يجب اتخاذ تدابير فعالة للحفاظ على جميع اللغات والثقافات الموجودة على الأرض السورية وحمايتها من الاندثار وتعزيزها بما يتوافق مع مبدأ المواطنة المتساوية
30 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2023
*مع العدالة: المصدر“سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”
1. المقدمة:
يحتل النقاش حول حقوق الأقليات[1] العرقية والدينية واللغوية في البلاد ذات التركيبة السكانية المتنوعة، مساحات واسعة في معرض الحديث عن الحياة السياسية والثقافية ومستقبل الأفراد والمجموعات البشرية؛ وتعدّ العلاقة بين الأقليات والدولة علاقة معقدة وهي متصلة بدور اللغة والدين في الدولة بشكل عام وأيضاً بالكيفية التي تمّ بها تعريف الثقافة الوطنية والهوية تاريخياً، حيث تمثل اللغة أو الدين ملامح جوهرية في الهوية الوطنية، لذلك يؤدي السعي إلى بناء هوية قومية على أساس عرقي أو لغوي أو ديني واحد إلى حماية منقوصة لحقوق الأقليات (الآخر المختلف)، وقد يكون هناك تاريخ من الصراع بين مجموعات اثنية ولغوية ودينية مختلفة، كما هو الحال في سوريا.
وفي الدول التي تمرّ بتحولات اجتماعية وسياسية مهمة، كالبلاد الخارجة من صراعات أو نزاعات أهلية، تمثل العلاقة بين الدولة والأقليات تحدياً كبيراً، حيث تعمد أطراف الصراع الى التأكيد على الرابطة القوية بين الدولة من ناحية ودين وثقافة ولغة الأغلبية (الأكثرية القومية أو الدينية أو الطائفية) من ناحية أخرى؛ كان هذا التحدي جلياً في الحالة السورية، التي شهدت احتجاجات عام 2011، تحولت فيما بعد إلى نزاع مسلح دموي بين الحكومة السورية والمعارضة، فقد انخرطت الأقليات الدينية والثقافية واللغوية والأثنية في هذا النزاع بأشكال مختلفة، وكانت في أحيانٍ كثيرة وقوداً وضحيةً له.
إن واحدة من أهم المراحل الأولية لنجاح العملية السياسية هي انفتاح على التفاوض بين كل الأطراف السورية ذات المصلحة، بما في ذلك الأقليات الدينية والاثنية واللغوية وتلك التي ترغب في المشاركة بوضع ملامح دستور البلاد المستقبلي ولعب دور في الحياة السياسية القادمة فيها.
إن إدماج الأقليات السورية بغية وصولها إلى مواطنة متساوية، في الحقوق والواجبات، يتطلب بشكل رئيسي إصلاح النظام التشريعي والإداري في الدولة، بحيث يتمّ الاعتراف بها وبوجودها وتنوع البلاد، بما يتيح للأشخاص المنتمين لهذه الأقليات تمثيل أنفسهم كمجموعات وأفراد في الحكومة ومشاركتهم في الحياة السياسية بشكل فعّال. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبنّي الأحكام الواردة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها سوريا وتلك التي ستصادق عليها مستقبلاً، بالإضافة إلى اجراء تعديلات في الدستور والتشريعات السورية، مع ضمان مشاركة هذه الأقلّيات في اللجان المكلفة بوضع وصياغة الدستور والمؤسسات التمثيلية، أو أي هياكل استشارية أخرى.
من طرق ضمان تمثيل الأقليات في القرارات التنفيذية هي وجود نظام التمثيل النسبي في مجالس الإدارة المحلية،[2] وكذلك ضمان تمثيل الأقليات في الحكومة المركزية، والحكومات المحلية من أجل إعادة توزيع السلطة السياسية، والتأكيد على الخصوصية القومية أو الدينية والثقافية لهذه الأقليات كمكون/ات رئيسة في سوريا.
تستند محاور هذه الورقة على ورشة نظمتها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في إطار مشروعها: “تجسير الهوة بين السوريين/ات واللجنة الدستورية”، والذي صدرت عنه مجموعة من الأوراق تناولت العدالة الانتقالية وضرورتها كضمانة للوصول إلى سلام مستدام؛ العدالة الاجتماعية وكيف تحوّلت مبادئها في سوريا إلى نصوص نظرية مهملة؛ العدالة الانتقالية المراعية لاعتبارات النوع الاجتماعي كمطلب أساسي لدعم المسار الانتقالي؛ والمشاركة الحقيقة في الحياة السياسية.
قدمت “سوريون” خلال الورشة، تدريباً حول حقوق الأقليات والشعوب الأصلية في سوريا وسبل ضمان التمثيل العادل لجميع المكونات السورية في المفاوضات السياسية والعملية الدستورية، بحضور خبراء في حقوق الأقليات والقانون، وبمشاركة نشطاء وفاعلين وباحثين من منطقة شمال وشرق سوريا.
استعرضت الورشة مفهوم الأقليات والشعوب الأصلية وفقاً للاتفاقيات والمواثيق الدولية، مع أمثلة تشير إلى وسائل إشراك هذه الأقليات في صياغة الدستور، وتناولت الورشة كذلك حالة الأقليات والواجبات الدولية المترتبة وفق حقوق الانسان، وركزت ضمن هذه الأطر المفاهيمية على وضع الأقليات في سوريا وفي الدستور السوري الحالي، وكيف ينظر الدستور الى هذه المجموعات و كيف يتم التعامل معها.
