#########

العدالة والمساءلة

انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا – حزيران/ يونيو 2024


لم تكن هذه الاعتقالات ظاهرة جديدة فقد تكررت منذ أن نجحت تركيا وفصائل الجيش الوطني السوري بالسيطرة على المنطقة عام 2018، إلا أن المركز السوري شهد زيادة في هذه الحالات خلال الأشهر القليلة الماضية.

30 / تموز / يوليو / 2024


انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا – حزيران/ يونيو 2024

 

*مع العدالة: المصدر” المركز السوري للعدالة والمساءلة

 

«مناطق السيطرة على الخريطة التالية معروضة وفقًا للناحية، وقد لا تُظهر الوضع الحالي على أرض الواقع»

 

تجمع خارطة انتهاكات حقوق الإنسان الصادرة عن المركز السوري للعدالة والمساءلة البيانات التي جمعها الفريق الميداني من منسقي التوثيق، حيث تُستخرج البيانات من التقارير الإعلامية المحلية بالإضافة إلى المقابلات والحوارات التي يجريها المركز، والتي لن يتمكن الجمهور الدولي الأوسع من الوصول إليها دون المركز. وتعرض هذه الخارطة تفصيلا شاملا لحالة حقوق الإنسان المستمرة في مناطق السلطات السياسية والعسكرية الأربعة الرئيسية في سوريا، وتضم الحكومة السورية وهيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية/ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والمناطق التي تحتلها تركيا.

سيجري العمل على تحديث خارطة حقوق الإنسان الصادرة عن المركز شهريا بأحدث المعلومات حول انتهاكات حقوق الإنسان والأحداث السياسية الرئيسية مع تحليل لتطور النزاع.

تضم خارطة حزيران/ يونيو تفاصيل حول نزاعات غير مسبوقة بين القوات الحكومية والمجموعات المحلية المسلحة في مدينة السويداء، والارتفاع المتزايد في اغتيالات المدنيين والعسكريين في محافظة درعا تحت السيطرة الحكومية، وانتهاكات قوات سوريا الديمقراطية ضد المحتجزين والأطفال، وزيادة نشاطات داعش في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية والحكومة، والاعتقالات الجماعية للسكان الأكراد في غالب الأحيان في عفرين التي تحتلها تركيا، والمظاهرات المستمرة ضد حكم هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب.

السيطرة الحكومية:

تسيطر الحكومة السورية حاليا على غالبية الأراضي السورية في الجنوب، وهذا يشمل محافظات  درعا    والسويداء   والقنيطرة ، إذ إن الجماعات العسكرية والأمنية التابعة للحكومة مسؤولة عن الأمن منذ استعادة السيطرة على المنطقة عام 2018.

في محافظة درعا، تُمثّل الاغتيالات والاعتداءات العنيفة الأخرى ضد الأفراد المدنيين والعسكريين تهديدا أمنيا كبيرا للأمن، حيث أشار موثقو المركز إلى زيادة كبيرة في هذه الاعتداءات في أواخر العام 2023 وعام 2024. كما تدور نزاعات واشتباكات بشكل منتظم بين المجموعات المسلحة المتنافسة في درعا (حتى لو كانت تعمل هاتين المجموعتين نيابة عن الحكومة)، وقد أسفرت تلك الاشتباكات عن قتلى وإصابات من المدنيين. في حزيران/ يونيو، استمرت الوتيرة المرتفعة للاغتيالات في درعا، والتي تعزوها الوسائل الإعلامية بشكل عام إلى “مقاتلين غير معروفين،” وأشار الموثقون إلى أعداد أكبر من الوفيات بين المدنيين مقارنة بالأشهر القليلة الماضية. وشمل الضحايا المدنيون لهذا الشهر الرجال دون أي انتماء عسكري، مع  زوجاتهم  أو  أبنائهم  المرافقين للأفراد المستهدفين وقت الاعتداء. كما استهدف الخطف والاغتيال هذا الشهر عددا من النشطاء في  المجموعات المسلحة  المحلية أو  الاتجار بالمخدرات .

