يعاني ملايين الأشخاص الذين نزحوا خلال الحرب السورية التي استمرت 10 سنوات من الفقر وانعدام الأمن والازدحام في منطقة بشمال غرب البلاد تسيطر عليها جماعة متشددة (معارضة) كانت مرتبطة بالقاعدة.
10 / نيسان / أبريل / 2021
*مع العدالة | ترجمة: أحمد بغدادي
المصدر: نيويورك تايمز
إدلب، سوريا – من بين ملايين السوريين الذين فروا عندما قصفت الحكومة بلداتهم، ودمرت منازلهم وقتلت أحبائهم، هناك 150 عائلة تقطن في ملعب لكرة القدم بمدينة إدلب الشمالية الغربية، وتحتمي في خيام متهالكة ورثّة، تحت المدرجات، أو في الفناء الخارجي المحاط بالمساحات الصخرية.
العمل نادر، والإرهاب يسيطر عليهم بالتزامن مع تحليق الطائرات فوق رؤوسهم: قد تأتي ضربات جوية جديدة في أي وقت. لكن الخوف من انتقام حكومة الأسد يمنعهم من العودة إلى ديارهم. أكثر من 1,300 مخيم مماثل تنتشر في آخر معاقل المعارضة، حيث تمتد الأراضي الزراعية على طول قنوات الري، وبجوار المباني السكنية تجلس عائلات اللاجئين في أبنية متضررة بدون نوافذ.
يقول عُقبة الرحوم، مدير المخيم في ملعب كرة القدم، “سيبقى الناس في هذه الأماكن مع كل الكوارث قبل أن يعيشوا في ظل نظام بشار الأسد.”
في زيارة نادرة إلى محافظة إدلب، كثرت الأمثلة على الأشخاص المصدومين والمتأثرين بالحرب، والفقراء المحاصرين في مشهد غامض وعنيف في كثير من الأحيان. هم عالقون بين جدار لمنعهم من الفرار عبر الحدود القريبة مع تركيا وحكومة معادية ووحشية يمكن أن تهاجم في أي لحظة، أثناء مكافحتهم من أجل تأمين الاحتياجات الأساسية في “إقليم” تسيطر عليه جماعة مسلحة كانت مرتبطة سابقاً بتنظيم القاعدة.
في العقد الذي انقضى منذ اندلاع الحرب في سورية، سحقت قوات بشار الأسد المجتمعات التي ثارت ضده، وهرب ملايين الأشخاص إلى حياة جديدة هاربين من مجهولٍ أحاط بهم- في البلدان المجاورة وأوروبا ومناطق سورية خارج سيطرة الطاغية الأسد. بما في ذلك الشمال الغربي الذي تسيطر عليه المعارضة.
وقد أوضح رئيس النظام السوري أن هؤلاء الناس لا يتناسبون مع مفهومه للنصر، ومن المرجح أن يعود عدد قليل منهم طالما ظلَّ في السلطة، مما يجعل مصير النازحين أحد أكثر القضايا التي لم تنتهِ بعد.
مدخل مشفى تحت الأرض في الأتارب، سوريا، بعد يوم من هجوم عسكري أسفر عن مقتل سبعة أشخاص.
لجأ مئات الأشخاص إلى ملعب لكرة القدم في مدينة إدلب الشمالية الغربية.
وقال “مارك كاتس-Mark Cutts“، نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة في سوريا: “السؤال: ما هو مستقبل هؤلاء الناس؟“. لا يمكنهم الاستمرار في العيش إلى الأبد في حقول موحلة تحت أشجار الزيتون على جانب الطريق”.
وطوال الحرب، أصبح الشمال الغربي الذي تسيطر عليه المعارضة والمتشددون هو الملاذ الأخير للسوريين الذين ليس لهم مكان آخر يذهبون إليه. نقلتهم حكومة النظام السوري بالحافلات هنا بعد احتلال مدنهم. دخلوا في شاحنات مكدسة بالبطانيات والفرش والأطفال. وصل بعضهم سيراً على الأقدام ومعهم القليل من الممتلكات إلى جانب الملابس التي كانوا يرتدونها.
في العام الماضي، دفع هجوم شنته قوات النظام، بدعم من روسيا وإيران، ما يقرب من مليون شخص إلى المنطقة.
وفرّ حوالي 2.7 مليون من أصل 4.2 مليون شخص في الشمال الغربي، وهو واحد من آخر شريطين من الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة التي كانت تسيطر في السابق على جزء كبير من سوريا. حوّل هذا التدفق قطاعاً رعوياً من القرى الزراعية إلى تجمع كثيف من المخيمات المؤقتة ذات البنية التحتية السيئة؛ علاوة على الأسر النازحة المحشورة في كل مساحة متاحة.