بالإضافة إلى النقاشات التي تخللت التدريب والمخرجات التي نتجت عنها، استندت هذه الورقة على عدد من الأبحاث والتقارير التي تناولت حقوق الأقليات في سوريا وفي العالم.
2. سوريا دولة متعددة وغنية بتنوعها:
تعتبر سوريا موطناً للعديد من المجتمعات الدينية والاثنية، والتي كانت مرتبطة بأكثر من لغة وجغرافية، حيث تعيش فيها أغلبية عربية إلى جانب الاثنيات الكردية والأرمنية والآثورية/الآشورية والشركسية والتركمانية، بالإضافة إلى تنوعها الديني والمذهبي، الذي يشمل المسلمين (الشيعة والسنة والعلويين والدروز) والطوائف المسيحية والايزيديين، وكذلك تنوع مرده المكونات الثقافية والطبقية المختلفة في المجتمع.[3]
تأسست الدولة الإقليمية الحديثة في سوريا على يد القوة الفرنسية المنتدبة في أعقاب الحرب العالمية الأولى وتفكك الإمبراطورية العثمانية. فيما قامت الدولة المستقلة ذات السيادة التي حلّت محل الانتداب الفرنسي في عام 1946 على الترتيبات الإقليمية الاستعمارية القديمة المنصوص عليها في اتفاقية سايكس-بيكو في عام 1916، والتي أقرتها فيما بعد عصبة الأمم في عام 1924.
تشكلت الدولة السورية من خلال هذه الترتيبات والعمليات والممارسات السياسية والإدارية الناتجة عن تفصيلها في الهياكل الاجتماعية والثقافية المحلية. والتي حددت فيما بعد تشكيل النخب الحاكمة في الدولة الجديدة. بهذا المعنى، شكلت اتفاقية سايكس-بيكو الإطار التاريخي للسلطة السيادية الجديدة في سوريا، لكنها فشلت في تحديد هويتها، حيث كانت تفتقر هذه السلطة إلى الشروط القانونية والسياسية والثقافية اللازمة لضمان بناء مثل هذه الهوية.
يجادل المفكر البريطاني “ريمون هينبوش” بأنّ الدولة السورية كانت متخيلة منذ البداية، نظر إليها معظم السوريين على أنها إبداع مصطنع ولا تستحق الولاء العاطفي، لذا بذلت محاولات عديدة لتعزيز هوية إقليمية “لسوريا”. في المقابل، دعا بعض الفاعلين السياسيين الآخرين إلى هويات فرعية أو أيديولوجية عالمية، مثل الإسلام أو الشيوعية أو العروبة، وقد أصبحت الأخيرة هي الهوية المهيمنة والطاغية التي “نظمت” الهوية السورية على أنها عربية وسورية وكجزء من أمة عربية أوسع.[4]
وبما أن الاستقلال تلاه انتصار القومية العربية، فقد لعبت النخبة القومية (العربية) دوراً فعالاً في إقامة الصلة الحاسمة بين الاثنية السائدة/الأغلبية والسلطة السيادية. وقد كانت الهوية العربية للدولة، التي تمّ التأكيد عليها بلا هوادة في الخطاب الرسمي[5] وشبه الرسمي، والمدعومة بالعنف السيادي الذي مارسته الأجهزة العسكرية والأمنية للدولة،[6] الشكل الأبرز في التمييز ضد المكونات الأخرى التي تشكلت منها سوريا.
3. دور الدستور والقوانين السورية في تهميش واقصاء مكونات سورية أصيلة:
3.1 . دور الدستور السوري:
يستمد النظام الحالي في سوريا أصوله المؤسسة من انقلاب 1963، الذي قام به حزب البعث العربي الاشتراكي، ومن بروز المدّ العربي القومي آنذاك، وكذلك من دستور عام 1973، الذي أرسى انقلاب حافظ الأسد.
يحمي الدستور السوري الحالي[7] – نظرياً – عدداً من الحقوق الأساسية للمواطنين السوريين ومن بينهم الأقليات أيضاً، كالمشاركة في الحياة السياسية وحرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات مع الآخرين. فالمادة 34 من الدستور تقول: “لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك”. وأيضاً المادة 42 الفقرة 2 والتي تقول: “لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة.” كذلك المادة 44 القائلة: “للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً والإضراب عن العمل في إطار مبادئ الدستور وينظم القانون ممارسة هذه الحقوق.“
كذلك يمكن الاستدلال بذكر حقوق الأقليات وحماية الحقوق الثقافية في سوريا وفق ما نصت عليه المادة 9 من الدستور بأنه: يكفل “حماية التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته وتعدد روافده، باعتباره تراثاً وطنياً يعزز الوحدة الوطنية في إطار وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية”، وأيضا الفقرة الثالثة من المادة 33 التي تنص على أن: “المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين، أو العقيدة.”
غير أن هذه المواد تبقى مجرد إطار نظري، فضفاض ويشوبه الغموض، فمنذ اعتمادها، لم تعترف الدولة السورية بالمكونات الموجودة في سوريا وبهوياتها التاريخية والثقافية والجغرافية، حيث لم تذكر أي من هذه الهويات بالنص الصريح في الدستور، كما لم تسع الحكومة السورية إلى تنفيذ أي من عناصر هذه المواد.
