من المؤكد أن هناك ضغوطًا مختلفة طُبّقت على اللاجئين للتصويت (من ضمن ذلك المخاوف المشروعة من أن النظام لن يعيد ممتلكاتهم أبدًا ما لم يصوّتوا)، ومن ثم فمن المرجح أن “يصوّت” أكثر ممن كان يريد التصويت بالفعل. ومع ذلك، ما الدليل على نجاح هذه الحملة؟
21 / حزيران / يونيو / 2021
المصدر: Syrian Revolution Commentary and Analysis
مركز حرمون | ميخائيل كاراديتش/ ترجمة أحمد عيشة
الأسد يفجّر طريقه للفوز بالانتخابات
ردًا على زعم دكتاتورية الأسد أنها حصلت على 95 في المئة من الأصوات، في سيرك “الانتخابات” الذي نظمته في 26 أيار/ مايو، وأن نسبة المشاركة بلغت 78 في المئة، بما يعادل مشاركة 14 مليون شخص؛ أشار النقاد إلى مجموعة من القضايا الواضحة:
– من بين 51 مرشحًا، لم تقبل المحكمة الدستورية لدى نظام الدكتاتورية سوى مرشحين اثنين، أي مستنسخين تافهين من الأسد، وبذلك فإن البدائل التي كان بوسع المرء أن يصوّت لها في الأساس كانت بشار الأسد وبشار الأسد.
– لم يكن أمام المرشحين المستنسخين “المعارضَين” سوى 10 أيام لحملتهما الانتخابية، لدرجة أن قلة قليلة من الناس من كانت تعرف أي شيء عنهما.
– إن اللقطات الفعلية للتزوير موجودة، حيث يقوم الناخبون بتسليم بطاقات هويتهم إلى مسؤولي الدكتاتورية “للتصويت” لهم (وهل يمكنك أن تقول لا!!)
– يجب على الناخبين أن يجرحوا إبهامهم ليختموا أوراق تصويتهم، لذا لا يمكن للمرء أن يعود إلى العمل في اليوم التالي من دون الجرح.
– حتى إن رجال النظام السوري صوروا أنفسهم يصوتون مرات عدة.
– وفقًا لما ذكرته المراسلة إليزابيث تسوركوف، “حذّرت الشرطة السرية سكان المناطق التي كان يسيطر عليها المتمردون سابقًا، في شمال حمص والقلمون، من إمكانية اعتقالهم إذا لم يصوّتوا”.
– قيل للطلاب إن عليهم التصويت، مع التلويح بتهديد الطرد من جامعاتهم.
– أخبر السكان أيضًا أن النظام “جعل التصويت شرطًا لتوزيع الخبز المدعوم في حمص، فضلًا عن سلال المعونة التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي للفقراء في المناطق الجنوبية من دمشق والمهجرين في مدينة حلب”.
هناك عدد لا يحصى من الأسباب الوجيهة لرفض شرعية هذه “الانتخابات” في ظل نظام دكتاتوري، حيث يُسحق كل تعبير عن الفكر المعارض بلا رحمة في بلدٍ يضم واحدة من أكبر وأروع مراكز التعذيب (غولاغ) في العالم.
يكاد يكون من المؤكد أن النظام قد زاد من النسبة الرسمية للأصوات المشاركة، مقارنة بما كان يمكن أن يحصل عليه في انتخابات حقيقية، بسبب كل هذا التزوير والتلاعب وضغوط الحياة والموت، بمعنى أنه لم يكن هناك أحد آخر لتصوّت له على أي حال.
مع ذلك، نحن لا نعرف إلى أي مدى أدّى كل هذا إلى زيادة احتمالات التصويت؛ قد يكون زاده من 30 في المئة إلى 60 في المئة، على سبيل المثال، نحن ببساطة لا نعرف. كل ما نعرفه هو الأرقام التي اخترعتها وزارة الحقيقة لدى الدكتاتورية الاستبدادية.
ما هو السبب الذي يجعل أيّ شخص يعتقد أن هذه الأرقام لا تملك شيئًا من الحقيقة على الإطلاق، حتى بالنظر إلى كلّ الأساليب المذكورة أعلاه؟ إنّ الطريقة الأكثر ترجيحًا التي اكتسب بها النظام 95% من الأصوات، و78% من أصوات الناخبين، لم تكن بالسعي لاكتساب الأصوات على الإطلاق، بل باختلاق هذه الأرقام. فبعد أن قررت اللجنة “نتائج الانتخابات”، مارست كل ما لديها من ضغوط وتزوير وما إلى ذلك، لجعلها تبدو عملية تصويت حقيقية، وذلك لكي تقدّم شيئًا لمؤيدي الأسد الدوليين الجبناء و”المراقبين” المزيفين، للاستشهاد به على أنه “أدلّة”.