الملعب في إدلب بمثابة مخيم غير رسمي للنازحين.
منطقة السوق المركزي لمدينة إدلب.
بعد أن دمر الاقتتال مدينته ومسقط رأسه، فرّ أكرم سعيد، ضابط شرطة سابق، إلى قرية قاح السورية بالقرب من الحدود التركية في عام 2014 واستقر على قطعة أرض تطل على بساتين الزيتون أسفلها وادٍ. وشاهد منذ ذلك الحين موجات من المواطنين النازحين تتدفق إلى هذا الوادي، حيث ساعدت أشجار الزيتون على إفساح الطريق إلى مخيم يكتظ بالناس.
المصدر: صحيفة نيويورك تايمز
قال السيد سعيد: “في العام الماضي، انتهى المطاف بكل سوريا هنا. “الله وحده يعلم ما سيأتي في المستقبل”.
وقد كافحت المنظمات الإنسانية التي تعمل على محاربة الجوع والأمراض المعدية، بما في ذلك “كوفيد-19″، للحصول على مساعدات كافية إلى المنطقة. وقد يصبح هذا الجهد أكثر صعوبة إذا ما منعت روسيا، أقرب حليف دولي للأسد، قرار الأمم المتحدة الذي سيُجدد هذا الصيف بإبقاء معبر حدودي واحد مع الشمال الغربي مفتوحاً أمام المساعدات الدولية.
أطفال هذا الفصل في إدلب أيتام أو فقدوا والديهم.
منطقة في محافظة إدلب تعرضت لأضرار جسيمة في القتال العنيف بين الثوار وقوات نظام الأسد.
ومما يزيد من تعقيد المأزق الدولي بشأن مساعدة إدلب، هو الدور المهيمن للجماعة المتشددة “هيئة تحرير الشام“.
تطورت الجماعة من جبهة النصرة، وهي منظمة جهادية أعلنت ولاءها للقاعدة في وقت مبكر من الحرب وميزت نفسها باستخدامها الكثيف للعمليات الانتحارية ضد أهداف حكومية ومدنية.
وتعتبر تركيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة “هيئة تحرير الشام ” منظمة إرهابية، على الرغم من أن قادتها نأوا بأنفسهم علناً عن تنظيم «القاعدة» في عام 2016، وقللوا من جذورهم الجهادية منذ ذلك الحين. كانت تلك الجهود واضحة حول إدلب، حيث غابت الأعلام والشارات والكتابات التي تعلن عن وجود الجماعة، على الرغم من أن السكان غالباً ما أشاروا إليها بحذر على أنها “المجموعة التي تسيطر على المنطقة”.
بخلاف تنظيم الدولة الإسلامية، وهو التنظيم الإرهابي الذي قاتل المعارضة والحكومة على حد سواء للسيطرة على مساحة من الأراضي على جانبي الحدود السورية العراقية، لا تسعى “الهيئة” من أجل دولة إسلامية بشكل مباشر، ولا تقوم بتسيير دوريات شرطة “أخلاقية” – الحسبة لإنفاذ قوانين اجتماعية صارمة على المواطنين.
مقاتلون من جماعة هيئة تحرير الشام المتشددة في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة.
مقاتلو “تحرير الشام” يشقون طريقهم عبر خندق على الخطوط الأمامية الشهر الماضي بالقرب من بلدة معرة النعمان في سورية.
خلال جولة في مواقع الجبهة الأمامية للجماعة، قام متحدث عسكري كان يحمل اسماً حركياً “أبو خالد الشامي” باقتياد الصحفيين على درج ترابي مخبأ في قبو، يفضي إلى نفق طويل تحت الأرض ويؤدي إلى شبكة من الخنادق ومواقع إطلاق النار التي يحرسها المقاتلون.
وقال ” إن النظام على هذا النحو، وبتلك الجهة يتواجد الروس، والميليشيات الايرانية هناك “، مشيراً عبر الحقول الخضراء إلى خنادق الأعداء.
وعندما سُئل عن مدى اختلاف الجماعة عن سابقتها، القاعدة، قال إنها جزء من حركة المعارضة الواسعة التي تسعى إلى الإطاحة بالأسد.
من أجل إدارة المنطقة، ساعدت هيئة تحرير الشام في إنشاء حكومة الإنقاذ السورية، التي تضم أكثر من 5000 موظف و 10 وزارات، بما في ذلك العدل والتعليم والزراعة، حسبما قال رئيس الإدارة، علي عبد الرحمن كده في مقابلة أجريت معه سابقاً.
- وأضاف: هي غير معترف بها دولياً، لكنها تكافح من أجل تلبية الاحتياجات الهائلة للمنطقة.