واستمر تهميش القوميات الأخرى الموجودة في سوريا كالكرد والأرمن والشركس والآشوريين والتركمان والكلدان والشيشان وغيرهم، مع اتباع سياسات تمييزية بحقهم، فضلاً على أنّ الدستور نفسه يتضمن العديد من المواد التي تتناقض مع المواد التي تم ذكرها آنفاً. وهذا واضح من ديباجة الدستور الحالي والتي تذكر: “تعتز الجمهورية العربية السورية بانتمائها العربي، وبكون شعبها جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية مجسدة هذا الانتماء في مشروعها الوطني والقومي، وفي العمل على دعم التعاون العربي بهدف تعزيز التكامل وتحقيق وحدة الأمة العربية”.[8] فيما تنفي هذه الديباجة على المكونات الأخرى خصوصيتها وتضعها في خانة القومية العربية، تتكرر فيها وحدها كلمتا (العربي/العربية) أكثر من عشر مرات، وهذا يخلق انطباعاً بأن الشعب السوري مؤلف من المكون العربي فقط، وهذه الرؤية لا تعكس الواقع في سوريا وتخلق شعوراً سلبياً وحالة اغتراب عند كل القوميات الأخرى.
وتنطبق ذات اللغة الإقصائية على المادة 3 من الدستور، التي تنص على أن الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع، وعلى هذا الأساس تم حرمان الأديان الأخرى الموجودة في سوريا من أن تلعب دورا في تنظيم الحياة العامة أيضاً، كما هو حال الدين الإسلامي. ولا ننسى أيضاً بأن المادة 3 المذكورة قد اشترطت أن يكون رئيس الدولة مسلماً، وهذا يتناقض مع مبدأ المساواة بين المواطنين/ات المنصوص عليه في المادة 33.
كذلك يتكرر التمييز اللغوي بحقّ هذه المكونات في المادة 4 من الدستور، والتي تنصّ إنّ “اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة في البلاد“، في المقابل لم ينصّ الدستور السوري صراحةعلى حق باقي المكونات بالتحدث بلغتها الأم، وبأحسن الأحوال لم يمنحها الحق بتدريس لغاتها للأجيال القادمة، وهذا يؤدي إلى خلق حالة من عدم المساواة بين مكونات الشعب السوري، وتفضيل الفئة التي تشكل الأغلبية على باقي المكونات في كثير من الأمور، ومنها مسألة حق التحدث باللغة الأم والحفاظ عليها وتطويرها، وبالتالي فإن هذا المادة تتناقض مع المادة 33 التي نصت في فقرتها الثالثة، بأن: “المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات“، إذ كيف يكونون متساوون وباقي المكونات غير العربية لا يحق لها التعلم بلغتها الأم ولا تملك أدوات الحفاظ على لغاتها وتطويرها؟[9]
كما تشير الفقرة 4 من المادة 8 من الدستور إلى ما يلي: “…لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب أو تجمعات سياسية على أساس ديني، أو طائفي أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني، أو بناءً على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون...”. بالنظر إلى تركيبة المجتمع السوري، و التمييز و الاقصاء الذي تعرضت له الكثير من المكونات السورية على مدار عقود، وكذلك عدم قدرة الأحزاب الموجودة حاليا وخاصة تلك التي تدور في فلك حزب البعث في الدفاع عن حقوق الأقليات ضمن أدبياتها السياسية، فإنه سيكون من الطبيعي أن تكون هناك أحزاب أو تجمعات سياسية تناصر قضايا فئات معينة أو أحزاب ذات خلفيات دينية او قومية لمرحلة ما، غير أن هذه المادة تحرم هذه المجتمعات/الأقليات من أداة سياسية تمكنها من الدفاع عن مصالحها.
3.2 دور القوانين السورية:
إنّ ما ذكرته هذه الورقة آنفاً بخصوص الدستور السوري ينطبق أيضاً على باقي التشريعات السورية، فقانون الأحزاب[10] مثلاً يحدد في المادة 5 منه فقرة (د) على عدم جواز: “قيام الحزب على أساس ديني، أو قبلي، أو مناطقي، أو فئوي، أو مهني، أو على أساس التمييز بسبب العرق، أو الجنس، أو اللون“.
تثير هذه الفقرة بعض الإشكالات، فهي من جهة تأتي في إطار المادة 8 من الدستور، والمشار إليها أعلاه، كما أنها ضد تشكيل أحزاب على خلفيات قومية أو دينية أو غيرها. فالتمييز الذي تشير إليه المادة غير واضح؛ فهل هو ضد تشكيل أحزاب على أسس قومية أو دينية أم ضد تشكل أحزاب تناصر قضايا الأقليات القومية أو الدينية؟ لذا لابد من توضيح المادة بحيث لا تفسر في غير صالح تشكيل أحزاب قومية.