أعني لو أنك جزءٌ من عملية “الانتخابات” في سورية، وشككت في الأرقام التي صنّعها النظام؛ فهل يمكن أن تفتح فمك بكلمة؟ ألا تريد البقاء على قيد الحياة؟ وإن لم تهتم، هل تريد أن يكون أطفالك “مختفين”؟ أي شخص يعرف شيئًا عن النظام يعرف أن هذه ليست مبالغة.
تاريخ من المستبدين الذين يحصلون على نسبة “99 – 100 في المئة” من الأصوات
– كان حافظ الأسد وزير الدفاع في سورية، عندما استولى على السلطة في عام 1970 عبر انقلاب (الحركة التصحيحية)، ضد رفاقه البعثيين.
– ورث بشار الأسد الرئاسة عندما توفي والده عديم الرحمة عام 2000، حيث عُدِّل الدستور بسرعة ليناسب عمر بشار.
– لم تكن هناك انتخابات أو معارضون حقيقيون، بل استفتاءات نعم/ لا، تحت مراقبة أعين رجال الأمن المُرعبين، وجرّب أن تمتنع أو تقول لا!!
بعد كل شيء، إذا كانت نسبة الـ 95 في المئة حقيقية، ولكنها اكتُسِبت بسبب التزوير والتهديدات وعدم وجود معارضة وما إلى ذلك؛ فهل يعني ذلك أن الأرقام المعلنة في “الانتخابات” الأخرى التي أجراها نظام الأسد (الأب والابن في هذا النظام الملكي الوراثي)، كانت هي أيضًا نتائج حقيقية لضغط النظام والاحتيال، ولم تكن من اختراعات الدكتاتورية؟ أعني، هل حصل حافظ الأسد فعلًا على 99 – 100 في المئة، في “انتخابات” 1971 و1978 و1985 و1991 و1999؟ هل الاحتيال والتلاعب والخوف وما إلى ذلك أساليب فعالة؟
وإذا كان الأمر كذلك، فهل يعني ذلك أن الطاغية جوزيف موبوتو الأكثر فسادًا والمغرَم بالدماء حصل حقًا على 100 في المئة من الأصوات في “الانتخابات” عام 1970 في الكونغو؟ ومرّة أخرى، 99 – 100 في المئة في انتخابات 1977 و1982؟ نعم، لقد كان طاغية دمويًا مُرعبًا، ولكن هل نظامه الخبيث حقًا لديه القدرة على إجبار 99 – 100 في المئة على التصويت له، أم أن الرقم كان محض اختراع، كما هو مرجح؟ هل حصل صدام حسين حقًا على 99 – 100 في المئة من الأصوات في “الانتخابات” العراقية، في عامي 1995 و2002، بسبب الخوف والغش وما إلى ذلك؟ هل حصل حسني مبارك على 96 في المئة، في عام 1993، وحوالي 94 في المئة من الأصوات في مصر في انتخابات عام 1999؟ وبالطبع، هل حصل فرديناند ماركوس حقًا على 89 في المئة في الفلبين عام 1977؟، وهل 78 في المئة وافقوا حقًا على سياسات أوغستو بينوشيه في شيلي عام 1978؟ هل خرج 100 في المئة من الكوريين الشماليين حقًا ليصوتوا لـ كيم جونغ أون في عام 2014 (وطبعًا كيم الأب وكيم الجد من قبله في تلك الملكية الوراثية)؟ حسنًا، ربما هذا النظام لديه الكفاءة الشمولية لتنفيذها.
أليس من المرجح أن يشير اتساق الأرقام حول 94 إلى 100 في المئة (باستثناء بعض الحالات، حين اختار حكام مستبدون أرقامًا أدنى، ولكنها ساحقة، لكي يحاولوا أن يكونوا أكثر إقناعًا) إلى أن هذه الأرقام هي محض اختراعات، حيث لا أحد يستطيع التحقق (على الأقلّ، من يريد أن يعيش)؟
ما عدد الأصوات في سورية؟ 14 مليون أو 4 ملايين؟
ماذا عن الإقبال المزعوم على التصويت بنسبة 78 في المئة؟ يمكن في الواقع دحض هذا الاختراع بالحقائق التجريبية. يزعم النظام أن هذا التصويت بنسبة 78 في المئة يمثل (14,24) مليون سوري. هذا سخيفٌ، لأنه:
– يشير إلى أن عدد السكان السوريين الذين يحقّ لهم التصويت يبلغ نحو 18 مليون نسمة، مع أن العدد الحالي للسكان داخل سورية يقدَّر بحوالي 18 مليون نسمة، وحوالي 40-45 في المئة منهم هم تحت سن الـ 18 عامًا، أي من الذين لا يحقّ لهم الانتخاب!