أصبح الخطف مقابل الفدية ظاهرة خطيرة متزايدة، وتتسبب بصعوبات كبيرة للمدنيين. في منتصف حزيران/ يونيو، أشارت التقارير الإعلامية المحلية إلى  إطلاق  مجموعة معروفة سراح شاب اختطف سابقا في درعا البلد، بعد أن دفعت أسرته مبلغا يزيد على 50,000 دولار للخاطفين.

في محافظة السويداء، نظم المدنيون احتجاجات سلمية ضد الحكومة منذ خريف عام 2023، مطالبين بالإصلاحات وتغيير النظام، والتي استمرت خلال شهر حزيران/ يونيو. في ظاهرة غير مسبوقة في هذه المنطقة. وبعد أن حاولت القوات الحكومية وضع نقطة تفتيش عند دوار العنقود في مدينة السويداء يوم 23 حزيران/ يونيو، اندلعت الاشتباكات المسلحة بين المجموعات المحلية والقوات الحكومية. وخلال يوم وصل الطرفان إلى  اتفاق  لوقف الاشتباكات، بحسب ما ورد من خلال  وساطة  القادة المحليين والقوات الروسية. تبعا للتقارير الإعلامية المحلية حول الاتفاق، وافقت الحكومة على اعتماد نقطة التفتيش للأغراض العسكرية فقط بدلا من اعتماد نقطة تفتيش لتوقيف المارة والتي كانت ستُشكِّل  تهديدا  كبيرا للمدنيين خصوصا النشطاء في المظاهرات. أشار موثقو المركز إلى أن استعداد الحكومة لتعديل نقطة التفتيش يُبيّن رغبتها في السيطرة على عدم الرضى الشعبي في السويداء على ضوء الاحتجاجات المستمرة. وبعد وقف إطلاق النار،  استمرت  المظاهرات في مدينة السويداء حتى نهاية الشهر.

شهدت محافظة ريف دمشق التي تعد مقرا لعدد من معاقل المعارضة السابقة، شهدت عنفا وانتهاكات حكومية واسعة النطاق في وقت مبكر من الحرب، وشمل هذا الحصار والاعتداءات بالأسلحة الكيميائية والنهب. تدّعي الحكومة بأن أفرادا في بعض هذه المناطق قد “يتصالحون” مع الحكومة ويعودون إلى منازلهم، إلا أن الأحداث في ريف دمشق خلال حزيران/ يونيو تشير إلى أن المصالحة لا تعفي هؤلاء الأفراد من الانتهاكات الحكومية (الاعتقال العشوائي والاغتيال)، ولا تحمي المدنيين في هذه المناطق من التبعات الخطيرة الأخرى للنزاع المستمر في سوريا. بعد عدة سنوات من المصالحة مع الحكومة في أواخر العام 2016، تشهد بلدة زكية الآن تواجدا عسكريا حكوميا أكثر وضوحا، والذي يقاومه السكان بشكل عام. في زكية، اندلعت  الاشتباكات  بين المجموعات المسلحة المحلية وأفراد الفرقة الحكومية الرابعة يوم 18 حزيران/ يونيو، بعد أن دخلت القوات الحكومية البلدة وحاولت لقاء حسان غدير، وهو تاجر مخدرات معروف يُقال إنه ينتمي إلى الفرقة الرابعة. أحرق أفراد الجماعات المحلية المنازل التي يملكها حسان غدير في الاحتجاجات، وأصيب عدة أفراد من الفرقة الرابعة في الاشتباكات التي نشبت، ومن بين المصابين طفل يبلغ من العمر 12 عاما.