وبنفس الوقت اعتبر قانون الأحزاب أن أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية ليست بحاجة الى ترخيص وتعتبر مرخصة حكماً، وبدوره، إنّ حزب البعث العربي الاشتراكي هو حزب قائم على أساس عروبي بحت، ومع ذلك فإن قانون الانتخابات العامة رقم 5 لعام 2014 منح هذا الحزب نسبة لا تقل عن 50% من مجموع مقاعد مجلس الشعب البالغة 250 مقعداً، كممثلين عن العمال والفلاحين (المادة 22).
وحيث أن سوريا بلد متعدد الأعراق والطوائف والأديان فسيكون من الطبيعي أن نجد أحزاب أو تجمعات تحمل صبغة دينية أو عرقية تناصر لقضايا هذه الفئات التي كانت مهمشة على طول عقود ومورس التمييز ضدها على أساس قومي أو ديني أو اثني، ومنها المكون الايزيدي. يمنع قانون الأحزاب بشكله الحالي الايزيدية من حصولها على تمثيل مناسب، ولو أنها موجودة في سوريا كطائفة دينية لها منهج عقائدي خاص، ومن حقها أن يكون لها جهة تمثل آرائها وتطلعاتها.
4. ممارسات الدولة السورية التمييزية تجاه بعض المكونات:
اعتمدت الحكومات السورية المتعاقبة في آليات الحكم، على التفريق بين المواطنين والتمييز بينهم، وهذا ما أدى الى تقويض دولة المواطنة وانتشار الانقسامات الدينية والطائفية والاثنية، فقد كانت السياسات والتشريعات المطبقة تميز بين المواطنين من ناحية وتفرض عليهم انتماءات دينية وطائفية من ناحية أخرى، فتختلف على سبيل المثال تشريعات الأحوال الشخصية الدينية تبعا للانتماء الديني للمواطنين، مما يؤدي إلى تطبيق قوانين مختلفة، فضلاً عن التمييز بمقتضاه بين المسلمين وغيرهم من ناحية، وبين الرجال والنساء من ناحية أخرى.[11]
وإذا كانت الحكومة السورية قد أعملت بعض الحقوق المحدودة لمكونات معينة من الشعب السوري، ولفترات محدودة، فإن تلك الحقوق كانت مهددة بالزوال في أي وقت تراه السلطة الحاكمة، بناء على اعتبارات معينة، فالسماح بتعليم اللغة السريانية مثلاً في بعض المدارس الكنسية، كان على أساس حق التحدث باللغة الكنسية، وليس على أساس أنها حقوقاً قومية لغوية لمكون من مكونات الشعب السوري.
وقد رخصت المدارس الكنسية (الدينية) في البلاد على أساس المرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2004 المتعلق بتنظيم التعليم الخاص والمشترك في سوريا، والذي تضمن العديد من المواد والفقرات التي تبقي المدارس الدينية (السريانية)، مهددة بالإغلاق الكلي، حيث تقول المادة 57: “لا يجوز لهذه المؤسسات (التعليمية والتربوية) أن تكون جزءاً من مؤسسة أو جمعية سياسية أو دينية”. هذه المادة وحدها كافية لإغلاق المدارس السريانية متى أرادت السلطات ذلك.[12]
في المقابل تعاملت الحكومات السورية المتعاقبة مع أبناء الديانة الايزيدية على أساس تمييزي صارخ، فقد حرموا من ممارسة الشعائر الدينية الخاصة بهم، ومن تعلّم وتعليم أصول ديانتهم، وحُظر عليهم بناء أماكن عبادة جديدة أو ترميم الأماكن القديمة أسوة بباقي الديانات والطوائف الموجودة في سوريا، وأجبروا على دراسة مادة “التربية الإسلامية” في المدارس، وطبقت عليهم قوانين الأحوال الشخصية وفق الشريعة الإسلامية.[13]
وبالنسبة الى تعامل الدولة مع الحقوق اللغوية للمكون الكردي، فقد حُرم الكرد من التحدث بلغتهم الأم وكذلك تعلمها وتعليمها، فضلاً عن تقييد ومنع نشر المطبوعات والمؤلفات باللغة الكردية، كما تم تعريب أسماء الكثير من القرى الكردية.
وكنوع من الادعاء بالاستجابة إلى التنوع اللغوي تمّ افتتاح بعض الحصص الدراسية للغات المحلية في سوريا في معهد اللغات في جامعتي دمشق وحلب، ولكنه لم يصل الى مستوى الاعتراف الرسمي بهذه اللغات كلغات رسمية أو أصلية في البلاد، بل كان المعهد يقدم لغات مختلفة (معظمها لغات دولية)، ولكن لا توجد أية لغة محلية حسب لائحة المعهد الداخلية في المادة 9.[14] ولكن، وكخطوة وحيدة، خصصت وزارة الإعلام السورية نشرات باللغة الكردية في إذاعة “سنابل إف إم” التي بدأت بثها الدائم في مدينة الحسكة في الأول من فبراير/شباط 2015، إلى جانب اللغات العربية والسريانية والآشورية. ولكن بقيت هذه الخطوات رمزية من دون أيّ التزامات على الدولة في اتخاذ التشريعات والتدابير اللازمة لإتاحة الفرصة للأقليات لتعلم لغتها في مؤسسات الدولة المختلفة.