– من بين سكان ما قبل الحرب، البالغ عددهم نحو 24 مليون نسمة، هناك الآن (6,6) مليون لاجئ يعيشون في الخارج؛ وهذا هو السبب في أن حوالي ثلاثة أرباع هذا الرقم فقط يعيشون الآن في سورية.
– من هؤلاء الـ 18 مليون شخص الذين يعيشون في سورية، كان هناك أكثر من 5 ملايين يعيشون في الشمال الغربي تحت السيطرة التركية و/ أو المتمردين، ابتداءً من عام 2018، من ضمنهم (1,7) مليون لاجئ من أماكن أخرى في سورية، ولكن منذ قيام النظام وروسيا بهجماتهم اللاحقة، ازداد عدد اللاجئين من (1,7 إلى 2,7) مليون لاجئ، أو ربما أكثر من ذلك بمليون، قد تكون الأعداد الحقيقية في الشمال الغربي أعلى بكثير، ويعيش ثلاثة ملايين آخرين في الشمال الشرقي، تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد، التي تدعمها الولايات المتحدة، من ضمنهم (700) ألف من اللاجئين. ولم يجر تصويت في أي من المنطقتين، ولا أحد يعتقد جديًا أن أي شخص يعيش في هاتين المنطقتين يريد أي علاقة بالنظام.
– إن العدد الأقصى المطلق للأشخاص (البالغين والأطفال) الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في سورية هو (8,5) مليون شخص، ومن المرجح أن يكون أقلّ بكثير.
وردًا على ذلك، يزعم بعض المدافعين عن النظام والمبررين لسلوكه أن اللاجئين صوّتوا من الخارج. وإذا كان الأمر كذلك، فإن ادعاءهم بوجود عدد من الناخبين يبلغ 18 مليون نسمة (من إجمالي السكان السوريين، في سورية وخارجها، الذين يتجاوز عددهم 24 مليون نسمة) قد يكون منطقيًا إلى حدّ ما. حتى إذا كان الأمر ما يزال غير دقيق، لأن النسبة الأكبر بين السكان تقلّ أعمارهم عن 18 عامًا؛ على الرغم من أن النظام لا يعني ذلك بوضوح، لأنه يعدّ معظم السوريين اللاجئين غير مؤهلين للتصويت؛ دعونا نذهب مع هذا من أجل النقاش.
بعض اللاجئين صوّتوا، بالتأكيد. ولكن إذا أردنا أن نستثني السكان في سورية خارج سيطرة النظام، حيث لم يتم التصويت، وأن نضيف السكان الذين تحت سيطرة النظام (8,5 مليون كحد أقصى)، والذين في بلدان اللجوء في الخارج (6,6 مليون نسمة)، فإن الرقم الإجمالي، البالغين والأطفال، يصل إلى نحو 15 مليون شخص، أي أعلى بقليل من نسبة المشاركة المزعومة في التصويت، ولكي يكون هذا صحيحًا، فإن هذا لن يعني أن كل طفل تقريبًا، من سن 0 – 18 عامًا، صوّت في الانتخابات داخل سورية التي يسيطر عليها النظام، بل إن كل شخص تقريبًا من أصل (6,6) مليون سوري في الخارج، الذين فرّوا من طغيان الأسد، صوتوا أيضًا (مرة أخرى، من عمر صفر عام وما فوق).
وعلى الرغم من أن المعيار الأول هو هراء واضح، ما هو مدى صحة المعيار الثاني بأن كل لاجئ تقريبًا صوّت في السيرك “الانتخابي”، وصوّت للأسد؟
أولًا، من المؤكد أن هناك ضغوطًا مختلفة طُبّقت على اللاجئين للتصويت (من ضمن ذلك المخاوف المشروعة من أن النظام لن يعيد ممتلكاتهم أبدًا ما لم يصوّتوا)، ومن ثم فمن المرجح أن “يصوّت” أكثر ممن كان يريد التصويت بالفعل. ومع ذلك، ما الدليل على نجاح هذه الحملة؟
– في لبنان، كانت وسائل الإعلام مليئة بقصص الحشود الكبيرة من السوريين الذين حضروا للتصويت في السفارة، وقد استشهد بذلك على نطاق واسع المدافعون عن الدكتاتورية والمبررون لها في الخارج. والواقع أن 50 ألفًا من الناس الذين يصوتون قد يؤدون إلى مشاهد فوضوية. ولكن 50 ألف ناخب، من بين اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم (1,5) مليون نسمة في لبنان، هو رقم صغير جدًا وتافه؛ حتى لو كان ادعاء السفير السوري بأن (247) ألف من المسجلين للتصويت صحيحًا، فإن هذا سيظل أقل بكثير من المطلوب من أرقام تتجاوز المليون.
