ما ذكره بيدرسن هو تماماً معنى تغيير سلوك النظام، بوقف حملاته العسكرية وقتل المدنيين وإطلاق سراح المعتقلين، وتسهيل وصول المساعدات إلى مستحقيها، ومكافحة الفساد، والسماح بعودة اللاجئين.
31 / كانون الثاني / يناير / 2022
المصدر: تلفزيون سوريا | عبد الله الموسى
ينحو المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن في مقاربته لحل الأزمة السورية “خطوة بخطوة” نحو تفسيرات النظام السوري للعملية السياسية، في التفاف على قرار مجلس الأمن للانتقال السياسي في سوريا 2254، لترسيخ أسس شرعية للتطبيع مع الأسد من بوابة “تغيير السلوك وتغيّر المواقف الدولية تجاه النظام”.
أنهى تصريح الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أمس الأحد الجدل بشأن عودة سوريا للجامعة العربية، بل قال إن “وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم التشاوري أمس الأحد في الكويت لم يطرحوا موضوع عودة سوريا إلى شغل مقعدها في الجامعة العربية على الإطلاق”.
سبقت تصريحَ أبو الغيظ مباحثاتٌ عربية غير معلنة بين تيار تطبيعي مع الأسد تقوده الأردن والجزائر ومصر والعراق ولبنان، وآخر بقيادة قطر والسعودية.
لم يكن حسم المباحثات العربية لصالح رفض عودة النظام للجامعة العربية بعيداً عن قراءة هذه الدول لمواقف الدول الغربية وبالتحديد أوروبا وواشنطن، ما يؤكد مجدداً على الموقف الدولي الرافض قطعاً للتطبيع مع النظام، وبالتالي ينسف ادعاءات بيدرسن بأن واشنطن لا تريد “تغيير النظام” بل “تغيير سلوكه”، بحسب ما قاله في لقاء مع صحيفة الشرق الأوسط.
الآن ارتاح السوريون من كابوس عودة النظام للجامعة العربية، لكن يبدو أن شراً أكبر يحوم حولهم في مقاربة الأمم المتحدة ومبعوثها بيدرسن لحل الأزمة السورية، وتقزيم الحدود الدنيا من تطلعات الشعب السوري الواردة في القرار 2254 إلى “خطوات” “من شأنها أن تساهم في تغيير ديناميكيات النزاع، وبناء بعض الثقة بين السوريين والشركاء الدوليين”، بحسب ما قاله بيدرسن في إحاطته لمجلس الأمن يوم الخميس الفائت.
وللتذكير، يؤكد قرار مجلس الأمن 2254 في بنده الأول أنه “ما من حل دائم للأزمة الراهنة في سوريا إلا من خلال عملية سياسية جامعة بقيادة سورية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، بهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012، الذي أيده القرار 2118 (2013)، وذلك بسبل منها إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخول سلطات تنفيذية كاملة“.
وفي نص القرار أيضاً كما ورد في موقع الأمم المتحدة، “يثني على التزام الفريق الدولي، على النحو الوارد في بياني فيينا، بكفالة الانتقال السياسي تحت قيادة سورية وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها، على أساس مجمل ما جاء في بيان جنيف، وإذ يشدد على الحاجة الملحة لأن تعمل جميع الأطراف في سوريا بشكل حثيث وبناء في سبيل تحقيق هذا الهدف، وإذ بحث جميع الأطراف في العملية السياسية التي تتولى الأمم المتحدة تيسيرها“.
بيدرسن يغرد خارج نص القرار الذي يمكن توصيفه بأنه القاعدة الصلبة للحل السياسي في سوريا بحكم أن موسكو حينها لم تطلق عليه رصاصة الفيتو. فالرجل “المخضرم” لن يسير على خطا خلفائه الثلاثة، وارتأى أن الاستعصاء السوري يلزمه قراءة دقيقة للمواقف الدولية التي تغيرت عما هي عليه منذ السنوات الأولى لـ “الصراع” والأخذ بعين الاعتبار الواقعية الميدانية والأوضاع الإنسانية في سوريا.