بالإضافة إلى قصور التشريعات المحلية عن إلزام الدولة بحماية الأقليات وضمان حقوقها، كان للنظام التعليمي في سوريا دوراً بارزاً في زيادة وتعميق الشروخ داخل المجتمع السوري ككل، حيث تجاهل النظام المعتمد بشكل كبير مسألة التعريف بالديانات الموجودة في سوريا، وكذلك تعريف السوريين من مختلف الأديان والطوائف ببعضهم البعض.
5. فشل المعارضة السورية في احترام تنوع المجتمع السوري:
أتاح اندلاع الاحتجاجات السلمية في سوريا آذار/مارس 2011، هامشاً أبدت من خلاله مكونات الشعب السوري رؤاها ومطالبها في كل من سلوكها العملي من خلال الانخراط في الحراك والوثائق التي تتناول مستقبل سوريا.
وكذلك حاولت مؤسسات المعارضة السورية بأطيافها المتنوعة تطبيق أدوات إدارة تمثيل مكونات المجتمع السوري، وعملت على إرسال مؤشرات ورسائل طمأنة للمكونات السورية على مستوى النصوص، ولكن مع بدء الدعوة إلى عملية انتقال سياسي، لم تستطيع المعارضة السورية تبديد مخاوف وشكوك الأقليات في سوريا، بل أنّها كانت متأخرة خطوات عن الحكومة السورية نفسها بالنسبة للتعامل مع هذه الأقليات، وكان هذا واضحاً في خطة الانتقال السياسي التي أعلنت عنها الهيئة العليا للمفاوضات عام 2016،[15] وطريقة تعاطيها مع قضية التنوع في سوريا.
حيث نصّ المبدأ الأول من الخطة على ما يلي: “سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، واللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وتمثل الثقافة العربية الإسلامية مَعيناً خصباً للإنتاج الفكري والعلاقات الاجتماعية بين السوريين على اختلاف انتماءاتهم الإثنية ومعتقداتهم الدينية حيث تنتمي أكثرية السوريين إلى العروبة وتدين بالإسلام ورسالته السمحاء التي تتميز بالوسطية والاعتدال.” أقصت الخطة بذلك باقي المكونات، وحرمتها من المشاركة في شكّل الدولة السورية لصالح مكون واحد في سوريا. كما منحت نبرة الخطة الأولوية لجماعات دينية وثقافية محددة على حساب جماعات أخرى، الأمر الذي لا يقوّض خلق مجتمع شامل أصيل منفتح لجميع أشكال الهوية الاجتماعية فحسب، ولكنه يعمل أيضاً على إعادة إنتاج البيئة السياسية التمييزية التي أنشأها حزب البعث طوال السنوات السابقة.
حاول الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية عام 2021، تجديد خطابه حول كيفية إدارة التنوع في المجتمع السوري، حيث أصدر ما يسمى بميثاق الثورة السورية لحقوق الإنسان والحريات العامة، إلا إن ما ورد في الميثاق المذكور كان عبارة عن خطاب جامد واعتمد اللغة التي اعتاد السوريين على قراءتها في الدساتير السورية المتعاقبة، كالاعتراف بحق العمل والتنقل والجنسية والمساواة، والتظاهر والتعليم والمشاركة في الحياة العامة وحرية الفكر والعقيدة وغير ذلك من الحقوق والحريات الأساسية، الواردة في العهود والمواثيق الدولية وكذلك في الدساتير السورية، دون التطرق إلى الآليات التي تكفل ضمان تلك الحقوق والحريات، أو التطرق إلى حقوق المكونات والأقليات الدينية والعرقية واللغوية في سوريا، وكيفية ضمان حقوقها كمجموعات من حقها أن تتمتع بالحقوق التي تكفل لها الحفاظ على خصوصيتها.
حتى أن البند 11 من فقرة حقّ التعليم في الميثاق، التي أكدت بأن الدولة تضمن احترام الحقوق الثقافية واللغوية للمكونات الدينية والعرقية، لم تختلف كثيرا عما ورد في المادتين 3 و 9 من الدستور السوري، اللتين أكدتا احترام الدولة لجميع الأديان وضرورة حماية التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته وتعدد روافده، باعتباره تراثاً وطنياً يعزز الوحدة الوطنية في إطار وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية. وسبق أن تم تفصيل ذلك في الفقرات السابقة.
وبالتالي، يمكن توصيف جهود إدارة التنوع التي بذلتها قوى الثورة والمعارضة بالشكلية، فقد حاولت التركيز على خطاب فضفاض لا يطمئن كثيراً السوريين ممن سبق وأن عانوا طويلاً من النصوص المكبلة بالممارسات التمييزية للسلطة الحاكمة، بالإضافة إلى أن الخطاب لم يتجاوز الضعف على مستوى الثقافة العامة التي تركز على الهوية الوطنية، فلم يشجع على تشكيل وعي عام يؤمن بوجود التنوع ويتقبله.