بالإضافة إلى التهديدات المستمرة لسلامتهم الشخصية، غالبا ما يعاني المدنيون المقيمون في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة من نقص في الخدمات الأساسية بسبب الأضرار التي تكبدتها البنية التحتية في وقت سابق من الحرب، والتهميش الحكومي المستمر لهذه المناطق بعد إعادة السيطرة عليها. ومع أن بعض الأفراد عادوا إلى منازلهم بعد تلقي “الموافقة الأمنية” المطلوبة من الحكومة، ما زال العديد في ريف دمشق وجنوب دمشق يعانون من نقص إمكانية الوصول إلى مياه الشرب النظيفة والكهرباء المنتظمة. في حزيران/ يونيو، أشار المسؤولون المحليون في حمورية، في الغوطة الشرقية، إلى أن المدنيين معرضون للمرض بعد إجبارهم على استعمال المياه  الملوثة  بالمياه العادمة  والمسرطنات ، بسبب نقص الإصلاحات للبنية التحتية للمياه. يشير موثقو المركز إلى أن الخدمات العامة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة غالبا ما تكون ضعيفة، وهي أسوأ في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة، ومع غياب الخدمات الحكومية، يُجبَر المدنيون في هذه المناطق على القيام بأي مهام مطلوبة لتصبح منازلهم قابلة للعيش، مثل إزالة الأنقاض وتأمين المياه وغيرها من المهام، متحملين وحدهم الكلفة المالية والمخاطر المحتملة على صحتهم.      

كما تسيطر الحكومة السورية على محافظتي حمص وحماة، مع أجزاء من محافظتي دير الزور والرقة، والتي تضم مناطق صحراوية واسعة. كثيرا ما تُجري داعش اعتداءاتها في هذه المناطق، حيث تقتل المدنيين الذين يرعون الماشية أو يجمعون الكمأة، ويستهدفون أيضا  القوات العسكرية الحكومية  التي تُنفذ عمليات للقضاء على داعش، وجميعها حصلت في حزيران/ يونيو. تُنظّم داعش اعتداءاتها لإظهار تواجدها المستمر في سوريا وجمع الموارد لاستدامة عملياتها. في الأشهر الأخيرة، لاحظ موثقو المركز أن  وسائل الإعلام  المحلية و الصحفيين  يعزون ما يبدو بأنه اعتداءات داعش التقليدية إلى “الميليشيات التابعة لإيران”، مثل اعتداءين في محافظتي الرقة وحماة في حزيران/ يونيو، نتج عنهما قتل راعٍ وخطف راعيين آخرين، ومقتل 80 من الخراف. وامتنعت وسائل أخرى عن تسمية الجهة المسؤولة عن الاعتداء عند الحديث عن اعتداءات أخرى تشبه في أسلوبها  اعتداءات  داعش والتي استهدفت القوات الحكومية في المناطق الصحراوية. بغض النظر عن السبب الذي دعا وسائل الإعلام تلك إلى عزو الاعتداءات لهيئات غير داعش، فإن أي محاولة للتخفيف من الأثر المستمر لداعش في سوريا لا يخدم المدنيين الذين ما زالوا مهددين بزيادة نشاط داعش في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية.

منذ نيسان/ أبريل 2024، وثق المركز السوري للعدالة والمساءلة زيادة في أعداد اللاجئين العائدين (وتضم العودة “الطوعية” و التهجير ) إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة من لبنان المجاورة. غالبا ما يتعرض اللاجئون العائدون إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة إلى مخاطر الاعتقال، كما يظهر في  إعلان  وسيلة إعلام محلية في حزيران/ يونيو، بأن رجلا سوريا، أحمد عدنان شمسي الحيدر، والذي أُعيد قسرا من لبنان، قُتل تحت التعذيب، بعد أن اعتقلته الاستخبارات العسكرية عند نقطة تفتيش بدمشق في وقت مبكر من عام 2024. سيستمر المركز في توثيق حالات العودة القسرية واحتجاز اللاجئين العائدين من لبنان وتركيا.

المناطق التي تحكمها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا:

تحكم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أجزاء من محافظات  الحسكة   ودير الزور   والرقة   وحلب.

