل ستقود إلى تغييرات داخلية روسية أم سيبقى القيصر تراوده أحلام السيطرة عبر القوة العسكرية وإعادة حلم الاتحاد السوفييتي السابق الذي انتهى؟ لكن بوتين يرغب في إحيائه من قبره.