وما يؤكد عدم قدرة المعارضة السورية في الارتقاء بمستوى الخطاب المنفتح الذي يدعم قبول الآخر المختلف، هو ممارسات قوى المعارضة بمختلف مسمياتها في المناطق الخاضعة لسيطرتها الفعلية في أجزاء من الشمال السوري بدعم ومساندة الدولة التركية. حيث يوجد تركيز كبير في تلك المناطق على اللغتين العربية والتركية مع تهميش متعمد للغة السكان الكرد الأصليين في المنطقة،[16] بالإضافة إلى إنكار واضح لحقوق أبناء الديانة الايزيدية؛ فقد عمدت الفصائل المسلحة في أكثر من مناسبة إلى حرمانهم من ممارسة شعائرهم الدينية، وتدمير مزاراتهم المقدسة وتدنيس مقابرهم بشكل متعمد.[17] وفي مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، تم منع المسيحيين من قرع أجراس الكنائس أو رفع الصلبان، وتم الاستيلاء على بعض الكنائس والأديرة واستخدامها كمقرات عسكرية،[18] ولم يكن حال الدروز أفضل في المنطقة المذكورة.[19]
6. عدم مراعاة التنوع في هيكلية اللجنة الدستورية:
لم يكن اقصاء الأقليات محددواً على النصوص التي تبنتها بعض جهات المعارضة السورية، بل تعداها إلى هيكليات مدعومة أممياً، أنشأت في إطار العمل على تحقيق الانتقال السياسي، وكان من بين هذه الهيكليات اللجنة الدستورية السورية.
شكلت اللجنة الدستورية بموجب القرار رقم 2254، الصادر عن الأمم المتحدة، وتمَّ الإعلان عنها رسمياً بعد “مؤتمر الحوار الوطني” الذي انعقد في سوتشي/روسيا عام 2018، (بعد توافق روسي/تركي/إيراني)، كجزء من استراتيجية دولية لحل النزاع السوري. هذه اللجنة تتكون من هيئتين، مصغرة وموسعة: تضم الهيئة الموسعة 150 رجلاً وامرأة – 50 مرشحاً من طرف الحكومة السورية؛ 50 مرشحاً من طرف هيئة المفاوضات السورية؛ 50 مرشحاً من المجتمع المدني. وتضم الهيئة المصغرة للجنة الدستورية 45 رجلاً وامرأة تمت تسميتهم من بين أعضاء اللجنة الموسعة 15 مرشحاً من بين مرشحي الحكومة الخمسين؛ 15 مرشحاً من بين مرشحي هيئة المفاوضات السورية الخمسين؛ و15 من بين مرشحي المجتمع المدني الخمسين.[20]
وقد رافق تشكيل اللجنة الدستورية، الكثير من الأخذ والرد والاعتراض على الشخصيات والمكونات المشاركة من قبل الأطراف الراعية فقد تحولت إلى قضية محاصصة دولية، بعيدة عن الكفاءة والديموغرافيا والخلفية الثقافية للمجتمع، والتخصص بالشأن الدستوري.
فيما بدت اللجنة متوازنة بشكل ملحوظ من حيث التنوع الديني والمذهبي، مع تمثيل زائد هامشي للمسيحيين والمسلمين العلويين على حساب المسلمين السنة، وفقًا للإحصاءات الوطنية السورية (انظر الشكل رقم 1)، لم تتجاوز نسبة التنوع الاثني فيها مجتمعة ال 10%، حيث لم يتخطى تمثيل الكرد في اللجنة الـ 4%، أي أقل من نصف نسبتهم من إجمالي عدد السكان، إضافة إلى أنه قد تم استبعاد مكونات كردية سياسية من اللجنة بشكل كامل (انظر الشكل رقم 2). [21]
7. المقترحات والتوصيات:
إن عملية وضع دساتير لبعض البلدان الهشة والمتضررة من النزاعات لا تهدف غالباً إلى إعادة هيكلة المؤسسات السياسية فحسب، بل إلى الاعتراف الرسمي بالخصوصية التاريخية و/أو الاثنية لتلك البلدان، والنص صراحة على أوجه التمايز السياسي والثقافي أو الرمزي للكيانات دون الوطنية فيها.
إن المشاركة العامة في عمليات صنع الدستور تشكل واحدة من الآليات المركزية للديمقراطيات، والتي عن طريقها يتم حماية مصالح الأقليات من خلال العمليات السياسية بموافقة الأكثرية، وهذا هو جوهر عملية صياغة الدستور، لذا اثناء صياغة الدستور من الضروري تمثيل جميع المواطنين في العملية السياسية سواء من خلال تمثليهم السياسي (أحزاب او كتل سياسية) وكذلك تمثيلهم العادل وفقا للتوزع الديمغرافي وأيضاً توجهاتهم الثقافية والدينية. وقد ناقش المشاركون في الورشة التي نظمتها سوريون عدة نقاط، منها أنه:
- يتوجب على الحكومة السورية القادمة تجنب القيام بأيّ فعل أو تصرف يؤدي إلى حرمان الشعوب الأصلية، والأقليات التي تعيش في سوريا، من التحدث بلغتها الأم، بل وضرورة الحفاظ عليها وتطويرها، كما يتوجب عليها القيام بالتدابير والإجراءات اللازمة لحماية الهوية الثقافية واللغوية لهم، وتهيئة الظروف الكفيلة بتعزيز تلك الهويات اللغوية المختلفة، وضمان حصول هؤلاء وأبنائهم على فرص كافية لتعلم لغتهم الأم وتلقي الدروس بها، كالنص على واجباتها تلك في الدستور القادم، والتعهد بتوفير الإمكانيات المتاحة لهم للوفاء بتلك الالتزامات، وتحقيق ذلك يتوافق مع ما ذكرته المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، وكذلك مع نص المادة الثانية من إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية لعام 1992.