 على الرغم من الدعم السياسي والعسكري المستمر من الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين الآخرين، ترتكب قوات سوريا الديمقراطية والهيئات العسكرية/ الأمنية الأخرى التي تنتمي لها في هذه المنطقة انتهاكات جسيمة ضد السكان، ومنها الاعتقال العشوائي والمعاملة السيئة للمعتقلين. عمل المركز السوري على توثيق حالتين على الأقل من إساءة معاملة المعتقلين القاتلة من قبل قوات سوريا الديمقراطية في حزيران/ يونيو. في إحدى الحالات، نشرت وسائل إعلام تقارير تشير إلى إغارة قوات سوريا الديمقراطية على منزل في ذيبان، محافظة دير الزور، لأسباب غير معروفة، قاموا خلالها  باعتقال  شاب مدني (علاء عيسى المحمد الميزر) وأخذه إلى موقع لقوات سوريا الديمقراطية بالقرب من حقل عمر النفطي. تبعا للتقرير، قُتل علاء في موقع الاحتجاز بعد فترة وجيزة من اعتقاله.

 أجرى المركز السوري مقابلة مع أحد أقارب المتوفى، وقد شهد أقرباؤه وجيرانه بأن أفراد قوات سوريا الديمقراطية قاموا بضرب علاء وعصب أعينه واعتقاله خلال الغارة على منزله يوم 14 حزيران/ يونيو. وقد أعلم أحد أفراد قوات سوريا الديمقراطية الأسرة بأن علاء توفي بعد “مقاومة” أفراد قوات سوريا الديمقراطية، الأمر الذي يدّعي الشهود على الاعتقال بأنه غير صحيح. أعادت القوات جثمان علاء في كيس للجثامين خلال ساعات من اعتقاله. وتبعا لشهادة القريب،  و  الفيديو  (يُنصح الحذر عند مشاهدته) الذي نشرته وسائل الإعلام المحلية، تظهر عدة جروح كبيرة وغرز على الجسد، إلا أن القوات لم تقدم للأسرة أي تفسير يتعلق بكيفية حدوث هذه الجروح أو سبب وجودها.  

كما أجرى فريق التوثيق للمركز مقابلة مع شخص اعتقلته القوات سابقا في محافظة الحسكة، نتيجة لانتقاده سياسة الإدارة الذاتية (لن يتم الإفصاح عن التفاصيل للحفاظ على سرية الهوية). وذكر أنه تعرض للتعذيب، الذي شمل الصدمات الكهربائية والإذلال، خلال الاعتقال. أشار الموثقون للمركز بأنه بالإضافة إلى الأشخاص المشتبه بانتمائهم لداعش، كثيرا ما تعتقل القوات الأشخاص الذين ينتقدون الإدارة المحلية أو قوات سوريا الديمقراطية بأي شكل. كما أن الأطفال يخضعون لهذه الاعتقالات، كما يظهر في قرار محكمة الإدارة الذاتية في حزيران/ يونيو، والتي  حكمت  على طفل عمره 12 عاما بالسجن ثلاث سنوات بتهمة “إهانة قيادة قوات سوريا الديمقراطية” في فيديو. ربطت  وسائل إعلام محلية  الحكم على هذا الطفل على خلفية علاقته بعمه، أحمد الخبيل (المعروف باسم أبو خولة)، والذي، حتى وقت قريب، كان قائدا لمجلس دير الزور العسكري. اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية أبو خولة وقادة آخرين في آب/ أغسطس 2023، ومنذ ذلك الوقت ساد التوتر العلاقة بين قيادة قوات سوريا الديمقراطية ومجلس دير الزور العسكري. يُمثّل اعتقال الطفل انتهاكا خطيرا من جانب الإدارة الذاتية، بغض النظر عن سبب إصدار المحكمة لهذا القرار.

محاربة تنظيم داعش هي أحد الأهداف الرئيسية لقوات سوريا الديمقراطية في مناطق سيطرتها. إذ ما زال التنظيم يثبت وجوده عن طريق هجمات متعددة شنّها في حزيران / يونيو. وأدت عدة هجمات في المناطق التي تسيطر عليها القوات في محافظة دير الزور هذا الشهر إلى مقتل  عناصر من القوات ،  وموظفين  في مؤسسات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ومدنيين. تقع الهجمات بانتظام في المناطق التي تسيطر عليها القوات في محافظتي الحسكة والرقة. وما زال نشاط داعش يُشكّل خطرا كبيرا على المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها القوات والحكومة على حد سواء.   