أغلب المنتقدين “المواطنين” يرفضون الإدارة (حكومة الإنقاذ السورية) باعتبارها واجهة مدنية تسمح لتنظيم محظور بالتفاعل مع المنظمات الأجنبية. حيث يتهم البعض هيئة تحرير الشام باعتقال واحتجاز من ينتقد سلوكها وأفعالها، وإغلاق الأنشطة التي تتعارض مع آرائها الإسلامية المتشددة.
في الشهر الماضي، حثت الدكتورة رانيا قيصر، السورية التي تحمل الجنسية الأمريكية، مديرة المعهد السوري الإنساني للتمكين الوطني في مدينة إدلب، مجموعة من النساء في نشاط حدث بإدلب على رفض تعدد الزوجات، المسموح به بموجب الشريعة الإسلامية.
وقالت السيدة قيصر إن مسلحين أغلقوا في اليوم التالي مكتب المعهد وهددوا بسجن مديره.
مقاتلون يراقبون مواقع النظام السوري بالقرب من منطقة معرة النعمان التي تسيطر عليها المعارضة.
مقاتل من “هيئة تحرير الشام” يحاول اكتشاف تواجد قوات النظام بالقرب من خط المواجهة في محافظة إدلب.
وأكد المتحدث باسم الادارة “ملحم الاحمد” أن إغلاق المكتب “حتى إشعار آخر” جاء رداً على كلام السيدة قيصر، الذي يعتبر “إهانة للمشاعر والأخلاق العامة”.
وقال متحدث باسم “هيئة تحرير الشام” إن منظمات الإغاثة والإعلام حرّة في العمل داخل “إطار ثوري” يحترم المعايير ولا يتجاوز ما هو مسموح به.
وقد أدى تقدم قوات النظام والميليشيات الحليفة في العام الماضي إلى زيادة الضغط على خدمات إدلب المتداعية أصلاً.
- في مشفى الولادة بمدينة إدلب، تذكر الدكتورة إكرام حبوش أنها أشرفت على ولادة ثلاثة أو أربعة أطفال كل يوم قبل الحرب. الآن، نظراً لفرار العديد من الأطباء وقلّة المرافق، غالباً ما تشرف على 15 ولادة يومياً.المشفى مزدحم ويفتقر إلى الوسائل للتعامل مع الحالات الصعبة.
وقالت: “في بعض الأحيان يكون لدينا أطفال يولدون قبل الأوان، ولكن ليس لدينا مكان لوضعهم، وبحلول الوقت الذي يمكننا فيه نقلهم إلى تركيا، يكون الطفل قد مات”.
منذ العام الماضي، أوقف اتفاق خفض التصعيد الذي أبرمته تركيا وروسيا القتال المباشر في إدلب، لكن منذ فترة، كانت هناك ثلاث هجمات. سقطت قذيفة على مخيم للاجئين. أشعلت غارة جوية مستودعاً للوقود على الحدود التركية ؛ وأصابت ثلاث قذائف مدفعية مشفى قروي في الأتارب، ما أسفر عن مقتل سبعة مرضى، بينهم طفل يتيم كان قد ذهب للتلقيح، بحسب الجمعية الطبية السورية الأمريكية (سامز)، التي تدعم المنشأة.
بينما يكافح النازحون في المنطقة للبقاء على قيد الحياة، يحاول الآخرون توفير الاحتياجات البسيطة.
في ادلب، المحافظة التي تعاني من كارثة، يبدو أن لا نهاية لها، يقدم مطعم ديزني لاند الشواء، والألعاب الإلكترونية والهوكي وغيرها من الأنشطة الترفيهية.
صبي يلعب لعبة الواقع الافتراضي في مطعم ديزني لاند.
يتحول مخزن الطابق السفلي كمأوى عندما تقصف قوات النظام أي مكان قريب من المطعم. حيث أحيطت الشرفة بأغطية بلاستيكية بدلاً من الزجاج كي لا تتحطم على رواد المطعم إذا تم قصف المكان.
أحمد أبو خير، وهو مدير المطعم، فقد وظيفته في مطعم سياحي أغلق مع بدء الحرب، ففتح مكاناً أصغر دمره قصف النظام السوري لاحقاً.
وافتتح مطعماً آخر لكنه غادره عندما سيطر النظام على المنطقة العام الماضي وفرّ إلى إدلب.
مثل كل نازحي إدلب، كان يتوق إلى أخذ أسرته للمنزل، لكنه كان سعيداً بالعمل في مكان ينشر القليل من الفرح في هذه الأوقات العصيبة.
وقال: “نحن مقتنعون بأن الحياة الطبيعية يجب أن تستمر”. “نريد أن نعيش.”