لكن مقاربة بيدرسن ضمن استراتيجية “خطوة بخطوة” لم تعد تركز على “الانتقال السياسي”، فأكمل ما فعله سابقه ديمستورا من خربطة أولويات نص القرار، وجعل من صياغة الدستور بداية -لم تخط للآن خطوة واحدة- على حساب “تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة”، وشد الرحال في جولة مكوكية للدول المعنية لـ “تعزيز الثقة”.
ولا ينفك بيدرسن بالتأكيد في كل لقاء وتصريح وإحاطة على أن “الخطوات” تهدف للوصول إلى تطبيق للقرار 2254، لكن التحركات العملية تشي بعكس ذلك، وتثير مخاوف محقة بأن هذه المقاربة لن توصل إلا إلى فتح بوابات تطبيع مع النظام لكن هذه المرة مشرعنة بمظلة الأمم المتحدة. وأن الحائط الذي ضُرب بعرضه قرارات مجلس الأمن عشرات المرات سيتلقى ضربة أخرى.
كيف يعزز بيدرسن الثقة؟ وما هي مقاربة “خطوة مقابل خطوة”؟
أوضح بيدرسن أنها “خطوات تدريجية، ومتبادلة، وواقعية، ومحددة بدقة، وقابلة للتحقق، تُطبق بالتوازي. ثم، مهم جداً، إنه عندما نقوم بذلك، أن نكون قادرين على الوصول إلى بيئة محايدة وهادئة للمضي قدماً في العملية الدستورية ثم انتخابات وفق القرار الدولي 2254”.
وقال بيدرسن لصحيفة لشرق الأوسط: “لا أزال في مرحلة العصف الفكري، لكنها قد تشمل المعتقلين والمختطفين والمفقودين، والمساعدات الإنسانية والتعافي المبكر والبناء على التقدم المحرز من خلال اعتماد قرار مجلس الأمن 2585، وشروط العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين، وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي انهارت بعد أكثر من عقد من الحرب والنزاع، والفساد، وسوء الإدارة، والأزمة المالية في لبنان، وجائحة «كوفيد – 19»، وترسيخ الهدوء في عموم سوريا وتحقيق الاستقرار، وهو بالتأكيد أمر أساسي، وفي الوقت ذاته التعاون في مكافحة الإرهاب، ثم يلي ذلك ما أطلق عليه القضايا الدبلوماسية”.
ما ذكره بيدرسن هو تماماً معنى تغيير سلوك النظام، بوقف حملاته العسكرية وقتل المدنيين وإطلاق سراح المعتقلين، وتسهيل وصول المساعدات إلى مستحقيها، ومكافحة الفساد، والسماح بعودة اللاجئين.
ولا بد من توضيح أن النظام أساساً لا يقبل حتى الآن هذه المقاربة، فسقف التعاطي مع العملية السياسية أقل من طموحات بيدرسن، فالنظام عبّر مراراً أن الانتقال السياسي لا يعدو صياغة دستور جديد، بل إنه بعد أن شاهد هذا التراخي الأممي راح إلى تعديل دستور 2012، وعرقل العملية الدستورية أكثر.
في زيارة بيدرسن للعاصمة القطرية الدوحة التقى برئيس هيئة التفاوض السورية أنس العبدة، والأخير طالب بيدرسن بالتمسك بالانتقال السياسي الشامل، وتوضيح التصريحات التي نسبها إليه الإعلام الإيراني في زيارته لطهران بأن الدول مقتنعة بـ “تغيير سلوك النظام السوري وليس إسقاطه”.
العبدة تجهم بوجه بيدرسن، والأخير لم يرد على التصريحات المنسوبة إليه من طهران، ولم يرد مكتبه على طلب موقع تلفزيون سوريا لمزيد من التوضيحات بشأن ذلك.
تلويث الأسس الواضحة للحل السياسي في سوريا، بدأ قبل بيدرسن، وانغمست فيه أيادي المعارضة السورية المشاركة في تشظيات مسارات الحل السياسي، ولم تعد هذه المعارضة بعد الكثير من المحاباة والتدليس غير المبرر ضماناً للسوريين بوضع حد لما يحصل، ما يستلزم صوتاً سورياً موحداً لصون الثوابت والحفاظ عليها ومنع تليينها بطرقات المقاربات وتغير المواقف والواقعية السياسية.