في حزيران/ يونيو، استمرت القوات بالتغاضي عن تجنيد الأطفال في المناطق التي تسيطر عليها، وهذا ما تقوم به مجموعة تنتمي إليها تُعرف باسم الشبيبة الثورية. أشارت التقارير الإعلامية والبيانات المقدمة لموثقي المركز السوري في حزيران/ يونيو إلى خطف الشبيبة الثورية لعدد من الأطفال (على الأقل 5) هذا الشهر، ومنهم فتى  بعمر 14 عاما  من كوباني، وأخذهم إلى معسكرات تجنيد الشباب. وقد أجرى المركز السوري عددا من المقابلات مع أسر هؤلاء المخطوفين بظروف مشابهة، ووصفوا نمط هذه الانتهاكات بمزيد من التفصيل في تقرير  علني .

أما التهديد الكبير الآخر للمدنيين في المناطق التي تسيطر عليها الإدارة المستقلة، وخصوصا في الأجزاء الشمالية من محافظات حلب والحسكة والرقة، فهو القصف التركي المستمر والاعتداءات بواسطة المُسيّرات. أشار موثقو المركز السوري إلى حدوث زيادة في مستوى النشاط العسكري التركي في أواخر أيار/ مايو وأوائل حزيران/ يونيو، من خلال سلسلة من الاعتداءات بواسطة المسيرات التي قتلت المدنيين والعسكريين المنتمين لقوات سوريا الديمقراطية في القامشلي وعامودا. من المرجح أن تكون تركيا قد أمرت بهذه الاعتداءات استجابة لخطط الإدارة الذاتية بالمضي قدما بالانتخابات البلدية في صيف عام 2024. سيعمل موثقو المركز السوري على رصد الوضع عن كثب في الأسابيع القادمة.

المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المدعومة من تركيا:

بعد التوغلات التركية في سوريا خلال عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون (2016-2018)، سيطرت تركيا والقوات الموالية في الجيش الوطني السوري على شمال حلب وهي ترتكب بانتظام انتهاكات ضد السكان المدنيين.

في حزيران/ يونيو 2024، أُشير إلى أن فصائل من الجيش الوطني السوري اعتقلت عددا من المدنيين (غالبيتهم من الأكراد) في  عفرين    وعزاز .

لم تكن هذه الاعتقالات ظاهرة جديدة فقد تكررت منذ أن نجحت تركيا وفصائل الجيش الوطني السوري بالسيطرة على المنطقة عام 2018، إلا أن المركز السوري شهد زيادة في هذه الحالات خلال الأشهر القليلة الماضية.

  اعتقلت  الشرطة رجلا من عفرين في وقت مبكر من حزيران/ يونيو، خلال أقل من أسبوع من عودته إلى المنطقة بعد النزوح، بتهمة “التعاون مع الإدارة المستقلة” في وقت سابق. أطلقت فصائل الجيش الوطني السوري سراحه بعد أن دفعت أسرته 1,200 دولار لتأمين إطلاق سراحه. في حادثة أخرى،  اعتقلت  الشرطة 7 أشخاص من قرية واحدة بالقرب من  جنديرس  بتهم مماثلة. في الأمثلة السابقة والعديد من الحالات الأخرى، تشير تهمة “التعاون مع الإدارة المستقلة” إلى أفعال ارتكبت عندما كانت المنطقة تحت سيطرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قبل العام 2018. قد تشير اتهامات “التعاون” مع الإدارة الذاتية إلى أفعال مثل أداء الخدمة العسكرية الإلزامية المطلوبة من قبل الإدارة الذاتية تبعا لقانون “الدفاع عن النفس”، والعمل بوظائف مدنية (معلمين، ممرضين، موظفي بلدية) للإدارة الذاتية، وحتى القيام بعمل بريء مثل  المشاركة  في برنامج مراقبة الأحياء.