– في الأردن، أُفيد بأن “المئات” هم من صوّتوا من بين اللاجئين السوريين البالغ عددهم نحو (1,3) مليون في ذلك البلد. حتى لو زادت تلك المئات إلى آلاف أو حتى عشرات الآلاف، فما زلنا أقل بكثير من أرقام تتجاوز المليون.
– في تركيا، لم يُسمَح للسيرك السوري “الانتخابي” مع وجود (3,6) مليون لاجئ سوري يعيشون هناك. وفي حين يمكن عدّ ذلك إنكارًا لحقوق حفنة تريد التصويت، لا يمكن إنكار أن المزاج السائد بين اللاجئين السوريين في تركيا هو مزاج عارم ضد الأسد، مثل اللاجئين السوريين في كل مكان، ولكن بشكل أكثر تشددًا، وذلك بالنظر إلى أنهم فروا إلى هناك مباشرة من شمال البلاد، بعد أن قصفهم نظام الأسد وأعادهم إلى العصر الحجري.
أما بالنسبة إلى أوروبا، فإن البلد الذي يضم أكبر عدد من اللاجئين السوريين، وهو ألمانيا، فقد حظر أيضًا “الانتخابات”. ومرة أخرى، وعلى الرغم من أن هذا قد يكون انتهك حقوق البعض، فإن احتمالات أن يُحدث هذا الأمر فرقًا كبيرًا ضئيلة؛ فاللاجئون في أوروبا معادون للأسد إلى حد بعيد، ويرفضون العودة إلى ديارهم بسبب وجوده في السلطة على وجه التحديد. ومع ذلك، نظّم بعض اللاجئين السوريين في ألمانيا عملية احتجاج على هذه الانتخابات الصورية المزيفة، للاحتجاج على المهزلة.
وعلى أي حال، على الرغم من الادعاء بكل هذه الأصوات من الخارج، وممارسة الضغط للتصويت، فإن الدكتاتورية نفسها تجعل من المستحيل تقريبًا على معظم اللاجئين التصويت، وإن أرادوا، فالتسجيل للتصويت يحتاج إلى جواز سفر سوري صالح، مع ختم خروج صادر عن معبر حدودي رسمي يظهر أنك غادرت البلاد “بشكل قانوني”.
من كل هذا، من الصعب تحديد عدد اللاجئين الذين صوّتوا، ولا أحد منهم في تركيا، حيث يعيش أغلب اللاجئين، وهو رقم يراوح بين 50 ألفًا وبضع مئات من الآلاف، ربما جميعهم في لبنان والأردن، ولا أحد منهم في ألمانيا، وأي شخص صوّت في أماكن أخرى سوف يكون ضمن مجموعات سكانية صغيرة نسبيًا من السوريين.
بقصد الجدل، دعونا نكون كرماء جدًا ونفترض أن (500) ألف سوري في الخارج صوّتوا. الآن، من العدد الأقصى البالغ (8,5) مليون سوري يعيشون في سورية التي يسيطر عليها النظام، دعونا أولًا نهمل حوالي (40-45) في المئة ممن تقل أعمارهم عن 18 عامًا، سنحصل على أقصى عدد من الناخبين وهو (5) ملايين. الآن، دعونا نأخذ كلام النظام على أن نسبة من صوت منهم (78) في المئة (لا أعرف لماذا يجب علينا ذلك، لكن أعتقد أنه ممكن بكل الطرق الموضحة أعلاه)، وهكذا سنحصل على ما يقرب من (4) ملايين ناخب. لنكن كرماء جدًا، ولنضف إليهم نصف مليون من الخارج، سنجد أن بشار الأسد “انتُخِب” في “انتخابات” شارك فيها (4,5) مليون ناخب فقط، حيث كان البديلان الوحيدان هما الأسد المستنسخ رقم 1، والأسد المستنسخ رقم 2.