- يتوجب على الحكومة القادمة منح الحق للشعوب الأصلية والأقليات، كالكرد والسريان والآشوريين والأرمن وغيرهم، في إحياء واستخدام وتطوير تاريخها ولغاتها وتقاليدها الشفوية وفلسفاتها ونظمها الكتابية، وآدابها ونقلها إلى أجيالها المقبلة، وكذلك تسمية المجتمعات المحلية والأماكن والأشخاص بأسمائها الخاصة، وهذا يقتضي أيضاً إعادة الأسماء الأصلية للمناطق والبلدات التي تم تعريبها على أيدي حكومات البعث والسورية الأخرى المتعاقبة، ومنحها الحق في إقامة نظمها ومؤسساتها التعليمية وإدارتها وتوفير التعليم بلغاتها، واتخاذ تدابير فعالة لتحقيق هذه الالتزامات، وليس كافياً النص على حق هذه الشعوب بإحياء تراثها وثقافتها ولغتها، بل يفترض بالدولة المساعدة في ذلك، كون هذا الأمر لا يحتاج فقط إلى الرغبة والتمني، بل يحتاج إلى الدعم المادي والفني والتقني، الذي تمتلكه الدول عادة وليس الأفراد، وقيام الحكومة القادمة باتخاذ التدابير الفعالة تلك بما يتسق مع ما ورد في المادتين 13 و14 من إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية لعام 2007.
- النص على عقوبات جزائية لكل من يقوم بأفعال من شأنها حرمان الشعوب الأصلية والأقليات من التمتع بحقوقها اللغوية والثقافية، واعتبار تلك الأفعال الرامية إلى صهر وتذويب القوميات واللغات الأخرى في بوتقةٍ قومية أو لغوية واحدة جرائم جزائية، وينبغي وضع معايير واضحة وفاصلة بين الإدماج المقبول والصهر والاستيعاب والاستئصال غير المقبول، وضمان ألا يصبح الإدماج استيعابا غير مرغوب فيه أو يقوض الهوية الجماعية للأشخاص الذين يعيشون في اقليم الدولة، حيث يختلف الإدماج عن الاستيعاب، إذ إن الإدماج (الاندماج) ينمي مجالاً مشتركاً تسوده المساواة في المعاملة وحكم القانون العام، كما يسمح بالتعددية، وهذه التدابير التشريعية نجد لها دعماً في التعليق على إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية أو إلى أقليات دينية ولغوية، والمقدم من رئيس الفريق العامل المعني بالأقليات التابع للجنة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان.
- اتخاذ التدابير السابقة للحفاظ على اللغات الموجودة على الأرض السورية، وحمايتها من الاندثار وتطويرها، بالتوافق مع مبدأ المواطنة المتساوية، الذي تنادي به أغلبية الحكومات والمعارضات السورية، دون أن تتقدم أي منها بخطوات وخطط جدية في هذا المجال.
- ضمان تمتع أفراد المجموعات الدينية والطائفية بشكل خاص بالحق في الحرية الدينية، واحترام خصوصيتهم الثقافية، وألا يُفرض عليهم تربية دينية تعليمية معينة، أو قوانين أحوال شخصية لا يريدونها، وأن يُعاملوا على أساس المساواة أمام القانون والمحاكم وفي إطار الدستور، إلى جانب مراعاة ممارسات أخرى على الصعيد الاجتماعي كانوا يتعرضون من خلالها للتمييز مثل أيام العطل وغيرها.
أخيراً، يمكن الاستفادة في هذا الميدان، من دساتير بعض الدول التي مرت بتجارب مماثلة للتجربة السورية، ونذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر، الدستور العراقي الذي نص في المادة 4 بأن: “اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان في العراق، ويضمن حقّ العراقيين بتعليم أبنائهم باللغة الأم كالتركمانية والسريانية والأرمنية في المؤسسات التعليمية الحكومية وفقاً للضوابط التربوية، أو بأية لغة أخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة“، أو المادة 2 حول الحرية الدينية، والتي تنص على أنّه: “يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين”.[22]
وكذلك دستور جنوب أفريقيا الذي نص على اعتبار اللغات الرسمية للبلاد هي إحدى عشرة لغة، وألزم الدولة: “باتخاذ اجراءات عملية وايجابية لتحسين وضع هذه اللغات والنهوض باستخدامها“، وهذا يعتبر موقفاً متقدماً، حيث لم يكتف الدستور بمنح الحق للشعوب الأصلية والأقليات بالتحدث بلغتها الأم فقط، بل ألزم الدولة بتحسين وضع تلك اللغات وتطويرها.
بالإضافة إلى الدستور الإسباني، والذي اعتبر أن اللغة الاسبانية الرسمية هي القشتالية، وصنف اللغات الاسبانية الأخرى لغات رسمية داخل مجتمعات الحكم الذاتي وفقاً لأنظمتها، وكذلك دستور المملكة المغربية، فبالإضافة إلى اعتباره اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية، فقد نص على إحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية.[23]
[1] يواجه مفهوم “الأقليات” تحدّيات في الإجماع على تعريف موحّد على المستوى الدولي؛ لذا فضّلت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في هذا التقرير اعتماد المفهوم الذي طورّه المقرر الخاص المعني بقضايا الأقليات في تقريره المقدّم للجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر 2019، والذي نصّ على أنّ: الأقلية الاثنية او الدينية او اللغوية؛ هي أي مجموعة من الأشخاص تشكل اقل من نصف السكان في كامل أراضي الدولة التي يشترك أعضاؤها في خصائص الثقافة او الدين او اللغة، ا مزيج من أي من هؤلاء. يمكن لأي شخص أن ينتمي بحرية إلى اقلية عرقية او دينية او لغوية دون أي شرط للمواطنة او الإقامة او الاعتراف الرسمي او أي وضع اخر.