في العديد من الحالات، ومنها الرجل الذي أطلق سراحه بعد اعتقاله في عفرين، تَعرِض الفصائل الإفراج عن المعتقل بعد دفع مبلغ من المال، غالبا ما يكون بقيمة آلاف الدولارات، إلى الأفراد الذين اعتقلوهم من فصائل الجيش الوطني الذي تدعمه تركيا. وتبعا لمصادر المركز السوري، تهدف الاعتقالات إلى تخويف السكان الأكراد في شمال حلب. كما يستفيد أعضاء الفصائل في الجيش الوطني السوري شخصيا من ممارسات الاعتقال هذه، لأنهم يستلمون الدفعات من أسر المعتقلين مقابل إطلاق سراح أقربائهم. في حالات أخرى، مثل الرجل الكردي الذين  اعتقلته  فصائل الجيش الوطني السوري من قرية بالقرب من  راجو   في حزيران/ يونيو، لا تتلقى الأسر معلومات حول أقاربهم، وقد يبقى مصير الشخص المعتقل مجهولا لعدة أسابيع أو أشهر.

منذ أن سيطر الجيش الوطني السوري على المنطقة عام 2018، تلقى موثقو المركز السوري تقارير منتظمة تفيد بارتكاب فصائل الجيش انتهاكات تتعلق بمساكن السكان المحليين وأراضيهم وممتلكاتهم وخصوصا في عفرين. هذا الشهر، قيل لرجل عاد إلى عفرين بعد ترحيله من تركيا قبل عيد الأضحى بقليل أن أفراد الشرطة العسكرية المقيمين في منزله في مدينة عفرين لن يغادروا المكان إلا إذا  دفع  لهم مبلغ 2,500 دولار. في الأشهر القليلة الماضية، تلقى موثقو المركز السوري أيضا عددا من التقارير من المالكين الأصليين الذي يحاولون استعادة أراضيهم وممتلكاتهم، تفيد بأنهم تعرضوا للضرب المبرح و/ أو الاعتقال بسبب ذلك. على سبيل المثال، بعد شهرين من عودة رجل كردي إلى منزله بالقرب من  معبطلي , والذي استحوذ عليه سابقا قائد في فصيل أسود الشرقية، قام أفراد من الفصيل  باختطافه  بعد أن طلب إعادة منزله إليه.

كما تُشكّل المنافسة على مصادرة الممتلكات المدنية في عفرين والمناطق المحيطة بها أيضا مصدرا كبيرا للنزاع بين الفصائل المختلفة والمدنيين الانتهازيين. اندلعت هذا الشهر  اشتباكات  في حي السناء بمدينة عفرين بين أعضاء فصيل أحرار الشام والمدنيين من خارج عفرين، في معركة للسيطرة على عدد من المحال في الحي والتي يملكها سكان أكراد تم تهجيرهم قسرا. استخدمت الأسلحة الثقيلة خلال الاشتباكات وأدت إلى إصابة بعض  المدنيين .

 تظاهر  السوريون استجابة لموجة الاعتداءات وأعمال الشغب التي تستهدف اللاجئين السوريين في مدينة القيصري في تركيا يوم 30 حزيران/ يونيو، واعتدوا في بعض الأوقات على المواقع التركية ونقاط التفتيش في عفرين وجرابلس ومناطق أخرى تحتلها تركيا في محافظة حلب. يستمر المركز السوري في رصد الوضع القائم وسيعمل على نشر تحديث شامل في نسخة تموز/ يوليو من هذا التقرير.

المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام:

هيئة تحرير الشام، بقيادة أبو محمد الجولاني، منظمة سياسية وعسكرية إسلامية مستقلة اسميا تسيطر على أجزاء من محافظة إدلب، تعمل سياسيا بصفتها “حكومة الإنقاذ السورية”. وفي المناطق السورية التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام يتعرض المدنيون بشكل منتظم إلى الاعتقال العشوائي والتعذيب، بالإضافة إلى الضربات الجوية والقصف المدفعي المستمرين من الحكومة السورية وحلفائها.