إذا كان يمكن -تجريبيًا- إثبات أن الرقم الذي ذكره النظام عن عدد الناخبين هو محض خيال، فمن الواضح أن الشيء نفسه يمكن أن يكون صحيحًا تمامًا، بالنسبة إلى الأعداد التي “صوّتت” للأسد. ومع ذلك، قد يكون أحد الاعتراضات هو أنه إذا كان على النظام أن يخترع أرقامًا فقط، فلماذا يتكبّد عناء تنظيم الاحتيال والتلاعب والضغط وما إلى ذلك؟ كما هو مذكور أعلاه، إن الانطباعات مهمة، حيث إن محاولة جعل الأمر يبدو كما لو أن الأرقام المخترعة فيها شيء الحقيقة، يمكن أن تكون دعاية جيدة. انظر إلى “الصحفيين” المهرجين من المنطقة الرمادية (الأحمر-البني) وهم يغدقون الثناء على “الانتخابات” السورية.
وكذلك هذا الأمر مهمّ للاستهلاك الداخلي، تلخص تسوركوف الأمر بشكل جيد: “في ظل نظام استبدادي مثل النظام في سورية، عندما يتم تزوير النتائج على المكشوف، فإن الانتخابات تؤكد قدرة النظام على فرض الامتثال. تخدم الانتخابات مصالح النظام، حيث توحي للمعارضين بأن المقاومة عقيمة، وتشجع الموالين له، وتخلق شعورًا بأن النظام يتمتع بتأييد أكبر مما يتمتع به في الواقع”. على حد تعبير كريستيان هيلبرغ، فإن “الانتخابات تخدم هدفًا مزدوجًا: فهي تجبر الناس على إظهار ولائهم في الداخل، وتوفر الشرعية في الخارج”.
انتخابات في ظل دكتاتورية؟ لماذا هذه المقالة ضرورية؟
أتساءل من سيفوز؟!
ينبغي ألا يكون أيّ جزء من المناقشة المذكورة أعلاه ضروريًا حقًا. على مدى عقود من الزمان، نفذت الدكتاتوريات (التي كثيرًا ما كانت مدعومة ومسلحة من قِبَل الحكومة الأميركية والجيش) عروض سيرك (مهازل) “انتخابية”، وأعلنت أرقامًا لا تصدَّق عن “انتصاراتها”، غير أن الناشطين اليساريين والتقدميين في الغرب شجبوا مثل هذه “الانتخابات”، ووصفوها أنها احتيالية. كان -وما يزال- من أساسيات المنطق السليم أن “الانتخابات” في ظل دكتاتورية عنيفة لن تكون “حرة ونزيهة”. ولمن يفهم أساسيات المنطق، لا حاجة إلى مزيد من التفسير.
ومن ثم فإن من علامات الأيام الغريبة أنني أحتاج حتى إلى كتابة هذا، لأن مجموعة كبيرة من الناشطين السياسيين في الغرب اليوم، من مدرسة الفكر “المعادي للإمبريالية” الميكانيكي والسطحي، يثنون على هذه “الانتخابات” التي تجريها الدكتاتورية الأكثر عنفًا في العالم، تلك التي قصفت كل مدينة في بلدها، وحولتها إلى أنقاض، وتحتجز عشرات الآلاف في غرف تعذيب مروعة. على سبيل المثال، هذا التصريح الذي أدلى به المراقبون الغربيون “اليساريون”، الذي أعلن بكل جدارة شرعية فوز الأسد في الانتخابات وطابعها الديمقراطي. صحيح، بطبيعة الحال، أن كل تيارات اليمين المتطرف العالمي تمدح أيضًا الأسد و”انتخاباته”، ولكنها أيام غريبة، عندما يجد قسم من اليسار نفسه في القارب ذاته.
والواقع أنها أيام غريبة، حين يكون ما يعنيه “اليساري” -بالنسبة إلى كثيرين- هو الاستسلام لدكتاتورية دموية تحمي قلة (أوليغاركية) رأسمالية محدودة، تستحوذ على العائدات من سياستها الليبرالية الجديدة للاقتصاد السوري في أوائل القرن الحادي والعشرين؛ النظام الذي عذّب الإسلاميين المشتبه بهم بـ “الإرهاب”، بسبب “حرب الولايات المتحدة على الإرهاب”. وهو نظام دكتاتوري يعدّه نتنياهو الإسرائيلي، وغيره من كبار قادة اليمين الإسرائيلي، النظامَ الأمثل لخدمة مصالح إسرائيل. إن “معاداة الإمبريالية” المضللة خالية من الجوهر. ومع ذلك، قد يتوقع المرء منهم أن يفضّلوا إبقاء أفواههم مغلقة بدلًا من الانخراط في إذلال الذات علنًا. لكن هذا، على ما يبدو، ليس في عام 2021.