انظر على سبيل المثال: سوريا: دليل مختصر حول حماية حقوق الأقليات الدينية. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2022. (آخر زيارة للرابط 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2023).
[2] النظم الانتخابية: نظم التمثيل النسبي:
[3] Minorities and indigenous peoples in Syria, Minority Rights Group: /
[4] هينبوش، ريمون: سوريا، ثورة من الاعلى، روتليج 2001، ص 18
[5] حيث شهد عام 1961 تسمية البلاد رسميا بالجمهورية العربية السورية
[6] For histories of the formation and development of the Syrian State since the end of WW1 see: Van Dam, N. (2011). The struggle for power in Syria: Politics and Society under Asad and the Ba’th Party. I. B. Tauris; Hinnebusch, R. A. (2023). Authoritarian Power and State Formation in Ba`thist Syria: Army, Party, and Peasant. Routledge; Maʻoz, M., Ginat, J., & Winckler, O. (1999). Modern Syria: From Ottoman Rule to Pivotal Role in the Middle East; Ziser, E. (2001). Asad’s legacy: Syria in Transition. C. HURST & CO. PUBLISHERS; Wedeen, L. (2015). Ambiguities of domination: Politics, Rhetoric, and Symbols in Contemporary Syria. University of Chicago Press; George, A. (2003). Syria: Neither Bread Nor Freedom. Zed Books.
[7] المرسوم 94 لعام 2012، الدستوري السوري، موقع مجلس الشعب السوري، 27 شباط/ فبراير 2012 (آخر زيارة للرابط: 29 تموز/يوليو 2023)
http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=5518&cat=423&
[8] الدستور السوري، موقع مجلس الشعب السوري، 27 شباط/ فبراير 2012 (آخر زيارة للرابط: 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023)
[9] الحرمان من اللغة الأم كأحد أشكال “الإبادة الثقافية” المستمرة في سوريا، سوريون من اجل الحقيقة والعدالة، 22 شباط/فبراير 2021: (آخر زيارة للرابط: 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023)
[10] المرسوم التشريعي 100 لعام 2011، قانون الأحزاب، موقع مجلس الشعب السوري، (آخر زيارة للرابط: 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2023)
[11] سوريا: العدالة الانتقالية المراعية لاعتبارات النوع الاجتماعي كمطلب أساسي لدعم المسار الانتقالي، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، 19حزيران/يونيو 2023(آخر زيارة للرابط: 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2023)
2023:
[12] سليمان يوسف يوسف، آشوريو سوريا في عهد الرئيس بشار الأسد، صحيفة ايلاف الالكترونية، 2 أيلول/سبتمبر 2010 (آخر زيارة للرابط: 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023): آشوريو سوريا في عهد الرئيس بشار الأسد (elaph.com)
[13] الايزيديون في سوريا: عقود من الإنكار والتمييز، سوريون من اجل الحقيقة والعدالة، 5 أيلول/سبتمبر 2022 (آخر زيارة للرابط: 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023) :
[14] اللائحة الداخلية، للمعهد العالي للغات في جامعة دمشق:
[15] الإطار التنفيذي للعملية السياسية وفق بيان جنيف (2012)، الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية، أيلول/سبتمبر 2016.
[16] هوزان ديرشوي، اللغة الكردية بين الحكومة والمعارضة السورية منذ سنة 2011، مركز اسو للدراسات، 2023.
https://asostudies.com/ar/node/343
[17] الايزيديون في سوريا: عقود من الإنكار والتمييز، مصدر سابق.
[18] إلى أن تصدح أجراس كنائسهم.. مسيحيو إدلب محرومون من حقوقهم، سوريون من اجل الحقيقة والعدالة، 26 كانون الأول/ديسمبر 2022 (آخر زيارة للرابط: 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2023).
[19] دروز إدلب يشكون واقعهم.. تضييق ومعاملة تمييزية، سوريون من اجل الحقيقة والعدالة، 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 (آخر زيارة للرابط: 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2023).
[20] اللجنة الدستورية، مكتب المبعوث للامين العام في سوريا:
[21] Shaar, K. and Dasouki, A. “Syria’s Constitutional Committee: The Devil in the Detail”, 12 December 2023.
[22] العملية الدستورية في سوريا: كيف يمكن الاستفادة من التجربة العراقية؟ سوريون من اجل الحقيقة والعدالة، 25 تشرين الأول/أكتوبر 2023 (آخر زيارة للرابط: 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2023).
[23] الحرمان من اللغة الأم كأحد أشكال “الإبادة الثقافية” المستمرة في سوريا، سوريون من اجل الحقيقة والعدالة، 22 شباط/فبراير 2021 (آخر زيارة للرابط: 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2023).