منذ شباط/ فبراير 2024، تظاهر المدنيون المقيمون في المناطق التي تسيطر عليها الهيئة، والذين نزح العديد منهم من مناطق أخرى في سوريا، ضد إجراءات الهيئة ومنها ممارسات الاعتقال العشوائي على نطاق واسع والتعذيب في مرافق الاعتقال التابعة لها. في حزيران/ يونيو، استمرت المظاهرات ضد الهيئة، وطالبت بتنحي الجولاني، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإصلاح المؤسسات الأمنية. خلال الشهر، اندلعت المظاهرات في كل من مدينة إدلب، وبنيش، وأرمناز، ودير حسان، وباريشا، وكفر تخاريم، ومخيم كفروما، وحزانو، وكفر لوسين، والأتارب. 

خلال الأشهر القليلة الأولى من المظاهرات، كانت استجابة الهيئة/ حكومة الإنقاذ مقيدة إلى حد ما، فقد قدم الجولاني وحكومة الإنقاذ التنازلات ووعود الإصلاح، إلا أن المظاهرات في أيار/ مايو شهدت تواجدا أمنيا أكبر واعتقالات لقادة ونشطاء من الحركة، كما شهدت بعض الاشتباكات العنيفة بين القوات الأمنية والمتظاهرين. في حزيران/ يونيو، تكثف هذا التواجد الأمني واستمرت محاولات منع المظاهرات، بالتزامن مع اعتقال النشطاء/المنظمين، إلا أن الموثقين من المركز لم يشيروا إلى حالات عنف ضد المتظاهرين هذا الشهر. وجرى الإفراج عن العديد من النشطاء المعتقلين خلال حزيران/ يونيو بعد بضعة أيام من اعتقالهم. وأشار موثقو المركز إلى أن المظاهرات ضد الهيئة في شهر حزيران/ يونيو أدت إلى تقليل أعداد المشاركين مقارنة بالأشهر السابقة، ولاحظوا انعدام الأمل بين بعض منظمي حركة التظاهر.

في حزيران/ يونيو، استمرت قوات الحكومة السورية وحلفاؤها باستعمال أنواع مختلفة من الأسلحة لاستهداف مناطق المدنيين، ومنها قذائف الهاون والصواريخ. وفي واحدة من الأحداث الموثقة هذا الشهر، أطلق أعضاء من حزب الله اللبناني صاروخا على سيارة مدنية في  الأتارب  (غرب محافظة حلب)، مما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص يعملون على أرضهم. كما تشكل الهجمات المسيرة تهديدا كبيرا آخرَ للمدنيين في هذه المنطقة، وكثفت قوات الحكومة السورية استعمالها للمسيرات ضد الأهداف المدنية في الأشهر الأخيرة. بالإضافة إلى المسيرات الروسية والإيرانية المستخدمة في شمال غرب سوريا، تعتمد القوات الحكومية المسيرات الانتحارية البدائية المصنعة محليا من منظور الشخص الأول للهجوم على أهدافها؛ وهذه المسيرات المحملة بالمتفجرات والتي تعمل من خلال الارتطام بأهدافها، قتلت أعدادا كبيرة من المدنيين في الأشهر الأخيرة. وبسبب قلة عدد الهجمات بالمسيرات خلال شهر حزيران/ يونيو نسبيا، أشار موثقو المركز إلى عدد أقل من الضحايا المدنيين هذا الشهر. أشار الموثقون إلى أنه في بعض المناطق التي تستهدفها المسيرات بشكل متكرر، يتخذ المدنيون الإجراءات لمكافحة المسيرات، مثل إطلاق الأعيرة النارية المعبأة بالخرطوش للقضاء على المسيرات قبل أن تتمكن من الوصول إلى هدفها، كما   يقول  صحفي في قرية  النيرب  (محافظة إدلب).

مجد كم الماز

تتعرض المناطق التي تسيطر عليها الهيئة إلى تبعات نقص التمويل للخدمات العامة كغيرها من المناطق الأخرى في سوريا. وفي حزيران/ يونيو، أعلنت مديرية صحة إدلب بأن الانخفاض الكبير في التمويل (بين 30 إلى 90%) من المانحين الدوليين للقطاع الصحي سيؤدي إلى توقف ما يقارب 140 مركزا صحيا في المنطقة عن العمل مع نهاية العام 2024. وقد خدمت هذه المراكز الصحية ما يقدر بـ5 ملايين شخص في المنطقة، ومنهم 3.5 مليون نازح.